السبت، 21 نوفمبر 2009

اعلان الدولة الفلسطينية وخطاب الوهم وربما التواطؤ العربي


محمود عبد الرحيم:

كثيرا ما نردد كاعلاميين تصريحات لمسئولين كبار، ونصفق لمواقف وتحركات تبدو حاسمة وفاصلة وتاريخية ، او هكذا توصف ،دون ان نتوقف قليلا ونضعها في سياقها و مقاربتها بمثيلاتها  المتكررة والمصير التى آلت اليه ، غير انه لو تأملناها جيدا ، لتعاملنا معها بمنطق مختلف ،وربما كشفنا ما تخفي من ترهلات واوهام ورهانات خاسرة، وربما تواطؤات.
اخر هذه التحركات الاجتماع الطارئ للجنة مبادرة السلام العربية على المستوى الوزاري قبل ايام وما خرج به من بيان ، يبدو  اقرب الى بيع الوهم ، وتجاوز لمعطيات الواقع العملي ، وتوزانات القوى الدولية والاقليمية ،وآليات التحرك الاستراتيجي الجاد ، ولا يصلح مثل هذا الخطاب الا للاستهلاك المحلى ، واضاعة الوقت فيما لا يجدى من مواقف شكلية تستنزف الجهد ،وتصب في المحصلة النهائية في خانة اضعاف القضية الفلسطينية.
فالمسئولون العرب لازالوا يراهنون على المجتمع الدولي ومؤسساته في تسوية الصراع العربي الاسرائيلي، رغم انه  غير ذات مرة يتأكد انحيازه ضدنا وضد حقوقنا العادلة
ولا يضعنا كأمة هزيلة ومريضة ومشرذمة في حساباته نهائيا ،وكلما اقترب الامر من الكيان الصهيوني يستنفر "الراعى الرسمي" او بالاحرى الولايات المتحدة الامريكية وحلفاؤها الكبار ، لحماية مصالح رأس حربتهم في المنطقة العربية ، ومع ذلك يصر العرب على تأكيد الاستمرار في التعامل بايجابية مع ما طرحه الرئيس الامريكي اوباما ، ولازالوا يصدقون ادعاءاته التى باتت مكشوفة وتوجهات ادارته المنحازة علانية.
المثير للاستغراب هذه المرة – تحديدا -- الحماسة الشديدة الاقرب الى السذاجة التى يعلنون بها التوجه الى مجلس الامن لتسوية الصراع الذي يزيد عمره عن ستين عاما الآن نهائيا ، ومطالبته باعلان دولة فلسطينية  عاصمة القدس الشرقية معترف بها دوليا وذات عضوية كاملة في الامم المتحدة ، في خطاب يبدو  هزلي اقرب الى خداع الجماهير العربية ،او خداع انفسهم بامكانية تحقق هذا الامر باية صورة من الصور.
 والسؤال الذي يطرح نفسه هنا ..لو ان المسألة بهذه السهولة ، فلماذا اضعنا كل هذه السنوات؟ ولماذا منذ مؤتمر مدريد ، الى الآن لم يتم التوصل الى تسوية ، او بالاحرى الى فرضها دوليا؟  او الاخذ  في الاعتبار خطوة منظمة التحرير  الخاصة باعلان دولة فلسطينية في الجزائر من جانب واحد ؟ ثم الا يوجد- اصلا- قرارات دولية عديدة  في مقدمتها قرار التقسيم ، والقرار 242 و 338  ، غير انها لا موقع لها على الارض ، ولا امكانية لتنفيذها في ظل الحصانة الدولية الممنوحة - فعليا - للكيان الصهيوني وسياسة الامر الواقع الذي يفرضه ،وسيطرة واشنطن حامي حمى اسرائيل على الامم المتحدة ، للدرجة التى حولتها الى ملحقية تابعة للخارجية الامريكية.
وهل الولايات المتحدة التي قررت ان تحتكر رعاية اية مشاريع لتسوية الصراع العربي الصهيوني منذ وقت مبكر ، واجبرت كل الاطراف الاخرى عن الابتعاد او الاكتفاء بدور ساعي البريد او الممارس لضغوط او اغراء للجانب الفلسطيني فقط ، لحمله على تقديم تنازلات للاسرائيليين ، هل يمكن لها ان تقبل بمثل هذه التحرك الكبير ،في حين انها – سلفا- تراجعت عن خطوة صغيرة سبق ووعدت بها مثل الضغط  على حكومة نتانياهو لتجميد الاستيطان كمقدمة لاستئناف المفاوضات؟
وهل العرب المتناحرون فيما بينهم مؤهلون لخوض مواجهة مع المجتمع الدولي  والصدام مع واشنطن ، ام انهم لازالوا يطلبون الود الامريكي،ويلتمس معظمهم رضاء واشنطن المقدسة ، لتسمح لهم بتمرير مشاريع توريث السلطة لانجالهم ، سواء في مصر او ليبيا او اليمن او لتغض الطرف عن ملفهم المشين في مجال حقوق الانسان والفساد الكبير؟
 واذا افترضنا حسن النية وقلنا ان العرب جادون  فعلا هذه المرة في اتخاذ مواقف حاسمة وحازمة باتجاه الكيان الصهيوني ومراجعة صادقة لعملية التسوية ، وحصادها المر ، فما هى علامات وامارات هذه الجدية ، الم يكن من  الاجدى بناء جبهة  عربية موحدة اولا ،وترميم الصدوع في العلاقات العربية العربية ، ثم العمل الصادق على التوصل لمصالحة فلسطينية داخلية ،وابعاد التأثيرات الشريرة للكيان الصهيوني وواشنطن ،عبر رجالها في السلطة عن هذا الملف المخزي، او بالاحرى حالة الانقسام والاقتتال والاستقواء بالخارج ،خاصة من قبل محمود عباس وعصابته.
ومثلما ذهبوا الى قمة في بيروت واعلنوا مبادرة سلام ، لماذا لم يتنادوا الى قمة في القاهرة او دمشق او  الرياض او اية عاصمة عربية اخرى ،لاعلان سحب هذه المبادرة بكل جدية وصدقية دون خوف او تردد ، خاصة انهم  توصلوا الى قناعة فشل خيار المفاوضات، واعلنوا غير ذات مرة وفاة المبادرة ، بعد التعامل باستهتار معها اسرائيليا ودوليا  ، اليس البديل اذن التلويح بالخيارات الاخرى التي يجب ان يكون من بينها خيار اعادة دعم الكفاح المسلح الفلسطيني بالمال والسلاح ، ووقف كافة اشكال التعاون مع من يقف ضد الحق العربي في تسوية عادلة وشاملة للصراع ،على النحو الذي يشعر الغرب بتهديد مصالحه في المنطقة اقتصاديا وسياسيا واستراتيجيا؟!.
للاسف لا نية لاحد في تسوية  الصراع  ، ولا مؤشرات على تحركات فعالة وفعلية او مواقف ذات صدقية ،وانما جعجة بلا طحن ، مع استمرار الرهانات الخاطئة والحسابات الضيقة والحلول الفردية ، ولعل العودة لتسخين العلاقات العربية الاسرائيلية  حتى في ظل حكومة اسرائيلية توصف بالمتطرفة خير دليل  على ذلك ، والتي تتجلي في الزيارات المتبادلة بين وفود عربية واسرائيلية ،والاستقبال الحافل لرئيس وزراء الكيان الصهيوني نتانياهو في عواصم عربية كبرى من بينها القاهرة ، والسماح بالاختراقات الثقافية والتطبيع الاقتصادي المتزايد؟! وقبل ذلك اصرار الجميع على دعم الموقف الاسرائيلي الخاص باستمرار فرض الحصار على الشعب الفلسطيني في غزة ، والاشتراك في معاقبته لاصراره على خيار المقاومة  وعدم الانقلاب على سلطة حماس ، فيما يتم اظهار المساندة الدائمة لمحمود عباس وفياض رغم انكشاف ضعفهما وفساد اركان حكمهما والاضرار البالغ بمصير القضية الفلسطينية لصالح اسرائيل.
