الجمعة، 26 فبراير 2010

الانتخابات العراقية والمخاض العسير


د. خالد المعيني*
-         صراع الإرادات بالنيابة
-         احتمالات الحقبة الإيرانية
-         سيناريو الانقلاب الأمريكي
-         سياسة  حافة  الهاوية
      عشية الانتخابات العراقية في آذار القادم لم تعد قراءة تضاريس الساحة السياسية أمرا مستعصيا ، فالعراق يقف مع تدشين هذه الانتخابات وما ستؤول إليه على المحك وفي أعتاب مرحلة شديدة الانعطاف، فهي تأتي في ظل ظروف يرتبط فيها الحراك السياسي الداخلي بشدة ودون مقدمات بالتنافس والصراع الإقليمي والدولي ، والذي بدوره يجعل من العراق وفي هذه الدورة من الانتخابات بالتحديد ليس أكثر من ساحة وخط مواجهة أمامي لتصفية الحسابات بالنيابة ، ففي الوقت الذي تعد فيه الولايات المتحدة الأمريكية نفسها للانسحاب من العراق جراء خسائرها المادية والبشرية الباهظة التي تكبدتها في العراق وفي أفغانستان ، فإن إيران عازمة دون إبطاء على توظيف المأزق الأمريكي لصالحها، لتملأ الفراغ وتجعل من الحقبة القادمة في العراق حقبة إيرانية بامتياز، لاسيما بعد أن نجاحها فعليا من خلال المناورة داخل العملية السياسية وخارجها في التغلغل ومد نفوذها في جميع مفاصل الحكم السياسية والأمنية .
                                        صراع الإرادات بالنيابة
   وتتزامن هذه الانتخابات مع تفاقم الضغط الأمريكي والدولي على إيران وهي تعيش حالة من العزلة والحصار الاقتصادي الخانق على المستوى الخارجي الذي قد يتطور إلى مواجهة عسكرية ، وتشهد  على المستوى الداخلي حالة من التصدع الذي بدأ يتسع ليشمل عدة مستويات شعبية وسياسية ودينية . لذا تحاول بشدة من خلال ورقة العراق تصدير أزمتها الى الخارج وتحسين شروطها في التفاوض بخصوص ملفها النووي .
    في نفس الوقت فإن الولايات المتحدة الامريكية كإرادة ثانية متحكمة في العراق  ليست  في وضع أفضل من إيران سواء على المستوى الداخلي حيث لا تزال تداعيات الأزمة المالية والاقتصادية الخانقة تعصف بها في حين تحاول جاهدة على المستوى الخارجي تقليص كلفها الباهظة المادية والبشرية جراء حماقات الإدارة الجمهورية السابقة في العراق وأفغانستان .
وعلى مستوى قراءة دور اللاعبين الثانويين في الساحة العراقية ، نجد إن كتلة الأحزاب الكردية لاتزال تتخذ لغاية اليوم دور المراقب وذلك لارتباطها بأجندة خاصة بها ، تقوم على دعم الطرف الذي يقدم لها المزيد من التنازلات على طريق تكريس الانفصال في شمال العراق ، وعليه فإن السلطة والثروة في حكومة الاحتلال الخامسة القادمة التي ستشكل ملامح العراق ومستقبله السياسي ستكون من نصيب أحد المعسكرين اللذان يخوض كل منها الانتخابات بشراسة وكالة ونيابة إما عن إيران التي وضعت كل ثقلها خلف الائتلاف الطائفي الذي يقوده المجلس الاعلى  وأعادت بناء الاصطفاف فيه بالترغيب والترهيب بعد تفككه وأجبرت الخارجين عنه الى في العودة الى بيت الطاعة الايراني وفي مقدمتهم التيار الصدري وحزب الفضيلة وإحتواء المالكي ، أو الولايات المتحدة التي ترغب في تقليص نفوذ إيران في العراق وتقليم أظافر ميليشياتها وترك حكومة   موالية لها لتأمين انسحابها وضمان مصالحها في العراق والمنطقة لذا فهي تتبنى كتلة وتحالف أياد علاوي – صالح المطلك ، وكتلة  جواد البولاني وزير الداخلية الحالي الذي يحظى بتحالف ودعم تنظيم الصحوات في العراق .
                                     احتمالات الحقبة الإيرانية
     تمتد الأهداف الإيرانية للهيمنة على العراق من خلال هذه الانتخابات إلى أبعد من مجرد اعتباره ساحة وورقة ضغط على الولايات المتحدة للمساومة بشأن ملفها النووي .
   فقد شكل العراق على الدوام وعبر التاريخ عقبة سياسية وديموغرافية أمام الاندفاعات الإقليمية إلى عمق المنطقة العربية وأمنها القومي ، وجاء تدمير القدرات العراقية واحتلاله بمثابة فرصة تاريخية لإيران للاندفاع بقوة في مشروعها التوسعي نحو الشرق والذي سبق للعراق أن عطله ما يقارب ربع قرن ، عندما رفعت إيران شعار" تصدير الثورة " في ثمانينات القرن الماضي ، على مستوى الأهداف البعيدة والإستراتيجية فإن إيران تقدر جيدا الفرصة التاريخية التي سنحت لها من خلال إزالة العراق كقوة عربية وإقليمية مكافئة لها في المنطقة حيث يتفرد العراق على الدوام بكونه قوة متوازنة ماديا وبشريا بعكس كل من السعودية ومصر التي يفقتقر كل منهما إما الى القوة البشرية أو الى القوة المادية.
         إن الهدف الجيو- الاستراتيجي الذي تسعى اليه إيران في النهاية هو أن تجعل من العراق مجالها الحيوي والاقتصادي وقاعدة لمشروعها القومي التوسعي المغلف بالمظلومية والدعوات الطائفية ثم الانطلاق منه لقضم المنطقة تدريجيا وتثبيت ركائز تواجدها سواء مباشرة أو بالنيابة ، في ظل وضع عربي متردي ولاينطوي على أية مقومات للممانعة أو التصدي.
