الأحد، 15 نوفمبر 2009

حركة حماس أخطأت كثيرا

محمد خضر قرش- القدس

لم يكن يدر في خلدي كما لم أكن أتوقع ان تقدم حركة حماس على منع شعب فلسطين في قطاع غزة من إستحضارالذكرى الخامسة لرحيل الرئيس ياسر عرفات ,لإعتبارات عديدة لعل أهمها أنه كان رئيسا لكل الهيئات التمثيلية الشرعية للشعب الفلسطيني وأنه أستشهد مسموما على يد مغتصبي ألأرض بعد رفضه ألتنازل عن الثوابت الفلسطينية أو المساومة عليها . وعليه فإن إحياء هذه الذكرى ليس محصورا بحركة فتح ,وإنما لكل شعب فلسطين دون إستثناء في الوطن والمهاجر والشتات على حدٍ سواء . فياسر عرفات لم يعد رئيسا لحركة فتح ، فذكراه باتت تخص شعب فلسطين ، وقد أثبت في كافة المحطات أنه فعلا كذلك . فهو أول من بلغ مشفى مدينة الحسين الطبية للإطمئنان على صحة الشهيد الشيخ أحمد ياسين بعد إطلاق سراحه من ألأسر ,فلم يسأل حينهاعن تبعات ونتائج زيارته له ,فعل ذلك إنطلاقا من كونه رئيسا لمنظمة التحرير الفلسطينيةالمسوؤلةعن كل أبناء شعب فلسطين بغض النظر عن إنتمائه الحزبي والسياسي ومعتقداته.وحينما إستشهد كان اول المعزين، ولولا قيود ألإحتلال لكان اول المشاركين في وداعه الى مثواه ألأخير . وهذا ليس من باب التخمين والتقدير ,فالتجارب العديدة السابقةلإغتيال القادة وهي كثيرة جدا في مسيرة الثورة أكدت وأثبتت ذلك . ومن المفيد هنا أن نذكر بان خطأ حركة حماس لم يكن في منعها من إحياء الذكرى فحسب, فهذه على خطورتها ليست أكثر من خطأِ سياسي ستكون له تبعات سلبية على حركة حماس في ألإنتخابات القادمة . أما خطأحماس ألإستراتيجي - واكاد اقول ألقاتل- فكان في إصرارها على إستلام دفة إدارةالسلطة التنفيذية عقب نجاحها في ألإنتخابات التشريعية ,دون أن توازن وبالأدق تدرس جيدا النتائج المترتبة على إستعجالها بتبوأ قيادة السلطة التنفيذية في مرحلة دقيقة للغاية وخطيرة . فكل فلسطيني كان يعلم ويدرك بان القوى الدولية وألإقليمية وخاصة الولايات المتحدة الأميركية وإسرائيل لن تسمحا لحركة حماس بإستلام السلطة ،ولن تمكناها من إدارة شوؤن الحكم الذاتي لإعتبارات ليس لها علاقة بالشأن الفلسطيني وإنما بالتوازنات ألإقليمية . فحركة حماس كانت وما زالت تعلم علم اليقين بان الإمكانيات والقدرات الفلسطينية والعربية الحالية وفوقهما ألإسلامية عاجزة تماماعن تغيير المعادلة. أضف الى ذلك أن حركة حماس كانت شاهدة أيضاعلى ألاحداث الدولية وألإقليمية التي بدأت مع إنهيار ألإتحاد السوفياتي وما حدث منذ 17 يناير – كانون الثاني – 1991 وما تبعه من إحتلال عسكري أمريكي مباشرما زال حتى ألآن قائما في العراق وأفغانستان وغيرهما كثير. كان على حركة حماس ومن أجل حماية المشروع الوطني الفلسطيني ومن أجل عدم إعطاء ألإحتلال ذرائع للتسويف والمماطلة أن تكتفِ بإستلام السلطة التشريعية وتترك السلطة التنفيذية لغيرها، لحماية المصلحة الفلسطينية العليا . لقد وقعت حركة حماس في الفخ الذي نصب لها ولنا , تماما كما وقع صدام حسين فيه وكانت نتائجه كارثية على العراق وعلينا . فالسلطة التشريعية هي ألأساس ،لكونها تتحكم بالسلطة التنفيذية وبمن يكون رئيسا لحكومة الحكم الذاتي المحدود جدا . وقد نجم عن هذا الخطأ ألإستراتيجي شبه القاتل نتائج سلبية على حركة حماس وألإخوان المسلمين في عدة مجالات وأماكن . أولها: أنها فتحت عيون العالم كله عليها وعلى حركة ألإخوان المسلمين خاصة في الدول المجاورة كمصر وألأردن وغيرهما ، حيث كشفت عن رغبتها في الحكم والسلطة وعدم ألإكتفاء بما كانت تمارسه في السابق كقوة سياسية بدون المشاركة في الحكم كقاعدة عامة لم تخلُ من ألإستثناء . فلوأن حركة حماس إكتفت بالسلطة التشريعية فحسب وأعلنت زهدها في ألإبتعاد عن السلطة التنفيذية الشكلية والوهمية – وهي تعلم انها كذلك – لسهلت أو لمكنت لحركتي ألإخوان المسلمين في مصروألأردن من تحقيق نجاحات يعتد بها في ألإنتخابات التشريعية التي جرت بكلا الدولتين .