الاثنين، 25 يناير 2010

الامانة العامة للتيار العربي في العراق تنعى الشهيد على حسن المجيد



بسم الله الرحمن الرحيم

الامانة العامة للتيار العربي في العراق

نعي مناضل قومي

(من المؤمنين رجال صدقوا ما عاهدوا الله عليه فمنهم من قضى نحبه و منهم من ينتظر ومابدلوا تبديلاً ) صدق الله العظيم

انتقل الى جوار ربه الاستاذ المناضل القومي الكبير صبحي عبد الحميد الامين العام لحركة التيار القومي العربي في العراق اليوم الاحد الرابع و العشرين من كانون ثاني يناير 2010 في مدينة بغداد المحتلة بعد عمر قضاه في نضال دائم من اجل حرية واستقلال العراق ووحدته مع امته العربية.
ان التيار العربي في العراق ، قبل ان يعزي الاخوة المناضلين ويعزي اهل الفقيد واحبته فأنه يعزي نفسه و اعضاءه بهذا المصاب الجلل في الاوقات التي كنا ولانزال احوج فيها لأرشادات الفقيد و توجيهاته في الظرف الذي يعيشه العراق و الوطن العربي و ما تعانيه الامة العربية من الاحتلال و الهيمنة و الدكتاتورية و الاستبداد و التجزئة و التخلف ، فأننا نعاهد شعبنا و امتنا وروح الشهيد على ان نضل متمسكين بثوابت العمل القومي وان ننجز ما بدأه في مسيرته النضالية لتحقيق الاهداف القومية والوطنية الكبرى.
الجنة و الخلود لفقيدنا
ولأهله ومحبيه الصبر و السلوان
وانا لله و انا اليه راجعون

بغداد المحتلة 24 كانون ثاني يناير 2010




نبذة عن حياة الفقيد
*************
صبحي عبد الحميد (1924 في بغداد، العراق) هو سياسي عراقي ووزير داخلية سابق، ولد لأبوين عراقيين عربيين ينتميان إلى عشيرة العبيد. و كان والده ضابطا في الجيش العراقي، انتمى إليه في 6 كانون ثاني 1921. تخرج من الكلية العسكرية العراقية في حزيران 1948. تخرج من كلية الأركان العراقية بدرجة امتياز (أ) في حزيران 1955 و حصل على قدم لمدة سنتين. شغل، بعد تخرجه، منصب ضابط ركن ثالث حركات في مقر الفرقة الثالثة. التحق بكلية الأركان الإنكليزية في كامبرلي بتاريخ 17 كانون ثاني 1957، و تخرج منها في تشرين أول سنة 1957. عـُيّن أستاذا في كلية الأركان العراقية في كانون أول 1957.
انتمى إلى منظمة الضباط الأحرار في العراق في تشرين ثاني 1952، و كان برتبة ملازم أول و يشغل منصب نائب مساعد في فوج الحرس الملكي الأول. التحق بعدة دورات عسكرية، و كان الأول في دورات الاستخبارات و التعبية الصغرى و الأسلحة الخفيفة.
أصبح عضوا في الحلقة الوسطية (القيادة البديلة) لمنظمة الضباط الأحرار في أواخر سنة 1957 و هو برتبة رائد ركن. عند قيام ثورة 14 تموز 1958، كان يومها في الأردن مع كلية الأركان العراقية في زيارة للحدود الأردنية الإسرائيلية. عاد إلى العراق في 28 تموز 1958 و استـُخدم ضابط ركن في مقر القيادة العامة للقوات المسلحة و كان القائد العام زعيم الثورة عبد الكريم قاسم.
اعتـُقل ليلة 8/9 آذار سنة 1959 بعد حركة عبد الوهاب الشواف في الموصل. اُطلِـق سراحه من التوقيف في 11 تموز 1959 و اُعيد تعيينه استاذا في كلية الأركان العراقية. ترفع إلى رتبة مقدم ركن في 14 تموز 1960، و إلى رتبة عقيد ركن في 14 تموز 1964. شكـّل مع رفاق له قيادة جديدة لتنظيم الضباط الأحرار في أيلول 1960 هدفها الأطاحة بحكم عبد الكريم قاسم الذي انحرف عن أهداف ثورة 14 تموز. مهدت هذه القيادة الطريق لثورة 14 رمضان (8 شباط 1963) التي شارك فيها. عـُيّن بمنصب مدير الحركات العسكرية في 10 شباط 1963.
كان له دور بارز و مهم في حركة 18 تشرين 1963، فعُيـّن على إثرها وزيرا للخارجية. شارك مشاركة فعالة في ابرام اتفاقية مجلس الرئاسة المشترك مع الشقيقة مصر ثم في ابرام اتفاقية القيادة السياسية الموحدة معها. عُيـّن وزيرا للداخلية العراقية في وزارة طاهر يحيى الثالثة في 14 تشرين ثاني 1964. استقال من الوزارة في 30 حزيران 1965.
كان عضوا في اللجنة التنفيذية للاتحاد الاشتراكي العربي الذي تشكل في 14 تموز 1964. و بعد انهيار الاتحاد الاشتراكي في تموز 1965، شكل مع رفاق له الحركة العربية الاشتراكية و انتـُخب أمينا عاما لها، ثم أمينا عاما لحزب الوحدة. لجأ إلى مصر بعد قيام انقلاب 17 تموز 1968، حيث تعرض هناك إلى محاولة اغتيال فاشلة سنة 1972، دبرها مدير الأمن العراقي ـ في حينها ـ ناظم كزار الذي أرسل إلى القاهرة زمرة لاغتياله مع ستة من رفاقه السياسيين. عاد إلى العراق سنة 1975 حيث اعتزل العمل السياسي .
بعد الاحتلال الأمريكي للعراق وسقوط بغداد في 9 نيسان 2003، عاد للنضال السياسي و شكـّل مع رفاق له حركة التيار القومي العربي، هدفها النضال ضد الاحتلال و الزمرة التي جاء بها مع دباباته و سلمها حكم العراق. و هي لا تؤمن بوحدة العراق و هويته العربية. و تهدف الحركة إلى استعادة استقلال العراق و كرامته و حريته و الحفاظ على وحدة الشعب العراقي و هويته العربية، و النضال ضد الفدرالية و الأقاليم التي تنادي بها الزمرة التي تولت الحكم بعد الاحتلال.

