السبت، 14 نوفمبر 2009

هل أصبحت الورقة المصرية "كادوك" ؟!

كتب : عريب الرنتاوي

وفرت التوصية الصادرة عن اللجنة المركزية للانتخابات في فلسطين "إنفراجة" في الوضع الداخلي الفلسطيني، يمكن أن تؤسس لانفراج أشمل وأبعد مدى، ويمكن أن تكون "استراحة المحارب" التي ستليها جولات أشد سخونة في المواجهةالفلسطينية الداخلية، ، الأمر يعتمد كليا على الخطوة التالية لكلا الفريقين الفلسطينيين المتناحرين، فكيف ذلك ؟.

إن قبل الرئيس عباس "توصية" اللجنة، وأرجأ الانتخابات حتى إشعار آخر – وهذا هو الاحتمال الأكثر ترجيحا وفقا لمصادر رام الله – فمعنى ذلك أن الرئيس الممدة ولايته – حسب بعض القراءات القانونية – أو الشرعي – وفقا لقراءات أخرى، سيجد نفسه بلا شرعية في الرابع والعشرين من كانون الثاني/يناير المقبل، كما أن المجلس التشريعي الفلسطيني الذي تسيطر حماس على غالبية مقاعده، ستكون قد انتهت ولايته، وفقد شرعيته أيضا، وعليه، سنكون أمام مأزق "شرعية" أشد تفاقما من مأزق الشرعيات وجدلها الذي يعصف بنا منذ سنوات، وسنكون أمام وضع قد يحتاج في مختلف الأفرقاء بعضهم لبعض لتجديد شرعياتهم وإعادة الاعتبار لها.

على أن "سؤال الشرعية" ليس السؤال الوحيد الذي يشغل بال طرفي المعادلة الفلسطينية الداخلية، بل وليس السؤال الأهم، فدائما يوجد هناك ما يمكن سوقه في معرض البرهنة على "شرعية" هذا الفريق أو نزعها عن ذاك، وفي ظني أن "أسئلة الأمر الواقع" في كل من الضفة والقطاع مقدمة على غيرها عند البحث في مصائر الحوار والوحدة والمصالحة الفلسطينية.

لا ندري ما الذي سيكون عليه قرار الرئيس عباس فيما يتعلق بشخصه ودوره وموقعه في خريطة الرئاسات والسلطات الفلسطينية، على أن ما يقال عن "العودة لصيغة منظمة التحرير" في هذه المرة، كما في مرات سابقة للأسف، هو كلام حق غالبا ما يراد به باطل، ذلك أن صيغة من هذا النوع، ستتيح التخلص من "المجلس التشريعي" ومن مختلف الشرعيات القانونية والانتخابية لحماس، ويبقي القرار بيد مجلس مركزي مطواع، لا دور لحماس فيه ولا تمثيل، ولا وزن للفصائل فيه ولا كلمة مسموعة، وقد تجد من يقول: أن مجلسا فاقدا الشرعية كالمجلس المركزي للمنظمة، ليس بمقدوره أن يمنح الشرعية لأحد.

ثم أن صيغة كهذه، ستبقي العشرات من الأسئلة والتساؤلات عالقة من دون إجابة، خصوصا تلك المتصلة بمنصب رئيس السلطة والحكومة، بل ومستقبل السلطة الفلسطينية برمتها، هل ستبقى وفي أي سياق وتحت أية مظلة قانونية، إلى غير ما هنالك.

حماس بدورها لا تبدو متحمسة لهذه الصيغة، أولا لأنها خارج المنظمة وأطرها ومؤسساتها، وثانيا: لأن أولوياتها الحفاظ على مكاسب انتخابات 2006 التي قد لا تتكرر في أية انتخابات لاحقة، وثالثا: لأنها تدفع باتجاه تأجيل الانتخابات ما أمكن، أقله لضمان إجرائها في ظروف أفضل من حيث قدرة الحركة على استعادة شعبيتها المتضررة بالانقسام والحصار وإغلاق المعابر وتآكل فرص إعادة الإعمار والملاحقات في الضفة وغير ما هنالك.

الطريف (المؤسف في الوقت ذاته) في أزمة الانقسام الفلسطيني الداخلي، يتجلى في المعادلة التالية: "فريق أوسلو" كما يسمى يضيق ضرعا بنتائج أوسلو من مؤسسات وسلطات، ويفكر بالعودة لصيغة المنظمة، فيما "فريق المقاومة" الرافض لأوسلو يبدي استمساكا أشد بالحقائق التي جاء بها أوسلو، وبالأخص السلطة ومؤسسات.

كما تتجلى هذه المفارقة في شأن آخر بالغ الأهمية كذلك: "فريق أوسلو" يتحدث بنبرة متصاعدة عن سقوط حل الدولتين ويعيد الروح لخيار الدولة الواحدة ثنائية القومية، فيما "فريق المقاومة" المناهض تاريخيا لخيار الدولتين والمستمسك بالتحرير الكامل، يبدو تشبثا بخيار الدولتين، حتى بعد أن بلغ هذا الخيار "أرذل محطاته" وبات عبئا محرجا لأصحابه والمنادين به والمنظرين له طوال أزيد من ثلاثة عقود، لكأننا في ظاهر الأمر، أمام تبادل للمواقع والمواقف، يمليها الانقسام وتداعياته وما ترتب عليه من تضارب سلطات الأمر الواقع وتنافس أصحاب المصالح والمنتفعين، ويكرسها الصراع المؤسف الذي بدأ بين برامج ومناهج، لينتهي اليوم لأن يكون صراعا على سلطات هشة وزائفة.

لا مخرج من هذه "الكوميديا السوداء" سوى بالحوار، على أرضية الورقة المصرية الأخيرة بروحها وخطوطها العامة، وليس بحرفيتها وحذافيرها، فهذه الورقة بحاجة لتنقيح ومراجعة، ليس لأنها اشتملت على عمليات حذف وإضافة كما تقول حماس محقة، بل لأن مرحلة ما بعد إطلاق الوثيقة لم تعد كما كانت قبلها، والمطلوب اليوم تضمين الوثيقة "جرعة قوية" من السياسة والمراجعة وعدم الاكتفاء بما هو إجرائي وثانوي، فقد يكون من المناسب التفكير مثلا، بحل السلطة بدل الاقتتال عليها، و"تعريب/فلسطنة" الأجهزة الأمنية توطئه لحلها، بدل البحث في أفضل "الكوتات والمحاصصات" لإعادة صياغتها، وقد يكون من الملائم التوسع في بند إحياء منظمة التحرير وإعادة هيكلتها بدل الاكتفاء بإيجاد الصيغ الكفيلة بتمثيل هذا الفصيل أو ذاك، وقد يكون مطلوبا صرف النظر عن الانتخابات كليا، وإلى حين قيام الدولة، طالما أنه يراد للجميع إحياء خيار المقاومة (الرشيدة والراشدة).

ما بعد انسداد أفق السلام والمفاوضات، وإبداء عباس رغبته في الترشح للانتخابات، و"توصية" لجنتها بتأجيلها حتى إشعار آخر، أصبحت الورقة المصرية "كادوك"، وبات يتعين الدخول في جولات حوار جادة ومسؤولة، بنوايا مغايرة وأهداف مختلفة، إن أريد للحوار أن يكون مخرجا من مأزق العمل الوطني، لا ساحة للصراع على السلطة وأداة لتقاسمها.

ليست هناك تعليقات:

إرسال تعليق