الأحد، 15 نوفمبر 2009

وفاء للذاكرة الوطنية ودعوة للمستقبل

بقلم : عبد السلام بوعائشة

يوم 14 أكتوبر في افتتاح الحملة الانتخابية للحزب أطلق الأخ الأمين العام مبادرة الدعوة لمطالبة دولة فرنسا بالاعتذار للشعب التونسي عن مرحلة حكمها الاستعماري للبلاد والتعويض عن الخراب المادي والمعنوي الذي ألحقته بها .هذه الدعوة التي تستند إلى جوهر الحق الوطني و طبيعة الخيارات التحررية والوحدوية للاتحاد الديمقراطي الوحدوي سبقتها دعوات صادرة عن الأشقاء في الجماهيرية والجزائر وبعض الأحزاب المغربية إلا أنها تلتقي جميعا لتعبر عن وعي مغاربي تحرري يرفض سياسات الهيمنة ويختزن كل الوفاء لذكرى شهداء النضال وضحايا القمع الاستعماري وطموحات قادة وزعماء رسموا خطوط التباين بين مشاريع الأمة في النهوض والتحرر ومشاريع المستعمرين وأتباعهم في الهيمنة والإلحاق.

بعض الذين أعيتهم بصيرتهم عن تبين الجوهر الوطني لمطلبنا عملوا على وأد المبادرة واستكثروا عليها الإطلال على شعبنا عبر إعلامه الوطني وخانتهم الذاكرة والوعي للوقوف على حقيقة أن حقبة الاستعمار الفرنسي لبلادنا على امتداد 75 سنة جاءت لتعيق نهجا إصلاحيا وطنيا أصيلا كان يمكن له لو استمر أن ينهض بالبلاد على قاعدة حداثية أصيلة جذورها في قيروان العروبة والإسلام وفروعها تعانق ثورة الصناعة والعلم .

لقد عمل الاستعمار الفرنسي على واد التجربة الإصلاحية وسعى لربط البلاد بمصالح الشعب الفرنسي ومستقبل أجياله واقتيد أبناء شعبنا للقتال دفاعا عن فرنسا ومشاريع توسعها في العالم واستبدلت لغة البلاد بلغة المستعمرين وانتزعت الأراضي من أبنائها لينعم بها "المعمرون " وصودرت أحلام الشعب وطموحاته وأهدافه ودمائه لتحقيق أحلام فرنسا وطموحاتها وأهدافها ولتجري دماء الحياة في شرايين الأمة الفرنسية.

لا نريد بهذا أن نستعرض ما وثقه التاريخ ولكن نريد تذكير من خانتهم الذاكرة بأن فرنسا التي انسحبت مكرهة من تونس سنة 1956 لم تعتذر أبدا عما ألحقته بالبلاد كما أنها لم تسع لتعويض الشعب عن حجم الخراب الاقتصادي والثقافي والتعليمي والحضاري الذي ما زالت تعاني تداعياته الأجيال الحاضرة بل على عكس ما هو مطلوب عملت فرنسا على إعادة ربط تونس بمصالحها ومصادرة مستقبل شعبها والتدخل في سياسة مصيرها الوطني وتعزيز نفوذها عبر استثمار رصيدها الاستعماري المتحقق سياسيا وثقافيا واقتصاديا وتوفير الدعم لنخب الفرنكوفونية التي فقدت ذاكرة الوطن وقطعت مع تيار الهوية والتميز الحضاري لتونس وشعبها.

إننا في الاتحاد الديمقراطي الوحدوي لا نسعى لافتعال الصراع مع أي طرف خارجي أو داخلي لكننا ننطلق دائما من خياراتنا الوطنية لتحديد المسافة بيننا وبين جميع المتعاملين معنا فنصادق من يصادقنا ونعادي من يعادينا ليس من منطلق المزايدة أو الافتعال بل من منطلق المبادئ و الفعل. إن مبادرتنا تستند إلى حقائق تاريخية وحق وطني لا يسقط بالتقادم وإذا كانت بعض الدول تستقوي على الحقائق بقوة النفوذ فإن ذلك لا يغير شيئا من جوهر تلك الحقائق ومصداقية المطالبة بإحقاقها بل يزيد القوى الوطنية تمسكا بالثوابت ودفاعا عن الحقيقة ، وإذا كانت بعض الأطراف في الحكم أو في بالمعارضة ممن خانتهم الذاكرة أو استهوتهم المصالح أو تاهت بهم سبل النضال وجدت في مبادرتنا افتعالا للمعارك أو مزايدة سياسية فإن ذلك خيارهم الخاص نفهمه و لكن لا نقبله كما لا نقبل من أحد أن يسقط حقوق الشعب في استرداد معاني السيادة والكرامة لأن مطالبة المستعمرين بالاعتذار والتعويض ليس مجرد مطلب سياسي يرفعه حزب من الأحزاب وإنما هو أولا و قبل كل شيء إعلان وطني يثبت هوية وسيادة الشعب التونسي الذي يسعى منذ عقود للتوافق الأمثل مع تاريخه الوطني وحضارته العربية الإسلامية ويطمح للعبور من فوق عقود الهيمنة الاستعمارية إلى فضاء المبادرة والبناء الحضاري في عالم لا مكان فيه للضعفاء .

إن الأحزاب و القوى التي تتنكر لإرادة الشعب و لتاريخه الوطني المجيد و تعمل على هدم هذا التاريخ واستبدال ذاكرته بذاكرة المستعمرين وعقائدهم وتختزل قضايا الوطن في قضاياها الخاصة و تستورد أطروحاتها في الحرية و الديمقراطية وحقوق الإنسان و التداول على السلطة كما تستورد مستحدثات الصناعات الغربية إنما هي مشاريع فاقدة لجوهر الانتماء وتبقى-بعد يتمها الايديولوجي والسياسي- عناصر تشويه وتشويش تحول بين الشعب وبين المشاركة الفعالة في سياسة مصيره ومستقبله ولذلك لا نستغرب أن تمثل بعض هذه القوى جسر عبور ونفاذ لعديد المصالح والأهداف الاستعمارية المعادية .

ليست هناك تعليقات:

إرسال تعليق