د. محمد كمال مصطفى
استشارى إدارة تنمية الموارد البشرية
أؤكد لكم قرائى الأعزاء .. أننى لا أتعمد اختيار موضوعات المقالات الذى أقدمها لكم ، ولا أتعمد أن تكون إدارية أو سياسية ، أو سياسية بمنظور إدارى ، ولكن أجد فكرة معينة تلح على عقلى فى لحظة معينة أظل أفكر فيها ليوم أو ليومين ، وعند لحظة معينة أجد نفسى مدفوعاً لكتابة الموضوع الذى يكون عرضاً للفكرة التى ألحت على ، وقد يكون هذا العرض الذى تحتويه المقال به العديد من الجوانب السياسية أو الإيجابية ، وفقاً لما يراه القراء .. لكن كل ما أود تأكيده هو أننى أكتب بكل الصدق وبكل الموضوعية ، وفى الكثير من الأحوال لا يكون الهدف أن اسقط ما أتناوله على وضع معين ولكن الهدف دائماً هو أن نتبادل المعرفة والوعى ، على أى الأحوال ، لا أعرف لماذا بدأت هذا المقال بهذه المقدمة الطويلة ، التى أرجو أن لا تكون تعبيراً عن الشعور بالذنب نحوكم .
ماذا تعنى القوة ؟ ومن أن تأتى مصادرها ؟
· القوة هى أن تجعل الآخرين يصنعون شيئاً ما كانوا يصنعونه لو تدخلك بالإقناع أو الإجبار ، وكلما كان التدخل بالإقناع ، كلما كانت القوة أكثر عمقاً .. وبالتالى فإن القوة هى القدرة على التأثير فى الآخرين ، وبالطبع لابد وأن يكون هذا التأثير تأثيراً إيجابياً يؤدى إلى حدوث إضافة وتغيير نحو الأفضل .
· والقوة فى الإدارة ترتبط بالقيادة ، فجوهر القيادة هو القوة ، وجوهر القوة هو التأثير الإيجابى فى الآخرين ، وللقوة مصادر متفق عليها وردت فى معظم مراجع الإدارة يعرفها كل من درس الإدارة ، حيث غالباً ما تتركز هذه المصادر ، والتى يستند عليها المدير والقائد ، هى قوة المنصب ، والتى تتمثل فى قرار الإدارة العليا بشغل المنصب بالتعيين للمدير ، ويعادلها قوة الاختيار الحر فى المناصب التى لا تشغل إلا بالاختيار ، ويلى قوة المنصب أو الاختيار الحر ، قوة الثواب ، وقوة العقاب ، واعتقد أنهما لا يحتاجان إلى شرح ، وتفصيل ، وكذلك قوة الخبرة أو المرجع ، والتى تعنى بخبرة المدير ، واعتباره المرجعية الأساسية لمرؤوسيه ، وفى الكثير من الأحيان يطلق على هذه القوة ، القوة الفنية ، وبجانب المصادر السابقة للقوة توجد قوة الكلمة الأخيرة للمدير ، وأعتقد أنها واضحة ، وهى تعنى قوة امتلاكه إصدار القرار ، وأخيراً قوة السمات الشخصية ، والتى يمكن أن تعنى بالجاذبية الشخصية للمدير أو الكاريزما .
وإلى هنا والأمر قد يكون معروفاً لأغلب القراء ، ولا يحتاج لتكراره أو إعادة عرضه ولكن ما دفعنى لكتابة هذا المقال هو أننى عندما رصدت مصادر قوة المديرين فى الكثير من المنظمات والمؤسسات فى مصر ، والتى تعاملت معها استشارياً ، وجدت هذه المصادر ليست 6 مصادر إيجابية كما درستها وتعرفت عليها فى المراجع الإدارية ، وهى التى أشرت إليها بعاليه ، ولكنها تصل إلى عشرين مصدر وربما أكثر ، وهى ليست فى معظمها مصادر إيجابية كما فى حالة المصادر الستة السابقة المذكورة فى مراجع الإدارة .. وهذه المصادر أعرضها عليكم بما فيها المصادر الست السابقة :
1- قوة المنصب ( التعيين ) .
