الأحد، 15 نوفمبر 2009

تعاون الأسد ونتنياهو لايقاف مشروع الدولة الفلسطينية المستقلة

الصحف الإسرائيلية تعيد الملف السوري الإسرائيلي إلى الحياة

ليس من الصدفة ما نقرأه في الصحف الاسرائيلية حول غضبها من محاولة اعلان الدولة الفلسطينية وطلب بشار الأسد من تركيا لتحسن علاقتها مع اسرائيل فالهدف واحد لاسلام ولا حرب والابقاء على فلسطين محتلة والجولان المنسي وبقاء الأسد على سدة الحكم في سوريا مهما كلفه من أثمان

خرجت الصحف الإسرائيلية الأحد، وهي تحمل الغضب الإسرائيلي على خطة رئيس الحكومة الفلسطينية، سلام فياض لإعلان دولة فلسطينية مستقلة خلال عامين، وسعي الفلسطينيين لتجنيد الدعم الدولي اللازم لهذه الخطة.

علقت الصحف الاسرائيلية الصادرة اليوم على تصريحات كبير المفاوضين ، د. صائب عريقات التي أدلى بها لصحيفة الأيام الفلسطينية بهذا الخصوص. واعتبرت الصحف الإسرائيلية أن نتنياهو سيدعو الفلسطينيين إلى "عدم كسر قواعد اللعبة". وأشارت الصحف بنحو خاص إلى خطاب الرئيس الأميركي السابق أمام مركز "رابين في القدس، السبت، والذي قال فيه إنه لو كان رابين على قيد الحياة لكان السلام تحقق منذ فترة.

في المقابل، استأثر الملف السوري، هو الآخر باهتمام الصحف الإسرائيلية على نحو ملفت للنظر، إذ خصصت هآرتس افتتاحياتها اليوم لتقول إنه "يوجد في دمشق شريك للسلام"، بينما كتبت الجيروزاليم بوست في افتتاحيتها أن المسار السوري الإسرائيلي ودفعه قدمًا يحظى بتأييد مطلق من رئيس أركان الجيش الإسرائيلي، غابي أشكنازي.

كما قالت الصحف إن تصريحات إشكنازي بأن إسرائيل في حال اضطرت إلى شن حرب جديدة على غزة، فلن تكون هذه الحرب مختلفة عن عملية الرصاص المصبوب، وهو ما دعا قيادة حماس على القول إن إسرائيل تبيت لحرب تعتزم شنها على القطاع. وتوقفت الصحف الإسرائيلية عند مظاهرات الأصوليين اليهود "الحراديم" السبت أمام شركة إنتيل، معتبرين أن هذه المظاهرات تبشر بعودة حرب السبت في القدس.

يسرائيل هيوم: غضب في إسرائيل على نية السلطة إعلان الاستقلال

قالت يسرائيل هيوم إن إسرائيل الرسمية غاضبة على نية السلطة الفلسطينية إعلان الاستقلال الفلسطيني من جانب واحد، كما يتضح من المقابلة التي أجراها د. صائب عريقات مع صحيفة الأيام وتطرق فيها إلى هذا الموضوع، واعتمادًا على تصريحات سابقة لرئيس الحكومة الفلسطينية سلام فياض. وقالت يسرائيل هيوم إن رئيس الحكومة ، بنيامين نتنياهو سيدعو الفلسطينيين، اليوم ، خلال خطاب سيلقيه في القدس إلى "عدم كسر قواعد اللعبة، وعدم الإعلان من جانب واحد عن الاستقلال الفلسطيني، والعودة فورًا إلى طاولة المفاوضات.

وقالت الصحيفة إن نتنياهو الذي سيلقي خطابه في مؤتمر "طاقم سبان"، سيلتقي بالرئيس الأميركي السابق، بيل كلينتون، وحاكم ولاية فلوريدا الممثل الأميركي أرنولد شوارزنيغر. وأشارت الصحيفة إلى أن طاقم سبان ( على اسم الثري الأميركي يوسي سبان، الذي تردد مؤخرًا في الصحف الإسرائيلية أنه يعتزم شراء أسهم في شركة الجزيرة"، يضم في صفوفه مسؤولين كبار من الإدارة الأميركية وخبراء في الأمن ورجال أعمال وأكاديميين وغيرهم. ومن المقرر أن يلتقي أفراد الطاقم صباح اليوم في رام الله برئيس الحكومة الفلسطينية، سلام فياض، الذي يتزعم المبادرة الفلسطينية للاعتراف بالدولة الفلسطينية في حدود الرابع من حزيران 67 وتحويل كل تواجد إسرائيلي على أراضي الضفة الغربية إلى غير قانوني.

في المقابل قالت الصحيفة إن وزير الخارجية الإسرائيلي، أفيغدور ليبرمان، قال في تعقيبه على الخطة الفلسطينية إن قيام دولة فلسطينية في حدود العام 67 سينقل الصراع إلى داخل الخط الأخضر، بين إسرائيل والفلسطينيين الذين يعيشون فيها، إذ سيطالب العرب في إسرائيل بحكم ذاتي في الجليل والنقب والمثل وهو ما سيعزز من علاقتهم بالفلسطينيين في الدولة الفلسطينية.

هآرتس: يوجد شريك في دمشق

خصصت كل من صحيفة هآرتس، الجيروزاليم بوست افتتاحياتها للملف السوري وكتبت هآرتس تقول : " إن الرئيس السوري، بشار الأسد يقترح على إسرائيل استئناف محادثات السلام التي كانت انطلقت بوساطة تركية وتوقفت في العام الماضي. ففي زيارته إلى باريس ولقائه بالرئيس الفرنسي، نيكولاي ساركوزي، بعد يومين من لقاء الأخير برئيس الحكومة نتنياهو دعا الأسد إلى إعادة تفعيل طواقم المفاوضات. إن رسالة الأسد بشأن رغبته في السلام مع إسرائيل، هي رسالة ثابتة ومثابرة، وقد كررها الزعيم السوري في الأشهر الأخيرة على مسامع سياسيين وزعماء غربيين.