له مؤلفات كثيرة أهمها :
معارك العرب الحاسمة (أعيد طبعه أربع مرات).
أسرار ثورة 14 تموز 1958 (أعيد طبعه مرتين).
نظرات في الحرب الحديثة.
تنظيمات الجيش العربي في صدر الدولة العباسية (بالاشتراك مع ضباط أخرين).
معركتنا مع الصهيونية (محاضرة ألقاها في مقر اتحاد الطلبة الفلسطيني ببغداد) نشرها الاتحاد بكراس.
مقالات عسكرية و سياسية نشرها في المجلة العسكرية و مجلة الركن و الصحف العراقية و العربية.
--

قطاع الطلاب في التنظيم الشعبي الناصري أمام السفارة المصرية بعنوان الحرية لغزة وفلسطين



نظم "اللقاء اليساري التشاوري" و"التنظيم الشعبي الناصري" و"حركة الشعب" والحزب الشيوعي اعتصاما أمام السفارة المصرية بعنوان "الحرية لغزة المحاصرة.. الحرية لفلسطين"، في حضور الأمين العام للحزب الشيوعي الدكتور خالد حدادة ونائب رئيس حركة الشعب ابراهيم حلبي وشخصيات حزبية ونقابية وطالبية.

بداية، ألقى حكمت الباي كلمة "التنظيم الناصري" رأى فيها أن "التضامن مع فلسطين يكون بالنضال من اجل فك الحصار وهدم الجدران وفتح الحدود أمام الشعب الفلسطيني ومن خلال الصمود والمقاومة والوحدة الوطنية".

ثم ألقى حدادة كلمة قال فيها: "نحن اليوم هنا لا لنحتج ضد مصر بل لنتضامن مع مصر، مع شعبها وطاقاته، مع شهداء جيش المقاومة المصرية عام 1959 ضد العدوان الثلاثي لنتضامن مع شهداء جيش وشعب مصر عام 1967 ولنتضامن مع شهداء وشعب مصر عام 1973، هؤلاء الذين حملوا قضية الشعب الفلسطيني، قضية التحرر العربي في نضالهم بقيادة اليسار المصري وأحد الرموز المنيرة في حركة التحرر العربي جمال عبدالناصر".

أضاف: "ان هذا الجدار، جدار العار الذي يبنى اليوم ليس حصارا لغزة، فكل حصار كان أعظم من هذا الحصار واستطاع الشعب الفلسطيني الصمود بلحمه الحي وبطاقاته. ان هذا الحصار هو تأكيد لقضية طالما رفعها اليسار بتلازم مساري التحرير والمقاومة والتغيير الديموقراطي في العالم العربي، لا يمكن اعتبار هذه الأنظمة وسيطا من اجل تحرير فلسطين، ومن اجل قيام الدولة الفلسطينية وتحقيق الحقوق العادلة للشعب الفلسطيني. ان وجود هذه الأنظمة المتآمرة مع المشروع الأميركي-الإسرائيلي هو أحد دلالات الهزيمة ولا يمكن علاج نتائج هذه الهزيمة إلا بتغيير هذه الأنظمة وبتحقيق التغيير الديموقراطي في العالم العربي وفي مصر تحديدا".

