الخميس، 19 نوفمبر 2009

في الطريق إلى مجلس الأمن ؟!


كتب: عريب الرنتاوي

قد يكون من المبكر الحديث عن "استراتيجية فلسطينية جديدة"، فنحن ما زلنا بحاجة للتعرف على ملامح الخطة الفلسطينية لمرحلة ما بعد "استعصاء المفاوضات" و"إرجاء الانتخابات"، والأرجح أن استراتيجية كهذا لم تتبلور بعد، وأننا ما زلنا في مرحلة "عض الأصابع" و"المناورات الضاغطة" و"سبر الأغوار" و"إطلاق بالونات الاختبار".
التوجه إلى نيويورك، بعد أن عادت ريما (واشنطن) سريعا لعادتها القديمة، يتكشف عن عدة مقاربات وسيناريوهات...السيناريو الأول: إقدام السلطة من جانب واحد، على إعلان قيام الدولة الفلسطينية على المناطق المحتلة عام 67 وعاصمتها القدس، والذهاب به إلى مجلس الأمن، متشجعة بالشوط الكبير الذي قطعته على طريق بناء المؤسسات والأجهزة، وبشهادة الجنرال دايتون (أمنيا) وطوني بلير (اقتصاديا)، مثل هذه المقاربة لا تبتعد كثيرا عن "رؤية بناء الدولة تحت الاحتلال أو رغم أنفه" كماتقول وثيقة سلام فياض، وهي تعيد تجربة إعلان الاستقلال (88)، والأرجح أنها ستستدعي خطوات إسرائيلية من جانب واحد، وسيكون الاعتراف بالدولة الوليدة على الورق، محدودا، وقد لا يتخطى الاعتراف القائم بها حاليا.
السيناريو الثاني، قيام مجلس الأمن الدولي بإصدار قرار يعيد فيه التأكيد على رؤية دولتين لشعبين، ونظرا لأن واحدة من هاتين الدولتين موجوة بالفعل، ومدججة بكل عوامل القوة والاقتدار، فإن القرار قد يشتمل على تأييد قيام الدولة الناقصة/الغائبة، الدولة الفلسطينية على حدود 67 وعاصمتها القدس، وبصورة تتخطى القرار 1515 أو إعلان الاستقلال، مثل هذا الاحتمال سيشكل من دون ريب انتصارا سياسيا للقضية الفلسطينية، حتى وإن لم يجد طريقه إلى حيز التنفيذ، وهو بعيد كل البعد عن الأحادية التي تستدرج إحادية مقابلة، وقد يقنع الفلسطينيين لاحقا بإعلان دولتهم استنادا إلى القرار الجديد، وقد تجد خطوة كهذه الترحيب والاعتراف من المجتمع الدولي.
المقاربة الثالثة، وتتجلى في محاولة انتزاع قرار من هذا النوع من دون جدوى، واكتفاء مجلس الأمن بنصوص عمومية مكرورة، لا تختلف في جوهرها عن القرارات السابقة، أو إقدام واشنطن على استخدام الفيتو في حال استمسك الفلسطينيون والعرب وحلفائهم بنص يرسم حدود الدولة ويحدد عاصمتها، وسيزداد الطين بلة، إن وقفت دول الاتحاد الأوروبي على الحياد وحواف "الامتناع عن التصويت".
المعركة على مجلس الأمن وفي الطريق إليه، معركة مهمة للغاية، ويتعين إدارتها بكل التصميم والحنكة، إذ يتوقف على نتائجها الشيء الكثير، فهي إما أن تكون دفعا للقضية الفلسطينية إلى الأمام، وإما أن تكون ضربة لها في الصميم، على أن الأهم من كل هذا وذاك، أن لا يكون مجلس الأمن، الساحة الوحيدة التي تختبر فيها السلطة "استراتيجية ما بعد انهيار الخيار التفاوضي"، فثمة ساحات لا تقل أهمية، بل وأكثر أهمية من دون ريب، يجب أن نبدأ منها، وأهمها على الإطلاق ساحة استرجاع الوحدة الوطنية الفلسطينية وترتيب البيت الفلسطيني من الداخل.
أخشى ما نخشاه أن يكون التوجه إلى مجلس الأمن، على عجل، محاولة للهروب إلى الأمام، وترتيب لتفادي استحقاقات استئناف الحوار واستعادة الوحدة، ووسيلة للتهرب من مطلب قطاعات متزايدة من الشعب الفلسطيني، بضرورة اعتماد استراتيجية فيها شيء من المفاوضات وكثير من المقاومة، العاقلة والراشدة والرشيدة، لا بأس، ولكنها المقاومة التي تفتح أفقا جديدا، وتسقط خيار "المفاوضات حياة".
نعم، التوجه إلى الملعب الدولي بعد انكماش مساحة الملعب الأمريكي، توجه مهم وجدير بالتأييد، بيد أنه مشروط أولا وأخيرا، جزءا من استراتيجية أشمل وأعمق، تبدأ بإعادة النظر والمراجعة والتقيم ورسم، ولا تنتهي بتحضير الشعب لمشوار كفاحي طويل على طريق الحرية والاستقلال، ومن دون ذلك، تصبح هذه الخطوات جميعها توطئة وتمهيد لـ"السلام الاقتصادي" و"الدولة تحت الاحتلال" و"الحل الانتقالي بعيد المدى" و"خطة بلير/ دايتون".

السيدة رجوي حول ضرورة فرض العقوبات على النظام



 مريم رجوي: أي تباطؤ في فرض عقوبات شاملة على حكام إيران
يقربهم من امتلاك القنبلة الذرية ويمهد الطريق لخلق أزمة دولية