يكفل اتفاق سلام مع سوريا ، جميع الامتيازات الإستراتيجية المهمة لإسرائيل، سيقل خطر الحرب إذا استبدل التوتر المتبادل من على شقي "الستار البازلتي" بترتيبات أمنية مستقرة، مدعومة بمظلة دولية. وستتمتع إسرائيل من حدود معترف بها، مع دولة أخرى من جاراتها. وسيضعف الحلف الذي تقوده إيران ضد إسرائيل، عندما تنتقل سوريا إلى المعسكر الغربي. سيكبح جماح حزب الله، وسيكون ممكنا للبنان الانضمام لعجلة السلام بعد أن ينضم السوريون. من يريد أن تصدأ صواريخ نصر الله في مخازنها علية التوصل إلى تسوية مع الأسد.

تؤيد أجهزة الأمن الإسرائيلية، استئناف المحادثات على المسار السوري فقد قال رئيس هيئة الأركان العامة للجيش الإسرائيلي "أنه لا يجب اليأس من الأسد، وأنه لإسرائيل مصلحة إستراتيجية في فصل سوريا عن المحور المتطرف الذي تقوده إيران. ويعتقد أشكنازي أن الأسد قد ينضم للمعسكر المعتدل في المنطقة.ووزير الأمن يدعو إلى عدم الاستخفاف بإشارات السلام القادمة من سوريا. إن موقف براك وأشكنازي يدل على أنهما يقيمان حجم الفائدة الأمنية الكامنة في تسوية مع سوريا.

إن منظومة التسويات مع سوريا معروفة لنا من الحادثات التي أدراها مع سوريا ستة رؤساء للحكومة، وبضمنهم براك ونتنياهو، على مدار السنوات الـ18 الماضية. انسحاب إسرائيلي من جميع هضبة الجولان، مقابل ترتيبات أمنية وتطبيع في العلاقات، عبر إيجاد حل "خلاق" للخلاف حول مكان ترسيم الحدود. لا يوجد أي اعتراض أو خلاف على قدرة الأسد ونظامه على تطبيق الاتفاق عن التوصل إليه. على نتنياهو الاستجابة لهذه الفرصة الجديدة التي يطرحها الأسد، بدلاً من أن يعرب عن استعداد لمفاوضات من دون شروط مسبقة"، وبدلاً من عدم الالتزام بشيء، على رئيس الحكومة أن يسير في كل طريق يقود لسلا يحسن الوضع الاستراتيجي لإسرائيل. يوجد له في دمشق شريك للسلام.

يسرائيل بوست: الحريديم يتظاهرون أيضًا ضد شركات "الهايتك" العاملة أيام السبت

أبرزت يسرائيل بوست اليوم، المظاهرة التي شارك فيها نحو ألفي شخص من اليهود الأصوليين الأرثوذوكسيين، في القدس ضد شركة "إنتيل" العالمية لعزمها العمل في أيام السبت أيضا. وقالت الصحيفة إن المتظاهرين الحريديم حاولوا اقتحام البوابة الرئيسة للشركة في القدس، كما اعتدى قسم منهم ببوساطة الرشق بالحجارة على الطواقم الصحفية التي وصلت لتغطية التظاهرة. وتم الاعتداء على نائب رئيس بلدية القدس، يتحساق بيندوراس وطرده من المكان.

وأشارت الصحيفة إلى أن آلاف المتظاهرين الحريديم وصلوا إلى موقع الشركة وقات الشرطة بتفريقهم، لكن نحو 600 من المتظاهرين رفضوا ترك المكان ووقعت مواجهات بينهم وبين الشرطة وبين رجال الإعلام، حيث قام اليهود المتطرفون برشق السيارات المارة بالحجارة والاعتداء على أفرد الشرطة. وفي المقابل نظم الحريديم في الوقت ذاته مظاهرة أخرى في قلب مدينة القدس، في شارع بار إيلان، ضد ما يعتبرونه انتهاكا لحرمة السبت. ويتظاهر الحريديم في كل سبت في موقع آخر من مدينة القدس احتجاجًا على فتح المطاعم أو المقاهي وحتى مواقف السيارات خلال أيام السبت بدعوى أن ذلك يشكل انتهاكا لحرمة السبت.

وكالات

منــــــــــذر ثـــــابت أمين عام للحزب الاجتماعي التحرري لـ «الشــــــروق»: التشكيك في التجربة الديمقراطية محاولة لإجهاضها


في إطار متابعة تحوّلات ومستجدات المشهد السياسي الوطني غداة انتخابات 25 أكتوبر والاحتفال بالذكرى 22 لحدث 7 نوفمبر 1987، التقت «الشروق» بالسيد منذر ثابت الأمين العام للحزب الاجتماعي التحرري الّذي قدّم قراءة مستفيضة لعدد من الملفات والمسائل المرتبطة بنسق الإصلاح السياسي في تونس ودلالات التشكيكات الّتي تصرّ بعض الدوائر الغربية على التمسّك بها ، هذا بالإضافة إلى الآفاق المفتوحة أمام التجربة التعددية في تونس في ضوء المقارنة مع تجارب أخرى وأحقية الشعب التونسي بصياغة تجربته المخصوصة ورفض الائتمار بتعليمات خارجية والارتهان لوصفات من خارج إرادة الشعب ومنطق التطور الحاصل في البلاد وخصوصيّة اللحظة التاريخية وطبيعة تشكّل الإصلاحات وعملية الانتقال الديمقراطي السلمي والهادئ.

