الأحد، 15 نوفمبر 2009

منــــــــــذر ثـــــابت أمين عام للحزب الاجتماعي التحرري لـ «الشــــــروق»: التشكيك في التجربة الديمقراطية محاولة لإجهاضها


في إطار متابعة تحوّلات ومستجدات المشهد السياسي الوطني غداة انتخابات 25 أكتوبر والاحتفال بالذكرى 22 لحدث 7 نوفمبر 1987، التقت «الشروق» بالسيد منذر ثابت الأمين العام للحزب الاجتماعي التحرري الّذي قدّم قراءة مستفيضة لعدد من الملفات والمسائل المرتبطة بنسق الإصلاح السياسي في تونس ودلالات التشكيكات الّتي تصرّ بعض الدوائر الغربية على التمسّك بها ، هذا بالإضافة إلى الآفاق المفتوحة أمام التجربة التعددية في تونس في ضوء المقارنة مع تجارب أخرى وأحقية الشعب التونسي بصياغة تجربته المخصوصة ورفض الائتمار بتعليمات خارجية والارتهان لوصفات من خارج إرادة الشعب ومنطق التطور الحاصل في البلاد وخصوصيّة اللحظة التاريخية وطبيعة تشكّل الإصلاحات وعملية الانتقال الديمقراطي السلمي والهادئ.

أجرى الحديث: خالد الحداد

ما قراءتكم لمسار الإصلاح السياسي والتعددي في تونس؟

ـ لقد أكدنا خلال الحملة الانتخابية الأخيرة وعبر البيان الانتخابي الذي أصدرناه بالمناسبة أن بلادنا تعيش اليوم حالة تعددية متقدمة أفرزتها سلسلة الإصلاحات التي أنجزها الرئيس بن علي وهي إصلاحات جعلت من الاختلاف والتنوع سياسيا وإيديولوجيا حالة ناجزة لا تقبل الإنكار أو التشكيك وكانت المحطات الانتخابية منذ سنة 1994 مناسبات أبرزت ثراء المشهد السياسي الوطني الذي لم يكن قد شهد عملية المأسسة الراهنة خلال العهد السابق ومن الضروري منهجيا أن يقارب الوضع السياسي الراهن في بلادنا من خلال مفهوم التحول الديمقراطي بما يعنيه « المرحلة الانتقالية» وهي مقولة شددنا عليها في طروحاتنا كحزب اجتماعي تحرري ولم تستوعبها أطراف أخرى راوحت بين عدمية المقاربات القصوية ومثالية من يقول باكتمال المشروع وبين هذا وذاك يقف الحزب الاجتماعي التحرري مؤكدا على أن المرحلة الانتقالية تتميز بصراع ملحوظ بين اتجاهين :اتجاه الماضي المقاوم للإصلاح واتجاه المستقبل الساعي إلى التجذر في الحاضر وأكدنا من هذه الزاوية على الدور التاريخي الذي يؤديه باقتدار الرئيس بن علي من جهة كونه جعل هذا التقاطب في سياق سلمي منتج ومن حيث أنه أنجز عملية تطهير تدريجيا وسلميا للمرحلة الراهنة من لواحق الماضي ويختزل هذا التمشي في ذلك الدعم المتواصل للأحزاب السياسية الوطنية وقطعه لجسور العودة إلى نظام الحزب الحاكم عبر منظومة من التشريعات المتكاملة على الرغم من تأزم الحركة الديمقراطية وتفكك عناصرها.لهذا الاعتبار كنا ولا نزال من مسانديه لأننا نعتبر أن المرحلة الراهنة هي بلا منازع مرحلة التأسيس لبنية تحتية لنظام ديمقراطي متطور.