في تقريرها الجديد حول المشروع النووي لنظام الملالي الحاكم في إيران أكدت الوكالة الدولية للطاقة الذرية أن الكشف عن الموقع السري في «قم» قد قلّص ثقة الوكالة بالنظام الايراني حول عدم وجود مواقع أخرى من المنشآت النووية وأثار شكوكًا بأنه ربما هناك منشآت نووية أخرى في إيران لم يكشفها النظام الإيراني عن وجودها ولم يطلع الوكالة عليها. وأضافت الوكالة في تقريرها إن أسئلة الوكالة عن الهدف من إنشاء وتشغيل هذا الموقع ودوره في المشروع النووي للنظام الإيراني لا تزال باقية على حالها».
ويؤكد التقرير أن موقع «قم» قد تم تصميمها ليستوعب نصب 3000 جهاز للطرد المركزي لا يكفي إطلاقًا لإنتاج الطاقة كما يدعيه النظام الإيراني، ولكنها تكفي لإنتاج اليورانيوم المخصّب المستخدم في القنبلة الذرية.
وبخلاف ادعاء النظام بأن بناء هذا الموقع بدأ في النصف الثاني من عام 2007 إن الوكالة تؤكد أنها حصلت على وثائق ومستندات بما فيها صور فضائية تدل على أن بناء هذا الموقع «كان يجري خلال الفترة بين عامي 2002 و2004 واستأنف منذ عام 2006 وتواصل حتى الآن».
ان المقاومة الايرانية قد كشفت عن هذه المنشأة النووية السرية في العشرين من كانون الأول (ديسمبر) عام 2005 خلال مؤتمر صحفي عقدتها في باريس. ان معلومات المقاومة الايرانية تؤكد أن الكثير من الخبراء الضالعين في تشغيل الموقع بينهم مرتضى بهزاد وحسين زيلويي هم من خبراء وزارة الدفاع. كما إن عدداً من المتخصصين في هذا الموقع هم من مركز قيادة وتصنيع السلاح النووي باسم موقع موجده.
وبحسب التقرير الجديد للوكالة الدولية للطاقة الذرية فان نظام الملالي الحاكم في إيران يمتلك ما يعادل 1763 كيلوغرامًا من اليورانيوم المخصب وهو أكثر مما تم اعلانه في تقرير الوكالة الصادر في 28 آب الماضي بنسبة 250 كيلوغرامًا، وهذا الحجم كاف لانتاج اليورانيوم المخصب وبكثافة عالية لاستخدامه في رأسين نوويين. وأكدت الوكالة الدولية في تقريرها الجديد عدم تعاون النظام الايراني مع الوكالة في الجوانب العسكرية للمشاريع النووية للنظام وقالت ان الوكالة لا تزال تنتظر استجابة النظام للقاء بالسلطات الايرانية المعنية بالموضوعات. كما أكد تقرير الوكالة على عدم استجابة النظام لدعوات الوكالة المتكررة للحصول على أفراد ومعلومات ومواقع محددة في التجارب المتنازع عليها حول الجوانب العسكرية للبرنامج النووي وعدم تنفيذ البرتوكول الاضافي واستمرار انتهاك قرارات مجلس الامن الدولي وتوصيات مجلس حكام الوكالة منها تجميد تخصيب اليورانيوم من النقاط الأخرى التي وردت في التقرير الجديد الصادر عن الوكالة الدولية للطاقة الذرية.
وبهذا الخصوص قالت رئيسة الجمهورية المنتخبة من قبل المقاومة الايرانية: «ان نظام الملالي ظل طيلة العقدين الماضيين يخفي برنامجه النووي اما بكامله أو جوانب منه عن المجتمع الدولي والوكالة الدولية للطاقة الذرية، كون هذا البرنامج لا هدف له سوى الحصول على السلاح النووي. وأضافت السيدة رجوي: نظام الملالي ونظراً الى الانتفاضة العارمة للشعب الايراني التي استمرت طيلة الشهور الستة الماضية رغم أعمال القمع التي مارسها النظام وكذلك بسبب الانقسامات والصراعات الداخلية المستعصية التي بلغت ذروتها يرى نفسه بحاجة الى الحصول على القنبلة النووية أكثر من أي وقت مضى. وأكدت رئيسة الجمهورية المنتخبة من قبل المقاومة الايرانية: لم يبق أدنى شك اليوم أن الملالي الحاكمين في ايران استغلوا من سياسة المفاوضة وتقديم التنازلات الغربية له أكثر الاستغلال لشراء الوقت لتطوير وتكملة مشاريعه لاسلحة الدمار الشامل والحصول على القنبلة النووية.
وشددت السيدة رجوي على ضرورة فرض فوري لعقوبات عسكرية ودبلوماسية وتقنية ونفطية شاملة على ديكتاتورية الملالي الحاكمة في إيران من قبل مجلس الامن الدولي وأضافت قائلة: أي تباطؤ ومنح الفرصة للفاشية الدينية الحاكمة في ايران تحت يافطة المفاوضة والحوار ليس من شأنه إلا فسح المجال أمام نظام الملالي الديكتاتوري لكي يقترب من الحصول على القنبلة النووية وخلق أزمة دولية غير مسبوقة.

أمانة المجلس الوطني للمقاومة الإيرانية – باريس
17 تشرين الثاني (نوفمبر) 2009

عمليات تهويد القدس واستعمار الاستيطان في الضفة إجراءات أحادية الجانب


الجبهة الديمقراطية لتحرير فلسطين
عمليات تهويد القدس واستعمار الاستيطان في الضفة إجراءات أحادية الجانب

·        ندعو إدارة أوباما لإجراءات وعقوبات عملية على حكومة نتنياهو
·        ندعو الدول العربية والسلطة الفلسطينية طرح مشروع قرار على مجلس الأمن الدولي ملزم "لإسرائيل" تحت طائلة العقوبات الدولية كما وقع لإنهاء الحكم العنصري في جنوب إفريقيا


صرح مصدر مسؤول في الجبهة الديمقراطية لتحرير فلسطين بما يلي:
حكومة نتنياهو اليمينية واليمينية المتطرفة تستهتر بالقرارات الدولية وإدانات الكتل الدولية لأعمال تهويد القدس وبناء 900 وحدة سكنية جديدة في "مستعمرة جيلو" بين القدس وبيت لحم، ومواصلة البناء في أكثر من 3000 وحدة سكنية في الضفة الفلسطينية.
كل إجراءات حكومة نتنياهو في القدس والضفة وقطاع غزة أحادية الجانب.
نرحب برفض الإدارة الأمريكية، الاتحاد الأوروبي، روسيا، الأمم المتحدة، الصين ودول العالم، التوسع الاستيطاني الجديد في "مستعمرة جيلو"، جنوب القدس، وهدم منازل الأهالي في القدس.
ندعو إدارة أوباما والكتل الدولية إلى الانتقال من إعلان الرفض إلى الأفعال، وأخذ إجراءات وعقوبات عملية للضغط على حكومة نتنياهو لوقف الاستيطان بالكامل. فالاستيطان والجدار العازل العنصري يدمّر الحلول السياسية، ويرسم حدود الأمر الواقع التوسعية "لإسرائيل" بقوة وعنف الاحتلال.
ندعو الدول العربية لوقف كل أشكال الاتصالات العلنية والسرية مع "إسرائيل"، والذهاب إلى مجلس الأمن الدولي لاتخاذ قرار ملزم لوقف الاستيطان بموجب الفصل السابع من ميثاق الأمم المتحدة تحت طائلة العقوبات على "إسرائيل"، كما وقع مع حكومة جنوب إفريقيا العنصرية حتى انهيارها، وبناء جنوب إفريقيا ديمقراطية موحّدة.


