السبت، 14 نوفمبر 2009

ثورة التسول الكبرى، محمد فوزي عبد الحي


ثورة التسول الكبرى


ربما أوحي ظاهرها بطابع مؤامرة دنيئة تحاك ضد الأمة، والواقع أنها نوع من الخبال والسعال والإسهال الفكري الذي أصاب عقول وأنوف وبطون كثير ممن تسنموا قيادة العمل الاجتماعي المصري متخذين منه واجهة إعلامية، ووجاهة اجتماعية، ووسيلة للكسب غير المشروع، وهذا نوع من السبهللة (السبهلل: الفارغ من كل شيء، أي الذي لا خير فيه، وفي اللسان: يقال: هو الضَّلال بنُ السَّبَهْلَل أَي الباطل. ويقال: جاء سَبَهْلَلاً لا شيء معه... وجاء فلان سَبَهْلَلاً أَي ضالاًّ لا يدري أَيْن يَتَوَجَّه) الفكرية والمؤسسية للنشاط الاجتماعي أقل ما توصف به أنها "جعجعة كاذبة".. أليس هذا توصيفا واقعيا لغالب المجالس والمؤتمرات والجمعيات المعنية برفع المستوى المعيشي والتعليمي والمهني والصحي للمرأة والطفل والأسرة العربية والمصرية على الأخص، ودعم الحراك السياسي والاجتماعي للفئات الفقيرة والمعدمة والمهمشة؟
فدولة كمصر عريقة في غناها ومواردها وتاريخها الاستبدادي تحفل بمئات الآلاف يعيشون في المقابر، يشاطرون الأموات مخادعهم، ويزعجونهم بآثامهم ورذائلهم، وينتهكون الخشية العميقة لهذه المدائن الصامتة... مئات الآلاف من الأرامل واليتامى والثكالى ومن لا عائل لهم ولهن... ملايين العاطلين، جيوش من الحيارى المشردين، آلاف من اللقطاء المظاليم؛ ثمرات عجاف لخيانة فجة في حق الله والأمة والشرف والمروءة والأخلاق.. حدائق بنت المعز شاهد عيان على أزمة الفكر السبهللي، والجمعيات السبهللية، ومجالس السبهللة النسائة التي تعقد مؤتمرات الزغللة والبهللة للدفاع عن المزعومة حقوق الطفل والمظلومة حقوق المرأة، وكما قال الأول: أسمع جعجعة ولا أرى طحنا، فإننا نسمع صخبا مثيرا وكلاما خطيرا ولا نرى على أرض الواقع مأثرة أو واقعة تستحق الإشادة والتسجيل..
يزداد عدد الفقراء مع كل صباح جديد، ويرتفع عدد المطلقات بشكل يدمي القلوب المؤمنة، ويبعث العقلاء على التفكير مليا في مستقبل أمة تتهدم فيها اللبنات التي تحفظ الدين والتقى والطهارة والحياة، أليست الأسرة هي الحصن الأخير المتبقي بعد سقوط حصوننا الأمامية، سقط حصن السلطان، وسقط حصون أهل العلم، ولم يبق إلا الأسرة مربط العفاف ومنبع الصمود..
الأمراض تلتهم الفقراء التهاما نتيجة للتلوث الصناعي والبيئي، وسرطنة وهرمنة الزراعات، يجري كل هذا بينما هناك طوقة من المهرجين المنتفعين بخيرات الأمة تنظر لهذا الشعب، وهو يقاسي الأمراض والأوبئة والتلوث والفقر والموت، والسادة نجوم المحافل والبرامج والمؤتمرات يصدعون أدمغتنا ويملئون مسامعنا بغثاء كذبهم المفضوح ليل نهار..
ونتيجة لتراكمات ثقافة الخيانة والهبش، والتجويع واللطش – تفجرت ثورة التسول الكبرى في تاريخنا المعاصر، إنها ثورة السرقة المرتدية لباس القانون والناجمة عن ثورة السرقة القانونية المعاصرة.. متسولون يطرقون أبواب البيوت، متسولون يصدعون بعبارات الوعظ الرقيق والدعوات المأثورة في الحافلات الجماعية، ومتسولون لصوص يمارسون مهنة التسول بأطفال لقطاء، وبنات يتيمات، متسولون في مواقف سيارات الأجرة، متسولون يحرمونك النوم في القطارات، متسولون في المساجد، والجامعات، والمستشفيات، والمصارف.. متسولون في الحدائق العامة ومحطات الركاب على الطرق ..متسولون .. متسولون .. متسولون..
كل هذا يجري مع إن المدعوّة "معدلات" التنمية تزداد كل عام، وبنت عمها "فرص" العمل تلوح في الأفاق لكل طالب، وعدد الجمعيات الموسومة بالخيرية، وعدد الاجتماعات والنجوم الأخيار والقيادات النسائية يخرجن علينا من نوافذ وشبابيك وفتحات ومناور المذياع والتلفاز والصحف والمجلات الأموية.
أضحى المناخ المصري كله مناخ تسول؛ علية القوم يتسولون موائد أمريكا والاتحاد الأوربي، والمتسلطون يتسولون ثروات الشعب سرقة ونهبا، وآثار الشعب تهريبا وبيعا، وأرواح الشعب اتجارا وسرقة وتقطيعا واستغلالا، وطالت الكارثة أرباب الفكر فأضحى الكتاب يبيعون أقلامهم لمن يدفع؛ حزب يتسول موائد أكاسرة فارس، وآخر يتسول موائد قياصرة أوربا، وثالث يتسول موائد أنظمة دخلت جميعها سجل الموسوعات القياسية من الأبواب الخلفية، وهناك فرق تسول تلعب في دوريات أقل شهرة تتسول وظائف البلاد وأرزاق العباد دون كفاءة أو استحقاق بقوة السلطة والمال وأحيانا البلطجة.