    وقد سبق لإيران بهذا الصدد أن بعثت برسالة مكتوبة للإدارة الأمريكية الجديدة تبدي فيها استعدادها للتعاون الكامل مع هذه الإدارة والمساعدة في تأمين انسحابا هادئا مع الحفاظ على ماء الوجه والمصالح وكذلك تقديم المساعدة في أفغانستان مقابل إقرار أمريكي وغربي بهيمنة ونفوذ إيراني في المنطقة يمتد من زاخو في شمال العراق حتى مضيق هرمز في أقصى الخليج العربي .
سيناريو الانقلاب الأمريكي
    ترغب الولايات المتحدة بخوض صراعها مع إيران في ساحة العراق عبر قواعد اللعبة السياسية وليس خارجها ، فعهد الانقلابات العسكرية الكلاسيكية على غرار أمريكا اللاتينية قد ولى ، وفي الوقت الذي سددت فيه إيران ضربة إستباقية للمعسكر الموالي لأميركا في سياق التنافس الانتخابي من خلال ما يسمى بهيئة المساءلة والعدالة التي توازي في  "مصلحة تشخيص النظام" ، وإقصائها المئات من رموز هذا المعسكر تحت ذريعة اجتثاث البعث ، لم يتوانى الجنرال دايفيد بترايوس قائد القيادة المركزية الامريكية في الشرق الاوسط من وصف هذه الهيئة بأنها هيئة تدار من قبل فيلق القدس الإيراني ، كما  لم يتأخر الرد العملي الأمريكي فانبثقت "هيئة تمييزية" في البرلمان العراقي  عقب زيارة نائب الرئيس الأمريكي الى بغداد مباشرة وألغت هذه الهيئة قرار الاستبعاد .
    إن السيناريو الأمريكي المرتقب والذي يحظى بدعم بعض الدول العربية والذي يأتي في سياق ترتيب وتهيأة منضدة الرمل في المنطقة وإعتبار العراق ساحة من الساحات الاقليمية لتصفية الحسابات إستعدادا لأي تصعيد محتمل في المستقبل  ضد  إيران ، يسعى  باتجاه فوز كتلة من السياسيين غير الموالين لإيران ممن يرفعون شعارات وطنية وليس طائفية الامر الذي قد يتيح هامشا من الانفراج النسبي في الوضع السياسي والامني المحتقن ويبعد شبح السيطرة الايرانية المباشرة على مقدرات العراق ، ويقدم فرص أكثر لتحقيق المصالحة الوطنية إذا ما تأكدت توقيتات الانسحاب الامريكي الامر الذي قد يهيأ ظروفا ملائمة لعودة آلاف الكفاءات الوطنية العراقية المشردة في كافة الميادين لتصفية آثار الاحتلال السياسية والاجتماعية وإيقاف التأثير والمد الايراني المتنامي في العراق .
سياسة حافة الهاوية
    يبقى الوضع في العراق مفتوحا على كافة الاحتمالات وترتبط هذه الاحتمالات والخيارات إلى حد بعيد بصراع المحاور في المنطقة التي تشعر بالقلق والتهديد أزاء الطموحات الايرانية من جهة ،وتطورات الصراع بين الغرب وإيران بخصوص ملفها النووي من جهة أخرى ، ومن المتوقع أن يلجأ المتنافسين  الرئيسيين أو عبر وكلائهما المحليين  عشية الانتخابات الى كافة الوسائل لترجيح فرص فوزهم بما في ذلك الضرب تحت الحزام وفوقه ، ولعل ذلك ما يفسر العنف المزمن  والتفجيرات ذات الطابع الطائفي التي إستهدفت مواكب الزائرين الابرياء الى الاماكن المقدسة في محاولة لاستعادة الشحن الطائفي الى الشارع ، وكذلك مسلسل الاغتيالات وتدمير النصب التذكارية المتعلقة بالحرب العراقية الايرانية ، بل إن توقيتات إعدام بعض مسؤولي النظام السياسي السابق المتهمين بأحداث 1991 وحلبجة تأتي أيضا في سياق الدعاية الانتخابية .
 وليس من المستبعد نتيجة لاهمية هذه المعركة بالنسبة لايران على مستوى أمنها القومي وطموحاتها الاستراتيجية ومستقبل نظامها السياسي ، إن تشهر إيران أخطر أسلحتها في سياق المعركة الانتخابية بعد أن تستهلك جميع آليات القمع والتزوير والاقصاء ، وإذا ما أفلست جميع محاولاتها في إجهاض فرص فوز المعسكر الامريكي ،  وهو اللجوء الى سلاح المرجعيات في إصدار الفتاوي لانتخاب القوائم الطائفية ، ويدخل عندئذ المشهد الساسي العراق الى حيز سياسة حافة الهاوية .
 في المقابل فإن الولايات المتحدة الامريكية قد تلجأ بدورها الى "الكي" كآخر دواء ينهي آلامها المزمنة في العراق فتستخدم خياراتها القانونية عبر قرارات مجلس الامن الدولي ، الذي لايزال العراق يقبع تحت وصاية الفصل السابع من ميثاقه ، والذي يتيح للاحتلال الامريكي ألاشراف التام على مقدرات العراق الامنية والسياسية والاقتصادية طبقا لقرار مجلس الامن ساري المفعول المرقم 1546 في 8 / 6 / 2004 والتي تنص المادة عاشرا منه على أن  " يقرر أن تكون للقوات متعددة الجنسية سلطة إتخاذ جميع التدابير اللازمة لحفظ الامن والاستقرار في العراق "
 وعلى الرغم من جميع هذه الاحتمالات الواردة أعلاه ، فإنه في نفس الوقت على أي باحث موضوعي في الشأن العراقي الغير مستقر أن يضع في حسابات وأن لا يستبعد احتمالات حصول صفقات أقليمية للتسوية والتفاهم وتقاسم النفوذ ونوع من  " التسليم والاستلام " بين أكثر من طرف دولي وإقليمي  ولكن بصورة رئيسية بين  الولايات المتحدة الامريكية وإيران والذي من المتوقع أن تجري هذه الصفقات على حساب وحدة العراق وعروبته ومصالح شعبه ومستقبله ويضع العراق أمام حقبة جديدة من الاحتلال .
 ---------------------------------------------------------
·        دكتوراه فلسفة في العلوم السياسية / العلاقات الدولية – جامعة بغداد
·        رئيس مركز دراسات الاستقلال