الإعلام المركزي

مجلس عشائر العراق العربية في الجنوب يحذر حكام الكويت جراء الاعتداء على الصيادين العراقيين


مره أخرى ارتكبوا حكام الكويت (أل صباح) المزيد من التجاوزات ألا أخلاقية ضد أبناء العراق البطل في محافظة البصرة ، وذلك بالاعتداء على الصيادين ومنعهم من الصيد في مياه العراق الإقليمية ومصادرة زوارقهم والاعتداء عليهم ، أن هذا الأجراء غير قانوني وغير أخلاقي الذي يعبر عن مدى الخسة والنذالة والحقد الذي يعتمر في صدور هذه العائلة الحاكمة في الكويت (أل صباح) متناسين أنهم أمام شعب عربي مسلم تعداده ( 30مليون) تقوده مقاومة وطنية عراقية باسلة أذلت وأهانت أكبر قوة في العالم وهي ( أمريكا وعملائهم القابعين في المنطقة الخضراء) .
أن مجلس عشائر العراق العربية في الجنوب المقاوم يدين هذه الأعمال الإجرامية ويحذر بشدة حكام الكويت ( أل صباح ) من الاستمرار بهذه الإجراءات الاستفزازية الهمجية ضد أبناء الجنوب المقاوم ونقول ( لأل صباح) لا يصيبكم الغرور وتتوهمون بأن أمريكا دائمة لحمايتكم ولا يبقى العراق ضعيفاً بفضل حكومته العميلة ، ففي العراق رجال عاهدوا الله ورسوله (صلى الله عليه وسلم ) مؤمنين بأن الحق لا بد أن ينتصر مادام هناك مطالب ويومها سيرد كل شبر سرق من أرضنا الطاهرة وكل برميل نفط سحب من آبارنا الحدودية مسروقاً وسنرغم ( أل صباح) أن يدفعوا لشعب العراقي كل حقوقه الشرعية التي اغتصبت جراء الاحتلال وأن يدفعوا تعويضاُ لكل عراقي أصابه الضرر ولكل دوائر ومؤسسات الدولة العراقية الشرعية التي أطالها التخريب والتدمير والحرق وعليهم أن يحسبوا أن الدهر يومان وسوف يأتي اليوم الذي يحاسب شعب العراق بــه عائلة ( أل صباح) مهما طال الزمن آم قصر .
وقد أعذر من انذر  وأن غداُ لناضره لقريب
عاش العراق وشعبة الأبي
الموت للخونة والعملاء والجواسيس الذين ساهموا في احتلال العراق
الأمانة العامة
لمجلس عشائـر العـراق العـربية
فــي الجنـوب المقــاوم
الـبصرة الــمحتــلة فــي 19/11/2009
          

فصل من كتاب 'الشيخ إمام في عصر الثورة والغضب': كْلْمِتين يا مصر همّا يمكن آخر كْلْمِتين



أمير العمري*
19/11/2009


وكنت أيضا أطمح من خلال ما كتبته من صفحات اتسعت فيما بعد لتصبح عددا من الفصول أو المحطات التي توقفت أمامها واحدة بعد أخرى، أن أقدم للقارىء جزءا من تاريخ الحركة الوطنية المصرية من خلال خصوصية ظاهرة الشيخ إمام- أحمد فؤاد نجم وعلاقتها بالحركة الجماهيرية الطلابية والشعبية في مصر، وأن أضع الظاهرة في إطار عصرها، وأناقش أبعادها ومنعرجاتها وما انتهت إليه اليوم.
وفي الصفحات التي سيطالعها القارىء هنا سيجد علاقة متلازمة بين الذاتي والموضوعي، وبين السياسي والفني، وبين الماضي والحاضر، وبين التأملات الشخصية والتحليل الذي يلزم نفسه بالبحث في الحقائق وتسيط الأضواء على بعض ما تجنب الكثيرون من قبل الاقتراب منه ربما تجنبا لما يمكن أن ينتج عنه من حرج.. بين الغناء كفنّ ٍ، وكتابة القصيدة الشعبية كشكل خاص من أشكال التعبير، وبين التحريض السياسي والهجاء والتعبير عن الغضب عبر ما أطلقت عليه 'عصر الثورة والغضب'.
وفي سياق 'التأملات' ورد ذكر عشرات الأسماء لشخصيات لعبت دورا بارزا في مسار الحركة السياسية والثقافية في مصر، من طلاب في الجامعة تصدوا لقيادة حركة التعبير عن الرفض في عهد الرئيس أنور السادات في فترة من أكثر فترات الحياة السياسية المصرية سخونة فيما بين الحربين، أي بين حرب حزيران ( يونيو) 1967 وحرب تشرين الأول ( أكتوبر) 1973، ومثقفين تباينت مواقفهم خلال سنوات الاستقطاب الحاد بين اليمين واليسار، وبين الانحياز لحركة الشارع أو القيام بدور تصورونه إيجابيا، بالقرب من مواقع السلطة والنفوذ.
وبين هذا الجانب وذاك، وقف الشيخ إمام بقوته الخاصة في التعبير وعبقريته في الأداء، وصمد في وجه كل أشكال القمع والتجاهل والنكران والاستنكار والشجب، وصمد معه شاعره الأول الكبير أحمد فؤاد نجم، الذي زود تلك الظاهرة الخاصة التي لا تتكرر كثيرا في حياتنا، بوقودها المحرك من الأشعار التي لا تزال صامدة في وجه الزمن، برقتها وعنفها، وبقدرتها على إثارة الشجن وشحن النفوس بالغضب والثورة'.

