الاثنين، 25 يناير 2010
الامانة العامة للتيار العربي في العراق تنعى الشهيد على حسن المجيد
قطاع الطلاب في التنظيم الشعبي الناصري أمام السفارة المصرية بعنوان الحرية لغزة وفلسطين
نظم "اللقاء اليساري التشاوري" و"التنظيم الشعبي الناصري" و"حركة الشعب" والحزب الشيوعي اعتصاما أمام السفارة المصرية بعنوان "الحرية لغزة المحاصرة.. الحرية لفلسطين"، في حضور الأمين العام للحزب الشيوعي الدكتور خالد حدادة ونائب رئيس حركة الشعب ابراهيم حلبي وشخصيات حزبية ونقابية وطالبية.
بداية، ألقى حكمت الباي كلمة "التنظيم الناصري" رأى فيها أن "التضامن مع فلسطين يكون بالنضال من اجل فك الحصار وهدم الجدران وفتح الحدود أمام الشعب الفلسطيني ومن خلال الصمود والمقاومة والوحدة الوطنية".
ثم ألقى حدادة كلمة قال فيها: "نحن اليوم هنا لا لنحتج ضد مصر بل لنتضامن مع مصر، مع شعبها وطاقاته، مع شهداء جيش المقاومة المصرية عام 1959 ضد العدوان الثلاثي لنتضامن مع شهداء جيش وشعب مصر عام 1967 ولنتضامن مع شهداء وشعب مصر عام 1973، هؤلاء الذين حملوا قضية الشعب الفلسطيني، قضية التحرر العربي في نضالهم بقيادة اليسار المصري وأحد الرموز المنيرة في حركة التحرر العربي جمال عبدالناصر".
أضاف: "ان هذا الجدار، جدار العار الذي يبنى اليوم ليس حصارا لغزة، فكل حصار كان أعظم من هذا الحصار واستطاع الشعب الفلسطيني الصمود بلحمه الحي وبطاقاته. ان هذا الحصار هو تأكيد لقضية طالما رفعها اليسار بتلازم مساري التحرير والمقاومة والتغيير الديموقراطي في العالم العربي، لا يمكن اعتبار هذه الأنظمة وسيطا من اجل تحرير فلسطين، ومن اجل قيام الدولة الفلسطينية وتحقيق الحقوق العادلة للشعب الفلسطيني. ان وجود هذه الأنظمة المتآمرة مع المشروع الأميركي-الإسرائيلي هو أحد دلالات الهزيمة ولا يمكن علاج نتائج هذه الهزيمة إلا بتغيير هذه الأنظمة وبتحقيق التغيير الديموقراطي في العالم العربي وفي مصر تحديدا".
ورأى أن "المطلوب إنقاذ شعب مصر من هذا النظام المتعامل وإنقاذ الشعوب العربية من الأنظمة المتهالكة نحو سلام يريده الأميركي استسلاما ونكرانا لحقوق الشعب الفلسطيني"، وقال: "جئنا لنقول نريد استكمالا لنهج المقاومة، من مقاومة الإحتلال بالسلام الى مقاومة الثقافة السائدة الى مقاومة السياسة المتعاملة والملتحقة بالمشروع الأميركي. نريد مقاومة الفساد السياسي بانتصار نهج التغيير الديموقراطي في مصر وفي كل العالم العربي، وفي فلسطين بالقضاء على التشرذم والعودة الى وحدة فصائل الثورة تحت نهج المقاومة وليس لهفا وراء سلطتين وهميتين لا تتجاوز ارادتهم".
واعتبر ان "هذا النهج لا يمكن إلا تطبيقه في لبنان. لا يمكن للمقاومة أن يكتمل انتصارها وتحصينها في لبنان بدون تغيير ديموقراطي يبدأ بإلغاء الطائفية وكل أنواع الطائفية السياسية"، وأوضح أن "حقوق الشباب في الإنتخابات البلدية مهددة يوم غد بتطيير النصاب من قوى ما يسمى الوحدة الوطنية، وهي قوة الإقتتال الوطني وقوى القضاء على الكيان الوطني والتآمر عليه. نعم لدور الشباب بالتغيير وتكامل عملية التحرير مع التغيير الديموقراطي وكما هو نهج اليسار دائما، نعم لتغير الأنظمة العربية بما يتلاءم مع مشروعية المقاومة".