ورأى أن "المطلوب إنقاذ شعب مصر من هذا النظام المتعامل وإنقاذ الشعوب العربية من الأنظمة المتهالكة نحو سلام يريده الأميركي استسلاما ونكرانا لحقوق الشعب الفلسطيني"، وقال: "جئنا لنقول نريد استكمالا لنهج المقاومة، من مقاومة الإحتلال بالسلام الى مقاومة الثقافة السائدة الى مقاومة السياسة المتعاملة والملتحقة بالمشروع الأميركي. نريد مقاومة الفساد السياسي بانتصار نهج التغيير الديموقراطي في مصر وفي كل العالم العربي، وفي فلسطين بالقضاء على التشرذم والعودة الى وحدة فصائل الثورة تحت نهج المقاومة وليس لهفا وراء سلطتين وهميتين لا تتجاوز ارادتهم".

واعتبر ان "هذا النهج لا يمكن إلا تطبيقه في لبنان. لا يمكن للمقاومة أن يكتمل انتصارها وتحصينها في لبنان بدون تغيير ديموقراطي يبدأ بإلغاء الطائفية وكل أنواع الطائفية السياسية"، وأوضح أن "حقوق الشباب في الإنتخابات البلدية مهددة يوم غد بتطيير النصاب من قوى ما يسمى الوحدة الوطنية، وهي قوة الإقتتال الوطني وقوى القضاء على الكيان الوطني والتآمر عليه. نعم لدور الشباب بالتغيير وتكامل عملية التحرير مع التغيير الديموقراطي وكما هو نهج اليسار دائما، نعم لتغير الأنظمة العربية بما يتلاءم مع مشروعية المقاومة".

الحرب على الإرهاب غطاء للأرهاب الأمريكي

توقفوا عن إرهاب العالم..

ترجمة: د. عبدالوهاب حميد رشيد

الحرب على الإرهاب غطاء للأرهاب الأمريكي

يعتبر Paul J. Balles استخدام الولايات المتحدة الأمريكية- راعية الإرهاب في العالم- لما يسمى "الحرب على الإرهاب" كغطاء ضد كل من يقف في طريق أطماع واشنطن لفرض هيمنتها العالمية، وحتى ضد من يتجرأ ويسأل عن السياسات الأمريكية والإسرائيلية. وحسب قول Chris Hedge: لم تعد المعارضة من واجب المواطن المعني، ذلك حتى هذه المعارضة صارت ممارسة إرهابية.

إنه لسخرية.. نفاق.. احتيال.. خداع.. ما يسمى "الحرب على الإرهاب" وفق وصفة الولايات المتحدة.. إنها دعاية إعلامية تهريجية لأسوأ أشكال الإرهاب في العالم.. الإرهاب الأمريكي..

ماذا نسمي احتلال العراق سوى أكثر فعل إرهابي إجرامي؟ يعلم الجميع أن الحرب الذرائعية جسّدت أفعال غش واحتيال واسعة.. الخداع لا تفسير له عدا إرهاب الدول الأخرى: تمتلك النفط.. توفر الملجأ للقاعدة.. تهدد

إسرائيل..

حتى غزو أفغانستان الذي اعتبر مشروعاً، رداً على أحداث 11 سبتمبر، كان يمكن تفاديه. الطالبان سألوا الولايات المتحدة بطريقة مناسبة توفير أدلة بتورط أسامة بن لادن في أحداث 11 سبتمبر بغية ترحيله.. وبدلاً من الاستجابة لهذا الطلب المشروع هاجمنا أفغانستان، وساهمنا بزيادة المنتمين للقاعدة. "سنريكم ماذا سنفعل مع هؤلاء ممن يرهبون أمريكا!" كان هذا هو الشعار mantra..(تعويذة تعبدية هندوسية أو بوذية).. ولا زالت الولايات المتحدة مستمرة في إرهاب أفغانستان.. وهذا بدوره يزيد من خلايا القاعدة. كما أن مواصلة إرهاب العالم دفعت الولايات المتحدة التورط في ليبيا، الصومال، السودان، واليمن..

الحياة خارج أمريكا وجواسيسها stooges ليست بحاجة إلى تردد لتوجيه وابل من اللعنات للإرهاب الأمريكي.. بحدود 567 ألف طفل عراقي دون الخامسة، فقدوا حياتهم جراء أشكال المقاطعة والحصار على العراق. وعندما سُئلت مادلين اولبرايت (برنامج 60 دقيقة) العام 1996، أجابت: نحن نعتقد بأن الثمن يستحق ذلك..