من صنع من؟

والآن أتوقف أمام هذا السؤال الذي أصبح مطروحا في فترة ما في الثمانينيات من قبل الكثيرين، بعد أن ابتعد الشيخ إمام عن نجم وبدأ يغني لشعراء آخرين منهم، كما أشرت، الأبنودي الذي هجاه نجم في أكثر من قصيدة من قصائده وكان يعتبره ‘شاعر سلطة'.
والسؤال هو: من المسؤول عن بروز الظاهرة وإعطائها بريقها وخطورتها وأهميتها الكبيرة؟ هل كانت قصائد نجم هي التي صنعت شهرة وتأثير الشيخ إمام ولم يكن إمام من دونها يمكنه أن يحقق ما حققه؟ أم أن ألحان الشيخ إمام بموهبته العظيمة، وصوته القوي المميز وأدائه الفذ، هي التي أكسبت كلمات نجم قدرتها الهائلة على التأثير، وجعلتها تتردد على ألسنة الناس في أرجاء العالم العربي، وظلت حية حتى يومنا هذا؟
أنا شخصيا أميل إلى أن كلا منهما كان ضروريا بالنسبة للآخر، فقد كانا يكملان بعضهما بعضـاً، ومن دون نجم لم يكن يمكن للشيخ إمام بالطبع أن يحقق كل ما حققه. صحيح أنه لحن وغنى لشعراء آخرين بعد افتراقه عن نجم، إلا أن أغانيه التي ظلت محفورة في ذاكرتنا جميعا، ارتبطت أساسا، بأشعار نجم. ولكن الصحيح أيضا أن نجم لم يكن يمكن له أن يصل وينتشر وتصبح قصائده على كل لسان إلا بفضل الألحان العبقرية للشيخ إمام وصوته القوي المعبر كواحد من أعظم المؤدين للغناء في تاريخ الموسيقى العربية.
ربما لم يكن الشيخ إمام مطربا بارعا في الغناء بالطريقة التقليدية المعروفة، رغم قوة صوته وإمكانياته الصوتية العريضة، لكنه كان مغنيا عظيما لهذا النوع من الكلمات تحديدا، أي الأغنية السياسية والتحريضية والاجتماعية الساخرة التي انسجمت مع موسيقاه ومع طبيعة صوته وجنوحه الدائم إلى التفاعل مع السامعين، فالشيخ إمام لم يكن يغني لكي يستمع الآخرون، بل كان أحد أهدافه أن يجعل السامعين يندمجون معه في الغناء، ويرددون وراءه. وكانت تلك أجواء الغناء الجماهيري المفتوح في مدرجات الجامعة قبل أن يصدر السادات قرارا بإغلاق الجامعات المصرية أمام كل أشكال التعبير الثقافي والفني من خارج الجامعة في 1979. وكان الشيخ إمام يغني أيضا في الحفلات التي كان يقيمها حزب التجمع وقت أن كان حزبا معارضا، في زمن السادات، وفي التجمعات النقابية مثل حفل نقابة الصحافيين الحاشد عام 1976 الذي اعتقل إمام ونجم بعده مباشرة.
الشيخ إمام بهذا المعنى كان مغنيا ومنشدا جماهيريا عظيما، ولم يكن بالضرورة ‘مطربا' رغم ما يحتويه غناؤه من طرب أصيل. وقد غنى أيضا الكثير من الأغاني العاطفية مثل 'أنا اتوب عن حبك أنا' التي كانت أول أغنية يلحنها ويغنيها من كلمات نجم بعد لقائهما الأول، ثم غنى 'قيدوا شمعة' على إيقاع الفالس الشهير، لكنه حوله من لحن راقص مرح كما هي عادة 'الفالس' إلى لحن حزين، شجي، فيه تطلع وحنين إلى الخروج من الظلام إلى النور، سواء على المستوى الشخصي أو على المستوى العام، أي للناس جميعا. وقد غنى أيضا أغنية جميلة من كلمات نجم، تكثف الكثير من المعاني من خلال الرموز البديعة هي أغنية 'أتوب إزاي وانا أيوب.. رماني لوعدي والمكتوب' وقد كتبها نجم في السجن وقت أن كانت تجري محاولات من طرف السلطة لتطويعه أو لعقد صفقة معه ‘يتوب' بموجبها عما يكتبه، مقابل حصوله على الحرية والشهرة بعد ان تفتح أمامه الطرق إلى الإذاعة وأجهزة الإعلام الرسمية.
وقد غنى الشيخ إمام واحدة من أحلى القصائد التي كتبها نجم، هي قصيدة 'أهيم شوقا'، التي كانت آخر تعاون بينهما قبل أن ينفصلا. ورغم أنها، في إطارها المباشر، أغنية غزل عاطفية إلا أن لها مثل معظم قصائد نجم، مدلولا سياسيا، فهي قصيدة غزل في الحبيبة صحيح، ولكن في مصر أيضا. أنظر مثلا إلى هذه الأبيات:
أهيم شوقا اعود شوقا
الى لماكي وسلسبيلي
يا سمرا ياللي الهوى رماني
وتُهت فيكي وضاع زماني
يحدفني بحرك لبرّ تاني
يجيبني شوقي أو تندهيلي
أهيم شوقا أعود شوقا
الى لماكي وسلسبيلي
هربت منك لقيتني فيكي
بعدت عنك قربت ليكي
سهرت وحدي اتونست بيكي
غلب حماري وتاه سبيلي
أهيم شوقا اعود شوقا
الى لماكي وسلسبيلي
وقد لحن الشيخ إمام على إيقاع ‘الفالس' أيضا قصيدة 'كلمتين لمصر' لنجم، وهي قصيدة تبدو كما لو كان كاتبها يلقي آخر كلمتين عنده إلى محبوبته مصر قبل أن يغادر الحياة. وبرع الشيخ إمام بصوته القوي وأدائه المتميز، أيضا في غناء الأغاني التراثية مثل موشح 'ملا الكاسات' الذي يؤديه بطريقته الخاصة بشكل أجمل مما سمعته من أي مؤد أو فرقة من الفرق التي تؤدي هذا النوع من الغناء. كما أن له تسجيلات رائعة لموشحات أخرى من التراث مثل 'يا غصن نقا' و’يا جريح الغرام' و'يا مليح اللما' و'قوم في دجى الليل' و'ياهلالا' وغيرها.
العلاقة بين إمام ونجم كانت، في تصوري، علاقة بين توأم منسجم مع بعضه، فكريا وروحيا وفنيا، فقد كان كلاهما ينتميان إلى نفس العالم، إلى بسطاء الناس، ولا يستنكفان أن يعيشا حياة بسيطة متقشفة، يجدان أنها على نحو ما، شديدة الثراء، بسبب ما يحوطهما به جماهيرهما من الطلاب والعناصر الثائرة التي اعتبرت 'ضمير الشعب'.
بالطبع ليس من الممكن القول إن الشيخ إمام كان رجلا مسيسا أو بالأحرى 'مؤدلجا' أي يختار انحيازه في موسيقاه وأغانيه إلى الجماهير البسيطة التي يعبر عن آلامها وإحباطاتها، استنادا إلى غطاء فكري نظري واضح، بل كان أقرب هنا إلى الروح الشعبية المباشرة، التي لا يشغلها فهم وتحليل نظرية 'الصراع الطبقي'، بل التعبير بصدق وتدفق وجمال، عن الأمل في حياة أفضل، والتطلع إلى مجتمع يشيع فيه العدل، ويتقلص الظلم، يختفي فيه الطغيان والقمع، ويحصل البسطاء على حقوقهم ويستردون كرامتهم.
وكان نجم أيضا، رغم ثقافته ومعارفه وميله الواضح بلا أي شك، إلى اليسار السياسي، يشارك الشيخ إمام مشاعره. وأقول 'مشاعره' لأن نجم كشاعر، لم يكن مطلوبا منه أن يكون زعيما سياسيا، أو مفكرا يعمل بعقله من أجل تغيير الواقع، بل كان وظل دائما، شاعرا يسعى إلى التعبير الصادق عن روح امته وأملها في حياة أفضل، وكان يستخدم الصور الشعرية والكلمات، لكي ينقل أحاسيسه بل وغضبه الشديد أيضا على ما يجري من انتهاك لأحلام البسطاء في الواقع. هنا حدث التلاقي مع الشيخ إمام. ومن هنا كانت الظاهرة التي استمرت إلى حين تم 'نفيها' إلى ما وراء الحدود.