أجرى الحديث: خالد الحداد

ما قراءتكم لمسار الإصلاح السياسي والتعددي في تونس؟

ـ لقد أكدنا خلال الحملة الانتخابية الأخيرة وعبر البيان الانتخابي الذي أصدرناه بالمناسبة أن بلادنا تعيش اليوم حالة تعددية متقدمة أفرزتها سلسلة الإصلاحات التي أنجزها الرئيس بن علي وهي إصلاحات جعلت من الاختلاف والتنوع سياسيا وإيديولوجيا حالة ناجزة لا تقبل الإنكار أو التشكيك وكانت المحطات الانتخابية منذ سنة 1994 مناسبات أبرزت ثراء المشهد السياسي الوطني الذي لم يكن قد شهد عملية المأسسة الراهنة خلال العهد السابق ومن الضروري منهجيا أن يقارب الوضع السياسي الراهن في بلادنا من خلال مفهوم التحول الديمقراطي بما يعنيه « المرحلة الانتقالية» وهي مقولة شددنا عليها في طروحاتنا كحزب اجتماعي تحرري ولم تستوعبها أطراف أخرى راوحت بين عدمية المقاربات القصوية ومثالية من يقول باكتمال المشروع وبين هذا وذاك يقف الحزب الاجتماعي التحرري مؤكدا على أن المرحلة الانتقالية تتميز بصراع ملحوظ بين اتجاهين :اتجاه الماضي المقاوم للإصلاح واتجاه المستقبل الساعي إلى التجذر في الحاضر وأكدنا من هذه الزاوية على الدور التاريخي الذي يؤديه باقتدار الرئيس بن علي من جهة كونه جعل هذا التقاطب في سياق سلمي منتج ومن حيث أنه أنجز عملية تطهير تدريجيا وسلميا للمرحلة الراهنة من لواحق الماضي ويختزل هذا التمشي في ذلك الدعم المتواصل للأحزاب السياسية الوطنية وقطعه لجسور العودة إلى نظام الحزب الحاكم عبر منظومة من التشريعات المتكاملة على الرغم من تأزم الحركة الديمقراطية وتفكك عناصرها.لهذا الاعتبار كنا ولا نزال من مسانديه لأننا نعتبر أن المرحلة الراهنة هي بلا منازع مرحلة التأسيس لبنية تحتية لنظام ديمقراطي متطور.

لكن برغم ما حقّقته التجربة التونسية في مجال الحريات وحقوق الإنسان والتعددية ما تزال بعض الأصوات تنتقد هذا المسار الإصلاحي المرحلي والمتدرّج..في أيّ خانة تضعون مثل هذه الأصوات؟

ـ من الواضح لدينا أن بعض الجهات الغربية لم تستوعب التحولات التي شهدها الفكر السياسي العالمي من حيث مساحة الانفتاح التي حققها ودرجات التنوع التي استوعبها ويبدو أن هؤلاء يواصلون التشبث ببنية ايديولوجية تبشيرية بعيدة كل البعد عن مقولة نسبية التجارب الإنسانية فالديمقراطية نظام عقلاني له شروط موضوعية لا تحقق نهائيا بقدر ما تطرح في كل مرحلة تجدد رهانات إعادة إنتاجها ولقد أثبتت التطورات الملموسة للديمقراطيات التقليدية أن النضال الديمقراطي مطروح على كل الشعوب وأن احترام حقوق الإنسان تحد يومي على الحكومات ومنظمات المجتمع المدني أن تجتهد في صيانتها فعندما نراجع الأخطاء الاستراتيجية الفادحة التي ارتكبتها الإدارة الأمريكية في الشرق الأوسط ونطرح قضية العلاقة بين المال والإعلام في صناعة الرأي العام نضطر إلى تنسيب المواقف وإلغاء دروس التبشير التي تحاول بعض الصحف الفرنسية أن تلقنها إيانا ونحن شهدنا داخل فضاء الأممية الليبرالية مؤخرا بالقاهرة تحرك بعض اللوبيات بأشكال ترهيبية للتفتيش في أفكار الكاتبة الشهيرة سكينة فؤاد التي اتهمتها بعض الدوائر بمعاداة السامية وواضح لدينا أن الحريات الأكاديمية في كل العواصم الغربية مقيدة بواجب عدم التشكيك في المحرقة تماما كما أن المبشرين الجدد يرفضون الاعتراف بضرورة صيانة الديمقراطية من أعدائها وأن هشاشة البناء السياسي مكن النازية من الصعود في ألمانيا. نحن نعتبر أن ما تحقق في بلادنا جد هام لتمكين المواطن التونسي من ممارسة حقوقه كسيد ونعتبر أن التجربة الديمقراطية التونسية مفتوحة على التقدم وأن منطق التحامل يتنزل ضمن محاولة اجهاضها لذلك نشدد على حيوية المعادلة بين البعد الوطني والبعد الديمقراطي في هذا الظرف بالذات.

رئيس الدولة أكّد في خطابه يوم أدائه اليمين الدستوريّة حرصه وإرادته على المحافظة على استقلالية القرار الداخلي ورفض التدخلات الأجنبية في الشأن المحلي وعبّر عن نيّته في نقل الملف إلى الاتحاد المغاربي والاتحاد الإفريقي ..ما هي في رأيكم دلالات ذلك التوجّه؟

ـ القرار الرئاسي في تقديرنا عقلاني وموضوعي باعتبار أن المسألة بالفعل تتجاوز تونس لتشمل البلدان المنضوية تحت إطار الاتحاد المغاربي والاتحاد الإفريقي وذلك لوجود حالة سوء نية لدى بعض الدوائر التي تتعمد تزييف الحقائق وتؤكد عبر واجهتها الإعلامية أنها لا تنتصر للديمقراطية ولا لحقوق الإنسان وإنما تسعى بكل الوسائل والوسائط لفرض بعض الأفراد على المشهد السياسي الوطني بكل دكتاتورية على الرغم من أن الواقع يؤكد أن مجال المشاركة كان متاحا للجميع وأن الشرط كان ما يعادل الحد الأدنى المعقول ففسح المجال لرؤساء الأحزاب المنتخبين منذ سنتين استوعب حزبا غير ممثل برلمانيا ومع ذلك أصدرت منظمة أممية بيانا اعتبرت فيه الإجراء إقصائي لكونه يستثني شخصا!؟ فالشخص لدى هؤلاء أهم من الحزب هذه هي الديمقراطية التي يسوقون لها إنها ديمقراطية الأشخاص وليست ديمقراطية المؤسسات.

