بقلم: د. فوزي الأسمر
قرر الطبيب باراك أوباما أن المريض الذي توفي من جراء العملية التي أجراها هو له أن المريض هو المسؤول عن وفاته. هكذا يستشف من ما قاله الرئيس الأمريكي باراك أوباما في الـمـقـابلة الـتي أجـرتها مـعه مجلة "تايم" الأمريــكيـة (23/1/2010) معللا فشله في تحقيق: "الإختراق الذي كنا نرغب به" في حث الفلسطينيين والإسرائيليين على إستئناف المفاوضات.
فإتهام الميت بأنه هو المسؤول عن موته وليس الطبيب الذي أجرى له العملية, يشير إلى إفلاس سياسي وربما فكري, ليس بسبب التقديرات الصحيحة في تقيم المرض, بل بسبب عدم إتخاذ القرارات والخطوات الصعبة في تحقيق الأهداف التي وضعها أوباما نصب عينيه في ما يتعلق بالحل في الشرق الأوسط.
فلقد كان أوباما واضحا في مواقفه منذ البداية, حيث نادى بإقامة دولة فلسطينية إلى جانب دولة إسرائيل, والعودة إلى المفاوضات بعد تجميد البناء في المستعمرات اليهودية على الأرض المحتلة منذ 1967, وتحديد فترة زمنية لإقامة الدولة الفلسطينية. واستقبل هذا الموقف بترحاب من الجانبين العربي والفلسطيني, ورفض وحورب من جانب إسرائيل.
لقد جاء تفاؤل أوباما بالوصول إلى حل بسبب حصوله على تعهد إسرائيل بأن نتنياهو سيعمل معه على ايجاد حل للمعضلة الفلسطينية. وقد كــشفــت صحــيـفة "هآرتس" (25/1/2010) عن ذلك في مقال جاء فيه أنه: "في الربيع الماضي توجه شمعون بيرس عبر البحار ليصل إلى البيت الأبيض بهدف إقناع القيادة الأمريكية بأن السلام (مع الفلسطينيين) على قمة جدول أعمال رئيس الوزراء بنيامين نتنياهو. ويبدو أن الرئيس الأمريكي إقتنع بذلك وصدقه". صدقه؟ على الرغم من أن أوباما يعرف أن بيرس يمثل ثعلب السياسة الإسرائيلية.
فالحجة التي وجدها أوباما لإتهام الفلسطينيين في مقابلته كانت "الإنقسام الفلسطيني". ولكن هذا الإنقسام كان قائما قبل أن يطلق أوباما شعاراته واقتراحاته. وفي نفس الوقت لم يضع الرئيس الأمريكي شرطا مسبقا يقول أنه بدون وحدة فلسطينية لا يمكن التقدم.
فالعكس هو الصحيح فقد أسقط أوباما من حسابه حركة "حماس" كليا, بل ورفض إجراء أية إتصالات معها, وفي نفس الوقت إستمر في جهوده نحو الأهداف التي وضعها للحل في المنطقة, وخصص ممثلا شخصيا له, معتمدا على قبول سلطة الضفة الغربية كل الشروط التي طلبها أوباما منها, بل وتبنت هذه السلطة موقفه بالنسبة لتجميد البناء في المستعمرات كشرط للعودة إلى مائدة المفاوضات. ولم يجد أوباما معارضة من أي نظام عربي, وبالتالي إعتبر أن لا مشكلة مع العرب.
ولكن إسرائيل رفضت كل ذلك, بل رفضت قيام دولة فلسطينية مستقلة ذات سيادة, وقبلت فكرة الدولتين مع شروط تعجيزية يخرج منها الفلسطينيون بشبه كيان لا حياة ولا إستمرارية له. إذن فإسرائيل هي حجر العثرة الأساسي في مخططات أوباما وإدارته. وقد عبر عن ذلك أكثر من مسؤول أمريكي. بل إن الصحافة العبرية وجهت هي أيضا الإتهامات لحكومة نتنياهو.
فمنذ أن تعهد بنيامين نتنياهو يوم 26 تشرين الثاني/ نوفمبر 2009 للرئيس أوباما عن تجميد العمل في المستعمرات اليهودية لمدة عشرة أشهر والبناء مستمر بل إنه لم يتوقف. وتشهد صحيفة "هآرتس" (26/1/2010) على ذلك بمقال مطول. ومما جاء فيه: "يجب أن تكون أعمى أو سكران أو عضوا في مجلس اليهودية والسامرة (أي المجلس الذي يمثل المستعمرين اليهود) كي تستعمل إصطلاح التجميد في وصف الوضع القائم في بلاد المستوطنين (هكذا نعتت الصحيفة المستعمرات اليهودية على الأراضي الفلسطينية المحتلة منذ 1967). ويبدو أن الرأي العام العالمي قد بدأ يفهم هذه الحقيقة " .