عبقرية الشيخ إمام

يعتبر البعض أن الشيخ إمام كان مجرد 'مغني صالونات'، يقصدون بذلك صالونات المثقفين الذين كانوا يستضيفونه في مصر في السبعينيات، وهو رأي ظالم يتجاهل دور الشيخ إمام الجماهيري الكبير في الإضرابات والاعتصامات، داخل الجامعات، وفي الميادين العامة مثل ميدان التحرير في قلب القاهرة. صحيح أنني لم أسمع أن الشيخ إمام نزل إلى الريف بأغنية مثل 'الطنبور' مثلا، وهي من الأغاني العبقرية التي كتبها نجم وعكس فيها مأساة الفلاحين المصريين الذي يعيشون في سكون واستكانة منذ آلاف السنين، وعلى لسان فلاح مثلهم يخاطبهم ليقول لهم بطريقتهم في التفكير ومن منطقهم الخاص:
معدودة الخطاوي..
رايحة والا جاية..
ميهمكش خوفك
ع الدنيا الدنية..
قول الكلمة عالي..
بالصوت الملالي..
قول إن العدالة دين الإنسانية..
وإن كنت ناصح وفهمت المقالة.
فهمها يابني للي ما فاهمشي..
بسيطة..
كيف الدنيا لف ودور
يا طنبور..
هِم شوية خللي المية
تغطي البور
ولكن هل كان يمكن للشيخ إمام أن ينزل إلى الريف المصري في زمن القمع المخيف، وأن يغني للفلاحين في القرى؟
الإجابة ببساطة: مستحيل. لماذا؟ لأن هذا لكي يحدث ينبغي أن تكون الأرضية مهيأة له، أي أنه ليس من الممكن أن يحدث إلا في إطار حركة جماهيرية كبرى تصل إلى القرى والنجوع، لها قياداتها وكوادرها التي يمكنها تأمين الشيخ إمام وحمايته، ومن ناحية أخرى، وهي الأهم، يجب أن يكون الفلاحون أصلا قد وصلوا إلى تلك الحالة من ذلك 'التأهب الثوري' ولا أقول 'الحالة الثورية' حتى يمكنهم استقبال أغاني الشيخ إمام السياسية وفهمها تماما والتجاوب معها.
والواقع الذي كان، وربما لا يزال قائما حتى الآن، هو أنه لم تنجح أي قوة سياسية أيا كانت، من اختراق الريف المصري والتأثير فيه حتى الآن، منذ انهيار حزب الوفد على أيدي ضباط يوليو في 1952.
لقد أصبحت ظاهرة إمام – نجم ظاهرة قاصرة، ليس فقط على المدينة، بل ويمكن القول إنها كانت أيضا ظاهرة 'قاهرية' بمعنى ما، أي لم تغادر القاهرة إلى خارجها سوى في القليل النادر.
وربما لو كان الشيخ إمام قد ظهر أيضا قبل ظهور الإذاعة كما حدث مع سيد درويش، لكان من الممكن أن يكون له تأثير أكبر على الشارع المصري، لأن آليات الوصول للجمهور كانت ستختلف، وستكون مقبولة بشكل ما، ويمكن استخدامها. أما وقد جاء الشيخ إمام في عصر الإذاعات المتعددة التي أحكمت الحكومة المركزية قبضتها عليها، وجعلتها الوسيلة الرئيسية للدعاية، فقد أصبح من الصعب أن يصل الشيخ إمام إلى جمهوره الطبيعي الكبير في عموم البلاد إلا إذا أتيح له الغناء من خلال الإذاعة الرسمية أو التليفزيون، وهو ما لم يحدث بعد أن فشلت محاولة مدير إذاعة 'صوت العرب' محمد عروق احتواء و'توظيف' الشيخ إمام ونجم في 1968 حسبما يروى كلاهما.
ومن الأغاني التي أداها الشيخ إمام هناك الكثير في رأيي، الذي أتصور أنه كان من الممكن أن يصل وأن يحقق نجاحا كبيرا وسط الجماهير العادية، في البيوت، والمصانع، والحقول، والحارات الشعبية.
هناك مثلا الأغنية الفولكولورية الشعبية القديمة المعروفة التي يتغنى بها المصريون في الريف منذ مئات السنين وهي أغنية ‘عطشان يا صبايا.. دلوني على السبيل'. لقد أخذها نجم وجعل كلماتها تدور في اتجاه آخر عكس الشائع تماما، ووضعها الشيخ إمام في سياق لحن مبدع أصيل يتمتع بحلاوته وجاذبيته لكنه يوقظ العقول والأذهان على حقيقة أن النيل لم يعد كما كان، وطعم الحياة اختلف بسبب الحالة المزرية التي يعيشها الناس في مجتمع ما بعد الهزيمة:
عطشان يا صبايا
وأنا عاشق ع السبيل..
على عكس ما يجري النيل
والنخل العالي مطاطي..
والجذع الواطي ذليل..
والريح العاكس كابس..
والريح العاطي بخيل..
والنسمة اتعكر لونها
من هم الناس يا خليل..
عطشان والنيل في بلدنا
والزرع أخضر وجميل..
وانا كنت امبارح خالي
واليوم ده صبحت عليل
عطشان ودوايا حبيبي
يسقيني العشق دليل
ودليل الحب عمايل
وكلام الحب قليل
وأنا كل ما اقول التوبة
تغويني المواويل
تتطرح في القلب جناين
تفقس فيها الزغاليل