هناك تعليق واحد:

  1. الأخ د. خالد المعيني
    تحية طيبة وبعد...
    إذا كانت دول كأمريكا ومصر والسعودية الخ. قد عملت في الخفاء والعلن على إستنزاف العراق حتى قبل حروب الخليج الأولى والثانية والثالثة التي دمرته، هل يحق لها الآن التباكى على مصيره وإستشراء النفوذ الإيراني فيه؟! ألم تساهم هذه وغيرها من الدول بطريقة وأخرى في تحريض ودعم ومساعدة حركة العنف والتمرد والعصيان الكردية في شمال العراق؟!
    وإذا كان العراق مهدد للوقوع في الهاوية، فالقوات العسكرية الأجنبية الغازية لا زالت موجودة على الساحة، والقرار الأممي تحت البند السابع لا زال قائماً ومسلطاً وممكن تفعيله مجدداً للتدخل وفرض أمر واقع مغاير يأخذ في الحسبان مصالح الشعب العراقي المُعذب ووحدة تراب البلاد قبل أي شيئ آخر، وعمل كهذا يستوجب البدء بتجريد كافة الميلشيات من سلاحها، مروراً بإلغاء قرار إجتثاث البعث المغرض، وإنتهاءً بلجم كل أشكال الطائفية، ناهيك الى ملاحقة ومحاكمة ومعاقبة جميع من أياديهم ملوثة بدماء الأبرياء في العهد الحالي والعهود السابقة وكل اللاحقة.
    سالم عتيق

    ردحذف