يبدو الأمر وكأن واحدا من شيعة عائلة "فساد" - والتي أصبح لها النصيب الأوفر من حياة ووطن ودماء المصريين، ولها أجنحة خاصة في جامعاتهم ومعاهدهم ومصانعهم وشركاتهم ومستشفياتهم ومجالسهم ومؤتمراتهم وجمعياتهم - قد ألقى نطف التسول في ماء النيل وولّى وتركها دون رجعة، ومعروف أن التسول أحد أبناء السيد "فساد الشاطر"، وسلسلة النسب الكريم للسيد فساد معلومة للجميع، فهو ابن السيد "ظلم الشاطر"، والسيدة "خيانة الشاطر"، وجده لأبيه وأمه السيد "استبداد الشاطر" عليهم لعنة الله أجمعين، وقد أنجب من الذرية الكثير، وأسماء عشيرته لا تخفى عليكم!!!
لم تثبت سوى فئة قليلة شريفة لعلهم من أومأ إليهم المعصوم صلى الله عليه وسلم بقوله: "طوبى للغرباء قيل: من الغرباء قال: أناس صالحون قليل في ناس سوء كثير من يعصيهم أكثر ممن يطيعهم." أخرجه الطبراني.
وفي ظل هذه المناخ التسولي، تفنن صغار المتسولين في طلب ما في الجيوب، فتخصص بعضهم في التسول الطبي؛ فتراهم ومعهم الوصفات الطبية (الروشتات)، والأشعة والتحاليل والتقارير، أما عيونهم فلا تسأل عنها فهي دامعة هامعة ، ذليلة خاشعة، تتفطر منها القلوب وتتفتح لها الجيوب!
أغرب ما قابلت من ذلك أحد المتسولين أمام مستشفى الدمرداش بالقاهرة، أوقفني، وخاطبي: يا شيخ، أخت ميتة في المستشفى ونحن من كفر الشيخ، ونريد تحصيل أجرة سيارة نقل الموتى وثمن الكفن..
وبعد مرور أسبوعين، وفي المكان نفسه، لقيني هناك فأوقفني ثانية، وبدأ يحكي القصة ثانية، حيث يريد سيارة لنقل جثمان الميت، فقلت له، هي الأخت الميتة ما زالت في المستشفى من ليلة ما قابلتني؟؟!!
تخصص فريق آخر في التسول الأسري متذرعا بخلفة البنات، ومشاكل زواجهن وتكلفة تجهيزهن، وطلاق البنت وترك الزوج النذل أولاده لها دون عائل...بينما تخصص فريق ثالث في التسول القومي، فانتمى إلى فلسطين، وخاصة غزة الجريحة، فتطرُق إحداهن البيوت تسأل أهل الفضل طعاما لبناتها الفقيرات اليتيمات وأخواتها الأرمل اللاتي أثكلهن الأعداء وأعرضت عنهم النعمة وركبهم البلاء والنقمة.
امتهن كثير التسول، فخرجوا في مواعيد عمل تناسب تحصيل أرزاقهم المرذولة، ترتبط بموعد قطار بعينه أو تجمعات خاصة أو صرف موظفي إحدى الشركات لرواتبهم.. ربما تكون جالسا في لقاء مع أحد معارفك أو عملائك أو زملائك فتجد ظرف التسول يدور في الشركة أو على شقق العمارة أو في مدرجات الجامعة، مكتوبا عليه مشكلة المتسول وظرفه العصيب..
لا يُنكر أن هناك حالات حرجة، وأناسا في حالة عوذ وحاجة ملحة، ولكننا اليوم نعيش ثورة التسول الكبرى، اختلطت الحاجة للعيش بالحاجة إلى وظيفة، والحاجة إلى طعام بالحاجة إلى بيت ومشروع وتأمين للمستقبل..وصار التسول مهنة وباب رزق، وخيار استرتيجي يمر عبر أنفاق غزة.
هنا تبحث عن ملايين أوروبا ومعوناتها، وعن الجمعيات الخيرية ودورها، وعن المجالس القومية، والمجلس القومي للمراة – ربنا يجعلنا في بركاته – الجميع مشغولون بقضايا مصر الجوهرية: محو الأمية، والختان، ومكافحة الزواج المبكر، والزيادة السكانية!!!
هل يعقل أن تنشغل أمة بهذه الأمور، وملايين البشر بلا غذاء ولا سكن ولا مأوى ولا عمل ولا أمل، ولدينا آلاف يبيعون أنفسهم من أجل جنيهات لشراء الضروريات الأساسية بينما عدة مئات ينفق أحدهم ملايين الدولارات على ساقطة، ويقيم أحدهم حفل زفاف على خليعة يكلفه ملايين الجنيهات، ويزوج ثالث ابنه في حفل أسطوري، ويقوم الإعلام ويقعد بأخبارهم على الصفحات الأولى، وصدق المتنبيء: وكم ذا بمصر من المضحكات ولكنه ضحك كالبكا، وصدق حافظ إذ ردده بعد ألف عام: وكم ذا بمصر من المضحكات كما قال فيها أبو الطيب!
لا بد من مراجعة أولويات هذا الوطن، وإيجاد حلول جريئة بديلة تناسب منظومة هذا المجتمع القيمية، وتخرج به من كبوته التاريخية، وتخطو به قدما للإمام، إن الأمة في محنة تاريخية، والعجب العجاب من النومان الغافل عن هذه المحنة، ولا تنتظر اليقظة والصحوة ولن تنقشع الغفلة إلا بالقضاء على التسول الفكري والوظيفي والاجتماعي الذي تغص به الزوايا العفنة من أرض أمتنا الغالية، وذلك بإصلاح التعليم والعودة إلى ظلال الدين، وحينئذ يمكن أن نربي جيلا مؤمنا صادقا يستحي بل يأبى أن يمد يده متسولا أو سارقا أو خائنا أو مختلسا، جيلا يزيل كلمة التسول من مفردات قاموسه، جيلا من العاملين الأكفاء الأحرار... دعونا نحلم بوطن طاهر ومواطن صالح، وربما لا تكون أضغاث أحلام!!