وكلها بالطبع صور مألوفة، يعرفها الناس جميعا، يمكن التفاعل معها بيسر وسهولة.
ومن الناحية اللحنية والموسيقية، إذا كان الشيخ سيد مكاوي قد حقق كل ما حققه من نجاح وقد كان 'تلميذا' للشيخ إمام في وقت من الأوقات في بداية حياته وهو يتعلم العزف والغناء، فما بالك بالشيخ إمام نفسه إذا ما أتيحت له الفرصة للوصول إلى جمهوره الطبيعي، بغزارته في الإنتاج وقدرته الفذة على تلحين كلمات يصعب تصورها ملحونة ، بل وكانت لديه القدرة حتى على تلحين جدول الضرب ودليل التليفون إذا أراد، وهناك الكثير من الأمثلة لارتجالات الشيخ إمام اللحنية التي أدهشتني وأنا أستمع إليها.
وقد تمثلت عبقرية الشيخ إمام في قدرته على تلحين كل الأنواع الموسيقية والانتقال من لون إلى آخر، دون أن يفقد قدرته على الإمتاع. فقد لحن الأغنية السياسية والعاطفية والأغنية التحريضية والأغنية الشعبية والطقطوقة الساخرة وأغاني الأفراح والأعراس، وغنى التراثيات والموشحات القديمة كما قرأ القرآن مجودا كأحسن ما يكون. ولا شك أنه استفاد كثيرا من إجادته قراءة القرآن بسبب تكوينه الأساسي، وتمكن من الإلمام وهو الضرير الذي لا يرى، بالكثير من المعارف، عن طريق السمع والانصات الجيد لأحاديث زواره من المثقفين، وأيضا من علاقته الوثيقة بنجم.
وبمناسبة أغاني الأفراح علمت في أوائل الثمانينيات عندما عدت من الجزائر حيث كنت أقيم وأعمل لفترة، أن زميلنا الدكتور خليل فاضل، عندما تزوج أقام حفل زواجه في قاعة احتفالات استأجرها في شارع القصر العيني وكان الشيخ إمام هو الذي أحيا الحفل. وقد أحيا الشيخ إمام بعد ذلك الكثير من حفلات زواج الأصدقاء. ومن أغاني الأفراح الشهيرة التي كان يغنيها الشيخ إمام ببراعة وسحر خاص أغنية 'شوف الحكاية يا وله شوف الحكاية.. عشق الصبايا يا وله طول معايا'، و'ساعة العصاري يا نسايم' وكلاهما من الفولكلور الشعبي بعد إعادة صياغته من جانب نجم، وهما أيضا من أوائل الأغنيات التي لحنها الشيخ إمام لنجم قبل أن يتجها إلى الأغاني السياسية.
وبعد حرب تشرين الأول (أكتوبر) 1973 قدم نجم أغنية ‘دولا مين ودولا مين.. دولا عساكر مصريين' للممثلة الراحلة سعاد حسني التي غنتها للإذاعة من تلحين كمال الطويل، إلا أن الشيخ إمام ظل أيضا يغنيها من تلحينه، في لحن مختلف بالطبع عن لحن الطويل.
ومن علامات عبقرية الشيخ إمام أيضا قدرته الهائلة على إحياء حفل كامل لأكثر من ثلاث ساعات وحده، كان يغني فيه أكثر من اثنتي عشرة أغنية، منها بعض الأغاني 'الصعبة' التي يمكنها أن تنهك أقوى المطربين مثل ‘الأرغول' و'جيفارا مات'، وكان عادة ما يختتم حفلاته أو سهراته الغنائية بالأغنية الأخيرة التي تعد قمة في الجمال والتحريض في آن واحد.
ولعل الشيخ إمام كان أيضا من أمهر العازفين على آلة العود، وكان قد تعلم العزف عليه على يدي الشيخ درويش الحريري أحد كبار علماء الموسيقى في قاهرة الثلاثينيات، وكان الحريري هو الذي علمه الموسيقى بعد أن استمع إليه يؤدي بعض الأدوار وأعجبه صوته وأداؤه. وارتبط الشيخ إمام بعلاقة قوية أيضا مع الشيخ زكريا أحمد والشيخ محمود صبح. هذه الخلفية الموسيقة والغنائية واللحنية القوية ساعدت في جعل الشيخ إمام يصبح قادرا على العزف على العود والغناء لساعات طويلة بمفرده، ومن دون الاستعانة بفرقة موسيقية، بل ومن دون حتى توفر الشروط الأولية الأساسية التي يجب توفرها على خشبة مسرح للأداء فقد كان يغني من فوق منصات مدرجات الجامعة، أو وسط المساجين في السجن، أو في الميادين العامة، أو النقابات والتجمعات. ورغم ذلك كان الشيخ إمام يتمتع بالقدرة على الاستمرار في الغناء بمهارة حتى بعد أن تجاوز الستين من عمره (توفي عن 77 عاما).
وعرف عن الشيخ إمام ايضا انه كان يرتجل كثيرا أثناء الغناء، أي يخرج عن اللحن الأصلي الذي وضعه هو، ويبتكر في الموال والتلوين في الأداء. ويمكن القول إنه أصبح للكثير من أغاني الشيخ إمام المعروفة أكثر من 'طريقة' في الأداء، حتى لا نقول أكثر من لحن. وكان هذا أحيانا يسبب الحيرة والارتباك للذين اعتادوا أن يرددوا خلفه. إلا أنه كان يجد في هذا التنويع متعة خاصة، ولعله كان ينشد مفاجأة جمهوره بطريقة جديدة ومختلفة لأداء الأغنية نفسها، أو كان يجد في هذا نوعا من التحدي الفني الذي يشبع طموحه الشخصي.
ـــــــــــــــــــــــــــــــــــــــــــــــــــــــــــــ
* ناقد من مصر يقيم في لندن وهذا فصل من كتاب يصدر قريبا عن دار مدبولي في القاهرة
صحيفة "القدس العربي"