ولم يقتصر هذا الكلام على صحيفة "هآرتس" المعروفة بمواقفها اللبرالية بل جارتها صحيفة "يدعوت أحرونوت" (27/1/2010) اليمينية والواسعة الإنتشار حيث تجاوبت معها في مقال مطول لها عن نفس الموضوع, ومما جاء فـيه: "إن رئيس الوزراء ووزير الدفاع قد أعلنا أنهما يجمدان البناء في الأراضي (المحتلة) لمدة عشر أشهر. والجميع يعلم بأن هذا التجميد هو في الواقع لا تجميد, والبناء مستمر, بل يخططان (نتنياهو وبراك) لمزيد منه وبكثافة كبيرة".
فإذا كانت هذه هي الحقيقة كما تراها "هآرتس" و"يدعوت أحرونوت" وتنتقداها بشكل مباشر, فكيف يستطيع أوباما إتهام الفلسطينيين أنهم مسؤولون عن الجمود القائم؟ ربما هذه طبيعة بشرية حيث يحاول الشخص تبرير فشله بتحميل الآخرين أسباب فشله.
فأوباما يقف عاجزا أمام تحديات نتنياهو له, في حين لم يواجه تحديات فلسطينية , إلا إذا إعتبر موافقة سلطة محمود عباس على مطالبه هو تحديا له. فمثلا أعلن نتنياهو أثناء وجود جورج ميتشل (25/1/2010) المبعوث الخاص للرئيس الأمريكي في المنطقة, أن حكومته قررت بأن هناك أراضٍ في الضفة الغربية لن تتنازل عنها إسرائيل في أي حال من الأحوال. وفي كل مرة زار بها ميتشل المنطقة وجهت حكومة نتنياهو صفعة علنية لإدارة أوباما, دون رد فعل حازم من جانب الرئيس الأمريكي, مما أدى إلى تمادي نتنياهو في تصرفاته.
صحيح أن أوباما يواجه تحديات داخلية صعبة, خصوصا عندما بدأت شعبيته بالإنخفاض, وبعد أن خسر الحزب الديمقراطي لصالح الحزب الجمهوري الكرسي في مجلس الشيوخ الأمريكي الذي تربع عليه إدوارد كندي لعشرات السنيين, مما حدى بهذا الحزب إلى إعادة النظر في مجريات الأمور داخليا.
وصحيح أيضا أن أوباما يواجه تحديا كبيرا داخل أمريكا, في مقدمتها الوضع الإقتصادي المتدهور وزيادة البطالة, ومشروع التأمينات الصحية الذي يواجه معارضة كبيرة من جانب الحزب الجمهوري, وأيضا بسبب قراره برفع مستوى الحرب في أفغانستان عن طريق إرسال أكثر من 30 الف جندي أمريكي إضافي إلى ساحة المعركة هناك, الشيء الذي ترفضه شريحة كبيرة من الذين صوتوا لأوباما في الإنتخابات الرئاسية الأخيرة. لهذا السبب كرس الرئيس أوباما أكثر من ساعة في خطابه "حال الإتحاد" (27/1/2010) للمشاكل الداخلية وحوالي خمسة عشر دقيقة للسياسة الخارجية.
ومع ذلك, فإن معركته لإستعادة موقع الولايات المتحدة كدولة قائدة في العالم, يحتاج إلى نجاحات في السياسة الخارجية, والصراع العربي الإسرائيلي يتربع في موضع أولي على قائمة الأولويات لدى الكثير من دول العالم. ولهذا السبب لفت, ما صرح به في لقائه مع مجلة "تايم", إنتباه الكثيرين, رغم أنه كان يمثل جزءا بسيطا من مقابلته. فالعالم قد وصل إلى نقطة يريد أن يرى حلا في منطقة الشرق الأوسط قبل أن تتفجر حروب إضافية فيها.
فالقيادة الإسرائيلية اليوم تهدد بحرب جديدة, لدرجة أن صحيفة "هآرتس" (26/1/2010) كتبت تقول أن: "بنيامين نتنياهو وإيهود براك (وزير الحرب الإسرائيلي) يقودان إسرائيل إلى كارثة سياسية وأمنية. فالهدوء على الحدود هو هدوء مفتعل وغير طبيعي". وفي حالة نشوب مثل هذه الحرب, والتي قد تكون مدمرة, فإن إدارة الرئيس أوباما تتحمل مسؤوليتها التاريخية.
* كاتب وصحافي فلسطيني يقيم في واشنطن.
ليست هناك تعليقات:
إرسال تعليق