فعن اية اية اوراق ضغط يمكن ان نتحدث؟ وعن اية موقف جماعي يمكن ان  ندعي؟وعن اية صدقية وقضية وتسوية يمكن ان نحكي
ونحن - عمليا - صرنا - نعتبر الصراع فلسطينيا اسرائيليا وليس عربيا صهيونيا ، ثم انحدر الموقف اكثر ، فصار صراعا بين  اسرائيل وجبهة فلسطينية تقودها حماس توصم      ب" المتشددة" ، دون "جبهة المعتدلين"بقيادة فتح وسلطتها في رام الله  ، الادهى من ذلك ان العداء بين فتح وحماس  بات اشد وطأة واكثر غيلة ، من العداء للعدو الاصيل الكيان الصهيوني ، والعلاقة بين القاهرة وتل ابيب - مثلا - باتت اكثر حميمية من العلاقة مع الدوحة او دمشق؟!

ان مثل تلك الحالة العبثية التى يعيشها العرب وربما ادمنوها  لا يمكن - باي حال من الاحوال - ان تحسم امرا ،او تحل صراعا ،او تجعل احدا يلتفت الينا ، فالعالم لا يحترم الا الاقوياء المقاتلين من اجل استرداد حقوقهم بكرامة وعزة ، وليس الضعفاء الذين يستجدون فلا ينالهم الا المهانة والفتات او الدهس بالاقدام غير مأسوف عليهم.
*كاتب صحفي مصري

اللاعبون بالنار ولو ذهبت مصر للجحيم؟!


محمود عبد الرحيم
ترددت كثيرا في الاشتباك في قضية الخلاف المصري الجزائري ، ظنا مني ان الامر لا يعدو كونه مباراة كرة قدم وتنافس محموم ليس الا ، لكن سياق الاحداث كشفت عكس ذلك تماما ، ووضح التوظيف السياسي الشرير والانتهازية التى تعصف بمصير بلد ، وتشوه هويته الوطنية والقومية ، وتروج لمفاهيم في غاية الخطورة ، فضلا عن حملات الكراهية والتحريض المقيتة التى تخدم مصلحة خاصة لبعض الانتهازين في دوائر الحكم والاعلام، وتصب في المحصلة النهائية في صالح  الكيان الصهيوني العدو الحقيقي للامة العربية ،على حساب تدمير دائرة الانتماء الاولى لمصر ومصالحها ودورها ومكانتها الاستراتيجية والسياسية والثقافية.
من المؤسف ان نشاهد حملة منظمة يقودها رسميون وشخصيات عامة ومثقفون واعلاميون محسوبون على الحزب الحاكم او تتلاقى مصالحهم معه ، تهدد وتتوعد  وتبث الكراهية وتحرض علي القطيعة مع شعب عربي شقيق تجمعنا به اواصر عديدة  اهمها النضال المشترك لجهة الاستقلال الوطني الذي لم نعد  نبالى به ،وضد الاستعمار الغربي والعدو الصهيوني الذي صرنا لا نعتبرهما عدوا،حيث بات الاعداء هم الاشقاء في سوريا او قطر او فلسطين(حماس) او في لبنان(حزب الله) ، واخيرا في الجزائر.
 ولعل من المظاهر المثيرة للاستياء والحزن معا ،  وتبرهن علي التصعيد المتعمد  والاجندات الخفية ، تسيير مظاهرات مسيئة تكيل الاهانات لسفير الجزائر واهلها ورئيسها ،وتطالب بطرد ديبلوماسي محترم من زمن الثوار ، سعى قدر طاقته لاحتواء ازمة اريد لها ان تتصاعد ولا تتوقف ،حبا وحرصا على العلاقات الاخوية مع الشقيقة الكبرى مصر،ولأول مرة نرى وزارة الداخلية تصدر بيانا عكس المعتاد ، تصف مظاهرات تحاصر مقر السفارة الجزائرية وتتطاول على السفير الجزائر، ب"المتحضرة والمبررة"، رغم انها شاهدت احداث عنف وتخريبا لمنشآت مصرية وسيارات ، واصابة لضباط وجنود مصريين ،فضلا عن محاولات حرق بيت السفير واقتحامه.
رغم انه في مناسبات اخرى كان يتم التصدى بعنف لاية مظاهرة تخرج ، ويتم وصفها ب"الغوغائية والمخربة" ، ولو تقدم المتظاهرون الوطنيون من سفارة امريكا او اسرائيل ، كان يتم سحلهم وسحقهم واعتقالهم ،وهم يعلنون تضامنهم مع اشقاء عرب في العراق او فلسطين ضد العدوان الامريكي والصهيوني.
اضف الى ذلك، ما قامت به وسائل الاعلام المقروءة والمرئية ،خاصة التليفزيون الرسمي الذي استقطع من وقته الكثير لهذه الحملة او بالاحرى الدعاية السوداء ، لدرجة ان برنامج" البيت بيتك" المعروف بانه لسان حال التحالف الجديد في مصر من سلطة ورجال اعمال ، استأنف عمله في ايام تعطله ولوقت مفتوح يمتد لساعات متأخرة من الليل ، لكيل الاهانة والشتائم للجزائر شعبا وحكومة باحط الاوصاف. واستعان بفنانيين وصحفيين منافقين وانتهازيين، تباروا في المزايدة والاساءة الى شعب ودولة لهما قدرهما ومكانتهما ،و يعرفون مكانة مصر الحقيقية ويقدرنها ، وزاد هؤلاء المنافقون الاغبياء بالمطالبة بالمقاطعة لكل ما هو جزائري ، واستنكار حديث انتماء مصر العربي ودورها القومي ،علاوة على الدعوة الساذجة بالانكفاء على الذات واعتبار ان اسرائيل افضل حالا، ولو كانت في هذا الموقف ما فعلت بالمصريين مثلما فعل الجزائريون.
في  حديث غث يحمل سمت الجهل والغباء ويسكب الزيت على النار بشكل عمدي ، دون ادراك خطورة ما يسوقون ، فمصر قوية بمحيطها العربي والعرب اقوياء بمصر، ولم يصب مصر ما اصابها من هزال وتقزيم وضياع لدورها اقليميا ودوليا ، الا منذ بدأت انتهاج هذا الخط الانعزالي ، ورهاناتها الخاطئة على امريكا واسرائيل والنهج الفردي، في عهد غير المغفور له الرئيس السادات .
ان اللعب على مشاعر الجماهير بعد شحنها ، وتصدير هذه المفاهيم المغلوطة ، وتضخيم حدث كان يمكن احتواؤه لو اراد صناع القرار ذلك، ليس الا نوعا من  غسيل الدماغ والرغبة في تدمير ما تبقي من انتماء ، ولو معنويا للعروبة ، تلك الرابطة التى عرقلت لسنوات محاولات التطبيع المستميتة ، وصنعت جدار صد شعبي ، وهو هم الآن يريدون لها ان تتحطم ليسهل الاختراق الصهيوني الذي لا يشعرون ازاءه باي خطر او توجس ، حيث صار التخويف من الآخر العربي واستبدال المواقع بين الشقيق والعدو الحقيقي.. فاية مآساة تلك التي نشهدها؟!