فإصرار حركة حماس على ألإمساك بالسلطة التنفيذية دفع بكل الدول العربية, الى إتخاذ سلسلة إجراءات تقييدية ضد حركة ألإخوان المسلمين فيها . لقد قايضت حماس مصلحتها الذاتية بإستلام السلطة التنفيذية الشكلية بمصلحة ألإخوان المسلمين ومستقبلهم في العالم فخسرت ألإثنتان معا. فلا هي تمكنت من الحكم ولا ألإخوان المسلمين حققوا فوزا ذا معنى في ألإنتخابات فخسروا وندموا على ما فعلوه. ثانيهما : أنها فشلت أو أفشلتسيآن – من تنفيذ برامج التغيير وألإصلاح التي جاءت بها وحازت على ثقة وتأييد الشارع الفلسطيني على اساسه وخاصة محاربة الفساد والفاسدين. وعلى ضوء فترة حكمها القصير جدا لم تفتح أي ملف للفساد ولم تطلب من النائب العام البدء بالتحقيق وبذلك بقيَ شعارها حبرا على ورق كغيرها من ألأحزاب.وثالثهما :أنها سرًعت في زيادة حدة التوتر وبالتالي ألإصطدام المبكر مع حركة فتح بسبب إندفاعها باكثر من اللازم بإستلام السلطة التنفيذية حيث كانت ألأخيرة تستأثر بها ، ودون التقليل مما كان يخطط ضد حماس من قبل إسرائيل فإن قرارها المتسرع وغير المدروس للحلول محل حركة فتح في السلطة دفع بألأخيرة الى التصدي لها. فقد شعرت كوادر حركة فتح بان نجاح حماس في ألإنتخابات وإستلامها السلطتين التشريعية والتنفيذية سيؤدي بهم الى فقدان مراكزهم ومواقعهم وتأثيرهم وإمتيازاتهم التي كانوا يشغلونها منذ العام 1994 . وعليه لم يكن مستغربا حدوث المواجهات المبكرة بين الحركتين والتي أدت الى ألإنقلاب في قطاع غزة في العام 2006 .ورابعها : إن عدم سماح حركة حماس بإحياء ذكرى الرئيس الراحل في القطاع ثيَت مقولة محاربتها للرأي ألآخر ولحرية التعبير وألإنتماء. فهي تخشى وتتخوف من وجهات النظر المخالفة لها . فإحياء الذكرى من شأنه خروج عشرات ألآلآف من الفلسطينيين الى الساحات العامة والهتاف لحركة فتح مما يكشف حجم التأييد الذي تحظى به فتح في القطاع , وهذا بحد ذاته يشكل لطمة لحماس ولتجربتها القصيرةالفاشلة. وخامسها: أن ما حصل في القطاع من إنقلاب أدى عمليا الى شق وحدة شعب فلسطين والى تشكيل كيانين معزولين كلاهما يرزخ تحت ألإحتلال ، وعليه فقد إرتبط فصل قطاع غزة عن الضفة بإنقلاب حركة حماس وبات من المستحيل تبرأتها منه،كما أنه سيبقى محفورا في الذاكرة الفلسطينية أيضا.وسابعها:أن رفض حركة حماس إستقبال لجنة ألإنتخابات المركزية يشكل سابقة سلبية وخطرة وموقفا سيترتب عليه تعميق ألإنقسام بين جناحيَ الوطن . فلجنة ألإنتخابات مهنية وفنية ومستقلة ،ليس لها علاقة بالخلافات بين الفصائل وهي نفس اللجنة التي أعلنت فوز حركة حماس في ألإنتخابات الماضية لذلك فإن عدم إستقبالها يعني عدم رغبتها في إجراء ألإنتخابات وثامنها : اللغط والتخبط الذي حدث حول قيام حكومة حركة حماس بإلغاء عطلة ألإستقلال الوطني المصادف يوم 15 تشرين الثاني والذي تم ألإعلان عنه في الجزائر عام 1988بقرار من المجلس الوطني الفلسطيني . فما هو مغزى هذا التصرف والسلوك الغريب وكيف يمكن تفسيره! فهل تريد حركة حماس أن تستبدله بيوم 16- 6 -2006 المصادف لذكرى ألإنقلاب ؟ هل تريد أن تنشىءيوم إستقلال وطني جديد لشعب فلسطين بدون العودة الى الهيئات التمثيلية ؟ أخطاء وتخبط حركة حماس إتسعت وإمتدت أفقيا وعموديا ولم تعد مرتبطة بالمناكفة مع حركة فتح .