الحرب على الإرهاب غطاء للأرهاب الأمريكي
توقفوا عن إرهاب العالم..
ترجمة: د. عبدالوهاب حميد رشيد
الحرب على الإرهاب غطاء للأرهاب الأمريكي
يعتبر Paul J. Balles استخدام الولايات المتحدة الأمريكية- راعية الإرهاب في العالم- لما يسمى "الحرب على الإرهاب" كغطاء ضد كل من يقف في طريق أطماع واشنطن لفرض هيمنتها العالمية، وحتى ضد من يتجرأ ويسأل عن السياسات الأمريكية والإسرائيلية. وحسب قول Chris Hedge: لم تعد المعارضة من واجب المواطن المعني، ذلك حتى هذه المعارضة صارت ممارسة إرهابية.
إنه لسخرية.. نفاق.. احتيال.. خداع.. ما يسمى "الحرب على الإرهاب" وفق وصفة الولايات المتحدة.. إنها دعاية إعلامية تهريجية لأسوأ أشكال الإرهاب في العالم.. الإرهاب الأمريكي..
ماذا نسمي احتلال العراق سوى أكثر فعل إرهابي إجرامي؟ يعلم الجميع أن الحرب الذرائعية جسّدت أفعال غش واحتيال واسعة.. الخداع لا تفسير له عدا إرهاب الدول الأخرى: تمتلك النفط.. توفر الملجأ للقاعدة.. تهدد
إسرائيل..
حتى غزو أفغانستان الذي اعتبر مشروعاً، رداً على أحداث 11 سبتمبر، كان يمكن تفاديه. الطالبان سألوا الولايات المتحدة بطريقة مناسبة توفير أدلة بتورط أسامة بن لادن في أحداث 11 سبتمبر بغية ترحيله.. وبدلاً من الاستجابة لهذا الطلب المشروع هاجمنا أفغانستان، وساهمنا بزيادة المنتمين للقاعدة. "سنريكم ماذا سنفعل مع هؤلاء ممن يرهبون أمريكا!" كان هذا هو الشعار mantra..(تعويذة تعبدية هندوسية أو بوذية).. ولا زالت الولايات المتحدة مستمرة في إرهاب أفغانستان.. وهذا بدوره يزيد من خلايا القاعدة. كما أن مواصلة إرهاب العالم دفعت الولايات المتحدة التورط في ليبيا، الصومال، السودان، واليمن..
الحياة خارج أمريكا وجواسيسها stooges ليست بحاجة إلى تردد لتوجيه وابل من اللعنات للإرهاب الأمريكي.. بحدود 567 ألف طفل عراقي دون الخامسة، فقدوا حياتهم جراء أشكال المقاطعة والحصار على العراق. وعندما سُئلت مادلين اولبرايت (برنامج 60 دقيقة) العام 1996، أجابت: نحن نعتقد بأن الثمن يستحق ذلك..
لغاية يناير/ ك2 العام 2010 ومنذ غزو واحتلال العراق العام 2003، فقد 1336350 مواطناً عراقيا حياتهم في العراق نتيجة المذبحة الإرهابية الأمريكية.. "لا يهمك Never mind"، أنت تقول؟ الثمن يستحق ذلك! علاوة على أنهم مجرد مسلمين يريدون ضربنا والسيطرة على العالم.
غوانتانمو، أبو غريب، بغرام.. وبرامج الترحيل rendition programmes (الخطف، والتعذيب).. كلها لا شيء سوى زرع الرعب في قلوب وعقول أي عربي أو مسلم يمتلك مشاعر سلبية تجاه أمريكا.
القول بأن الإرهاب يتولد من "سلالات أقل شأناً lesser breeds" أمر يتجاهل الهويات الوطنية، فحتى الأمريكان يمكن أن يصبحوا أهدافاً للإرهاب الأمريكي. العرب والمسلمون الأمريكان صاروا أهدافاً للإرهاب الأمريكي أكثر من أي وقت مضى منذ 11 سبتمبر.