2- قوة الاختيار الحر ( الحصول على المنصب بالاختيار الحر ) .
3- القوة المرجعية .. ( القدوة ، والنموذج الناجح ، والموجه والمرشد ) .
4- قوة الخبرة .. العمق الفنى ، والإلمام بالإجراءات والتفاصيل .
5- قوة الثواب
6- قوة العقاب
7- قوة الكلمة الأخيرة
8- قوة الشخصية ( الكاريزما )
9- القوة القسرية ( القهر ، والإلزام ، والإجبار .. ) .
10- قوة العلاقات ، المستمدة من المكانة ، والقدرة على تكوين علاقات إيجابية من خلال القدرة على الاتصال الفعال بالآخرين .
11- القوة المستعارة ، والمستمدة من العلاقة أو الارتباط بشخص قوى ذو منصب مؤثر .
12- قوة السجل الوظيفى المشرف ، والتى تعنى بتاريخ هائل بالإنجازات والسلوك النموذجى .
13- قوة الاختباء والاحتماء فى السياسات ، وقى قوة مصطنعة ، فالأصل ليس القدرة على تنفيذ السياسة دون تحقيق الأهداف ، ولكن ترجمة السياسية إلى واقع إيجابى .
14- قوة الحلفاء ، سواء كانت تحالفات معلنة أو غير معلنة مع مجموعة مؤثرة .
15- قوة القدرة على الصمود والتحدى والصراع سواء بالحق أو الباطل ، مع القدرة على إدارة الصراع ، والمشاكسة .
16- قوة تفصيل وتصميم السياسات واللوائح ( وأحياناً القوانين لصالح مواقف معينة ) لمصلحة الإدارة .
17- قوة المعرفة الحقيقية .
18- قوة الخلفية الأسرية ( ابن من ؟ أو قريب من ؟ )
19- قوة الذكاء العاطفى والذكاء الاجتماعى ، والتى تعنى بالارتباط بالآخرين من خلال تحقيق مصالحهم .
20- قوة الاحتماء بالأمن .
21- قوة تدبير المكائد ، وإصدار الشائعات .
22- قوة أهل الثقة .
23- قوة السيطرة بالمال .
24- قوة عضوية الحزب .
وقد تسأل بعد قراءة 24 مصدراً لقوة المديرين ، فى الوقت الذى وردت فى معظم المراجع 6 مصادر ، ماذا يعنى هذا ؟
والإجابة ، تعنى أن المصادر التى وردت فى المراجع لقوة المديرين فى المنظمة أو المؤسسة كلها مصادر إيجابية تؤدى بشكل مباشر إلى تحقيق أهداف المنظمة ، أو أهداف القائد أو المدير الذى يمتلك مصادر القوة الإيجابية فى خدمة المنظمة التى يعمل لصالحها ، أما المصادر السلبية للقوة والذى ذكرت العديد من أشكالها فيما سبق فهى قوى معوقة أمام تحقيق المنظمة لأهدافها .
ويؤكد ذلك أن العديد من القراء عند قراءة مصادر القوة الـ 24 التى ذكرتها من قبل ، والتى جمعت بين المصادر الإيجابية والمصادر السلبية سيقول لى لقد نسيت العديد من المصادر الأخرى السلبية ، كقوة تبادل المصالح ( الواسطة والمحسوبية ) ، وقوة إخفاء تعارض المصالح ، وقوة الإدارة بالفساد ، وقوى أخرى كثيرة تؤدى إلى تحقيق مصالح المديرين الذين يمتلكوها دون تحقيق مصالح المنظمة .