محمد فوزي عبدالحي
Faqeeh2life@yahoo.com

مستقبل الجمهوريين بعد انتخابات نوفمبر

محمد الجوهري

شهد الثالث من نوفمبر الجاري انتخابات في عدد من الولايات والمدن الأمريكية لشغل مجموعة من المناصب الشاغرة سواء في مناصب حكام الولايات أو بعض المقاعد التي خلت في الكونجرس، بالإضافة إلى اختيار عُمَدِ بعض المدن الأمريكية. كانت هذه الانتخابات - فيما يبدو- استفتاءً ليس فقط على شعبية الرئيس الأمريكي باراك أوباما، ومدى نجاح السياسات التي طرحها خاصة بعد مرور عام على انتخابه رئيسًا، وإنما أيضًا محدد هام لمستقبل سيطرة الحزب الديمقراطي على الأغلبية في الكونجرس بمجلسيه، مع اقتراب موعد الانتخابات التي ستشهدها الساحة الأمريكية خلال العالم القادم، والتي سيتم خلالها انتخاب ثلث أعضاء مجلس الشيوخ، وكل أعضاء مجلس النواب، فضلاً عن انتخاب عدد كبير من حكام الولايات.

وقد استطاع الحزب الجمهوري – بصورة كبيرة - حسم هذه المعركة الانتخابية المبكرة لصالحه، الأمر الذي دفع كثيرًا من وسائل الإعلام إلى طرح كثيرٍ من التساؤلات حول مستقبل المنافسة بين الحزبين الكبيرين خلال المرحلة القادمة، والمدى الذي يمكن أن يصل إليه تأثير هذه الانتخابات على مخرجات العملية الانتخابية العام القادم.

المشهد الانتخابي معقد

في ولاية نيو جيرسي New Jersey احتدمت المنافسة بين حاكم الولاية الديمقراطي جون كورزين Jon Corzine، والنائب العام السابق الجمهوري كريس كريستي Chris Christie وجديد بالذكر أن كورزين Corzine شغل هذا المنصب منذ أربع سنوات بعد أن استقال من منصبه في مجلس الشيوخ، ولكن الأمور في الولاية ليست على ما يرام بالنسبة له، فالأداء الاقتصادي داخل الولاية كان سيئًا للغاية، كما أن سلبياته تعددت خلال فترة ولايته، إلا أنه حاول التغلب على هذه العقبات بحملة انتخابية كبيرة، موَّلها من الثروة الكبيرة التي جناها عندما كان يشغل منصب المدير التنفيذي لشركة Goldman Sachs

ويرى كثيرٌ من المحللين أن هذه الانتخابات بمثابة استفتاء على شعبية منافسه الجمهوري كريس كريستي Chris Christie، والذي يعول على خبرته المهنية الكبيرة في مكافحة الجريمة، وقد أشارت استطلاعات الرأي خلال العام الجاري على تقدمه الكبير على منافسه الديمقراطي، ولكن المنافسة على المنصب لم تكن بمثل هذه السهولة نظرًا لوجود منافس مستقل هو كريس داجيت Chris Daggett، والتي أشارت كافة استطلاعات الرأي أن وجوده يهدد فرص المرشح الجمهوري في الفوز بهذا المنصب، لأن عددًا من الأصوات التي سيحصل عليها كريستي Christie سوف تتجه إلى تأييد داجيت Daggett. إلا أن كريستي Christie استطاع في نهاية الأمر حسم المنافسة لصالحه، حيث حصل على نسبة تأييد بلغت 49% في مقابل حصول كورزين Corzine على 45% من الأصوات.

وفي ولاية فيرجينيا Virginia استطاع الحزب الديمقراطي - خلال الولايتين الانتخابيتين الماضيتين - أن يحتفظ بمقعد حاكم الولاية، بالإضافة إلى ذلك تمكن من الاستحواذ على مقعدي الولاية في مجلس الشيوخ والتي كان يشغلهما الحزب الجمهوري، بالرغم من هذه النجاحات التي حققها الحزب الديمقراطي، إلا أن استطلاعات الرأي أشارت إلى تأخر مرشح الحزب الديمقراطي كريج ديدز Creigh Deeds أمام المرشح الجمهوري بوب ماك دونال Bob McDonnell، الذي كان يشغل منصب النائب العام السابق في الولاية. كما أن جذوره تمتد إلى أحد أقطاب التيار المحافظ في الولايات المتحدة بات روبرتسون Pat Robertson. وبالفعل تمكن ماك دونال McDonnell من هزيمة منافسه بفارق كبير، حيث صوت له 59% من الناخبين، في مقابل 41% صوتوا لـ ديدز Deeds .

كما شهدت ساحة الكونجرس أيضًا انتخابات تكميلية مهمة اشتد فيها الصراع بين الحزبين الكبيرين، ففي ولاية كاليفورنيا California المقاطعة العاشرة، والتي خلا مقعدها برحيل الديمقراطي الين توستشر Ellen Tauscher والذي انتقل إلى العمل في وزارة الخارجية. وفي سياق هذه المنافسة أشارت استطلاعات الرأي إلى تقدم المرشح الديمقراطي جون جارامندي John Garamendi على منافسه الجمهوري ديفيد هارمر David Harmer، وتمكن جارامندي Garamendi من الحصول على 53% من الأصوات مقابل 42% لـ هامر Harmer .