لكن برغم ما حقّقته التجربة التونسية في مجال الحريات وحقوق الإنسان والتعددية ما تزال بعض الأصوات تنتقد هذا المسار الإصلاحي المرحلي والمتدرّج..في أيّ خانة تضعون مثل هذه الأصوات؟

ـ من الواضح لدينا أن بعض الجهات الغربية لم تستوعب التحولات التي شهدها الفكر السياسي العالمي من حيث مساحة الانفتاح التي حققها ودرجات التنوع التي استوعبها ويبدو أن هؤلاء يواصلون التشبث ببنية ايديولوجية تبشيرية بعيدة كل البعد عن مقولة نسبية التجارب الإنسانية فالديمقراطية نظام عقلاني له شروط موضوعية لا تحقق نهائيا بقدر ما تطرح في كل مرحلة تجدد رهانات إعادة إنتاجها ولقد أثبتت التطورات الملموسة للديمقراطيات التقليدية أن النضال الديمقراطي مطروح على كل الشعوب وأن احترام حقوق الإنسان تحد يومي على الحكومات ومنظمات المجتمع المدني أن تجتهد في صيانتها فعندما نراجع الأخطاء الاستراتيجية الفادحة التي ارتكبتها الإدارة الأمريكية في الشرق الأوسط ونطرح قضية العلاقة بين المال والإعلام في صناعة الرأي العام نضطر إلى تنسيب المواقف وإلغاء دروس التبشير التي تحاول بعض الصحف الفرنسية أن تلقنها إيانا ونحن شهدنا داخل فضاء الأممية الليبرالية مؤخرا بالقاهرة تحرك بعض اللوبيات بأشكال ترهيبية للتفتيش في أفكار الكاتبة الشهيرة سكينة فؤاد التي اتهمتها بعض الدوائر بمعاداة السامية وواضح لدينا أن الحريات الأكاديمية في كل العواصم الغربية مقيدة بواجب عدم التشكيك في المحرقة تماما كما أن المبشرين الجدد يرفضون الاعتراف بضرورة صيانة الديمقراطية من أعدائها وأن هشاشة البناء السياسي مكن النازية من الصعود في ألمانيا. نحن نعتبر أن ما تحقق في بلادنا جد هام لتمكين المواطن التونسي من ممارسة حقوقه كسيد ونعتبر أن التجربة الديمقراطية التونسية مفتوحة على التقدم وأن منطق التحامل يتنزل ضمن محاولة اجهاضها لذلك نشدد على حيوية المعادلة بين البعد الوطني والبعد الديمقراطي في هذا الظرف بالذات.

رئيس الدولة أكّد في خطابه يوم أدائه اليمين الدستوريّة حرصه وإرادته على المحافظة على استقلالية القرار الداخلي ورفض التدخلات الأجنبية في الشأن المحلي وعبّر عن نيّته في نقل الملف إلى الاتحاد المغاربي والاتحاد الإفريقي ..ما هي في رأيكم دلالات ذلك التوجّه؟

ـ القرار الرئاسي في تقديرنا عقلاني وموضوعي باعتبار أن المسألة بالفعل تتجاوز تونس لتشمل البلدان المنضوية تحت إطار الاتحاد المغاربي والاتحاد الإفريقي وذلك لوجود حالة سوء نية لدى بعض الدوائر التي تتعمد تزييف الحقائق وتؤكد عبر واجهتها الإعلامية أنها لا تنتصر للديمقراطية ولا لحقوق الإنسان وإنما تسعى بكل الوسائل والوسائط لفرض بعض الأفراد على المشهد السياسي الوطني بكل دكتاتورية على الرغم من أن الواقع يؤكد أن مجال المشاركة كان متاحا للجميع وأن الشرط كان ما يعادل الحد الأدنى المعقول ففسح المجال لرؤساء الأحزاب المنتخبين منذ سنتين استوعب حزبا غير ممثل برلمانيا ومع ذلك أصدرت منظمة أممية بيانا اعتبرت فيه الإجراء إقصائي لكونه يستثني شخصا!؟ فالشخص لدى هؤلاء أهم من الحزب هذه هي الديمقراطية التي يسوقون لها إنها ديمقراطية الأشخاص وليست ديمقراطية المؤسسات.