حزب التحرير: كيان يهود يهجر ويهدم بيوت المقدسيين والسلطة تطارد شبح الدولة


قال عضو المكتب الإعلامي لحزب التحرير في فلسطين المهندس باهر صالح أنّ الدعوة إلى إقامة دولة فلسطينية وفق الرؤية الأمريكية واتفاقيات السلام، ليست تمسكاً بالحقوق بل هي تفريط بفلسطين، وهي تأتي ضمن جهود إضفاء الشرعية على احتلال يهود لأكثر من 78 بالمائة من مساحة فلسطين، في مقابل تضييع حقوق المسلمين في فلسطين. جاء ذلك في معرض تعقيبه على جهود السلطة الفلسطينية لإعلان إقامة دولة فلسطينية، وما يرتبط بذلك من جدل دائر حول إعلانها من جانب واحد.
وأكّد صالح موقف حزب التحرير الرافض لمشروع الدولة الفلسطينية المطروح سياسياً، واعتبر أنّه "يخدم المصالح الأمريكية "الإسرائيلية" بالدرجة الأولى، كما عبر الساسة الأمريكان في أكثر من مناسبة، لأنه يضمن تثبيت كيان يهود في خاصرة الأمة الإسلامية". واعتبر تمنّع يهود عن الاستجابة للأطروحات السياسية وتعنتهم  يعود إلى الجشع الذي اعتادوا عليه، وإلى رغبتهم في استدرار المزيد من التنازلات من قيادات السلطة الفلسطينية، وخصوصا أن كيان يهود يبطش بسكان القدس دون أن يرى هذا الكيان ردا يذكر من أحد.
وفي السياق نفسه، بيّن صالح عدم جدوى التوجه للمحافل الدولية لحل القضية الفلسطينية، وقال :"لا زالت قيادات السلطة الفلسطينية تصر على الركون إلى مجلس الأمن، الذي هو أداة رأسمالية لتحقيق مصالح الدول الغربية وعلى رأسها أمريكا، وربيبتها "إسرائيل"، واعتبر الرجوع إلى مجلس الأمن انتحارا سياسيا، وأن تلك التوجهات من السلطة الفلسطينية تأتي في سياق التضليل السياسي لأهل فلسطين ومحاولات تحسين صورة قادة السلطة على أنهم يبذلون كل ما في وسعهم لتحقيق مصالح أهل فلسطين. ومن ثم أكد على "أنّ حقوق المسلمين في فلسطين لا يمكن تحقيقها من خلال استجداء المجتمع الدولي أو من خلال المفاوضات، بل من خلال الجيوش التي يجب أن تتحرك لتحرر فلسطين والمسجد الأقصى من براثن يهود".
18-11-2009