أما المقاطعة الثالثة والعشرين في ولاية نيويورك New York والتي خلا مقعدها في الكونجرس برحيل جون ماك هوجو John McHugh، ويشير المحللون إلى أن الانتخابات في هذه الولاية هي بمثابة صراع بين المحافظين والمعتدلين من أجل استعادة روح الحزب الجمهوري، وقد رشح الحزب ديدي سكوزافافا Dede Scozzafava، هذا الترشيح كان مقلقًا للغاية لأعضاء الحزب الجمهوري، نظرًا للمواقف المؤيدة التي تتخذها المرشحة من قضايا اجتماعية مهمة مثل الإجهاض والزواج المثلي، لذلك دفع الحزب بدعم أحد أقطاب المحافظين دوج هوفمان Doug Hoffman والذي حظي بدعم كثير من أقطاب الحزب الجمهوري أمثال سارة بالين Sarah Palin وتيم باولينتي Tim Pawlenty ومايك هوكابي Mike Huckabee، الأمر الذي اضطر ديديDede إلى الانسحاب. إلا أن هذا الدعم الذي حظي به هوفمان Hoffman لم يجد في دعم فرصه لشغل المقعد، حيث تمكن مرشح الحزب الديمقراطي بيل أوينز Bill Owens من هزيمته والفوز بمقعد المقاطعة في مجلس النواب، فحصل أوينز Owens على 49% من الأصوات مقابل 45% لمنافسه هوفمان Hoffman. كما شهدت عدد من المدن الأمريكية انتخابات لشغل مناصب العُمَد فيها، ومن هذه المدن مدينة أتلانتا Atlanta ومدينة بوسطن Boston ومدينة هيوستن Houston .

انتخابات نوفمبر: مصير الرئيس وحزبه على المحك!

من جانبه أعد راديو NPR تقريرًا أكد فيه أن هذه الانتخابات يبدو للوهلة الأولى أنه ليس لها أدنى علاقة بشعبية الرئيس الأمريكي والدعم الذي يحظى به، خاصة مع تزامن هذه الانتخابات مع مرور عام على انتخابه رئيسًا للولايات المتحدة في الرابع من نوفمبر عام 2008. إلا أن هذه الأمر ليس صحيحًا على إطلاقه، لأن نتائج هذه الانتخابات ستكون هامة بالنسبة للرئيس وللحزب الديمقراطي، وساق التقرير عددًا من الأدلة التاريخية من انتخابات سابقة مشابهة، كانت لها تأثيرات كبيرة على المعادلة السياسية داخل الولايات المتحدة الأمريكية. منها – على سبيل المثال - انتخابات عام 1989 والتي احتلت فيها قضية الإجهاض أهمية مركزية في اختيار اثنين من حكام الولايات الأمريكية، وكان من نتيجتها أن تم اختيار كل من المرشحين الديمقراطيين جيم فلوريو Jim Florio حاكمًا لولاية نيو جيرسي New Jersey، ودوج وايلدر Doug Wilder حاكمًا في ولاية فيرجينيا Virginia، وتزامن مع ذلك اختيار أول عمدة أسود في تاريخ مدينة نيويورك هو الديمقراطي ديفيد ديكنز David Dinkins.

وكان أحد أهم أسباب هذا النجاح الذي حققه الحزب الديمقراطي هو نجاحه في التعامل مع قضية الإجهاض، فضلاً عن قدرته على تجاوز الاختلافات العرقية وإقامة تحالفات انتخابية ساعدت مرشحيه كثيرًا في تحقيق هذه الإنجازات، وهى أمور أسهمت في تمكن الحزب من اقتناص منصب الرئاسة في الانتخابات الرئاسية التالية، بفوز الرئيس الأمريكي السابق بيل كلينتون.

إلا أن التقرير عاد وأضاف أيضًا أنه في بعض الحالات فإن هذا النوع من الانتخابات لا يمكن أن يعطي دلالة واضحة بالنسبة لنتائج الانتخابات وتحديد شكل المعادلة السياسية على الساحة السياسية. ويبرز التقرير في هذا الإطار تجربة الانتخابات التي حدثت في عام 2001 والتي استطاع فيه الحزب الديمقراطي إعادة السيطرة على هاتين الولايتين، ولكن في العام التالي حقق الجمهوريون نصرًا انتخابيًا تاريخيًا، سيطروا من خلاله على الأغلبية في الكونجرس، فضلاً عن منصب الرئاسة، وكان ذلك راجعًا بصورة أساسية إلى وقوع أحداث الحادي عشر من سبتمبر.

مستقبل الجمهوريين تحدده نتائج الانتخابات

أما صحيفة "وول ستريت جورنال" فقد ركزت على انتخابات حكام الولايات في فيرجينيا ونيو جيرسي وعمدة مدينة نيويورك، مشيرة إلى أن أعضاء الحزب الجمهوري متفائلون جدًّا بهذه الانتخابات؛ لأن نتائجها – والتي جاءت في صالحهم - ستكون ذات دلالة على المشاكل الكثيرة التي سيواجهها الحزب الديمقراطي في انتخابات الكونجرس العام القادم 2010، فضلاً عن المشاكل التي يواجهها الرئيس أوباما، والتي من الممكن أن تؤثر على المستقبل السياسي له ولحزبه، لأنها تعني أن الناخبين بدءوا يدركون عدم جدوى السياسات والبرامج التي طرحها الرئيس خلال الفترة الماضية.

ولفتت الصحيفة الانتباه إلى أن النتائج الإيجابية التي حققها الحزب الجمهوري من الممكن أن ترفع كثيرًا من أسهمه خلال المعارك الانتخابية التي سيخوضها الحزب خلال الفترة القادمة، حيث ستؤدي مثل هذه النتائج إلى زيادة التبرعات والموارد المالية التي سيحصل عليها الحزب، بالإضافة إلى اختيار قيادات أكثر قدرة على خوض انتخابات الكونجرس القادمة.

بالين وبايدن في قلب السباق الانتخابي

ومن جانبه قدم برنامج Good Morning America – الذي يبث على شبكة ABC – تقريرًا أعده جون بيرمان John Berman أكد فيه أنه نظرًا لأهمية نتائج هذه الانتخابات وما ستسفر عنه، فقد شهدت حضورًا لشخصيات هامة وبارزة من الجانبين الجمهوري والديمقراطي، حيث برز دور كل من نائب الرئيس جو بايدن ومنافسته السابقة على هذا المنصب الجمهورية سارة بالين.