إن البناء الديمقراطي الهادىء والسلمي يحتاج إنضاج جملة من الشروط أولها الوعي الاجتماعي بشرعية الاختلاف والتباين في إطار القانون المنظم للحياة العامة وهذا أمر محمول على آليات ومحركات من أبرزها النظم التربوية والحراك الثقافي والإعلامي ودينامية الأحزاب من هذه الزاوية فإن القرار الرئاسي الأخير يُـفعّل دور المنظمات الدولية للجنوب في مواجهة سوء التفاهم العالق بين الضفتين حول مفهوم الالتزام بتحقيق الديمقراطية وصيانة حقوق الإنسان التزام لا يعني الإسقاط الميكانيكي لنماذج جاهزة أكدت التجارب أنها لا تقود إلا إلى أخطر المنزلقات كما هو الحال في فلسطين وجزائر الشاذلي بن جديد فبعض العواصم الغربية لا تعترف بالديمقراطية إلا متى أفضت إلى النتائج التي تحبذها.

ما يزال بعض الأفراد يتوجهون لأطراف أجنبية وخاصة من المنظمات غير الحكومية تحت دعاوي التظلم من الانتهاكات والتجاوزات..هل هذا التوجّه مدعوم وهل هناك نماذج جاهزة للإصلاح والتحديث السياسي؟

ـ نحن نراهن على بناء تجربة ديمقراطية تونسية خالصة وأكدنا ذلك في كل المناسبات معتبرين أن الديمقراطية لا يمكن أن تكون نماذج جاهزة ولا يمكن أن تختزل إلى بعض الجوانب التقنوية دونما اعتبار إحداثيات أساسية كالتقاليد والثقافة ومراكمة التجارب واعتبرنا أن البناء الديمقراطي وصيانة حقوق الإنسان شأن مستوجب ضمن حوار وطني وممارسة يومية هي مسؤولية كل الأطراف ولأن المرجعية الكونية في هذا المجال لا وجود لها فإننا نؤكد على أن هذا المشغل في مقدمة القضايا الوطنية دون أن يتحول إلى مدخل للقوى الأجنبية وعلينا أن ننبه إلى تلك المغالطة المتعمدة والمخطط لها التي جعلت بعض الأفراد يلجئون إلى مجاوزة القوانين وممارسة الاستفزاز لتسجيل حالات مزعومة لانتهاك حقوق الإنسان كأن احترام القوانين نشاز مع المشروع الديمقراطي ونحن نتشبث بمقولة المفكر سبينوزا وهو رائد الليبرالية عندما شدد على أنه في إمكاننا نقد القوانين والمطالبة بتغييرها دون أن يمنحنا ذلك شرعية خرقها أو مجاوزتها لذلك نعبر عن رفضنا الكلي لهذه الآلية المشبوهة التي تسعى إلى مصادرة حق الشعب التونسي في بناء تجربته التحديثية الخاصة تماما كما تميزت التجارب الغربية واختلفت في ما بينها فجمع الشعب الانقليزي بين التقليد والحداثة وكان الشعب الفرنسي أكثر راديكالية في قطعه مع التقليد والشعب الأمريكي أكثر اختزالية في تأسيسه لنظام ديمقراطي في سياق التحرر الوطني.

بعض المحسوبين على المعارضة التونسية اختاروا منهج الاستقواء بالأجنبي وعملوا ما في وسعهم للحصول على تعاطف آخرين من الخارج لحساباتهم السياسية والشخصية ..ما تفسيركم لمثل هذه السلوكات ؟ وهل لها مخاطر حقيقية على مسار الانتقال الديمقراطي في بلادنا؟

ـ رسالة الرئيس بن علي إلى كل الأطراف خلال خطابه الأخير أمام السلطة التشريعية تغني عن كل إجابة حيث أكد أنه منفتح على كل الإرادات الوطنية الصادقة وأنه على استعداد لتطوير مجالات الحوار وإننا نعتبر هذه الرسالة فرصة تاريخية لكل الأطراف لصياغة بداية جديدة ومجاوزة أخطاء الماضي وأكد الرئيس بن علي أنه على استعداد دائم لمجاوزة الماضي وطي صفحته وهذا أمر مؤكد في عفوه على العديد من الأشخاص المنتمين إلى جهات سياسية قصوية ولقد مكنني وجودي داخل الأممية الليبرالية من فهم لعبة توزيع الأدوار بين بعض الحكومات والمنظمات غير الحكومية الدولية وتأكدت أن الرهانات المطلوبة من عمليات الضغط لا علاقة لها بمصلحة الشعوب ولا بقضايا حقوق الإنسان فالأمر يتعلق بتوظيف أوراق ضغط لنيل تنازلات استراتيجية توافق مصالح هذه القوى لذلك كنا في ردنا على الراديكاليين قد أكدنا على أننا نرفض تدشين مسار لن نتحكم في نتائجه وأن التاريخ علمنا أن السذاجة قد تقودنا إلى أن نكون حطب وقود في معارك لا نمسك بأطرافها.

