الجمعة، 29 يناير 2010

أمُّ الفوضى الخلاقة


أ.د. محمد اسحق الريفي
انتهى عصر الحروب التقليدية بين الجيوش، ولم يعد احتلال الدول ممكناً، وحل مكان الحروب التقليدية ما يسمى "الفوضى الخلاقة"، وهي فوضى تخلق الفتن والصراعات والموت والدمار، وتُستخدم فيها الأقليات العرقية والدينية والجماعات المسلحة، بذرائع تتعلق بالاضطهاد الديني، والحكم الذاتي، والديمقراطية، وتقرير المصير، وذرائع أخرى كثيرة، كما يحدث الآن في اليمن والباكستان والصومال وفلسطين ولبنان.
 والدول العربية والإسلامية مرشحة لموجات جديدة من الفوضى الخلاقة المدمرة، لإنهاك الأمة العربية والإسلامية، وانتهاك كرامة الشعوب العربية والإسلامية، وإبقائها في حالة نزف مستمر، حتى تُهدر أموالها وتظل أمتنا في حالة غيبوبة وشلل سياسي تام، خاصة أن الغرب يسعى لمنع وحدة البلاد العربية ونهضة أمتنا الإسلامية، وهذا هو الهدف الأساس لزرع الكيان الصهيوني في فلسطين والوطن العربي.
 والولايات المتحدة الأمريكية هي أم الفوضى في هذا العالم، فقد باتت وظيفتها خلق الفوضى الخلاقة في منطقتنا العربية والإسلامية، وإدارتها، وتوظيف ثمارها الخبيثة المدمرة في إنجاز المشروع الأمريكي الخاص بمنطقتنا، والذي يسمى الشرق الأوسط الكبير أو الجديد.  كل هذا جاء بعد فشل الولايات المتحدة في تحقيق النصر في العراق وأفغانستان والصومال، فما عجزت عن تحقيقه الولايات المتحدة بالقوة العسكرية المعززة بالتكنولوجيا المتطورة والقنابل والصواريخ الذكية، تسعى الآن إلى تحقيقه عبر الفوضى الخلاقة، والتي من المتوقع أن تغمر منطقتنا وتغرقنا في دمائنا، التي مع الأسف الشديد نسفكها بأيدينا، بسبب جهلنا وتعصبنا وقابليتنا للاقتتال والاحتراب، في منطقة تعاني من فراغ سياسي وثقافي، وانقسامات عميقة، وغياب قيادات حرة وشريفة وقوية، وضعف إرادات شعبية.
 وشعوبنا تمقت الصراعات والاقتتال الداخلي، ولكنها أصبحت لا تستطيع منعها، بسبب سوء أنظمة الحكم واستبدادها وارتهانها للولايات المتحدة، التي أصبح شغلها الشاغل بعد فشلها العسكري الذريع، اللعب بالأنظمة العربية، وإدارتها، فتدعم هذا، وتسقط ذاك، وتخلق القلاقل والفتن لآخر، وتبتز رابع، وتروض خامس... وهكذا، خاصة في عهد "باراك أوباما"، حيث غرقت الولايات المتحدة في هزائمها العسكرية وشرورها، في العراق وأفغانستان والصومال، وانهار اقتصادها ونظامها المالي، وتحولت كل من العراق وأفغانستان من قصعة شهية تداعى إليها الأمريكيون وحلفاؤهم الغربيون والصهاينة، إلى مستنقعات أغرقتهم جميعاً، وسفكت دماءهم ومياه وجوههم، وأذلتهم أيما إذلال.
 وفي فلسطين على سبيل المثال، لا أحد يؤيد ما يسمى الانقسام الداخلي، والجميع يقول إن المصالحة الوطنية مسألة إستراتيجية، ولا مفر لأحد من تحقيقها، ولكننا نحن الفلسطينيين منقسمون فعلياً، ولا نستطيع إنهاء الانقسام، رغم ما يحلقه بالشعب الفلسطيني من ضرر ومعاناة قاسية، وذلك بسبب تدخل الولايات المتحدة، التي تعد الانقسام جزءاً حيوياً من الفوضى الخلاقة الخاصة بقضية فلسطين.  وزوال الانقسام يعني بالنسبة للأمريكيين فقدان قدرتهم على إحداث أي حراك سياسي أو دبلوماسي في المنطقة، وانكشاف عدوانهم على الشعب الفلسطيني خاصة والشعوب العربية عامة.
 أجندة "اوباما" في منطقتنا هي الفوضى الخلاقة، والغريب أن كثيراً من المثقفين يزعمون أن "أوباما" طيب في أعماقه، وكأن المسألة شخصية، وأن المشكلة تكمن فينا نحن العرب، لأننا غير قادرين على الوصول إلى أعماق "أوباما"، فهل بعد هذا الغباء غباء! إنه الغباء الذي يجعلنا نصدق أن زعيم القاعدة أسامة بن لادن لا يزال يتواصل معنا ومع العالم، عبر كلمات له مسجلة، تنشرها فضائيات "معروفة"، تقول إن تلك التسجيلات "منسوبة" للشيخ بن لادن، حتى لا يحاسبها التاريخ على نشرها الأكاذيب الأمريكية والصهيونية.
 ولكن كيف نتعامل مع هذه الفوضى الخلاقة؟
 لا أجد بهذا الصدد أفضل من كلمة المرشد العام للإخوان المسلمين الأستاذ الدكتور محمد بديع، التي وردت في رسالته الثانية:
 "واعلموا أن بوابة التحرر للعرب والمسلمين هي قضية فلسطين، فلن يعود لنا الوجه المشرق أو نسترد سابق نهضتنا، إلا حينما نوقف هيمنة المشروع الصهيوني الأمريكي، والممثل في هذا السرطان الصهيوني، حتى تتحرر مقدساتنا، ونستعيد المسجد الأقصى رغم عمليات التخريب والهدم والتهويد."
 29/1/2010

ليست هناك تعليقات:

إرسال تعليق