ولفت التقرير الانتباه إلى أن سارة بالين عبرت عن دعمها الكبير للمرشح المحافظ دوجلاس هوفمان Douglas Hoffman الذي كان يسعى للحصول على مقعد المقاطعة الثالثة والعشرين في ولاية نيويورك داخل مجلس النواب، مضيفا أن هذا الدور الذي حاولت بالين لعبه في فاعليات هذه الحملة الانتخابية، يؤكد سعيها الحثيث إلى إعادة نفسها إلى قلب الأحداث السياسية داخل الحزب الجمهوري، ولذلك فإن نجاح هوفمان Hoffman سوف يكون هامًّا بالنسبة لها، لأنه سيعطي انطباعًا أنها ما تزال شخصية سياسية قادرة على إدارة الحملات الانتخابية، وهو ما لم يتحقق لها، حيث فشل هوفمان Hoffman في هزيمة المرشح الديمقراطي.

على الجانب الآخر أشار التقرير إلى أن نائب الرئيس بايدن حاول شق صف الحزب الجمهوري، حيث حث تيار الوسط داخل الحزب بإبعاد أنفسهم عن التيارات اليمنية المتطرفة داخل الحزب أمثال سارة بالين وراش ليمبو Rush Limbaugh الإعلامي الشهير، وأحد رموز التيار المحافظ داخل الولايات المتحدة.

نصر انتخابي كبير: نجاحات جمهورية في مقابل إخفاقات ديمقراطية

أما افتتاحية صحيفة "واشنطن بوست" فقد تناولت النصر الكبير الذي حققه ماك دونال McDonnell ونجاحه في اقتناص مقعد حاكم ولاية فيرجينيا Virginia، حيث أكدت أن هذا النجاح يبرز المهارات الكبيرة التي يمتلكها المرشح الجمهوري كسياسي محنك استطاع أن يدير حملته الانتخابية بنجاح، والقدرة الكبيرة على تناول القضايا الأساسية التي كانت محور حملته الانتخابية، وأضافت أنه استطاع أن يدرك تضاريس الخريطة الانتخابية في ولايته، فتمكن من الحصول على تأييد الأصوات المستقلة هناك، إضافةً إلى تناوله الذكي للعديد من القضايا الاجتماعية المهمة، والتي يأتي على رأسها قضية الإجهاض، وتمكنه من التواصل – بنجاح - مع فئات انتخابية مهمة مثل النساء والأقليات العرقية وغيرها من القوى التصوتية داخل الولاية، والتي لم يلتفت الحزب الجمهوري إلى أهميتها.

وعلى الجانب الآخر أشارت الافتتاحية إلى أن الخسارة التي مُني بها السيناتور الديمقراطي كريج ديدز Creigh Deeds أمام منافسه الجمهوري ماك دونال McDonnell لفتت النظر إلى كثيرٍ من الخطوات الخاطئة التي اتخذها السيناتور الديمقراطي في أثناء إدارته للحملة الانتخابية، وعدم قدرته على استغلال الفرص الكثيرة التي أتيحت أمامه من أجل الفوز بهذا المنصب الكبير، وتذكر الافتتاحية في هذا الإطار موقف ديدز Deeds من ضرورة فرض مزيد من الضرائب على سكان، مما يؤكد حقيقة مهمة – تشير إليها الافتتاحية – وهى أنه لا يمكن تحقيق نصر انتخابي في ولاية فرجينيا اعتمادًا على برنامج انتخابي يتضمن مزيدًَا من الأعباء الضريبية على الأفراد.

أما صحيفة لوس أنجلوس تايمز فقد نشرت تقرير - أعده كل من مارك زي باراباك Mark Z. Barabak وفاي فيوري Faye Fiore – أكدت فيه أن نجاح الحزب الجمهوري في حسم المعركة الانتخابية في الولايتين – فيرجينيا ونيو جيرسي - يعتبر بمثابة جرس إنذار للحزب الديمقراطي الذي يستعد لانتخابات التجديد النصفي للكونجرس خلال العام القادم، هذا النجاح اعتبره قادة الحزب الجمهوري – كما نقلت الصحيفة عنهم – بمثابة توبيخ من جانب الناخبين للرئيس الأمريكي، وتعبير عن يأسهم من الأجندة الليبرالية التي طرحها الرئيس منذ قدومه إلى السلطة.

وفي هذا السياق قال التقرير: إن نتائج هذه الانتخابية لن تكون في صالح الحزب الديمقراطي، لأن ما تمخض عنها من إدراك لدى الناخبين بفشل سياسات الحزب خلال الفترة التي سيطر فيها على الكونجرس ثم الرئاسة، وفي ظل حقيقة أنه في السياسة يلعب الإدراك دورًا هامًا في السياسة، قد يتجاوز في بعض الأحيان أهمية ما هو واقع فعلا، ومن ثم فإن نجاح الحزب الجمهوري سيكون له كثير من الإيجابيات على أداء الحزب خلال الفترة القادمة، لأنه حتمًا سيزيد من حجم التبرعات والموارد المالية التي سيحصل عليها الحزب في الفترة القادمة.

الديمقراطيون يخسرون أصوات الأقليات والمستقلين

وانتقل التقرير إلى جانب آخر من جوانب خسارة الحزب الديمقراطي، حيث أشار إلى أن هاتين الولايتين كانتا قد صوتتا لصالح الرئيس أوباما في الانتخابات الرئاسية العام الماضي، باعتباره أول رئيس أسود في تاريخ الولايات المتحدة، إلا أن نتائج انتخابات نوفمبر هذا العام أظهرت تغييرًا هامًّا في الخريطة الانتخابية لصالح البيض، ومن ثم فإن مثل هذا الأمر سوف يمثل عقبة كبيرة أمام الحزب الديمقراطي في اجتذاب أصوات الأقليات داخل هذه الدوائر الانتخابية المهمة.