ثم انهم يتحدثون عن كرامة المصريين والثأر لها ، اليس هذا من المضحكات المبكيات ؟!، هل توجد كرامة في ظل نظام يكرس الطبقية ويحمي الفساد، ويجعل غالبية الشعب يعانون شظف العيش والجهل والمرض كما لو كنا عدنا الي حقبة الملكية ولم نشهد الثورة على هذه الاوضاع الظالمة، بينما  حفنة محدودة تنعم بثروات البلد دون اي مبرر؟!، اية كرامة والشباب في مصر يلقي بنفسه في البحر هربا من جحيم الفقر والبطالة؟ او ينتحر حين يتم السخرية منه ويقال له انت غير لائق اجتماعيا لو تقدم لوظيفة راقية ؟! اية كرامة  وارادة المصريين يتم تزيفها في الانتخابات ، ويتم العبث بالدستور الذي له مكانة مقدسة في معظم دول العالم ؟!، اي كرامة وسيناريو التوريث للسلطة جرى تنفيذه على قدم وساق والقمع والتهميش يطال من يرفع صوته بالاعتراض على غياب العدالة والديمقراطية ؟!، ولماذا لم نسمع هذا الحديث الغث حين تمت اهانة المصريين في ليبيا او الكويت او السعودية مرارا ، او حين قتل جنود اسرائليون مصريين علي الحدود ، او حين هدد وزير خارجية الكيان الصهيوني ليبرمان باغراق مصر وسب رئيسها؟
 ان الامر من بدايته حتى الآن ،لا يجاوز وصفه سوى بالمهزلة ، منذ ان سمحوا بتشويه الشعور الوطني واختزاله في مباراة كرة قدم، وجعل تشجيع المنتخب  واجبا مقدسا وتعبيرا عن انتماء في واقع الامر مزيف ومصطنع ووقتي ، واذاعة اغاني واناشيد وطنية ،مترافقة مع صور لاعبين وماتشات سابقة ،واعتبار ان لقاء الجزائر معركة مصيرية ، بالاضافة الي حشد نجوم المجتمع والشخصيات العامة ليدلوا بدلوهم في موقعة "النصر او الشهادة" ، ودعوة الثمانيين مليون مصري ليلهجوا بالدعاء، فاي اسفاف هذا واي تسطيح للجماهير، وتغييب لوعيها ،والهاء لها عن قضاياها المصيرية ، وهمومها الحقيقية وعدوها الحقيقي؟!
انها معركة مفتعلة بكل المقاييس ، الغرض منها احداث التفاف شعبي حول نظام يعاني الشيخوخة المتأخرة ، وربما تصفية حسابات بين نظامين متنافسين وتنفيس عن ازمة مكتومة بينهما، غير انه في كل الاحوال ، لعب بالنار لا يقدرون خطورته الآن، لكن الثمن سيكون فادحا ،وسيدفعه الشعب المصري الصامت ، او السائر كالقطيع وراء اعلام  السلطة الذي يخدم فقط على طموحات شخص واحد اسمه جمال مبارك يبحث عن شعبية وشرعية مفقودة ، ولو تعرضت مصالح مصر والمصريين للخطر ، ولو خسرنا دوائر انتمائنا الاصيلة ، وضحينا برصيدنا القومي الذي صنعه جمال عبد الناصر، برؤية ثاقبة ووعي ناضج ، فيما هم يضيعونه باستهتار وصبيانة وعدم تقدير للامور.
ان مكانة ودور مصر فعلا وليس قولا ، يعبر عنه في مسئولية وقيادة وتضحيات ومجال حيوي ونفوذ ممتد وتأثيرات وانجازات ، وما يحدث ليس ابدا من افعال الكبار، وانما عار سيظل يلاحقنا لسنوات طويلة ويجعل منا اضحوكة في نظر الشعوب الاخرى عربا وعجما.
*كاتب صحفي مصري

إدارة سجن المرناقية تمنع الأستاذة نجاة العبيدي من زيارة سجين الكلمة زهير مخلوف


حــرية و إنـصاف
منظمة حقوقية مستقلة

تونس في 03 ذو الحجة 1430 الموافق ل 21 نوفمبر 2009
في اعتداء صارخ على حق الناشط الحقوقي زهير مخلوف في الدفاع
إدارة سجن المرناقية تمنع الأستاذة نجاة العبيدي من زيارته
منعت إدارة سجن المرناقية صباح اليوم السبت 21 نوفمبر 2009 الأستاذة نجاة العبيدي من زيارة منوبها الناشط الحقوقي والإعلامي السيد زهير مخلوف عضو مؤسس بمنظمة حرية وإنصاف المعتقل حاليا بالسجن المذكور من زيارته متحججة بتنفيذ ''التعليمات''، فأية تعليمات هذه التي تعتدي على حق مضمون يكفله دستور وقانون البلاد؟ وهل ترتقي هذه التعليمات لتكون أعلى شأنا من القانون؟ أم هو انتهاك جديد لحقوق الدفاع بما يؤكد الطبيعة السياسية لهذه المحاكمة ويجعلها فاقدة لأهم شروط المحاكمة العادلة.
إن منظمة ''حرية وإنصاف'' التي طالما نددت بهذه المخالفات الخطيرة للقانون والتي أكدت في عديد المناسبات الصبغة السياسية لمحاكمة الناشط الحقوقي والإعلامي السيد زهير مخلوف والطابع الكيدي للتهم المنسوبة إليه:
1)    تدعو السلطة إلى وضع حد لهذه الانتهاكات الخطيرة وإلزام المؤسسات العمومية بوجوب التقيد بالقوانين.
2)    تطالب بالإفراج الفوري عن الناشط الحقوقي زهير مخلوف ووقف كل تتبع قضائي ضده.
عن المكتب التنفيذي للمنظمة
الرئيس
الأستاذ محمد النوري


هل توجد ديمقراطية في الأحزاب الطائفية والمذهبية؟ ..... (العراق أنموذجا)


د.باسل حسين
المركز العراقي للدراسات الاستراتيجية
مقدمة
لعل من نافلة القول، إن تناول الظاهرة الدينية ليس بالأمر اليسير، لاسيما إذا ما ارتبطت بالجانب السياسي، ويواجه الباحث المتصدي للظاهرة الدينية: ثنائية المقدس والمدنس، بمعنى: إلى أي درجة يستطيع الباحث الاقتراب من المقدس الديني المدرك ، دون أن يثير حفيظة أو اتهام الآخرين له بتدنيس الثوابت والمسلمات والمقدسات؛  أو الانتقاص منها .
وإذا كان تناول الظاهرة الدينية بهذه الصعوبة؛ فإن تناول المسألة الديمقراطية؛ يكاد لا يقل عنها صعوبة ،إذ على الرغم من أن الديمقراطية هي من أكثر المصطلحات شيوعا في الأدبيات السياسية والاقتصادية والاجتماعية والإعلامية ، فإنها في الواقع؛ قد استخدمت أكثر مما تم بها فهمه، ولاغرو أن نجد غزارة في الكتابة عن المسألة الديمقراطية، مع وجود تباين في وجهات النظر إليها.
لقد أدت المتغيرات الدولية؛ وتحديدا منذ بدء عقد التسعينيات إبتداء، بانهيار المعسكر الشيوعي؛ وانتصار المعسكر الغربي، وظهور فرضية نهاية التاريخ؛ التي بشرت بانتصار الليبرالية الغربية؛ إلى طرح عدة قضايا بأشكال مختلفة؛ لعل من بينها :قضية الديمقراطية وفقا للفهم الغربي؛ والذي تم التعبير عنه؛ بقيام نظريات وآراء متنوعة أعادات الاهتمام بالديمقراطية كآلية ومضمون.
إن تناول مسالة الديمقراطية في الأحزاب ذات التوجهات الإسلامية، يستدعي تساؤلا آخر؛ وهو: هل توجد ديمقراطية في الأحزاب العربية ذات التوجهات اليسارية أو القومية أو تحت أي مسمى آخر؟
ولاشك أن الديمقراطية وان كانت مذهبا سياسيا، فإنها تنشئة اجتماعية تأخذ مراحل متعددة ، وفقا لاشتراطات التراكم المؤسساتي والمعرفي لدى أي مجتمع، وبالتالي لا يمكن توقع ديمقراطية بدون وجود من يؤمن بالنظرية الديمقراطية؛ لأن عكس ذلك سيفضي في المخرج النهائي إلى تكوين ديمقراطيات بدون ديمقراطيين؛ لنكون أمام مشهد ديمقراطية البطة العرجاء؛ الذي يمكن أن نطلقه على التجربة العراقية بعد الاحتلال.
إن البحث في موضوعة الديمقراطية في الأحزاب الطائفية والمذهبية؛ يستدعي منا أولا تناول المسألة الديمقراطية وموقف الفكر الإسلامي منها، ثم التصدي لأسباب هيمنة الاستقطاب الديني في العراق، وطبيعة الأحزاب المتسيدة في المشهد السياسي العراقي؛ وصولا إلى الإجابة على التساؤل موضوع البحث.
أولا: في المسألة الديمقراطية.
