الخميس، 19 نوفمبر 2009

حول مباراة الكرة بين مصرنا وجزائرنا



فتحي المسلاتي
لدينا مثل شعبي يقول: اللسان هبرة (لحمة) .. لكنه يكسر العظم.
ولذا .. فسيل التحريض المتبادل رغم كونه مجرد كلام .. لكنه صنع هذا الكم المهول من الأحداث المؤسفة وأسال دماء ليس بينها ثأر ولا عداوة، وجعل شباباً لايعرفون بعضهم من قبل يتلاكمون ويتقاذفون بالحجارة ويمزق بعضهم جسد البعض الآخر لمجرد مباراة كرة قدم لا علاقة لأي منهم بنتيجتها لأن من يحسم تلك النتيجة هم اللاعبون داخل الملعب .. فقط.
إن ما يجب أن يحدث فوراً الآن  هو مراجعة ما كتب وما أذيع خلال فترة ما قبل المباراة سواء في مصر والجزائر، ومحاسبة من تسبب في هذا الشحن والاستعداء المتبادل بل والتحقق من خلفيات ذلك مع فرضية ارتباط جهات أخرى بالموضوع (وهو أمر مرجح الحدوث).
إن هذه المحنة فضحت كثيرين كنا نعُدهم مثقفين وشخصيات محترمة(سواء في مصر والجزائر)  وتبينت لنا تفاهتهم وقصر نظرهم وضيق تفكيرهم، حيث نزلوا عن المكانة التي كنا نضعهم فيها بكل إجلال، الذين إنزلقوا بغباء إلى هاوية التضخيم وبث الحقد والتنابز والشحن.فانضموا إلى الغوغاء والجهلة والرادحين بلا أي فرق ولا تميز إلا تلك البدلة وربطة العنق..
إن الأطفال (العيال) في كل قرية  كثيراً ما تنشب بينهم خصومات وعراك خلال اللعب، لكن طقوس القرية تقتضي دائماً أن يتدخل أحد الكبار ليوبخ هذا وينهر ذاك ويسترضي أو حتى يعاقب آخر لفض العراك وتسوية الأمر كجزء هام من دروس العلاقات التي يتلقاها الصغار من الكبار، لكن.. أن ينزل الكبار إلى مستوى الأطفال ويطلق كل منهم لسانه بالسباب والشتائم وربما الاشتباك فيما بينهم فهذا ينزل بهم إلى مستوى يعيبهم ويجعل قدرهم أقل حتى من أولئك الأطفال الذين تشفع لهم براءتهم الساذجة على الأقل.. والمثقفون في مجتمعاتنا الكبرى هم بمثابة كبار القرية وحكماؤها (كما يفترض) وهم الذين يترفعون عن الصغائر ويتدخلون لرأب أي صدع أو خصومة ، لكن أن نراهم وقد تحولوا إلى (عيال حارة) بنفس المنطق الطفولي ونفس السلوك الأرعن فهذا أمر يثير سخطنا وينتهي بنا الى شديد الاحباط .. ففي هذه الحالة من يا تراه سيجزر المخطيء ؟ ومن سينهر المتجاوز لحدود الأدب، ومن سيراعي مصالح القرية وسلامة علاقاتها وروابطها المتواصلة غداً وبعد غد والتي هي أكبر من لعب العيال الدائر هذا اليوم؟
إنها مأساة الأمة في من يفترض أنهم حكماؤها وعقلاؤها.. فهل نلوم رعاعها أوعيالها أوبسطاءها؟

مع تحياتي




ليست هناك تعليقات:

إرسال تعليق