وأضاف التقرير أن العوامل المتعلقة بالعرق لم تكن هي فقط المقلقة للحزب الديمقراطي، وإنما أيضًا فئة الناخبين المستقلين، والتي تعتبر من أهم العوامل الحاسمة في أي صراع انتخابي بين الحزبين الكبيرين، فقد صوتت هذه الفئة بنسبة كبيرة لصالح الجمهوريين في كل من فرجينيا ونيو جيرسي، ومن ثم فإن استمرار مثل هذا السلوك خلال الفترة القادمة قد يؤدي إلى حدوث خسائر فادحة يمنى بها الحزب في أي انتخابات قادمة، سوف تفضي حتمًا إلى تهديد سيطرتهم على الكونجرس بمجلسيه.

وانتقل التقرير إلى نقطة أخرى لفت فيها الانتباه إلى أن كِلا الحزبين قد أنفق ملايين الدولارات على الانتخابات، ليس فقط من أجل ضمان نجاح مرشحه، ولكن أيضًَا من أجل التأثير في نتائج انتخابات التجديد النصفي للكونجرس القادمة، باعتبارها الأهم لتحديد شكل المعادلة السياسية التي ستحكم الساحة الأمريكية في المستقبل القريب.

المأزق الأمريكي وأزمة الانتخابات العراقية


د.مهند العزاوي

مأزق خانق وهروب إلى الأمام

أزمة انتخابات على ارض رمال متحركة

قواعد اللعبة الأمريكية

عجزت الولايات المتحدة الأمريكية عن تحقيق أهدافها الإستراتيجية وتحقيق السيطرة الثابتة المستقرة في العراق وأفغانستان, وبالرغم من مزاوجتها القوة الصلبة والناعمة وباستخدام القوة الذكية لتطبيع الاحتلال سياسيا , ولعل الغطرسة الأمريكية والنزعة العسكرية التوسعية واستخدام القوة المفرط قد فاقم الأزمات واختلق بؤر العنف هلامية ويتجه بالعراق نحو الفوضى الشاملة بل وعزل شعب العراق الذي تمتد حضارته ألاف السنين وسخر منظوماته السياسية والإعلامية لتنمط أبنائه الشرفاء بالإرهاب مما غير من طبيعة الصراع والتهديدات وحرك بوصلتها نحو المعادلة الصفرية ونسف أي منحى عقلاني أو مخرج سياسي للازمة, وانعكس ذلك على نوع التهديدات الأمنية الداخلية المثقلة بعمليات شبحية تعكس صراعات دموية لأجندات أجنبية وإقليمية تحتل العراق اليوم وتعبث بأمن شعبه عبر الشركات الأمنية (المرتزقة) والمليشيات الطائفية والعرقية ناهيك عن تعاظم التهديدات الحربية في المنطقة باتجاه أخر, وخلف بذلك أزمات إقليمية خطرة في كل من العراق ولبنان وفلسطين واليمن والسودان والصومال وأفغانستان والباكستان وجعل كل منهم رقع حرب دموية متقدة, مما أدى إلى انفلات في المفاهيم السياسية والقانونية والأمنية الدولية, وقد انعكست سلبا على توازن المصالح الدولية وباتت في تهديدا مستمر.

مأزق خانق وهروب إلى الأمام

يكمن المأزق الأمريكي في النزعة العسكرية التوسعية وبيروقراطية التفكير والتدبير والإجراءات التي تقتصر على الدعاية السياسية والإعلامية , كما أن الفشل السياسي والعسكري في العراق وأفغانستان وعواقبهما الكارثيه في كافة المجالات قد زاد من هشاشة الأمن العالمي وفرض متغيرات في معادلة التوازن الإقليمي, ونشاهد تخبط واضح في سياسة الولايات المتحدة وهي متوغلة بالحروب والأزمات كمستنقعات العراق وأفغانستان والباكستان,ويبدوا أن الإدارة الجديدة لم تخرج عن منهجية سابقتها وخصوصا محاور الإستراتيجية الأمريكية تجاه العالم العربي والإسلامي ويمكن رصد الملامح كما يلي:-

1. افتعال وخلق الأزمات السياسية ضد دول العالم العربي والإسلامي .

2. توفير الدعم السياسي والاقتصادي والعسكري والإعلامي اللامحدود لما تسميه أمريكا "قارب النجاة في الشرق الأوسط" والمقصود بها (إسرائيل),وتأييد مخططاتها التوسعية والاستيطانية في فلسطين وتعزيز نفوذها الليبرالي في كل من العراق والخليج وأفريقيا.

3. هوس التواجد العسكري في المنطقة عبر التسهيلات وشبكة القواعد العسكرية وتشكيل نظم سياسية تابعة لها تعزز مصالحها الأحادية القطب يصاحبه قهر مجتمعي لشعوب الدول.

4. أطلاق يد الشركات القابضة العملاقة لإذكاء الحروب والنزاعات الطائفية والأزمات الإقليمية بغية فتح أسواق تصريف دموية على حساب دول وشعوب المنطقة .

5. استخدام بشع للحرب الدموغرافية ضمن فلسفة التقطيع الناعم وإشعال الصراعات الدينية وتعزيز الانقسامات في العالم الإسلامي، وخاصة بين السنة والشيعة.

6. تطوير أسلحة دمار شامل والقدرات الفضائية الأمريكية ضمن سباق تسلح وإغفال خطورة شركات ومصانع السلاح الخفيف والمتفجرات التي تفتح أسواق كبرى في دول العالم العربي والإسلامي بما يؤمن حقل تجارب مجاني ضد الشعوب والتي فاقت ضحاياهم مئات المرات ضحايا أسلحة الدمار الشامل والتي استخدمت جيوش لتدمير دول زعما نزعها.