وفقاً لـ Chris Hedges، أدلى عربي أمريكي بتصريحات استفزازية provocative statements، بما في ذلك تسمية أمريكا "أكبر إرهابي في العالم." وهذا ما قاد إلى اعتقاله ومحاكمته بتهم ملفقة trumped up charges، وبطريقة مماثلة جداً لتلك التي فقد بسببها الأستاذ سامي العريان عمله وحريته لأنه صار من أبرز المنتقدين لسياسة الولايات المتحدة الأمريكية وإسرائيل.
يربط هيدغز الأثر الإرهابي المرعب لهذه المحاكمات حتى بالعلاقة مع مواطنين أمريكان. ويقول: "الدولة تقوم عادة باعتقال ومحاكمة أشخاص لما فعلوه، ولكن أن تحصل اعتقالات ومحاكمات بالارتباط مع معتقدات الدولة الدينية والسياسية فإنها ستكون مثيرة للفتنة. وأول الناس ممن استهدفوا كانوا من المسلمين الملتزمين، لكنهم لن يكونوا آخر القائمة.
يشير Chris Floydإلى عدد لا يحصى من البلدات والقرى عبر جبهات الحرب على الإرهاب الأمريكية في العراق، أفغانستان، الصومال، واليمن التي صارت تعاني من كم هائل من الألم والغضب، بينما تصاعد ألم وأحزان وغضب العراقيين ضد الاحتلال الأمريكي وعمليات القتل الإرهابية الأمريكية.
"هل تريدون وقف التطرف لدى الشباب المسلم؟" يسأل كريس.. "الأمر بسيط: أوقفوا قتل الأبرياء المسلمين في حروب الهيمنة المنتشرة في كافة أرجاء العالم.. أوقفوا عملياتكم السرية في كل دولة من دول العالم- كما اعترف المبعوث الخاص لـ اوباما Richard Holbrooke الأسبوع الماضي. أوقفوا جرائم القتل والاختطاف والفساد والخداع في سياق عويلكم الساخر والملفق جداً لـ "القيم المتحضرة" بالعلاقة مع هذه الحروب..
إذا كانت أمريكا راغبة حقاً في وقف الإرهاب، فهي بحاجة أولاً إلى وقف إرهابها تجاه العالم..
مممممممممممممممممممـ
Stop terrorizing the world,“War on terror” as a cover for US terrorism,Paul J. Balles,uruknet.info, November 2004 - Fallujah, Iraq.
المستقلون الفلسطينيون وعصر النكرات
افق المصالحة الفلسطينية عربيا
بروفيسور اسرائيلي: جدار مصر على الحدود مع غزة نموذج لخدمات نظام مبارك لاسرائيل*
الدخول التركي على القضايا العربية المصيرية حدود وآفاق
مطاع صفدي
عودة الترك إلى مشرقهم العربي قد يكون واحداً من أهم منعطفات النهضة في مطلع الألفية الثالثة لكلا الأمتين الصانعتين للحضور العربي الإسلامي، حوالي عشرة قرون، على المستويين الحضاري الذاتي لكليهما، ومستوى تفاعل المدنيات الإنسانية المعروفة بمؤثراتها الكونية الاستراتيجة حتى اليوم.
السؤال المركزي هو حول الحقيقة في هذه العودة الموصوفة بالفجائية في سياق سياسة دولية وإقليمية بالغة التعقيد والحساسية كحالها دائماً. فلسنا لنطرح التساؤل من وجهة التحليل السياسي اليومي. إنه الاستفهام الفلسفي الباحث عن الحقيقة، كما هو تقليده الكوني إزاء مسرحة الحدث، بطريقة المفاهيم المختفية وراء الوقائع، والصانعة لها أحياناً. فالتحول التركي لا يمكنه الاندراج والانحباس في سياق الضرورات السياسية ومناوراتها. ذلك أنه ليس ثمة براغماتية آمرة بالتغيير الأيديولوجي الكبير الذي ينطوي عليه حراك حكومي لا سابقة له في تاريخ (تركيا الحديثة). هذه الدولة الجديدة كلياً التي قام تأسُيسها الأول انطلاقاً من تجذير قطيعة بنيوية شاملة مع تاريخها السابق، بدءاً من إلغاء صورة معينة وثابتة عن شخصيتها المفهومية طيلة تواجدها الألفي في سياق من التداخل العضوي، مع كل ما كانت تعنيه الحضارة العربية الإسلامية.