فالغاء إحياء ذكرى رحيل الرئيس ياسر عرفات ورفض حماس إستقبال لجنة ألإنتخابات المركزية وإلغاء ثم تراجع حماس عن ألإحتفال باليوم الوطني الفلسطيني ،ليس له علاقة بحركة فتح ، لذلك لا بد لحركة حماس أن تقدم تفسيرا مقبولا لشعب فلسطين حول سلسلة ألأخطاء سالفة الذكر .وإذا أضفنا اليها ألأخطاء التي قامت بها سابقا مثل إستبدالها العلم الفلسطيني بعلمها ورفعه على المؤسسات الرسمية عقب إنقلابها وهدم تمثال الجندي المجهول وجره ... الخ لإتضح لنا جلياماذا كانت تخطط له حركة حماس . عليها أن تدرك بأن بقاء الحال من المحال وانها مقبلة قريبا على صناديق ألإقتراع وعندها سوف تفرز الصناديق نتائج غير مسرًة لها وخاصة في قطاع غزة تحديدا. لقد كشفت سلوكيات حركة حماس وأخطائها العديدة ، أنها متعطشة الى ممارسة السلطة وألإستئثار بها بأكثر من رغبتها بمواجهةألإحتلال وتحقيق ألإستقلال. وبدون الخوض في أمثلة كثيرة ،فيكفي أن نقدم مثالا واحدا لتدعيم وتأكيد ما سبق . فقد كانت تتهم السلطة الوطنية وبالذات ألأجهزة ألأمنية بمنعها من إطلاق صواريخ القسام على المستوطنات والمواقع العسكرية ألإسرائيلية ، وقد تغير الوضع تماما بعد إنقلابها . وها هي الآن تحظر ،بل وتلاحق كل من يطلق رصاصة على ألإحتلال بما في ذلك حليفتها الجهاد ألإسلامي . لم يشهد قطاع غزة هدوءا منقطع النظير وملفتا للنظر كما هو ألآن لدرجة إستحقت تقديرا عليه من أكثر من مسوؤل إسرائيلي بسبب إلتزامها بالهدوء، وكان آخرهم غابي إشكنازي – رئيس ألأركان - , كما دفع بشاوؤل موفاز بأن يعلن بتصريح رسمي عن إستعداده لمفاوضة حركة حماس .فترددها في التوقيع على ورقة المصالحة المصرية يعكس خشيتها من النتائج المترتبة على وضعها موضع التنفيذ وخاصة لجهة تحديد موعد ألإنتخابات التشريعية . على حركة حماس أن تدرك بأن الرجوع عن الأخطاء فضيلة على قاعدة درء المفاسد أولى من جلب المنافع . فالشعب الفلسطيني حينما ذهب الى صناديق ألإقتراع عام 2006 وإنتخب حركة حماس ،إنما كان يريد أن يرى إداء وسلوكا وممارسة جديدة تختلف عن تلك التي كانت قائمة سابقا، فإذا به أمام تصرفات وسلوكيات كان من نتائجها شق وحدةالوطن وتكريس الفساد وتغييب المساءلة والشفافية والنزاهة وتدميرالبنية والمرافق التحتية في قطاع غزة جراء العدوان ألإسرائيلي غزة جراء العدوان ألإسرائيلي . ومن ألإنصاف القول بان كل ما سبق لا تتحمل مسوؤليته حركة حماس فقط وانما مسوؤليتها بقدر دورها وأخطائها. فهي مطالبة ألآن قبل الغد بإعادة تصحيح مسارها كله من أجل حماية المشروع الوطني الفلسطيني القائم على التخلص من ألإحتلال وإقامة الدولة الفلسطينية المستقلة وعاصمتها القدس.ومن المفيد تذكير حماس بأن الصبر والتروي وعدم التسرع ليس مفتاح الفرج فحسب وإنما طريق إنقاذ الوطن ودحر ألإحتلال وتحقيق النصر . على حركة حماس أن تقوم بمراجعة نقدية شاملة لمسيرتها النضالية لتجديد عافيتها أولا والتخلص من ألأخطاء ثانيا وإعادة ثقة شعبها بها ثالثا ففعل ذلك ما زال متاحا ومتوفرا بدون تمزيق إضافي لوحدة الشعب الفلسطيني . لم ينكر أحد قط حقها في العمل فهي فصيل أساسي لها أنصارها ومؤيدوها وعليها أن تمارس هذا الحق بما يضمن وحدة الجغرافيا الفلسطينية .مستقبل دولة فلسطين لن يكون رهنا بما تقرره حركة حماس . هذا ما يجب أن تدركه جيدا قبل فوات ألآوان . فالاكيد أنها لن تبقى مستأثرة بالسلطة في القطاع الى ما لا نهاية ، وعليها التصرف وفقا لذلك . فهي كأي فصيل أو حزب تخطأ وتصيب وتمارس العمل السياسي المليء بالحيل والوعود والغش وعدم الصدق والتراجع والديماغوجية والتضليل والتنصل من ألإلتزامات وتغيير المواقف وفقا لتطور ظروف كل مرحلة ،وهذا جميعه يتعارض مع الشريعة ألإسلامية االتي تعمل وفقا لها . فعليها أن تختار أي الطريقين تريد.

ليست هناك تعليقات:

إرسال تعليق