أزمة انتخابات على ارض رمال متحركة

أضحى المشهد العراقي ارض رمال متحركة تهيئ فيه الانتخابات العراقية تحت حراب الاحتلال والتي اعد لها لكي تكون مفصل حيوي ضمن خطة الخداع الاستراتيجي وصرف الأنظار عن استمرار احتلال العراق ونقض تعهدات الرئيس الأمريكي اوباما للشعب الأمريكي والعالم العربي والإسلامي حول إنهاء الحرب والانسحاب من العراق وإغلاق المعتقلات ومحاسبة المقصرين من العناصر التي ارتكبت جرائم التعذيب والاغتصاب ونلمس اليوم هروب إلى الأمام نحو إدامة الحروب وهذا ما يؤكده تصريح الجنرال "كيسي General Casey" رئيس أركان الجيش حيث يقول:- "على البنتاغون أن يخطط لتوسيع عمليات القتال والاستقرار في حربين لغاية عشر سنوات على عكس خطابات السلام .

يفتقر العراق إلى بيئة سياسية مستقرة لإجراء الانتخابات الدموقراطية في ظل مشهد قاتم دموي يسوده الاعتقالات والتهجير والتقتيل والتعذيب وفشل سياسي وعسكري واقتصادي طال جميع مرافق الحياة في العراق, حيث يصف الخبراء المشهد العراقي ارض رمال متحركة وبيئة حربية متقدة لما تشهده من عمليات حربية وعنف مفرط وجريمة منظمة وفوضى شاملة وتدمير منظم طال العراق وشعبه, كما أنها لا تتسق بمفاهيم وقيم الممارسات الديمقراطية مثل:- السيادة والاستقلال والاستقرار السياسي , رصانة وتجانس الطبقة السياسية ,التكامل العسكري , منظومة القوانين ,نظم صيانة الممارسات الديمقراطية , تداول السلطة السلمي , بني تحتية رصينة تؤدي مهامها الأساسية بدقة وحرفية متناهية تحكمها طواقم مسائلة رصينة تقيم الأداء وتصحح المخططات, انتعاش الطبقة الوسطى, دخل الفرد,التنمية , الادخار ,الاستثمار, التربية, التعليم ,التطوير, مناخ وطني ديمقراطي بعيدا عن طغيان السلطة وقمع القوات الأجنبية المحتلة , وهذا ما يفتقده المشهد العراقي بالكامل منذ الغزو ولحد الآن, وفي الواقع أن مقومات ما يسمى العملية السياسية ارتكزت على زعانف ذات صبغة سياسية طائفية وعرقية عدد كبير منها يمثل أجندات أجنبية وإقليمية غيبت فيها الإرادة الوطنية والشعبية العراقية المستقلة , حيث رسخت الدوائر السياسة والعسكرية الأمريكية مفاهيم سياسية واجتماعية وقانونية وأمنية هجينة ومشوهة , واغتالت منظومة القيم الوطنية المتعارف عليها دوليا وقسمت العراق سياسيا وعسكريا واقتصاديا إلى ثلاث دويلات او محميات تقودها الأحزاب الطائفية والعرقية تمهيدا لمشروع تقسيم العراق, وبذلك أصبح الشعب العراقي طوائف وأعراق ( شيعة ,سنة ,أكراد, تركمان , كلدان, آشوريين, شبك ..الخ) كل يبحث عن مغانم وقتية وإثراء غير شرعي, ونشهد ملامح الهروب إلى الأمام في السياسة الأمريكية وترحيل الأزمات واختلاق المواقف التي تساهم في تعقيد المشهد العراقي وتبتعد عن المعالجة الحقيقة للازمات والملفات المتفجرة التي تعصف بالعراق ويبدوا أن الغاية هو أظهار الإنتاج الأمريكي ليكون مقبول عربيا وإسلاميا مما يؤمن لها شرعية نسبية للهيمنة على ثروات العراق و تامين الأمن السياسي لقواتها في العراق على حساب امن المواطن والمجتمع العراقي وعلى سبيل المثال عقد الاتفاقيات المختلفة ومنها الاتفاقية الأمنية.