كما هو معلوم أن الديمقراطية تعني حكم الشعب بنفسه؛ ويرجع أصل هذا التعريف إلى كلمتين إغريقيتين “Demos” وتعني الشعب و”Kratos” وتعني الحكم؛ أما دلالتها العلمية ؛ فهي ان يتولى الشعب في مجتمع معين شؤون الحكم، وقد تطور هذا المفهوم عبر التاريخ، لاسيما الأوربي منه(1) .
ومن خلال هذا التطور؛ أخذت الديمقراطية في تطبيقاتها العملية أشكالا ثلاثة هي (2):
1.الديمقراطية المباشرة، والتي يمارس فيها الشعب بنفسه مظاهر السيادة مباشرة دون وساطة نواب عنه، وقد طبق هذا النظام في المدن اليونانية القديمة، أما في عصرنا الحالي فقلما نجد هذا التطبيق، إذ تقتصر ممارساتها في بعض المقاطعات السويسرية؛ التي تسمح مساحتها الصغيرة وقلة عدد سكانها؛ باجتماعهم لمباشرة خصائص السيادة.
2.الديمقراطية شبه المباشرة: التي تقوم على أساس وجود نواب للشعب؛ ولكن الشعب يحتفظ فيها لنفسه بحق التدخل المباشر لممارسة بعض مظاهر السيادة؛ عن طريق وسائل متعددة؛ مثل :حق الاقتراع الشعبي، وحق الاستفتاء الشعبي، وحق الاعتراض الشعبي.
3.الديمقراطية النيابية: وصورتها ان ينيب الشعب عنه مجلساً منتخبا يسمى :"المجلس النيابي"، أو "البرلمان"، تعود إليه السلطة التشريعية؛ على اعتبار أن إرادته إنما هي إرادة الشعب الذي يمثله.
ومهما تعددت صور الديمقراطية وأشكالها ومذاهبها؛ فقد هدفت في التحليل الأخير إلى إقامة حواجز ضد التسلط والطغيان.
والمذاهب الديمقراطية ، هي المذاهب التي ترجع أصل السلطة إلى الإرادة الجماعية للمجتمع الذي يخضع لهذه السلطة، وان السلطة السياسية تكسب شرعيتها لأنها فقط انبثقت من الجماعة التي تحكمها.ويشير د. منذرالشاوي إلى أن المثل الديمقراطية أصبحت من المسلمات في عالمنا المعاصر؛ وحتى الذين يعارضون تحقيق هذه المثل؛ لم يجرؤوا على ذلك؛ دون أن يقدموا فروض الاحترام؛ أو أن يختبئوا وراء أقنعة من المصطلحات الديمقراطية؛ ومهما قيل أو يقال عن الديمقراطية؛ فإنها تبقى قيمة يتم الرجوع إليها  عند تقييم عمل المؤسسات؛ أو النظم السياسية(1).
لذا فان البحث في المسألة الديمقراطية؛ يقتضي سلوك عدة مسارات؛ ربما تتسع لآلاف الصفحات؛ لتعدد المذاهب والرؤى؛ وعمق التجارب وتعددها .
بيد انه من المهم؛ الإشارة إلى أن تناول الديمقراطية؛ بات اليوم يحمل بين طياته فهمين مدركين يحملان توظيفا سياسيا مهما:
أ‌.الديمقراطية كآلية ، بمعنى وجود تعددية وأحزاب متمثلة في النظام السياسي، مع وجود انتخابات يتم عن طريقها وصول حزب أو جماعة ما إلى السلطة .
وفي ضوء هذا الفهم المشار إليه أعلاه؛ تتصدر العملية الانتخابية عنوان النظرية الديمقراطية ، بل ذهب بعض الباحثين إلى تعريف الديمقراطية في ضوئها، إذ يذهب جوزيف شومبيتر إلى أن الديمقراطية مجموعة من الإجراءات والمؤسسات التي يستطيع الأفراد من خلالها المشاركة في عملية صنع القرارات السياسية عن طريق التنافس في انتخابات حرة (1).
إلا أن هذه الإجراءات قد تكون خادعة؛ لأنها تستقر عند الشكل، بمعنى انه من الممكن توافر كل هذه الإجراءات التي ذكرت أعلاه، إلا انها في الوقت نفسه لا تحمل مضمونا ديمقراطيا حقيقيا في التطبيق؛ لأنها تفتقر إلى معايير المؤسسات الديمقراطية الحقيقية ، فتبقى رهينة الشكل فحسب.
وحاول بعض المفكرين وضع معايير لديمقراطية الانتخاب؛ فعلى سبيل المثال؛ حدد ديفيد باتلر وآخرون ستة معايير للانتخابات الديمقراطية، وهي: معيار حق التصويت العام لكل المواطنين البالغين، ومعيار دورية الانتخابات وانتظامها، ومعيار عدم حرمان أية جماعة من تشكيل حزب سياسي ومن الترشح إلى المناصب السياسية، ومعيار حق التنافس على كل مقاعد المجالس التشريعية، ومعيار قضية إدارة الحملات الانتخابية في وضع لا يحرم فيه "قانون وسائل العنف" المرشحين من عرض آرائهم وقدراتهم؛ ولا الناخبين من مناقشة تكلك الآراء، ومعيار تمكين الناخبين من الإدلاء بأصواتهم وسط جو من الحرية والسرية وفرص الأصوات وإعلانها بشفافية، ومعيار تمكين المنتصرين في الانتخابات من مناصبهم السياسية حتى وقت الانتخابات التالي(1)  .
ب. الديمقراطية كمضمون : ظهر هذا  الاتجاه بعد الحرب العالمية الثانية؛ وتعزز بعد انتهاء الحرب الباردة؛ ويدعو إلى تجاوز الديمقراطية كمذهب سياسي؛ وتضمينه أبعادا اجتماعية واقتصادية ، وعدم الوقوف عند حسابات الأغلبية والأقلية والإجراءات الشكلية؛ لتتضمن الديمقراطية أبعادا قيمية أخلاقية؛ متمثلة بحقوق الإنسان والحرية والمساواة، فالكثرة لا احترام لها ما لم تكن تضمن حقوق الأقلية‘ ومع تصاعد هذا الاتجاه؛ باتت القيمة المعنوية تقترن بقوة بالنظرية الديمقراطية  .
وطبقا لهذا المفهوم؛ فإن الدفاع عن حقوق الإنسان وحرياته السياسية والاقتصادية والاجتماعية والثقافية والفكرية؛ هو أصل أساسي في الديموقراطية، ولابد للدساتير الوطنية أن تحتوي عليها، كما لابد من مواجهة أي مسعى لإفراغ الدساتير من تلك الحقوق والحريات، وإلا ستصبح الديموقراطية معبرة عن آلية فحسب؛ من دون وجود المحتوى الرئيس ، وبالتالي ستكون نتائجها وخيمة على حريات الناس وحقوقهم، وستصبح مدخلا للوصاية والظلم والاستبداد(2).
ثانيا:الإسلام والديمقراطية
يذهب عدد من الباحثين إلى أن الفقه السياسي الإسلامي لم يتطور بالقدر الذي تطورت به بقية شُعَب الفقه الأخرى، فهو ليس غنياً غناها؛ ولا شاملاً وافياً مثلها؛ فكتبه قليلةٌ نادرةٌ؛ ومباحثه قاصرة على مسائل محدودة؛ وهو في لا يفي بحاجات الدولة المعاصرة ووظائفها المتعددة.
ومن الملاحظ البين في تاريخ الحركة العلمية عند المسلمين؛ أن حظ العلوم السياسية عندهم كان بالنسبة لغيرها من العلوم الأخرى أسوأ حظا، وأن وجودها بينهم كان أضعف وجودا، فلسنا نعرف لهم مؤلفاً في السياسة ولا مترجماً، ولا نعرف لهم بحثاً في شي من أنظمة الحكم ولا أصول السياسة، اللهم إلا قليلاً لا يقام له وزن إزاء حركتهم العلمية في غير السياسة من الحقول الأخرى، لاسيما وان الإصدرات الإسلامية فيما يتعلق بالفقه السياسي؛ لا تزيد على كتب قليلة؛ مثل "الأحكام السلطانية" للماوردي، و"السياسة الشرعية" لابن تيمية، وقليل غيرها (1).