القطيعة الأتاتوركية مع العرب لم تكن قراراً سياسياً، ولا حتى أيديولوجياً فحسب، كانت شرطاً تكوينياً محورياً لقيام الأمة التركية الخالصة المتصوّرة بحسب نزعة قوموية استوردها حزب (الاتحاد والترقي) منذ أوائل النصف الثاني من القرن التاسع عشر، من عصر القوميات الإمبراطورية الصاعدة في أوروبا الغربية. بينما كانت الإمبراطورية العثمانية تعاني مرحلة أفولها في مختلف نواحيها كدولة قروسطية، ومجتمع خليط من قوميات أخرى متنافرة وساعية إلى استقلالها عن السلطنة. كانت حركة التتريك التي قادها الضباط الشباب من قادة ذلك الحزب، تأتي من جهةٍ، كعامل تحريض لشعوب السلطنة، وكرد فعل في آن على تحركاتها الاستقلالية، وفي سياق هذا التفكك المتنامي في جسد الرجل المريض، وهو اللقب الأوروبي لحال تخلف السلطنة آنذاك، كان العرب، وهم القومية الثانية المشاركة للأتراك في بناء الإمبراطورية العثمانية، يعيشون عصر نهضتهم القومية من مدخلها الثقافي والأيديولوجي، ما جعل القادة النهضويين العرب يعتبرون أن حركة التتريك موجهة أساساً ضد الشريك العربي.
كان غلوُّ الاتحاديين بالغاً أوج الإثارة العنصرية في هيكلة الدولة السلطانية، لدرجة حتى أنهم حمَّلوا العنصر العربي مسؤولية التخلف المتفشي في أنحاء كيانهم الإمبراطوري. فحين قامت الثورة العربية الأولى الصاعدة من أرض الحجاز مع بوادر انهزام اسطنبول عسكرياً خلال الحرب العالمية الأولى، لم تكن في نية القيادات العربية آنذاك تدمير الإمبراطورية، لكنهم شعروا أن جماعة الاتحاديين المحيطين بالسلطنة آنذاك، قد فصموا شراكة الأمتين العربية والتركية في بناء الإمبراطورية. كانت نزعة التتريك تهدف إلى قلب الكيان المفهومي المؤسسي للدولة المعولمة طيلة القرون الأربعة السابقة. فالعنصر العربي كان شريكاً أصيلاً في صناعة السلطنة وتاريخها، كان تواجده البشري أساسياً في مختلف مستويات الدولة إدارياً وعسكرياً وثقافياً. كانت الإمبراطورية تمثل في عيون شعوبها المتعددة، المنضوية تحت لوائها، الحلقة الأخيرة من مسيرة الفتوحات الإسلامية. هكذا كانت هذه الشعوب، الاسلامية منها، تسوّغُ تنازلها عن هوياتها العنصرية، بانضوائها تحت قبة الخلاقة الإسلامية، والعرب كان لهم الدور المحوري في شرعنة الخلامة وذلك ليس كأمر واقع فحسب، بل كخيار ضروري، يصبُّ في صميم مشروع العولمة الإسلامية، الذي أبدعوه وخرجوا به من صحرائهم إلى مدنيات العالم القديم المتخلفة، أملاً في صناعة كونية جديدة من العدالة والمساواة أمام الحق.
