د . لطفي زغلول – نابلس
كل عيد وأنت العيد والحب.. يا وطني .. ها أنت تصحو مرة أخرى على صباح عيد التضحية والفداء ، وكم صحت عيناك من قبل على مدار الأيام والسنين على مثل هذا الصباح . ها أنت تصحو تفتح ذراعيك تتنسم عبق نسائم الحرية المعطرة بأنفاس أجيال من عشاقك اصطفوا جيلا فجيلا يقدمون لك فروض التضحية والفداء .
أيها الأب الحنون والأم الرؤوم .. في أحضانك وبين ذراعيك وتحت ظلال أفياء حبك الغامر هذا المدى يولد أبناؤك يلوّن عيونهم شوق لرؤيتك ترفل في عباءة المجد والحرية .. يخفق في قلوبهم عشق لا ينطفىء ضرامه رغم أعاصير الأيام السوداء .. في أيديهم تتهادى مناديل بلون ثراك وأطيارك وأزهارك وسمائك ونجومك وأقمارك .. في أشواقهم حرارة شمسك التي لا تعرف الانطفاء والغروب .
بين يديك تعلم الكبار والصغار أبجدية الاصرار على اختيارك أنت دون سواك برغم المنافي والشتات .. كل حرف من حروف اسمك ملحمة عشق ترددها القلوب قبل الألسن .. الفاء فارس أنت يأبى الترجل عن جواده .. اللام لا حب الا حبك .. السين سلام ربوعك على عشاقك المنتمين اليك قلبا وروحا وفكرا .. الطاء طريق أنت الى المجد والعلياء والكرامة .. الياء يد مباركة أنت تمسح جراحات الزمن .. النون نور أنت يضيء دروب أبنائك ونار تحرق كل يد تمتد اليك بسوء .
كل عيد .. وأنت العيد والحب .. يا وطني . إثنان وستون عاما مضت وانقضت ، مرت ثقالا كالجبال ، نهاراتها بلا شموس ، ليلاتها بلا أقمار ، فصولها بلا ربيع ، ركابها رحلة في متاهات المجهول . لكننا لم نترجل هنيهة عن صهوة العشق الذي حملناه لك في صميم جوارحنا . سماؤك ، روابيك ، وديانك ، مروجك ، شطآنك ، أمواج بحرك ، أطيارك ، أزاهيرك شاهدة أننا كنا لك عشاقا لم يشق غبار النسيان ساحات عشقنا المقدس لك . أسكناك حنايا قلوبنا ، ومرايا عيوننا . ما هنّا يوما في مسارات فدائك ، وحاشا أن نهون .
كل عيد .. وأنت العيد والحب .. يا وطني . أيها الكبير ، ولا أكبر منك إلا رب الخلائق والأكوان . بك أنت وحدك نحن جديرون بالحياة ونستحقها . لك أنت وحدك نقدم فروض التضحية والفداء . في طريقنا إليك لم تنكسر لنا قامة ، ولم تنحن هامة . ركبنا ما زال يغذ الخطى ميمما شطر أحضانك . يتحدى المتاهات في ليالي منافي الشتات . أنت العنوان ، يوم لا عنوان إلاك . بك نحن موعودون ، وإن طال زمان الإرتحال إليك . أنت قدرنا . بذكرك بعد الله نستفتح ، نصابح نهاراتنا ، نماسي ليالينا . باسمك نعانق الشمس في مهد ميلادها ، وباسمك نلوّح لها وهي في هودج الإرتحال .
كل عيد .. وأنت العيد والحب .. يا وطني . عصي أنت على الإنشطار . عنيد لا يشق لك في وحدة المصير غبار . ونحن أقسمنا لن يصبح الدم في عروقنا ماء . هذا الدم لا ينبغي له إلا أن يكون محرما على عشاقك ويوم يحللونه ، لا يحل إلا في مذبح تحريرك وحريتك . كل قطرة دم نهبها لك نفحة حياة ، تعانق ثراك ، فتخرج من رحمه براعم الأمل ، تورق ، تخضوضر ، تزهر ، تثمر وعدا بالحرية .
كل عيد .. وأنت العيد والحب .. يا وطني .. رحلتنا إليك بدأت بك ولا تنتهي إلا بك . أنت حادي الركب إلى يوم لا تغيب عنه الحرية ، إلى شمس تضيء فضاءاتنا أملا بغد واعد لأجيال ورثت حبك عن أجيال وأجيال من عشاق الإنتماء إلى حماك . ومهما طال المشوار إليك ستظل القافلة تسير وتسير تتحدى العتمة والغربان ، تتحدى هذا الليل الباسط ذراعيه على آفاقنا ، تطارده بمشاعل التحرر والخلاص حتى ينجلي إلى الأبد .
كل عيد .. وأنت العيد والحب .. يا وطني .. أيها الواعد الموعود . ما زلت ملهما لأبنائك الميامين المنزرعين بين ذراعيك كصخور جبالك الشماء . واعدا باللقاء الأخير على ثراك الطهور . موعودا بأسراب طيورك ، تعود من منافي الشتات والإغتراب إلى عشك الدافئ الحنون . موعودا بأسراب شامخة الجبين خلف القضبان ، شاءت فلا بد لقيدها أن ينكسر يوم تشرق شموس نهارات الحرية . موعودا بأجيال أسراب ما زالت في رحم الغيب ، سـتولد في أحضانك كما ينبت الربيع ويخضوضر بعد ليل خريف وشتاء طويل .
ليست هناك تعليقات:
إرسال تعليق