ويرى د.حسن الترابي في كتابه ( المصطلحات السيــاسية في الإسلام ) أن المسلمين قد أصابهم "بؤس في فقه حياتهم السياسية ، ومقاصدها ووسائلها ونظمها وعلاقاتها"(2) .
  و يطرح السؤال المتعلق بوجود الديمقراطية في الأحزاب الطائفية والمذهبية من عدمه؛ تساؤلات عدة، يتصدرها الاشكال المفاهيمي المتعلق بعلاقة الديمقراطية بالإسلام ؛ وهل  الديمقراطية حالة أصيلة في الإسلام  أم طارئة؟ وما هو موقف الفكر الإسلامي من الديمقراطية؟.
ويمكن القول، إنه ليس هناك اتفاق بين فقهاء المسلمين أو مفكريهم حول الموقف من الديمقراطية، ولكن يمكن أن نحدد اتجاهات ثلاثة:
الاتجاه الأول: المؤيد.. الذي يرى ان الديمقراطية في الإسلام ظاهرة متسقة مع الإسلام‘ ويشير إلى أحداث معينة ، ليصل في التحليل النهائي؛ انه لا تعارض بين الديمقراطية والإسلام،ولا يقتصر هذا الاعتقاد فقط على الكتاب المسلمين فحسب؛ بل يمتد ليشمل حتى الكتاب الغربيين(1).
 ويشير منظرو هذا الرأي؛ الى أمثلة عدة منها: أهل الحل والعقد والشورى وبيعتي العقبة الأولى والثانية؛ وغيرها من الحوادث على أنها تجسيد حقيقي لمفهوم الديمقراطية (2).
الاتجاه الثاني : المعارض.. وأصحاب هذا الاتجاه يشيرون إلى وقائع مختلفة لرفض فكرة الديمقراطية؛ فمنهم من يرى"أن الإسلام هو ما جاء به الوحي في الكتاب والسنة ليس غير"؛ ولا يصح أن يقال أن ما لا يخالف الإسلام هو من الإسلام(1). لأن الإسلام إنما كان وحيا،ووحيا فقط، وقد كان الرسول صلى الله عليه وسلم يسأل عن المسألة قبل نزول الوحي فيسكت، ولا يجيب حتى يأتيه الوحي ، ولذلك وحسب هذا الرأي؛ لا بد من تقرير هذه الحقيقة؛ المتمثلة في أن الشريعة وحي من عند الله فقط ،سواء منها ما يتعلق بالأحكام العامة المتعلقة بشؤون الناس كالأنظمة والقوانين، مثل الدستور الذي يحدد شكل الدولة وأجهزتها وصلاحيات كل جهاز؛ وما يتضمنه من نظم اقتصاد واجتماع وعقوبات ورعاية شؤون؛ أو ما كان يتعلق بعلاقات الأفراد فيما بينهم؛ أو علاقاتهم مع بعضهم؛ مثل العبادات والأخلاق؛ ومثل معاملات البيع والشراء والزواج والطلاق وغير ذلك، أو كان مما يتعلق بعلاقات المسلمين مع غيرهم؛ وعلاقات عامة المسلمين بغيرهم؛ مثل أحكام العلاقات الدولية؛ وأحكام الجهاد والمعاهدات وغير ذلك.   
   وهذا يتناقض تماما مع الديمقراطية التي جعلت السيادة للشعب؛ وجعلت مجموعة من الناس تضع التشريعات لتنظيم علاقات الناس فيما بينهم؛ فمصدر التشريع فيها هم الناس وليس الوحي؛ ومصدر التشريع في الإسلام هو الوحي وليس الناس(2).
   وينفي المودودي فكرة الديمقراطية، حين يشدد على نظرية حاكمية الله، ويعتبر  أن الوافد من الحضارة الغربية هو جاهلية جديدة معاصرة، وانه لا مجال في حظيرة الإسلام ودائرة نفوذه إلا لدولة يقوم المرء فيها بوظيفة خليفة الله، ويجب أن تنزع جميع سلطات الأمر والتشريع من أيدي البشر منفردين ومجتمعين؛ لان ذلك أمر يختص بالله (1).
 الاتجاه الثالث: الاتجاه التوفيقي: الذي ينطلق من قاعدة معروفة لدى فقهاء المسلمين؛ تنصّ على أن المهم هو المضمون والعبرة في المعاني وليست في الألفاظ والمباني، فإذا كان مصطلح (الديمقراطية) يعني أن يحكم الشعب نفسه بنفسه عبر ممثليه ونوابه المنتخبين بشكل حر وسليم؛ فقد تحققت الشورى بأسمى معانيها من خلال سيادة الأمة، ولا مانع عندها من استعمال لفظ الديمقراطية بعد شيوعه وعموميته، وبالتالي فلا غضاضة أو ضير؛ في  أن يطلق اصطلاح "المسلمون الديمقراطيون" لأنّ هذا ما ينشده الإسلام الوسطي المعتدل؛ في خضم جنوح بعض المسلمين إلى التعصب والتطرّف والوقوف عند الألفاظ والشكل دون الجوهر والمضمون.
ويرى د.فهمي هويدي أن الديمقراطية من حيث الجوهر، هي من صميم الإسلام، وأن الإسلام سبق الآخرين في وضع القواعد الديمقراطية التي يقوم عليها جوهرها؛ ولكنه ترك التفصيلات لاجتهاد المسلمين، وفق أصول دينهم، ومصالح دنياهم، وتطور حياتهم بحسب الزمان والمكان وتجدد أحوال المسلمين(2).
     وميزة الديمقراطية؛ انها اهتدت بعد نضال طويل؛ إلى صيغ ووسائل تعد الى اليوم امثل الضمانات لحماية الشعوب من التسلط والظلم، ولا حجر على البشرية ومفكريها، في صيغ وأساليب أخرى؛ لعلها تهتدي إلى ما هو أوفى وأمثل، ولكن الى ان يتيسر ذلك ويتحقق في واقع الناس، نرى لزاما علينا أن نقتبس من أساليب الديمقراطية ما لابد منه؛ من تحقيق العدل والشورى؛ واحترام حقوق الإنسان والتخلص من الاستبداد.
ثالثا: الإسلام ونظرية الأحزاب.
ليس هناك تعريف جامع مانع شامل للأحزاب، فـ"موريس ديفرجيه" يعرف الحزب السياسي انه (( تجمع اختياري يقوم بإرادة أعضائه وهدفه الوصول إلى السلطة،ولكن عند استخدام العنف طريقا الى السلطة؛ فلا يصح أن نطلق عليه تسميه الحزب؛ وإنما يوصف بالحركة السياسية الانقلابية)) (1).
 أما "أوستن راني" فيعرف  الأحزاب السياسية  بأنها (( جماعة منظمة؛ ذات استقلال ذاتي؛ تقوم بتعيين مرشحيها؛ وتخوض المعارك الانتخابية؛ للحصول على المناصب الحكومية؛ والهيمنة على خطط الحكومة))(2).
 في حين عرف "فرنسوا غوغيل" الحزب بأنه: (( مجموعة منظمة للمشاركة في الحياة السياسية، بهدف السيطرة كلياً أو جزئياً على السلطة، دفاعاً عن أفكار ومصالح محازبيها)).
  أما "سيجموند نيومان" فيذهب إلى أن الحزب (( هو تنظيم العناصر السياسية النشيطة في المجتمع؛ التي تتنافس سعيا للحصول على التأييد الشعبي مع جماعة أو جماعات أخرى تعتنق وجهات نظر مختلفة))(1).
  ولم يعالج الفقه الإسلامي قضية العمل الحزبي ومشروعيته، ومع ذلك تكاد الإشارات والأحكام  تفيد أن وجود الأحزاب داخل الدولة الإسلامية مرفوض في عموم الاجتهاد الفقهي الإسلامي أو التنظير السياسي إلى درجة الإفتاء بحرمة العمل الحزبي، بوصفها على خلاف مع مفهوم الأمة الإسلامية، ،ويعود هذا الرفض إلى المبررات الآتية:
1.إن التعدد الحزبي مبدأ مستورد من الديمقراطية الغربية، وليس مبدأ ًً إسلاميا أصيلا نابعا منه وصادرا عنه،لاسيما وأن الإسلام قد نهى عن التشبه بالآخرين.