قواعد اللعبة الأمريكية

يجري الحديث كثيرا بين القوى والشخصيات الوطنية عن ضرورة وجدوى الولوج والاندماج في العملية السياسية وإجراء التعديلات والتحسينات لإنقاذ العراق وهو تفكير مشروع لذوي النية الحسنة في ظل دوامة الدم والعنف والخراب والتدمير والفساد وانهيار قدرات العراق المحسوسة , بينما نرى في الاتجاه الأخر البورصة الانتخابية شخصيات تعقد صفقات تحت الطاولة في العراق ودول أخرى وفي فنادق خمس نجوم كما وأن بعض القوى السياسية تمنح صكوك تأييد لأشخاص وقوائم انتخابية في الظل وفي العلن ترفض.., وحقيقة الأمر أن تجسيد تضاريس المشهد العراقي على الأرض يخالف تماما تلك الفرضية وهناك الكثير من المعوقات التي تجعل التغير شبه مستحيلا في ظل الاحتلال ما لم يتم اللجوء إلى المنحى العقلاني والموضوعي لمعالجة الملفات السوداء التي خلفها غزو العراق , ولا يمكن تجاهل وسائل التأثير الأمريكي المباشر أو الغير مباشر باستخدام المال( الرشوة) أو التهديد بالفضائح والتشهير وأحيانا بالتصفية الجسدية وغالبا تلفيق ملفات الإرهاب كما جرى لعدد من السياسيين,وتلك محددات ومعوقات العمل السياسي في ظل الاحتلال, وهنا حظوظ التغير والتعبير محدودة جدا, وإذا افترضنا تيسر معابر الوصول إلى صنع واتخاذ القرار, نجد أن قواعد اللعبة الأمريكية ومنهجيتها في العراق تقف عائقا ولا تتسق مع المنحى العقلاني والمعالجة الموضوعية في تفكيك الأزمة العراقية, حيث تعرض الناخب العراقي إلى كوارث دموية وممارسات تنتهك حقوق الإنسان ومجازر وجرائم حرب ومداهمات واعتقالات طائفية لم تعالج بشكل موضوعي وعقلاني وأنساني ولا تزال مستمرة حتى يومنا هذا, والأكثر إثارة للجدل سياسيا وشعبيا الدستور الذي أسس على أساس تقسيم المغانم بين الأحزاب الطائفية والعرقية وخصخصتها إلى رؤساء الأحزاب وإلغاء مفهوم الوطن وهويته وتقسيمه , وابرز ايجابية في الدستور( الحقوق والحريات) التي لم تطبق أبدا حيث جرى تعطيل الحياة الدستورية بالكامل من قبل الحكومة وبالتالي لا يوجد تناغم وتجانس واحترام في عمل السلطات الثلاث وهي ابرز مقومات العمل الديمقراطي, ولم نشهد تطبيق البرامج الانتخابية التي طرحت للرأي العام قبيل الانتخابات السابقة, بل شاهدنا مؤخرا تشضي وانشطار وتناسل الأحزاب الطائفية والعرقية لتشترك في مارثون التحالفات والائتلافات وبيافطات ذات شعارات وطنية دون مبالاة بما يعانيه الشعب على الرغم أنهم لا يزالون يشكلون أبعاد المشهد السياسي العراقي, والملفت للنظر أن المشهد تدهور نحو الاسوء والبيئة الشعبية تتجه إلى العزوف الشامل عن الانتخابات, ويستحيل تطبيق ممارسة ديمقراطية حقيقة في ظل بيئة حربية متقدة وسياسية قلقة واجتماعية متشظيه تنخرها البطالة والجوع والجريمة واستخدام القوة اللاشرعي ضد الشعب العراقي, ناهيك عن منظومات مؤسساتية هشة متسرطنة بالمحاصصة الطائفية والعرقية والفساد في كافة أرجائها وكذب وتضليل وتزييف الحقائق والمواقف مما افقد ثقة الشعب بالطبقة السياسية والمؤسسات التنفيذية , أسال كيف نؤمل أنفسنا بالتغيير السياسي وانتهاج الممارسات الرصينة والخروج من الأزمة العراقية بسلام وهناك خلاف كبير بين الركيزة الأساسية الشعب وقواه ومقاومته والطبقة السياسية الحاكمة , ولا يمكن أن ننسى المحرقة العراقية فهناك مليوني مفقود وشهيد, وخمسة ملايين مهجر في الدول العربية وأوربا وأمريكا وهم ضحايا التهجير والحرب الدموغرافية والتغيير السكاني للمدن العراقية الذي مارسته المؤسسات الرسمية والمليشيات والأحزاب الحاكمة والمرتبطة بأجندات أجنبية وإقليمية حاقدة ,إضافة إلى ملايين الأرامل والأيتام وجيوش العاطلين عن العمل وسجون تفترش ارض العراق نزلائها المعتقلين الأبرياء والذي تم اعتقالهم بدوافع طائفية وفق وشاية "المخبر السري" , إضافة إلى فقدان الخدمات الأساسية والرعاية الاجتماعية والصحية وجيش من المليشيات ومليشيات في الجيش وقوانين وإصلاحات سياسية وقانونية معطلة لم تنفذ كي تحقق المصالحة السياسية والتوافق والإجماع الوطني, تلك تشكل فجوة كبيرة في المشهد الانتخابي وتنعكس أيضا على من يرغب بالتغيير كون الوقائع مؤلمة ومحبطة والقوانين معطلة ومستهلكة وفاقدة الصلاحية والتركة ثقيلة وبذلك يشك في تحقيق انتخابات حرة وشفافة في ظل تحنيط المشهد الحالي, ونحن نعلم هشاشة مفوضية الانتخابات الحالية وكيف تشكلت وارتباطات المفاصل التنفيذية حيث تخضع لمعايير المحاصصة الطائفية والحزبية , والحقائق تشير إلى كم هائل من التزوير والفساد,ولا يمكن أن نستثني عامل مهم هو الارستقراطية السياسية هذه الطبقة التي تعيش بشكل طفيلي على معاناة الشعب العراقي وفي بيئة مرفهة وتحتكم على ملايين الدولارات من الإثراء الغير شرعي وهو مال الشعب ناهيك عن قمع السلطة وتسخير أموال الدولة والشعب لإغراض انتخابية تخدم شخص أو حزبا بذاته , ويمكن أن نطلق عليه الفساد الانتخابي, وهناك لا تزال عدم ثقة شعبية وسياسية حول الانسحاب الأمريكي وضماناته ناهيك عن عناصر الضغط والتهديدات من ذوي النفوذ الإقليمي المتغلغل في العراق والتي تلقي بظلالها على المشهد الانتخابي وتؤثر في نتائجه وتسعى لتحقيق رقع متقدمة ضمن لوحة المصالح وبالتأكيد أن المصلحة العليا للعراق وشعبه غائبة ومغيبة عن تلك اللوحة طيلة السنوات الماضية.

بالتأكيد أن الأمور تقاس بالنتائج هكذا يقيم أداء البرنامج السياسي لأي سياسي أو قوة سياسية أو نظام سياسي أو مؤسسات دولة ونترك حرية التقييم والاختيار والتغيير للشعب العراقي, وبالرغم من الحرب الإعلامية الأمريكية التي نشهد ملامحها الظالمة اليوم والتي تنفذها دوائر ومنظومات الاحتلال لتسويق أزمة الانتخابات العراقية كممارسة دموقراطية وضرورة إنجاحها إعلاميا وفق أساليب الدعاية السياسية والإعلامية عن طريق وسائل الإعلام المأجورة التابعة والملحقة بالمشروع الأمريكي , لكنها لا تغيير من واقع المشهد العراقي شيئا فان الوضع العراقي ما يزال "ارض رمال متحركة".

د.مهند العزاوي