المهم في هذا الموضوع هو أن إيديولوجيا الكمالية لم تعد وحدها المسيطرة على عقول الأتراك المعاصرين اليوم، سواء على مستوى النخب السياسية والثقافية، أو على مستوى الجمهور الواسع. والعودة إلى الإسلام قد تكون حراكاً استبدالياً لكمالية استنفذت أهدافها، وكان لها نجاحها التاريخي في إنهاض تركيا، جمهوريةً حداثيةً، على أنقاض خلافة تيوقراطية متهالكة إلى سلطنة قروسطية زائلة بسبب أعطالها البنيوية ذاتياً، قبل أن تطيح بها هزيمة الحرب العالمية الأولى التي أجهزت عليها. لكنها أخذت معها كذلك، النسخة الأخيرة عن نموذج الحكم (الأممي) الديني، أو الخلافة الإسلامية للعصور القديمة.
هذه الخلفية التاريخية لا يمكن للذاكرة العربية أن تتجاهلها، بل تفرض نفسها في هذه اللحظة من الانعطافة التركية الأهم في قصة الانتماء المشترك الفعال لكلا الأمتين العربية والتركية في الأقنوم المفهومي والحدثي للحضارة الإسلامية. فمن الصعب أن ينتظر أحد من طرفي هذه الشراكة إلى الانعطافة من زاوية كونها مجرد استجابة لمصالح سياسوية اقتصادوية فحسب. ذلك أن رفيقيْ الدرب الواحد الطويل افتقدا هذه الرفقة، خلال معظم القرن العشرين، وها هما يلتقيان فجأة ومجدداً على ذات الدرب الواحد؛ كأنه لم يفرقهما إلا ليجمعهما ثانية. لكن لن يتعارفا ثانية بحسب المنظار الماضي البعيد، بقدر ما يقرَّان بحجم الاختلافات المكتسبة والطارئة بالنسبة لكل منهما، طيلة الغيبة المديدة عن بعضهما. هذا مع التيقن انه ليس هناك ثمة خلافة دينية عظمى، ولا إمبراطورية عسكرية معولمة، ينتظرها أحدهما من عودتهما إلى بعضهما.
لكنهما معاً يعانيان من لحظة ازدحام زمن العالم بمقاربات الأفول والظهور لإمبراطوريات هرمة متداعية وأخرى شابة صاعدة، في حين تبقى ، وحدَها قارة العرب والإسلام، مبعثرة الأركان والهويات، فاقدة في معظمها، لحس العصر، ولوقتها أو لمكانها من خارطته الغاصّة بكل الآخرين وإنتاجاتهم، ماعدا الذات وخوائها المستديم.
تركيا المحكومة سابقاً بنظام العسكريتاريا الانقلابي، كانت أسيرة لبوصلة التوجه الكلي إلى شمالها الأوروبي. كانت ترى في الالتحاق الذيلي بمولود أوروبا الكبير، باتحادها، المستقبل الضامن لحداثتها، ولاغترابها الكياني والنهائي عن هويتها التراثية. وكان اغتراباً مفروضاً بسلطة الدستور المتشبث بعلمانية مغلوطة، ليست في حقيقتها سوى قناع ثقافوي لقوموية العسكريتاريا القابضة على قمة السلطة والممسكة بمفاتيحها النفعية سياسياً اقتصادياً معاً. فهي المستفيدة من تركة الإنجاز الأتاتوركي، بما حققه بدءاً من إنقاذ تركيا من مصيرها المقرر غربياً، في تقسيمها وتوزيعها استعمارياً، على أثر الهزيمة الحربية؛ كما كان هو مصير بقية المشرق العربي. فقد فاز جيش كمال أتاتورك، المتبقي عن جيوش الإمبراطورية العثمانية المنهارة، بجغرافية الأناضول وساحليه الشمالي والغربي، كوطن لأمة تركية جديدة، خالصة عرقياً، حسب تصور مؤسسها، وإن شاركتها في هذا الوطن شعوب أخرى عديدة، ومتجذرة في ترابها منذ ما قبل قدوم قبائل الجد المغولي القديم (أرطغرل) للأتراك من أقاصي آسيا.