2.إن الحزبية تستند على فكرة التعددية، التي تتنافي مع مبدأ الوحدة التي يفرضها الإسلام، ويعتبرها صنو الإسلام، ويستند هذا الرأي إلى قول الله تعالى ((وَاعْتَصِمُوا بِحَبْلِ اللَّهِ جَمِيعًا وَلَا تَفَرَّقُوا ))(2) وقوله تعالى  ((وَلاَ تَنَازَعُواْ فَتَفْشَلُواْ وَتَذْهَبَ رِيحُكُمْ ))(3) وقوله تعالى((وَلَا تَكُونُوا كَالَّذِينَ تَفَرَّقُوا وَاخْتَلَفُوا مِنْ بَعْدِ مَا جَاءَهُمُ الْبَيِّنَاتُ وَأولَئِكَ لَهُمْ عَذَابٌ عَظِيمٌ ))(4) .
 وكذلك الحديث النبوي "ولا تختلفوا فتختلف قلوبكم" والحديث النبوي :"لا تختلفوا، فإن من كان قبلكم اختلفوا فهلكوا" .
 لذا، ومن خلال هذا الفهم، يرى أصحاب هذا الاتجاه:  أن الانتماء الحزبي؛ سوف يقسم ولاء الفرد بين حزبه الذي ينتمي اليه ، ودولته التي بايعها على السمع والطاعة والنصرة والمعونة؛ فضلا عن أن الإسلام كل لا يقبل التشطير ولا التجزئة(1).
3.الحزب هو نوع من العصبية التي حاربها الإسلام ، وبالتالي فهي لا تتسق ومقاصد الإسلام، ومهما اتسعت دائرة الحزب أو ضاقت ، فإن قومها العصبية التي تدل على الانقسام والتشظي والفرقة.
4. ويصطدم مفهوم الحزب السياسي في المنظور الإسلامي؛ مع موضوعة التشريع، فالأحزاب السياسية في الغرب، لها أن تشرّع بما فيه مصلحة تراها للعباد والبلاد، ما يقدح في الذهن شبهة وإشكالية فقهية بأن تحذو الأحزاب في العالم الإسلامي حذو أخواتها في الغرب، فتشرّع بما يتعارض مع النص، ومن هنا ذهب بعضهم إلى حرمة الحزب السياسي(2).
في حين يذهب فريق آخر إلى جواز تشكيل الأحزاب، ويرى د. يوسف القرضاوي أن الاختلاف والتنوع في الحياة سنة من سنن الحياة؛ وان القرآن عبر عنه في آياتٍ كثيرة يقول تعالى:{ألم ترَ أن الله أنزل من السماء ماءً فأخرجنا به ثمرات مختلفاً ألوانه ومن الجبال جُدَد بيض وحُمْرٌ مختلف ألوانها وغرابيب سود . ومن الناس والدواب والأنعام مختلفٌ ألوانه كذلك}(1) فاطر:27-28.
فاختلاف الألوان؛ أو اختلاف الأنواع؛ أمر يقوم عليه الكون كله، واختلاف التنوع هذا؛ لا بد أن يوجد في الحياة السياسية، بل إن الحياة السياسية قابلة للتنوع أكثر من غيرها.
إذا كنا قبلنا التعددية في الناحية الدينية؛ وفي اختلاف العقائد، وقبلنا الاختلاف في أمورٍ كثيرة، وقبلنا في داخل المجتمع الإسلامي باختلاف المذاهب الفقهية ، بل إن  وجود المذاهب الفقهية هو دليل على وجود الأحزاب السياسية؛ لأن المذهب الفقهي هو عبارة عن مدرسة لها رؤية معينة، لها أصول تعتمد عليها، ولها في ضوء هذه الأصول أفكار فقهية واستنباطات وأحكام واجتهادات تخالف بها المدرسة الأخرى، فكذلك الحزب؛ هو عبارة عن مدرسة لها رؤية سياسية، ولها أصول تعتمد عليها تخالـف الحزب الآخر؛ ولكن بشروط معينة .
غير أنه  ينبغي أن يتوافر أمران أساسيان بالنسبة لأي حزب ينشأ في المجتمع الإسلامي والدولة الإسلامية:
الأول: على الحزب أن يحترم ثوابت الأمة وقطعيات الشريعة؛ يعني الإيمان بالله - جل جلاله- وبالآخرة، بالقيم الأخلاقية، لا يستخف بدين من الأديان حتى لا بالإسلام ولا بغير الإسلام؛ يعني يحترم الأديان كل الأديان، يحترم مقدسات الأمة وثوابتها والأمور القطعية ، وهناك أشياء يختلف فيها الناس.
الثاني: أن يعمل هذا الحزب لصالح الأمة؛ لا يكون عميلاً لأي جهة خارجية، وليس امتداداً لها، أي لا يصح أن يكون امتداداً لأحزاب قائمة في أمريكا أو روسيا ..
يكفي هذان الأساسان ليقوم الحزب في ظل ثوابت الأمة؛ وفي ظل دستورها؛ حتى لو خرج على دستورها تكون هناك محكمة، عندنا قضاء مستقل، وقضاء يعبر عن حقيقة الأمة؛ وعن ضميرها؛ وعن روحها؛ يحتكم إلى القضاء فيمن خرج على هذه الثوابت.
رابعا:الأحزاب العراقية والديمقراطية تلاق أم افتراق؟
منذ إغارة الولايات المتحدة الأمريكية على العراق، واحتلاله في 9 نيسان 2003 ؛وإسقاط نظامه السياسي، تشكلت صورة النظام الجديد، فبدت مختلفة تماماً ، عن سابقتها ، ليس فقط على مستوى التوجهات الفكرية والسياسة الخارجية فحسب، وإنما على مستوى الدولة ذاتها، أو القوى الفاعلة فيها.
ومع غياب أي مظهر من مظاهر الدولة في الأيام الأولى لسقوط النظام، ،وفي ظل عدم وجود أي تنظيمات سياسية، أو مؤسسات مجتمع مدني، أصبحت المساجد والحسينيات والمراكز الدينية ودواوين العشائر هي الأماكن الوحيدة القادرة على استيعاب الناس واستقطابهم، وأصبح وكلاء المراجع الدينية في المدن العراقية؛ بمثابة المؤسسات الحكومية التي تدير شؤون الناس الدينية والاجتماعية والسياسية والقضائية.
ولقد ظهرت قوة التوجهات الدينية بقوة من خلال الأحزاب والمرجعيات الشيعية  التي لعبت دورها في تأسيس العملية السياسية ، ومع مرور الوقت ازداد الاستقطاب الديني؛ مع ظروف عدم الاكتراث بالعملية السياسية في بدايتها الأولى؛ وتحولت الفتاوى الدينية الى ما يشبه الأوامر الإدارية والقرارات في بعض مؤسسات الدولة الرسمية ، وقد تجسد هذا الأمر بوضوح  من خلال انتشار صور رجال الدين والمراجع الدينية في الشوارع والساحات العامة، بل وتقلـّد رجال دين وأئمة مساجد مناصب مهمة في الدولة العراقية، فضلا عن التوجهات الدينية لمعظم المسؤولين العراقيين الجدد(1) .
وبغض النظر عن الموقف من التغيير سلبا كان أم إيجابا، فقد شهد الوضع العراقي تحولات سياسية نحو إقرار التعددية ، في ظل واقع مركب متأزم ومتخم بأسباب عدم الاستقرار .
وقد بدا المشهد السياسي؛ وكأنه قد استقر على ظهور عدة أحزاب بعضها كان معارضا، وبعضها الآخر لم يكن معروفا سابقا، ويمكن تقسيم هذه الأحزاب على النحو الآتي:
1. الأحزاب ذات التوجهات الإسلامية، مثل :الحزب الإسلامي العراقي، وحزب الدعوة، وحزب الفضيلة.
2. الأحزاب القائمة على العرق ؛ مثل: الحزب الديمقراطي الكردستاني، وحزب الاتحاد الوطني الكردستاني.
3. الأحزاب التي تجمع مابين العرق والدين، مثل: حزب الاتحاد الكردستاني الاسلامي.
4.أحزاب علمانية، مثل : الحزب الشيوعي،والحزب الوطني الديمقراطي.