لكن هناك عديد التجارب في الدول السائرة في طريق الانتقال الديمقراطي تُواجه بعض التحديات والصعوبات..كيف السبيل لاستمرارية مسارات الإصلاح هذه وتأمينها من كل الانحرافات أو المزالق خاصة في ما يتعلّق بملفات توسيع المشاركة السياسية ودعم المعارضات وتخليص الحياة السياسية من هيمنة الحزب الحاكم ومسألة التداول على السلطة؟

ـ أكيد أن تجارب التحول الديمقراطي معرضة للتأزم والتعثر والتباطؤ في العديد من الحالات فخلال تسعينات القرن الماضي شهدت الساحة الوطنية حالة من الانكماش ومن غياب الثقة بين أطراف الفعل السياسي لكن هذه الحالة واجهتها إرادة الرئيس بن علي الذي حرص على تنشيط الحياة السياسية وتحريك الحركة الديمقراطية إيمانا منه بأن تواصل حالة التوجس كان بالفعل خطرا يتهدد المشروع الديمقراطي في كليته فكانت سنة 1994 سنة دخول المعارضة إلى البرلمان وسقوط ذلك الحاجز النفسي الذي كان يحول دون تطور التعددية وانتقالها من سياق الوجود المدني إلى داخل مؤسسات الجمهورية ونحن كحزب إصلاحي وسطي نشدد على أهمية صياغة وسائط الفعل السلمي والمدني الهادئ واستثمار علاقات الثقة والحوار لدفع عملية الإصلاح السياسي نحو أفق جديد.

إن الحوار هو السبيل الأمثل لبناء مجتمع مفتوح ونظام ديمقراطي متطور وما يجعل الحوار بالفعل الواسطة المركزية للتغيير هو تحديدا أن الديمقراطية تحولت إلى مقدس كوني أغلق الأبواب نهائيا أمام كل الأطراف المعادية للحرية فحتى التيارات الكليانية أصبحت اليوم تلتحف الشعار الديمقراطي ولا أحد يجرؤ اليوم على القول بأنه يعادي الديمقراطية والحرية هذه الحالة الجديدة التي ينتصر فيها المفهوم الليبرالي تقطع نهائيا جسور العودة إلى شرعيات لا ديمقراطية لذلك نؤكد مرة أخرى بأننا في تونس في وضع مريح يتيح لنا إنجاز مهام التحول الديمقراطي واستثمار وجود الرئيس بن علي على رأس الدولة وما حققه من نجاحات تؤهل المسار السياسي لمزيد الترقي.

كيف سقطت القيادة الفلسطينية ؟وكيف نتجنب ذات المصير ؟

محمد سيف الدولة

لم يدهشنى موقف ابو مازن وصحبته من تقرير جولدستون فى اكتوبر 2009، ولا ما يمارسونه كل يوم من تنسيق امنى مع الصهاينة ضد المقاومة الفلسطينية ، ولا ما يصل الينا من انباء على مباركتهم للعدوان الصهيونى الاخير على غزة يناير 2009 .

ذلك لان التنازل الذى تم بموجب اتفاقيات اوسلو هو الاساس لكل تلك الممارسات ، وهو الموقف الاخطر و الأسوأ فى تاريخ القضية الفلسطينية منذ بدايات الصراع قبل قرن من الزمان .

وانما الذى يشغلنى ، والذى اود ان نتدارسه معا ، وان تتدارسه كل القوى الوطنية المعنية بقضية تحرير فلسطين ، هو كيف سقطت القيادات الفلسطينية كل هذا السقوط ، فانقلبت من قوى للثورة والكفاح المسلح والتمسك بالثوابت الوطنية المنصوص عليها فى الميثاق الوطنى الفلسطينى الاصلى الصادر عام 1968 .

نقول كيف انقلبت الى موقفها الحالى والذى انتهجته منذ 1993 ؟ والذى يتلخص فى :

· التنازل عن فلسطين التاريخية ، فلسطين 1948 التى تساوى 78 % من مساحة كل فلسطين

· الاعتراف بدولة اسرائيل وحقها فى الوجود ، وما لها من حقوق تاريخية فى فلسطين .

· التنازل عن حق المقاومة والكفاح المسلح لتحرير ما تبقى من الارض المحتلة ( الضفة وغزة ) ، والالتزام بمطاردة واعتقال ومحاكمة كل مقاوم فلسطينى ، والالتزام بنزع سلاح المقاومة .

و ذلك وفقا لما هو وارد بالنص فى اتفاقيات الستة عشر عاما الاخيرة .

* * *

صحيح ان التراجع والسقوط والانقلاب على الثوابت الوطنية ليس قاصرا على القيادة الفلسطينية ، فهناك مصر الرسمية التى انقلب موقفها 180 درجة بعد كامب ديفيد ، وكذلك باقى الدول العربية ممثلة فى جامعتها التى قامت بالتنازل بالاجماع عن فلسطين 1948 بموجب مبادرة السلام العربية الصادرة فى 2002 ، بالاضافة الى ما رأيناه على مر العقود الماضية من سقوط عديد من القوى السياسية باختلاف اتجاهاتها ، وانتقالها من معسكر المعارضة الوطنية المبدئية الى صفوف انظمتها الحاكمة .

ولكن تظل هناك خصوصية لتجربة منظمة التحرير الفلسطينية ، كحركة شعبية ثورية خاضت معارك حقيقية ضد العدو الصهيونى ونجحت فى استقطاب دعم واعجاب وتأييد كل الشعب العربى بكل طوائفه و قواه فى الفترة من 1964 وحتى 1982.

و تكمن اهمية دراسة هذه التجربة ووضع الأيدى على اسباب السقوط ، فى ضرورة تأمين الذات وتأمين حركات المقاومة الحالية خاصة فى فلسطين ولبنان من الوصول الى ذات النهاية البائسة لا قدر الله .

ان هناك من يطمئننا الى استحالة تكرار ذات المصير للمقاومة الحالية ، لانها تتميز عن التجربة السابقة بمنطلقاتها الاسلامية التى تحصنها وتحميها من السقوط .