تركيا (أردوغان) ليست نقيضة تركيا أتاتورك. لكنها قد تأتي تصحيحاً لعلمانيتها المبدئية، فلا تتدخل الدولة سلباً أو إيجاباً في خيارات العقائد لدى مكونات مجتعها، بشرط ألاّ تنسحب حيادية السلطة هذه، على خيارات استراتيجيتها، وذلك انطلاقاً من كونها مرآة عاكسة لشخصية أمتها في ماضيها وحاضرها. ولعل ذلك هو الدليل الأيديولوجي الذي صار يقود السياسة الخارجية لتركيا راهنياً، نحو الانفتاحات المتتابعة على قضية العرب الرئيسية، فلسطين. فالحزب (الإسلامي) الحاكم في أنقرة يريد أن يبرهن على أن العلمانية لا تتناقض مع هوية الأمة. وبالتالي لا يمكن للسلطة الحاكمة أن تقف مكتوفة الأيدي إلى الأبد تجاه تعاطف شعبها مع مآسي الشعب الفلسطيني، واتخاذ المواقف الإنسانية، على الأقل، المنتظرة، مع المظلوم ضد الظالم المتجبر الذي هو العدوان الإسرائيلي المستمر والمتصاعد ضد أبسط متطلبات الأمن الفلسطيني وتطلعاته نحو كيانه الحر المستقل.
بالمقابل يستنتج الفكر الاستراتيجي التركي أن المشروع الإسرائيلي ليس له حدود يقف عندها في مساحة المشرق العربي وجواره الإسلامي معاً. فلماذا لا تقوم لهذا المشرق ثمة سياسة متضامنة عربياً إسلامياً ضد المطامع الإسرائيلية المتمادية.
تلك هي بعض بدهيات الواقع الجيوسياسي لمنطقة الشرق الأوسط بمعناه الأوسع، وكما يجب أن تفهمه شعوبه أولاً، وليس كما تفرضه إرادة أمريكا من ما وراء البحار، أو كما تحلم به إسرائيل الدخيلة على المنطقة، مهما طالت رحلة السرقة الدموية الوقحة لبعض أوطان الآخرين، ولبعض الوعي الدولي المسلوب الإرادة وقوة الحسم معاً.
لا شك أن هذا الدخول التركي العقلاني والحاسم على قضايا منطقته العربية، من محورها المركزي الفلسطيني، سوف يُغير تدريجياً وفي العمق، من قواعد اللعبة الأمريكية الصهيونية المستبدة حتى اليوم بالمنطقة كلياً، والممسكة بتوازناتها الجيوسياسية الراكدة لصالحها، مع ملاحظة أن توقيت هذه اليقظة التركية، والانفتاح المتنامي على قارتها العربية والإسلامية من حولها، وبدءاً من جوارها المشرقي المباشر، ومن الموقع المحوري لسورية بالذات، إنما يجيء في اللحظة التطورية المناسبة لبروز الممانعة العربية، عبر جولات متتابعة من إحباط الارتدادات الأمبريالية الصهيونية على المواقع الصامدة في أنحاء المنطقة.
العرب يتطلعون حقاً إلى ما تعنيه إضافة الحراك التركي إلى مجموع قواههم المشتتة، على أن يكون هذا الحراك نفسه جديراً بالآمال المعقودة على تطوراته الكبيرة المنتظرة. و في كل الأحوال لن يكون مستقبل المنطقة بعد هذا الحراك كما كان كلُّ ماضي المشرق المعذب قبله. فليس التفاؤل المفرط ليستبق الحقبة القادمة بما تحمله من فجائيات السلب والإيجاب، لكنها هي المتغيرات الموضوعية وحدها التي لها حسابها المجدي. لعلّ التحول التركي قد يجاري أمانيه العربية، مع العلم أنه لن يكون في منأى عن الترددات والنكسات. وقد يتوقف الأمر في أساسه على مدى تجذير التحول التركي في أرضه الذاتية، مع النظر إلى كونه خطاً نضالياً معيناً، سيظل سابحاً في خضم تناقضات الداخل التركي وصراعاته الظاهرة والخافية، والثانية هذه قد تكون هي الأدهى.. ربما!
' مفكر عربي مقيم في باريس