5.حركات وتجمعات سياسية فضلت عدم تحويل نفسها إلى تنظيم حزبي؛ مثل :المجلس الأعلى( إسلامي)، حركة الوفاق ( علماني) ،تجمع الديمقراطيين المستقلين( علماني
6.أحزاب وتجمعات لتمثيل الأقليات.
وعلى الرغم من أن ظاهرة التعددية؛ هي ظاهرة صحية، فإن هذه الظاهرة لم تسفر عن إحلال القيم الديمقراطية الفعلية، وبهذا تشكل المشهد السياسي العراقي على مجموعة الأحزاب المذهبية والعرقية؛ أما الأحزاب ذات التوجهات اليسارية أو القومية  أو الليبرالية؛ فإنها لم تكد تتنفس في البيئة السياسية العراقية إلا لماما.
 وقبل إطلاق الأحكام على عمل هذه الأحزاب ينبغي التأكيد على مسألتين:
الأولى: بالنظر الى عدم الانسجام المذهبي داخل المجتمع العراقي وتنوعه ، فإن الأحزاب الإسلامية لابد وان تكون طائفية بالضرورة، لذا فان الحزب الإسلامي العراقي لابد وان يوصف بأنه حزب  سني ، مثلما يوصف حزب الدعوة بأنه حزب  شيعي ، أو المجلس الأعلى، وهكذا.
الثانية: إن عمل هذه الأحزاب يتم في بيئة سياسية مشوشة؛ زادها تعقيدا غياب قانون ينظم عمل الأحزاب.
  لقد تسيدت الأحزاب والحركات الدينية والعنصرية المشهد السياسي في العراق؛ ومن خلال تجربة السنوات الست الماضية يمكن ان نرصد الآتي:
1.إن سلوك الأحزاب الدينية لم يكن سلوكا ديمقراطيا حقيقيا ، لأن الغالب على سلوكها هو الصراع على السلطة سعيا للانقلاب على الديموقراطية إذا ما أتيحت الفرصة لتحقيق ذلك.
2.طوال الفترة الماضية لم تشهد جميع الأحزاب اية مراجعات فكرية أو فلسفية عن نقد تجربتها الديمقراطية؛ مثلما لم يراجعوا أو ينقدوا نقدا علميا وعمليا لمرحلة العمل السياسي السابق.
3.شهدت فترة هيمنة الأحزاب الدينية أبشع صور العنف الدموي وانتهاكات حقوق الإنسان والحريات؛ وكلها حدثت تحت لافتات دينية؛ الأمر الذي ولـّد رد فعل جماهيري تجاه هذه الأحزاب.
4.كان الخطاب السائد من قبل الأحزاب الدينية في العراق خطابا طائفيا، لان الخطاب الإسلامي خطاب وحدوي يجمع ولا يفرق، في حين ادى هذا الخطاب الطائفي إلى فرقة العراقيين وتفرقهم؛ والضحية كانت الديموقراطية، وسقوط مزيد من دماء العراقيين الأبرياء .
5.إن الأحزاب الدينية حينما تدعو إلى العمل السلمي، والتمسك بالخيار الديمقراطي؛ فإن عليها أولا أن تعمل على إشاعة هذه المفاهيم سلوكا وممارسة في عمق جماهيرها وأفرادها؛ وأن تفسح المجال للأصوات الآتية من أوساطها لتدلي بآرائها وقبولها واستيعابها ؛ وفهم ماذا تريد؛  وهذا ما لم تتم ملاحظته لدى هذه الأحزاب. غير أن التجربة العملية تؤكد أن معظم الأحزاب لم تجر انتخابات حقيقية وشفافة لتولي المناصب القيادية فيها، فقد أغرتها السلطة وما تفتحه من مصالح؛ وتم في هذه المرحلة تركيز الإقطاع السياسي داخل بنية هذه الأحزاب؛ رغم الواجهة الإعلامية؛ والتصريحات اليومية في التمسك بالديموقراطية .
6.يمكن وصف أساليب عمل الأحزاب الدينية المذهبية بارتهانها إلى منطق الحرب الباردة بعد نهاية الحرب العالمية الثانية؛ في تناولها موضوعة الديموقراطية؛ وتكاد أن تغلف هذه المفاهيم بأستار كثيفة من المجازات اللغوية؛ التي لا تستطيع ممارستها حقيقة على الأرض.

7.وصفت هذه الأحزاب بأنها مغتربة عن منطق العصر الذي يعنى بالديموقراطية كوسيلة ناجحة لحل الخلافات الطبقية والاجتماعية سلميا وإثراء الحياة أخلاقيا وتربويا وعلميا.
8.هنالك تعارض وتخالف في النظرية الديمقراطية ؛ وأسلوب عمل هذه الأحزاب، فعمل الأحزاب يتقرر في ضوء ما يقوله الرمز الديني؛ لا ما يقرره الرأي الجمعي من خلال آلية الديموقراطية.
9.لم تساهم هذه الأحزاب في إرساء قواعد الديمقراطية الحقة، بل على العكس؛ إنها ألحقت ضررا كبيرا لدى جمهور واسع من الناس داخل العراق وخارجه، بحيث بات ينظر إلى هذه التجربة بأنها نوع من الفوضى العارمة.
10.إن القاعدة الجماهيرية لهذه الأحزاب تريد أن ترى في قياداتها التي انتخبتها: الإيثار، والابتعاد عن المصلحة الذاتية، والإخلاص في العمل. لكن بعد التجربة الماضية وجد المواطنون أنفسهم أمام  واقع اخر مرير، أنهم لا يرون في زعمائهم هذه الأيام إلا ضيق التفكير؛ والبحث عن المصلحة الذاتية ؛ وهو أمر لا يقتصر على الأحزاب الدينية فحسب؛ بل معظم المشهد الحزبي العراقي.
لكن ومع هذه المآخذ الكبيرة؛  لا يمكن وضع إطار من الحكم المطلق؛ وفق ثنائية تامة بوجود أو عدم وجود ديقراطية في الأحزاب ذات التوجهات الإسلامية.
 فعلى سبيل المثال: شهد الحزب الإسلامي العراقي تجربة ديمقراطية سجلت أول حالة بهذا الحجم في الساحة العراقية ، تم من خلالها تغيير القيادات الحزبية بدءأ بالأمين العام ،فضلا عن أعضاء المكتب السياسي. فضلا عن عدة مشاهد أخرى في تنظيمات إسلامية تعكس بعض التوجهات ذات الطبيعة الديمقراطية، إلا أنها لاتبدو كافية لبعث مضمون الديمقراطية التي تكفل المشاركة والمساواة والعدل وتعزز المواطنة وتنظر إلى العراقيين على أنهم وحدة واحدة .
الخاتمة
ستبقى المسألة الديمقراطية محلا للجدل والخلاف، نظرا للأشكال المختلفة للوعي المجتمعي وتنوعاته.
ومع الإقرار بأن الديمقراطية ليست الخيار الأمثل، لكنها على الأقل الخيار الأقل سوءا من بين عدة خيارات أخرى. إلا أن الديمقراطية تبقى أسيرة تجاذبات فكرية وسياسية،  ومن الصعوبة بمكان؛ تصور الديمقراطية دون أن ترافق عمليتها بنية ديمقراطية تؤمن بها فعلا، لا أن تعدها مطية من اجل الوصول إلى السلطة؛  لتنقلب فيما بعد على ثوابتها، وإلا سنكون أمام ديمقراطية بلا ديمقراطيين.
ويمكن أن نقول: إن غياب الديمقراطية داخل الكيانات والأحزاب السياسية العربية هي الصفة الأكثر تلازما لها ، وهي لم تبد استعدادا بعد لتطبيق المفاهيم والآليات الديمقراطية في العمل الحزبي، إذ يكاد عملها يقترب من وصف الإقطاع السياسي أكثر من كونه حزبا بالمعنى المتفق عليه، فهي  نتاج عائلي أو احتكار نضالي، أو توصيف ثيوقراطي، ولا يخرج عن هذه القاعدة إلا اللمم.