إن البناء الديمقراطي الهادىء والسلمي يحتاج إنضاج جملة من الشروط أولها الوعي الاجتماعي بشرعية الاختلاف والتباين في إطار القانون المنظم للحياة العامة وهذا أمر محمول على آليات ومحركات من أبرزها النظم التربوية والحراك الثقافي والإعلامي ودينامية الأحزاب من هذه الزاوية فإن القرار الرئاسي الأخير يُـفعّل دور المنظمات الدولية للجنوب في مواجهة سوء التفاهم العالق بين الضفتين حول مفهوم الالتزام بتحقيق الديمقراطية وصيانة حقوق الإنسان التزام لا يعني الإسقاط الميكانيكي لنماذج جاهزة أكدت التجارب أنها لا تقود إلا إلى أخطر المنزلقات كما هو الحال في فلسطين وجزائر الشاذلي بن جديد فبعض العواصم الغربية لا تعترف بالديمقراطية إلا متى أفضت إلى النتائج التي تحبذها.

ما يزال بعض الأفراد يتوجهون لأطراف أجنبية وخاصة من المنظمات غير الحكومية تحت دعاوي التظلم من الانتهاكات والتجاوزات..هل هذا التوجّه مدعوم وهل هناك نماذج جاهزة للإصلاح والتحديث السياسي؟

ـ نحن نراهن على بناء تجربة ديمقراطية تونسية خالصة وأكدنا ذلك في كل المناسبات معتبرين أن الديمقراطية لا يمكن أن تكون نماذج جاهزة ولا يمكن أن تختزل إلى بعض الجوانب التقنوية دونما اعتبار إحداثيات أساسية كالتقاليد والثقافة ومراكمة التجارب واعتبرنا أن البناء الديمقراطي وصيانة حقوق الإنسان شأن مستوجب ضمن حوار وطني وممارسة يومية هي مسؤولية كل الأطراف ولأن المرجعية الكونية في هذا المجال لا وجود لها فإننا نؤكد على أن هذا المشغل في مقدمة القضايا الوطنية دون أن يتحول إلى مدخل للقوى الأجنبية وعلينا أن ننبه إلى تلك المغالطة المتعمدة والمخطط لها التي جعلت بعض الأفراد يلجئون إلى مجاوزة القوانين وممارسة الاستفزاز لتسجيل حالات مزعومة لانتهاك حقوق الإنسان كأن احترام القوانين نشاز مع المشروع الديمقراطي ونحن نتشبث بمقولة المفكر سبينوزا وهو رائد الليبرالية عندما شدد على أنه في إمكاننا نقد القوانين والمطالبة بتغييرها دون أن يمنحنا ذلك شرعية خرقها أو مجاوزتها لذلك نعبر عن رفضنا الكلي لهذه الآلية المشبوهة التي تسعى إلى مصادرة حق الشعب التونسي في بناء تجربته التحديثية الخاصة تماما كما تميزت التجارب الغربية واختلفت في ما بينها فجمع الشعب الانقليزي بين التقليد والحداثة وكان الشعب الفرنسي أكثر راديكالية في قطعه مع التقليد والشعب الأمريكي أكثر اختزالية في تأسيسه لنظام ديمقراطي في سياق التحرر الوطني.