وهو كلام صحيح الى حد كبير ، ولكنه غير كافى . فقد ظهرت حركات تحرر اسلامية من قبل فى واقعنا العربى ، بدأت مبدئية وانتهت الى غير ذلك ، من ابرزها الحركة السنوسية فى ليبيا التى كان لها دور كبير فى مقاومة الاحتلال الايطالى ، ثم انقلبت الاجيال الاخيرة من قادتها وتحالفت مع الاحتلال .

كما اننا لا يمكننا ان نتجاهل وجود حركات تحرر وطنى وحركات ثورية من خارج التيار الاسلامى ، تمسكت بمواقفها المبدئية ضد الاحتلال حتى النهاية ، مثل الثورة الجزائرية ومثل الثورة المصرية فى 1956 و كذلك فى 1967 عندما اصرت على مواصلة القتال رغم الهزيمة .

كما ان هناك تجارب ثورية من خارج ارض الوطن فى امم اخرى مثل الصين وفيتنام ، نجحت فى الصمود حتى النصر ، وهى ليست جزءا من العالم الاسلامى من الاصل . والامثلة كثيرة .

اذن ، نحن فى احتياج الى البحث عن الاسباب الأخرى وراء سقوط قيادة م.ت.ف ، خارج مسألة الاصول الفكرية الاسلامية وغير الاسلامية .

فالاسلام فى امتنا هو شرط لازم للصمود والنصر ، ولكنه غير كافى ، كما يقول الفقهاء .

* * *

وحيث ان هذه الورقة هى دعوة للحوار والتفكير والتأمل والتدارس ، فاننى ساقوم بالتركيز على خمسة عوامل رئيسية ، أدت مع عوامل أخرى الى انهزام وتراجع الاولين ، و التى قد تؤدى لا قدر الله الى هزيمتنا جميعا جيلا وراء جيل ان لم نتداركها :

العامل الاول :

هو الحظر المفروض على الشعب العربى خارج الارض المحتلة من الاشتراك فى القتال ضد العدو الصهيونى . وهو حظر قديم يعود الى نهايات الحرب العالمية الاولى ، وما قبلها عندما تقاسمنا المستعمرون المنتصرون كغنائم حرب ، واعادوا صياغة عالمنا فقسموه وجزأوه ، وصنعوا تصنيعا مؤسسات اسموها دولا ، لتحمى هذا التقسيم وهذه التجزئة ، فهذه دولة مصر وتلك دول سوريا ولبنان وفلسطين ..الخ

و سلحوا هذه الدول بآلاف القوانين والاجراءات لحماية التقسيم ومنع التوحد مرة أخرى ، من اول بطاقات الهوية والاناشيد الوطنية . ومرورا بالأعلام مختلفة الالوان والتصميمات . ثم قوانين الجنسية ، وقوانين الاجانب التى حولت كل عربى الى اجنبى يعامل معاملة الخواجة فى الاقطار الأخرى . ثم الدساتير التى تحدد حقوق وواجبات المواطن فتحجبها ضمنيا عن العربى الآخر ، وتحدد قواعد السيادة على ارض القطر ، وتجرم انتهاكها من العرب الآخرين ، ثم الحدود التى وضعوا عليها حراسا مسلحون اسموهم حرس الحدود ، التى تعتقل وتطارد كل من يتجرأ من مواطنيها او من العرب" الاجانب" من دول الجوار فى الدخول والخروج الا باذنها وتصاريحها . وقد تطلق عليهم النيران وترديهم قتلى ، ان لم يستجيبوا الى نداء التوقيف الشهير " قف من انت ".

ولم يكتفوا بذلك ، فاخذت المؤسسات المصنعة تصنيعا المسماة بالدول العربية ، تسن من القوانين الداخلية ما يحرم حمل السلاح على المواطنين ، وتقصره على قواتها المسلحة ، وتوقع عقوبات مشددة على من يخالف وينتهك هذه القوانين حتى ان كان سلاحه موجها الى العدو .

واصدرت مزيد من القوانين لمنع الناس من تنظيم انفسهم فى جماعات او احزاب حقيقية ولو فى مواجهة العدو ، واعطت نفسها فقط هذا الحق .

وحين غيرت الدول العربية مواقفها من العدو وقررت ان تترك له فلسطين ، لم تسمح لمواطنيها بالاحتفاظ بمواقفهم المبدئية والتعبير عنها ، فاخذت فى مطاردتهم وتصفيتهم اعتقالا وتجريما وسجنا .

وفى النهاية ، نجحت بالفعل هذه التجزئة الظالمة وحماتها من الدول العربية ، ولو الى حين ، فى وأد حركة الدعم الشعبى العربى لفلسطين ، او اضعافها وتحجيمها ، وحرمانها من المشاركة فى القتال . و هو ما أدى الى عزل المقاومة الفلسطينية ، وتركها وحيدة محاصرة ، فى مواجهة آلات الحرب الصهيوينة المدعومة امريكيا ودوليا .

وكان من نتيجة ذلك ان انتصر العدو وساد وتوسع واستقر وكاد ان يصبح أمرا واقعا يصعب انهائه وتصفيته .

انتصر العدو قليل العدد ، قليل الشأن على أمة كاملة عريقة طويلة عريضة ، بدون ان يأخذ شعبها فرصة حقيقية فى القتال .

صحيح اننا فى 1973 ، قد شهدنا قدر من التعاون العربى فى المعركة ، والذىكان له بالغ الأثر ، ولكن سرعان ما تحطم وعادت كل الدول العربية الى حساباتها القطرية الاقليمية المحدودة والمعادية بالضرورة لمصالح الامة الواحدة .

كان وسيظل هذا العامل ، هو العامل الرئيسى وراء عجز كل حركات المقاومة الفلسطينية على امتداد قرن من الزمان ، عن تحرير فلسطين من الصهاينة .