 ويذهب الكثير من الباحثين؛ إلى تقاطع الديمقراطية مع الأحزاب الطائفية أو المذهبية ، وقد عززت تجربة العراق في فترة ما بعد الاحتلال عام 2003، هذا الرأي،إذ أن هذه الأحزاب لم تلجأ إلى تعزيز بنيتها الديمقراطية على المستوى الداخلي، وانعكس ذلك وبشكل متناغم على ممارستها الخارجية ؛ في علاقتها مع الأحزاب الأخرى؛  أوفي إطار العملية السياسية ككل،  الأمر الذي ولـّد شعورا بأن اختيارها للديمقراطية كان مجرد عملية إلزامية تحت ظروف معينة ، أكثر من كونه اختيارا استراتيجيا لها.
وقد يكون صحيحا أن عملية التطور الديمقراطي كسلوك وممارسة لا تتم بين ليلة وضحاها. لكن هذه الأحزاب ومعها بقية الأحزاب الأخرى لم تقدم نماذج أو أدوات فاعلة لتحقيق تنمية سياسية، بما يضمن المشاركة السياسية، ويرسخ مبدأ المشروعية وسيادة القانون؛ ويساهم في تعزيز ونشر ثقافة الحوار وتبادل الرأي وضمان الحريات.
بيد أن إنكار الديمقراطية بصورة مطلقة عن هذه الأحزاب لا يتفق ومع منهج دراسة العلوم السياسية، فما بين الأسود والأبيض هنالك عدة الوان، لكن تبقى هذه الممارسات إما مقتصرة على حزب معين أو حبيسة تكتيكات حزبية طارئة.
---------------------
(1) للمزيد انظر: د. محمد سليم غزوي، نظرات حول الديمقراطية، دار وائل، عمان، 2000، ص ص 9-25.
(2) فراس عبدالرزاق السوداني، العراق .. مستقبل بدستور غامض،مكتبة مدبولي، 2004، ص 57.
(1)  د.منذر الشاوي، النظرية العامة في القانون الدستوري،دار ورد للنشر والتوزيع،عمان، 2007، ص 23.
(1) joseph A. Schumpeter, Captilism, Socialism, and Democracy.3rd ed.(New York:harber,1950,p259.
(1)  عبدالفتاح ماضي ، متى تكون الانتخابات ديمقراطية؟، المجلة العربية للعلوم السياسية، الجمعية العربية للعلوم السياسية، بيروت، العدد16، خريف 2007، ص 63.
(2) د.منذر الشاوي، القانون والحياة، المركز العراقي للدراسات الاستراتيجية، عمان، 2008،ص59.
(1)  د. بسطامي محمد خير، تطور الفقه، مجلة سطر المعرفة http://arabbeat.com/i/3rd/0602.htm
(2) د.حسن الترابي، المصطلحات السياسية في الإسلام.
(1) فعلى سبيل المثال كتب جون هيوز في الكريستيان ساينس مونيتر مقالا بعنوان " الإسلام والديمقراطية وجهان لعملة واحدة" أشار فيه إلى أن الإسلام نادى بالديمقراطية وكفل حرية الرأي والتعبير لأتباعه قبل أن تخرج أمريكا إلى النور وتحمل لواء الدفاع عن الديمقراطية في الشرق المقهور.و ضرب هيوز ثلاثة أمثلة داخل الأمة الإسلامية للتأكيد على أن الإسلام والديمقراطية وجهان لعملة واحدة، بعد أن نجحت ثلاث دول إسلامية في المزج بين الإسلام والديمقراطية والنهوض بمجتمع حر قادر إلى حد بعيد علي التغيير والإصلاح، وهى اندونيسيا، والهند، وتركيا. وأكد هيوز في نهاية مقالته علي أن تلك التجارب وإن كانت لا تمثل باقي دول العالم الإسلامي التي تعاني من غياب الديمقراطية وقتل لحرية التعبير، إلا أنها كذبت دعاوي الغرب وأكدت أن الإسلام يخرج من عباءته الديمقراطية التي تمنح الفرصة لمجتمع ينعم بالاستقرار.
(2)  يرى أصحاب هذا الاتجاه  ان المسلمين قد سبقوا الشعوب الغربية في تطبيق مضامين الديمقراطية نصاً وروحاً والّتي يمكن أن توازيها مصطلح (الشوروية) في المصطلح الإسلامي، ولدينا أمثلة تطبيقية كثيرة تعكس كلّها واقعاً لمفهوم الآية الكريمة: (وأمرهم شورى بينهم) الآية 38 سورة (الشورى)، وكذلك الآية الكريمة (وشاورهم في الأمر) الاية 159سورة (آل عمران).لاسيما وان المعارضة وتعدد الآراء يضمنهما مبدأ الشورى ، لان الشورى لا تتحقق أصلا إلا باختلاف الآراء فيضرب بعضها ببعض حتى يستبين الصواب، فضلا عن تطبيقات عدة حملت =مضامين الديمقراطية: للمزيد انظر :عباس محمود العقاد، الديمقراطية في الإسلام،دار المعارف،القاهرة، 1952 : وكذلك زكريا عبد المنعم ، نظام الشورى في الإسلام ونظم الديمقراطية المعاصرة،مطبعة السعادة، القاهرة، 1985.
(1) اللمزيد انظر:مذيب صالح احمد، الديمقراطية بين الإسلام والغرب،مركز عبادي للنشر، صنعاء،2006
(2)  ويذهب هؤلاء إلى الاستناد إلى الآية الكريمة (( إن الحكمُ إلا لله أمر ألاَّ تعبدوا إلا إيَّاه ذلك الدين القيمُ ولكن أكثر الناس لا يعلمون))  سورة يوسف الآية( 04)، وطالما أن تقوم الديمقراطية على مبدأ أن الشعب هو مصدر السلطات بما في ذلك السلطة التشريعية فهي تخالف برأيهم النص على أن مصدر السلطة يجب أن يكون الله وحده.
(1) للمزيد انظر ابو الأعلى المودوي: موجز تاريخ تجديد الدين وإحيائه، دار المسلم ، القاهرة، ص ص 34-37  .وكذلك: نظرية الإسلام وهدية السياسة والقانون الدستوري،دار الفكر ، دمشق، ص 77 -78.
(2)  د فهمي هويدي ، الإسلام والديمقراطية ، مركز الأهرام للترجمة والنشر، القاهرة، 1993، ص 136.
(1)  موريس ديفرجيه، الأحزاب السياسية، ترجمة علي مقلد وعبد الحسين سعد، دار النهار للنشر، بيروت، 1972، ص ص 7-18.
(2) نقلا عن د. طارق الهاشمي، الأحزاب السياسية،مطابع التعليم العالي، جامعة بغداد، 1990، ص 46.
(1) نقلا عن أسامة حرب، الأحزاب السياسية في العالم الثالث،سلسلة إصدارات المعرفة، الكويت، 1987، ص 115.
(2) آل عمران الآية (103)
(3) الأنفال الآية (46)
(4)  آل عمران الاية (105)
(1) هناك طيف واسع من الفقهاء والمفكرين الإسلاميين يرفض رفضا قطعيا فكرة الحزبية ، فعلى سبيل المثال ، ذكر بكر بن عبد الله أبو زيد، في مؤلفه  حكم الانتماء إلى الفرق والأحزاب والجماعات الإسلامية، بان هناك تسعة عشر أصلاً شرعياً، لايبيح الانتماء الى الأحزاب والجماعات الإسلامية ،ثم تكلم عن مضار الأحزاب وأثارها على جماعة المسلمين فذكر أربعين أثراً ثم خلص إلى المنع من تحزب أي فرقة أو جماعة تحت مظلة الإسلام. للمزيد انظر: بكر بن عبد الله أبو زيد: حكم الانتماء إلى الفرق والأحزاب والجماعات الإسلامية، دار الحرمين للنشر ، القاهرة، 2006
(2) http://www.dahsha.com/viewarticle.php?id=2732   أ .نضير الخزرجي: مشروعية الأحزاب السياسية في الإسلام
(1)  سورة فاطر الآية (27-28)
(1) للمزيد انظر : عبد الستار هادي عبيد الجنابي، العملية السياسية في العراق بعد الاحتلال وأثرها على الداخل العراقي، رسالة ماجستير ،معهد البحوث والدراسات العربية، القاهرة،2008.