عودة المهجرين التونسيين بين الإرادة والمستحيل



الأستاذ سليم بن حميدان
تظل قضية المهجرين التونسيين مثار اهتمام وطني، خصوصا عقب المؤتمر التأسيسي للمنظمة الدولية للمهجرين التونسيين، الذي انعقد في جينيف يومي 20 و21 جوان 2009. لقد شكل تأسيس هذه المنظمة تتويجا لجهود وحوارات مجموعة من مناضلي المهجر استغرقت زهاء السنتين تقريبا.
تاريخيا، بدأت قضية العودة تطفو على سطح الاهتمام المهجري بعيد ضمور الحراك الوطني على إثر ضمور " حركة 18 أكتوبر" وما أنتجه ذلك من مشاعر فشل وإحباط شبيهة بالمشاعر القومية بعد كل نكبة عربية. مشاعر الإحباط هذه أنتجت وعيا شقيا تحت مسمى النقد الذاتي والمراجعات التي ارتكزت جميعها على مقدمة مركزية : استحالة التغيير بالوسائل والأحزاب والشخصيات الفاعلة في ساحة المعارضة الوطنية بجميع أطيافها.
وقد أفضى هذا الوعي الشقي لدى بعض أصحابه إلى خلاصة عبقرية مفادها قلب استراتيجية المقاومة ليصبح المظلوم هو المستهدف لا الظالم. فكل ما حل بنا من شرور وكوارث، في منظور هذا الوعي الشقي طبعا، سببته أحزاب متنطعة استولت عليها قيادات نرجسية تتبعها "قواعد" مثالية ولا يستند نضالها العبثي المدمر إلا إلى مقاربات سياسوية تغذيها مراهقة فكرية لم تفقه شيئا في علوم السياسة وفنون الحرب والدبلوماسية!
تجلت هذه الروح الانهزامية في عديد المقالات المنشورة على مواقع الانترنيت، ثم تحولت بسرعة فائقة إلى مسار سياسي هو ذات المسار الذي أدى إليه فكر الهزيمة العربية : التطبيع مع الغاصب.
سيبقى لهذا الفكر والمسار طبعا أنصار ومنظرون إلى أن ينتهي الاستعمار والاستبداد من على وجه البسيطة. وسيجد له من المبررات الفكرية والسياسية وحتى الأخلاقية، فيما هي واقعية وبراغماتية، ما يؤسس به لمشروعية وجوده ضمن مربعات التدافع الإنساني.
بعض أصحاب هذا الخط من المهجرين عاد إلى تونس في إطار "عقد إذعان" حيث يذعن المغلوب لإرادة الغالب ويقبل بكل شروطه، مهما كانت مجحفة، أملا في تحسينها مستقبلا بعد إثبات حسن السيرة والإقلاع نهائيا عن معصية المعارضة... ولا يزال فريق آخر منهم يتودد ويأمل وينتظر !
وبغض النظر عن خلفيات أنصار التطبيع ودوافعهم، إذ فيهم عرفاتيون ودحلانيون، فإن النتيجة واحدة : الموت السريري بعلقم القهر الداخلي (الضمير) بعد أن تجرعوا من كأس الذلة والابتزاز أكوابا. على الضفة الأخرى، من مشهد التهجير المؤلم، يقبع مئات المناضلين وقد أعياهم الحنين إلى أهل كرام ووطن كسيح.
ازداد شقاؤهم أضعافا وهم يشاهدون رفاق دربهم ومحنتهم يتسللون لواذا إلى أحضان المتغلب شاكرين فضله ومعددين خصاله ومتهمين من خالفهم ورفض سلوك دربهم بالتنطع والفشل واستغلال مآسي الآخرين. كانت اللحظة حرجة والصراع على أشده، داخل كل مناضل، بين نداء الفطرة (العودة إلى الوطن مهما كان الثمن) وصرخة الضمير (التضحية بالوطن من أجله).
وفي أتون هذا الصراع تخلق الوليد الجديد: المنظمة الدولية للمهجرين التونسيين، في محاولة للجمع بين المتناقضات بأن تكون العودة كريمة عبر تحسين شروطها والضغط حقوقيا لتوفير ضمانات الأمن والكرامة. جاءت المنظمة إذن لتخرج مطلب العودة من دائرة المعالجة الأمنية وتحرره من قبضة المخابرات ووزارة الداخلية.
ولسنا ندعي كسبا إذا ما اعتبرنا نقل الموضوع إلى وزارة العدل وتداوله تحت قبة البرلمان التونسي وفي أعمدة الصحافة الرسمية (الشروق والصباح) قبيل مؤتمر المنظمة وبعيده، قد جاء على خلفية الحراك الإعلامي للمهجرين والثقل الأخلاقي والإنساني لملفهم الأمر الذي سبب قلقا حكوميا عبرت عنه تصريحات رسمية رفيعة المستوى.
وقد كان انعقاد مؤتمر جينيف في ظل وضع خيم فيه تسليم كامل بحقيقة تربع النظام الحاكم سيدا مطلقا لا منافس له في لعبة التوازنات السياسية، وتعددت مقاربات المؤتمرين، أي المهجرين أنفسهم، للموضوع باختلاف تصوراتهم للحلول الممكنة.
وفي واقع الأمر لم تكن هذه المقاربات أو التصورات متناقضة، في جوهرها أو في أهدافها، رغم الرفض القاطع لتسييس مطلب "العودة الآمنة والكريمة" لدى شريحة كبيرة من المؤتمرين، لأن هذا الموقف ينطلق بدوره من خلفية قراءة لها "عقلانيتها السياسية".
فلا يطرح الأمر إذن إطلاقا من زاوية "الخلفية أو الروح النضالية" للمؤتمرين ولا يطال حتى نظرتهم "الموحدة" للطبيعة القهرية للنظام بل يطرح في إطار مطلب الفاعلية التماسا لأنجع السبل "النضالية"، حقوقية كانت أم سياسية، لتحقيق مطلب العودة.
إن نقطة الاختلاف الجوهرية بين المهجرين التونسيين كانت ولا تزال مرتبطة بالمسار الأصوب للتسوية بين خياري المعالجة الفردية والحل الشامل.
وباعتبار التكلفة الباهظة للمعالجة الفردية، وعيا وكرامة، وللحل الشامل، شقاء وتضحية، اتفق المهجرون في جينيف على إستراتيجية الحد السياسي والأخلاقي الأدنى الذي يجعل من مطلب العودة ممكن التحقيق في ظل الوضع الراهن دون ثمن من كرامة، ولكن مقابل تحييده وفصله عن باقي الحقوق والمطالب المدنية والسياسية.
هذا الموقف، ينبثق من خلفية براغماتية "مشحونة" بأثقال أزمة سياسية حادة محاولا حلحلتها وفتح معابر جديدة داخلها لكنه أيضا موقف مسكون بروح الإباء و المسؤولية الوطنية والوفاء التاريخي لنضالات رفاق الدرب من الذين دفعوا الثمن غاليا، موتا وسجنا وتعذيبا لأجل الحرية والكرامة.
إنه موقف جديد وخطير، في مضمونه السياسي من حيث استعداده للتنازل، غير أنه لم يصب لحظته التاريخية فيما هي رغبة مماثلة أو استحقاق أكيد لدى الطرف المقابل، أي النظام الحاكم، إذ تدل كل المؤشرات للأسف الشديد، على تواصل بل تفاقم حالة الصمم والانسداد بما يجعل من العودة الكريمة أمنية مستحيلة أشبه ما تكون بالسراب الذي يتراءى للمهجر المتيم بحب الأوطان عصي المنال.
باختصار، تبين لجموع المهجرين أن ليس للنظام الحاكم أي استعداد للاستجابة لمطالبهم وقد شكلت قضية الدكتور أحمد العش رسالة مضمونة الوصول وواضحة الدلالة على إصرار السلطات التونسية لا على التعامل القضائي فحسب بل على الابتزاز والمقايضة الرخيصة التي تقصد الإهانة والإذلال.
ولسنا نذيع سرا إذا ما قلنا بأن أكثر الرؤى تشاؤما لم تكن تتوقع أن يلقى الدكتور أحمد العش المصير المعلوم خاصة وقد تجنبت عودته ملامسة الخطوط الحمراء وتوفرت فيها من الأعذار الإنسانية (مرض والده وغياب أحكام معلومة صادرة في حقه) ما يجعلها خارجة تماما عن سياق المغالبة السياسية.
بل إننا نجزم بأن الرجل لم يتسن له تجنب الأسوأ إلا باتخاذ الاحتياطات الحقوقية اللازمة (لجنة الدفاع الدولية) والتي شكلت وسيلة ضغط خصوصا لاعتبار الطبيعة المهنية للقائمين عليها المتزامنة مع ظرف انتخابات تسلط فيها الأضواء على كل ما يحدث في تونس.
وعليه، فإن مسار التسوية الفردية لا يفضي، إلى حد الآن، إلا إلى مصير أوحد: الخضوع الكامل لإجراءات الجهازين الأمني والقضائي والإقلاع نهائيا عن "معصية" المعارضة السياسية، أي العودة إلى ما قبل التاريخ في المسيرة النضالية.
غير أن الوعي والاحترام المبدئي الكامل لاختيارات المهجرين، المتضمن في مبادئ المنظمة ومقررات مؤتمرها التأسيسي، دفعا قيادة المنظمة إلى توجيه رسالة داخلية لجميع أعضائها عبرت فيها بوضوح عن تجندها للدفاع عن الراغبين في التسوية الفردية مع تأكيد التزامها المبدئي بمواصلة النضال حتى تحقيق الحل الشامل وإنهاء محنة التهجير بعودة آخر مهجر إلى أرض الوطن في أمن وكرامة.
خطان متمايزان يفرقهما السياسي ويوحدهما الحقوقي تحت عنواني الإرادة والاستحالة. يعي جميع أعضاء المنظمة أن عودتهم، في إطار مقررات لائحتهم العامة المنبثقة عن المؤتمر التأسيسي، هي من قبيل المستحيل في الظروف الراهنة، ولكنهم يدركون في المقابل أن مستحيل اليوم قد يكون ممكن الغد وأن ليس لهم إلا الإرادة والصبر سلاحا لتحقيق الأمل شريطة أن تكون هذه الإرادة متوهجة ومتحررة في ذاتها من أمراض العمل الجماعي والزعامة الوهمية.