لهذا لا أستطيع أن أدعى لنفسى أنى أضفت إلى أدبيات الإدارة جديداً عندما استطعت زيادة مصادر القوة ، فما أضفته ما هو إلى مصادر سلبية للقوة تمثل قوى معوقة أمام دعم وتنمية المنظمة ، لم يكن من الضرورى أن تذكر فى المراجع ، وهنا قد يقول لى الكثير من القراء أن العديد من المراجع الإدارية والكتابات فى العلوم الاجتماعية قد أشار بوضوح وعمق إلى مصادر القوة السلبية ، وربما عدد أشكالها بأكثر مما ذكرت ، ولكن ليس هذا هو المهم فى الموضوع ، ولكن المهم التأكيد على نتيجة قد تبدو بديهية ، وهى أن مصادر القوة السلبية يجب أن تحدد بدقة ، وأن يتم تميزها عن مصادر القوة الإيجابية ، وأن يتم مقاومتها ، والأهم أن تشيع ثقافة إيجابية بين كل أفراد المجتمع بشكل عام ، والمنظمة بشكل خاص ، وهى أن يعمل أفراد المجتمع أو المنظمة على عدم منح المكانة الاجتماعية لأى مدير يستمد مصادر قوته من مصادر سلبية ، وأن يعلى من شأن كل مدير يستمد قوته من مصادر قوة إيجابية .
والأهم بعد ذلك هو أن يحدد الأفراد بكل دقة كما أشرت من قبل ما هى مصادر القوة الإيجابية ، وما هى مصادر القوة السلبية ، وبعدها أن يعى كل أفراد المنظمة بكل الإصرار التميز بين المديرين الذين يستمدون قوتهم من مصادر سلبية ، وبين المديرين الذى يستمدون قوتهم من مصادر إيجابية ، وأن يعملوا على كشف مصادر القوة السلبية ، وتدعيم مصادر القوة الإيجابية .
وإلى هنا يبدو الأمر وكأنه نصائح ساذجة ، وعرض سطحى لموضوع مصادر القوة ، لأن المشكلة أكبر من ذلك ، فهى ليست فقط فى المديرين الذين يستمدون قوتهم من مصادر سلبية ، ولكنها فى جانبين الأول هو أنهم غالباً ما يشكلون تحالفاً قويا فيما بينهم ، مما يصعب معه مقاومة هذه المصادر السلبية للقوة .
والجانب الثانى هو أن الأفراد فى المنظمة نتيجة لممارسة آليات وآثار مصادر القوة السلبية عليهم ، يكتسبون تلك الآليات الخاصة بهذه المصادر ، ويتعايشون معها ، بل والأكثر خطورة هو أنهم قد يدعموها ، وهنا تواجه المنظمة مشكلة الانخفاض فى الإنتاجية نتيجة الخلل الحاد الذى سيصيب بيئة العمل الداخلية للمنظمة ، كنتيجة مباشرة لشيوع استناد المديرين إلى مصادر سلبية للقوة .
وإلى هنا قد تسألون وماذا يكون الحل ، فأقول لكن أن الحل هو المكتوب فى مراجع الإدارة الذى درسناها جميعاً ، وهو التأكيد على مصادر القوة الإيجابية التى وردت فى هذه المراجع ، وهنا قد تقولون وهل أتيت بجديد ، فأقول لكم لا ، ولكن اسمحوا لى أن أقول لكم أن حلول معظم مشاكلنا معروفة ، وقد يكون الحل للمشكلة موضوع هذا المقال ( مصادر القوة بين الإيجابية والسلبية ، وتأثير مصادر القوة السلبية على انهيار البيئة الداخلية للعمل والانخفاض الحاد للإنتاجية ) ، يكمن فى جملة واحدة هى الاحتكام المطلق لمعيار الكفاءة عند اختيار المديرين والقيادات فى مختلف المنظمات والمؤسسات وعلى كافة المستويات .
واعتقد أن هذا هو الحل أو على الأقل جزء هام من الحل ، وهنا أيضاً قد تسألون وما هى هذه المعايير ؟ فأقول لكم قد يكون ذلك موضوع مقال آخر .
ليست هناك تعليقات:
إرسال تعليق