وبالتالى فإن توحيد الشعب العربى فى المعركة ضد العدو ، هو شرطا لازما لتحرير كامل التراب الفلسطين ، قد يطول هذا الامر أو يقصر ، وقد نمل من تكرار هذه الحقيقة فننصرف عنها عاما او عقدا او قرنا . ولكن فلنكن على يقين كامل انه بدون تحقيق هذه الوحدة لن تتحرر فلسطين ، بل قد تضيع الى الابد .

قد يقال ان هذا كلام كبير وصعب وبعيد ، وانه يتطلب جهودا هائلة تفوق الجهود اللازمة لتحرير فلسطين ذاتها ، وكما يقول المثل الشعبى " مووت يا حمار " . و قد يقال انك تضع شرطا مستحيلا . ونحن نرد ونجيب : انه الشرط الصحيح الوحيد ، ففلسطين لن تتحرر ابدا من داخلها فقط ، ولم يحدث على مر العصور ان تحررت الا بقتال عربى اسلامى فلسطينى موحد .

* * *

العامل الثانى :

هو انسحاب الدولة المصرية من الصراع بعد 1973 بموجب اتفاقيات كامب ديفيد . وسرعان ما لحق بها على مراحل ، العديد من الدول العربية ، مهرولة الى الانسحاب من المعركة هى الأخرى ، فى اتجاه نهج طالما تبنته خفية ، ولكنها لم تجرؤ على اعلانه والافصاح عنه من قبل .

ونحن نعلم جيدا من التاريخ القديم والحديث انه لا حرب بدون مصر ، ولا نصر بدون مصر .

ومنذ تم هذا الانسحاب ، ضرب خيار الكفاح المسلح كطريق لتحرير الارض المحتلة . فدخلت القوات الصهيوينة بعد توقيع اتفاقية الصلح المصرية الاسرائيلية بثلاثة سنوات الى لبنان وطردت القوات الفلسطينية بعد صمود دام 83 يوما ونفتهم الى اقصى بقاع الارض العربية ، تحت نظر وصمت ومباركة الدول العربية جميعا . لم يحميهم احد ، لم يشاركهم احد فى القتال ، لم تنطلق رصاصة عربية رسمية واحدة . وتركوهم لمصيرهم تحدده لهم اسرائيل وامريكا .

وهناك فى تونس ، فى المنفى ، تم تسويتهم على نار هادئة ، بحملات من التجاهل والمحاصرة والاتهام بالارهاب ، ومقاطعتهم ورفض اشراكهم فى اى عمليات سياسية او مفاوضات الا اذا اعترفوا باسرائيل . فصمدت القيادة قليلا فى البداية ، ورفضت سنة وسنتين ، ولكن انكسرت ارادتها فى النهاية وخضعت وقررت قبول الاعتراف باسرائيل والتنازل لها عن فلسطين ووقعت معها اتفاقيات اوسلو واخواتها .

ان الشرط الثانى لتحرير فلسطين هو استعادة مصر وتحريرها من كامب ديفيد . كمقدمة لاستعادة باقى الدول العريبة الأخرى الى ساحة المعركة .

* * *

العامل الثالث :

هو الخديعة الرسمية العربية الكبرى ، للفلسطينيين التى تمت عام 1974 فى مؤتمر القمة العربية ، و التى تم تاسيس كل ما تلا ذلك بناءا عليها .

فلقد اجتمع ممثلو الدول العربية حينها ، وقرروا ان منظمة التحرير الفلسطينية هى الممثل الشرعى و الوحيد للشعب الفلسطينى ، فيما ظهر وقتها انه قرار يستهدف الدفاع عن استقلال المقاومة الفلسطينية وعدم التدخل فى شئونها الداخلية وتحريرها من الضغوط الرسمية العربية التى عانت منها كثيرا .

ولكن الحقيقة الكامنة وراء هذا القرار كانت هى ، انسحاب كل الدول العربية رسميا من الصراع ضد العدو ، وتخليص انفسهم ، ونفض ايديهم ، من اى مسئولية قتالية عن تحرير فلسطين ، والاكتفاء بالدعم السياسى والمادى . فلقد باعوا القضية كما يقال . و قاموا بتلبيس وتدبيس م.ت.ف والفلسطينين وحدهم بهذه المسئولية كاملة ، وهم وشطارتهم .

ولقد فرحت القيادة الفلسطينية بهذا القرار فى البداية ، ولكنها اكتشفت بعد برهة انه تم توريطها منفردة فى مواجهة عدو يفوقها ويتفوق عليها فى كل شىء . وبالفعل ومع توالى الاحداث انسحب الجميع وبقيت المنظمة ، فانهزمت ، فاستسلمت .

حدث ذلك فى تل الزعتر 1975 ، وفى لبنان عام 1982 ، وفى تونس من 1982 ـ 1993 ، وفى الضفة وغزة ايام الانتفاضة الثانية 2000ـ 2004 . والآن يتكرر مع الجيل الجديد من المقاومة 2007 ـ 2009 ، وربنا يستر .

* * *

العامل الرابع :

هو عزل المقاومة عن الشعب العربى ، فطوال كل هذه العقود كان اجهزة امن الدول العربية ، تحظر على رجال المقاومة الفلسطينية اى تواصل مع القوى الشعبية العربية ، فمحظور عليهم الاتصال بهم اوالتنسيق معهم او ممارسة اى عمل سياسى فى أى قطر عربى . والا كان العقاب شديدا موجعا ، كالقبض والاعتقال والترحيل والتعذيب والتشهير .

ورويدا رويدا تعلم القادة الفلسطينيون الدرس ، وتابوا وأنابوا ، واغلظوا الايمان انهم لن يتدخلوا فى الشئون الداخلية للدول العربية ، واختاروا ان يدخلوا الاقطار العربية عبر البساط الاحمر فى صحبة وحراسة ورقابة الرسميين العرب . فانفصلوا مكرهين ومرغمين عن القوى الوحيدة التى تدعم قضيتهم بصدق واخلاص وهى قوى الشعب فى الارض العربية .