بعض المحسوبين على المعارضة التونسية اختاروا منهج الاستقواء بالأجنبي وعملوا ما في وسعهم للحصول على تعاطف آخرين من الخارج لحساباتهم السياسية والشخصية ..ما تفسيركم لمثل هذه السلوكات ؟ وهل لها مخاطر حقيقية على مسار الانتقال الديمقراطي في بلادنا؟

ـ رسالة الرئيس بن علي إلى كل الأطراف خلال خطابه الأخير أمام السلطة التشريعية تغني عن كل إجابة حيث أكد أنه منفتح على كل الإرادات الوطنية الصادقة وأنه على استعداد لتطوير مجالات الحوار وإننا نعتبر هذه الرسالة فرصة تاريخية لكل الأطراف لصياغة بداية جديدة ومجاوزة أخطاء الماضي وأكد الرئيس بن علي أنه على استعداد دائم لمجاوزة الماضي وطي صفحته وهذا أمر مؤكد في عفوه على العديد من الأشخاص المنتمين إلى جهات سياسية قصوية ولقد مكنني وجودي داخل الأممية الليبرالية من فهم لعبة توزيع الأدوار بين بعض الحكومات والمنظمات غير الحكومية الدولية وتأكدت أن الرهانات المطلوبة من عمليات الضغط لا علاقة لها بمصلحة الشعوب ولا بقضايا حقوق الإنسان فالأمر يتعلق بتوظيف أوراق ضغط لنيل تنازلات استراتيجية توافق مصالح هذه القوى لذلك كنا في ردنا على الراديكاليين قد أكدنا على أننا نرفض تدشين مسار لن نتحكم في نتائجه وأن التاريخ علمنا أن السذاجة قد تقودنا إلى أن نكون حطب وقود في معارك لا نمسك بأطرافها.

لكن هناك عديد التجارب في الدول السائرة في طريق الانتقال الديمقراطي تُواجه بعض التحديات والصعوبات..كيف السبيل لاستمرارية مسارات الإصلاح هذه وتأمينها من كل الانحرافات أو المزالق خاصة في ما يتعلّق بملفات توسيع المشاركة السياسية ودعم المعارضات وتخليص الحياة السياسية من هيمنة الحزب الحاكم ومسألة التداول على السلطة؟

ـ أكيد أن تجارب التحول الديمقراطي معرضة للتأزم والتعثر والتباطؤ في العديد من الحالات فخلال تسعينات القرن الماضي شهدت الساحة الوطنية حالة من الانكماش ومن غياب الثقة بين أطراف الفعل السياسي لكن هذه الحالة واجهتها إرادة الرئيس بن علي الذي حرص على تنشيط الحياة السياسية وتحريك الحركة الديمقراطية إيمانا منه بأن تواصل حالة التوجس كان بالفعل خطرا يتهدد المشروع الديمقراطي في كليته فكانت سنة 1994 سنة دخول المعارضة إلى البرلمان وسقوط ذلك الحاجز النفسي الذي كان يحول دون تطور التعددية وانتقالها من سياق الوجود المدني إلى داخل مؤسسات الجمهورية ونحن كحزب إصلاحي وسطي نشدد على أهمية صياغة وسائط الفعل السلمي والمدني الهادئ واستثمار علاقات الثقة والحوار لدفع عملية الإصلاح السياسي نحو أفق جديد.

إن الحوار هو السبيل الأمثل لبناء مجتمع مفتوح ونظام ديمقراطي متطور وما يجعل الحوار بالفعل الواسطة المركزية للتغيير هو تحديدا أن الديمقراطية تحولت إلى مقدس كوني أغلق الأبواب نهائيا أمام كل الأطراف المعادية للحرية فحتى التيارات الكليانية أصبحت اليوم تلتحف الشعار الديمقراطي ولا أحد يجرؤ اليوم على القول بأنه يعادي الديمقراطية والحرية هذه الحالة الجديدة التي ينتصر فيها المفهوم الليبرالي تقطع نهائيا جسور العودة إلى شرعيات لا ديمقراطية لذلك نؤكد مرة أخرى بأننا في تونس في وضع مريح يتيح لنا إنجاز مهام التحول الديمقراطي واستثمار وجود الرئيس بن علي على رأس الدولة وما حققه من نجاحات تؤهل المسار السياسي لمزيد الترقي.

ليست هناك تعليقات:

إرسال تعليق