وعلى الجانب الآخر لم تلتزم الدول العربية وانظمتها وحكامها بالاتفاق على عدم التدخل فى شئون فلسطين . فتدخلوا تارة بالضغط الصريح لارغامهم على القاء سلاحهم والدخول فى عملية التسوية والتنازل . وتارة أخرى بالضغط الضمنى بانسحابهم جميعا بربطة المعلم من ساحة المعركة ، لتختل موازين القوى بشدة ، فينهزموا ، ويستسلموا .

ان البساط الاحمر العربى لن يحرر فلسطين ، بل سيسعى و يعمل طول الوقت على تجريدها من القدرة على المقاومة ، ولا بديل الا بالالتحام بالشارع العربى ، ومشاركته همومه ومعاركه وقضاياه ، ليشاركنا معارك المقاومة والتحرير . ففى النهاية كلنا ضحية لقاهر واحد هو هذا النظام العربى .

* * *

العامل الخامس :

هو سقوطنا جميعا خارج فلسطين فى دوامة همومنا القطرية ، والتى تشغل بعضنا طول الوقت او تشغل معظمنا بعض الوقت . تشغلنا عن استمرار المتابعة والمشاركة فيما يتم داخل الارض المحتلة ، و فيما يتم فى ساحات الصراع المتعددة ضد المشروع الامريكى الصهيونى فى المنطقة .

ولنضرب مثلا على ذلك بالعدوان الصهيونى الأخير على غزة يناير 2009 ، فطوال ايام العدوان وبسبب عدد الشهداء وكمية الدماء التى كنا نراها يوميا على شاشات التلفاز ، كنا فى القلب من المعركة غاضبين ، متظاهرين ، ضاغطين .

ولكن بمجرد ان توقف العدوان ، انصرفنا جميعا الى حال سبيلنا ، فعدنا الى سابق قضايانا وهمومنا القطرية الداخلية . وتركنا المقاومة وحيدة فى اشد المراحل حرجا وهى مرحلة تسويات ما بعد الحرب والتى هى أشد خطرا من الحرب ذاتها ، ففيها يتحدد مصير القضية لعقود مقبلة .

تركناها وحيدة فى مواجهة الضغوط الامريكية الصهيوينة الدولية العربية ، داخل الغرف المغلقة وعلى موائد المفاوضات ، يحاولون ان ينتزعوا منها ما لم ينجحوا في انتزاعه خلال الحرب ، وهو الاعتراف باسرائيل والتنازل عن فلسطين والقاء السلاح والتخلى عن المقاومة التى اسموها ارهابا .

ان الدعم الدائم والمستمر وغير الموسمى لقضية فلسطين ، والربط طول الوقت بين مشاكلنا الداخلية وبين قضية التحرير ، هى ضرورة يجب ان نؤكد عليها ونتمسك بها . فما يحدث لنا هنا وما يحدث لهم هناك ليست الا مخرجات وتفريعات لعدوان غربى امريكى صهيونى واحد على كامل الأمة . وأى فصل بينها يوقعنا جميعا فى دوائر الهزيمة فى كل القضايا وفى كل الساحات .

* * *

كان لهذه العوامل خمس ، مع عوامل أخرى ، بالغ الأثر فى اضعاف وحصار وانهزام القيادة الفلسطينية على امتداد اكثر من ثلاثة عقود . وهى عوامل لاتزال قائمة ، بل اصبحت أكثر قوة وتأثيرا على حركات المقاومة الحديثة ، بالذات فى السنوات القليلة الماضية ، وعلى الأخص بعد انتهاء العدوان الصهيونى الأخير على غزة .

صحيح ان الاستسلام للعدو والخضوع له والتنازل له عن فلسطين ، لا يبرره شيئا على وجه الاطلاق . فهناك كثيرون من نفس ذلك الجيل 1964/1987 صمدوا وواصلوا الكفاح ، او على اضعف الايمان انسحبوا فى صمت ، واعترفوا بهزيمة مشروعهم السياسى ، ولكنهم لم يستسلموا كما فعلت القيادات الحالية للسلطة الفلسطينية .

فالاستسلام يتطلب تكوينا ذاتيا وشخصيا من نوع خاص ، لايتوفر الا فى أردأ العناصر فى اى شعب أو حركة أو جماعة .

كل هذا صحيح ، ولكن تظل العوامل التى تناولناها ، هى عوامل اضعاف وكسر واخضاع لقوى المقاومة وارادتها ، أيا كانت منطلقاتها المبدئية والعقائدية .

وأى تجاهل لهذه العوامل والأسباب ، وتقاعص عن مواجهتها ، والاكتفاء بالرهان على الصلابة اللانهائية لاخواننا فى الداخل ، هو لعب بالنار ، و مشاركة فى الحصار .

* * *

و فى النهاية اتصور ان الخلاصة هى : ان وحدة المقاومة العربية فى مواجهة العدو . و استرداد مصر من كامب ديفيد . وإرغام النظام الرسمى العربى على العودة مرة أخرى الى تحمل مسئولياته فى تحرير فلسطين وفى الاشتباك ضد المشروع الصهيونى الامريكى . والالتحام مع المواطنين البسطاء وقواهم الوطنية ومشاركتهم همومهم وقضاياهم والبعد عن البساط الاحمر . والربط بين مشكلات وقضايا الامة الواحدة ، هى خيارات اساسية فى الطريق الى تحرير الارض المغتصبة . والنجاة من السقوط فيما سقط فيه الاولون . وهو طريق طويل وشاق وملىء بالعقبات الهائلة ، ويحتاج الى خطط عمل كثيرة ومعقدة ، ولكنه يظل هو الطريق الوحيد الممكن والمضمون .

والله واعلم .