لغاية يناير/ ك2 العام 2010 ومنذ غزو واحتلال العراق العام 2003، فقد 1336350 مواطناً عراقيا حياتهم في العراق نتيجة المذبحة الإرهابية الأمريكية.. "لا يهمك Never mind"، أنت تقول؟ الثمن يستحق ذلك! علاوة على أنهم مجرد مسلمين يريدون ضربنا والسيطرة على العالم.

غوانتانمو، أبو غريب، بغرام.. وبرامج الترحيل rendition programmes (الخطف، والتعذيب).. كلها لا شيء سوى زرع الرعب في قلوب وعقول أي عربي أو مسلم يمتلك مشاعر سلبية تجاه أمريكا.

القول بأن الإرهاب يتولد من "سلالات أقل شأناً lesser breeds" أمر يتجاهل الهويات الوطنية، فحتى الأمريكان يمكن أن يصبحوا أهدافاً للإرهاب الأمريكي. العرب والمسلمون الأمريكان صاروا أهدافاً للإرهاب الأمريكي أكثر من أي وقت مضى منذ 11 سبتمبر.

وفقاً لـ Chris Hedges، أدلى عربي أمريكي بتصريحات استفزازية provocative statements، بما في ذلك تسمية أمريكا "أكبر إرهابي في العالم." وهذا ما قاد إلى اعتقاله ومحاكمته بتهم ملفقة trumped up charges، وبطريقة مماثلة جداً لتلك التي فقد بسببها الأستاذ سامي العريان عمله وحريته لأنه صار من أبرز المنتقدين لسياسة الولايات المتحدة الأمريكية وإسرائيل.

يربط هيدغز الأثر الإرهابي المرعب لهذه المحاكمات حتى بالعلاقة مع مواطنين أمريكان. ويقول: "الدولة تقوم عادة باعتقال ومحاكمة أشخاص لما فعلوه، ولكن أن تحصل اعتقالات ومحاكمات بالارتباط مع معتقدات الدولة الدينية والسياسية فإنها ستكون مثيرة للفتنة. وأول الناس ممن استهدفوا كانوا من المسلمين الملتزمين، لكنهم لن يكونوا آخر القائمة.

يشير Chris Floydإلى عدد لا يحصى من البلدات والقرى عبر جبهات الحرب على الإرهاب الأمريكية في العراق، أفغانستان، الصومال، واليمن التي صارت تعاني من كم هائل من الألم والغضب، بينما تصاعد ألم وأحزان وغضب العراقيين ضد الاحتلال الأمريكي وعمليات القتل الإرهابية الأمريكية.

"هل تريدون وقف التطرف لدى الشباب المسلم؟" يسأل كريس.. "الأمر بسيط: أوقفوا قتل الأبرياء المسلمين في حروب الهيمنة المنتشرة في كافة أرجاء العالم.. أوقفوا عملياتكم السرية في كل دولة من دول العالم- كما اعترف المبعوث الخاص لـ اوباما Richard Holbrooke الأسبوع الماضي. أوقفوا جرائم القتل والاختطاف والفساد والخداع في سياق عويلكم الساخر والملفق جداً لـ "القيم المتحضرة" بالعلاقة مع هذه الحروب..

إذا كانت أمريكا راغبة حقاً في وقف الإرهاب، فهي بحاجة أولاً إلى وقف إرهابها تجاه العالم..

مممممممممممممممممممـ

Stop terrorizing the world,“War on terror” as a cover for US terrorism,Paul J. Balles,uruknet.info, November 2004 - Fallujah, Iraq.

المستقلون الفلسطينيون وعصر النكرات



بقلم : تحسين يحيى أبو عاصي – كاتب فلسطيني مستقل – ( 26-1-2010م )

كثير مَن هم الذين يزعمون باستقلاليتهم السياسية في هذا الزمن ، وهم يحملون فكراً سياسياً عجيباً ورؤية غريبة ، ومنهجية خاطئة وسطحية في التفكير، وكل المؤشرات تثبت  نقيض استقلاليتهم التي يزعمون ، وبالتالي نفي مصداقية مفهوم الاستقلالية لديهم بالمعنى السياسي والعملي لمفهوم الاستقلالية ، وأنا لا أتطرق هنا إلى ذات الشخصية التي تدعي الاستقلالية ، فليس لي مشكلة مع احد من تلك الوجوه ، ولا أقصد بالمطلق التطرق إلى شخوصهم لا من قريب ولا من بعيد ، ولكنني أود وضع مفهوم الاستقلالية السياسية بالميزان ، ومدى تطابق ذلك على حقيقة زعمهم بأنهم مستقلين ، ومن ثم أترك للقارئ الحرية الكاملة في التفكير والتقييم والحكم .
لقد لمعت وجوه مؤخراً تدعي الاستقلالية ، وطفت على السطح وجوه أخرى منهم ، وكان لهم حضور من نوع ما وفق ظروف ومعطيات لا تخفى على لبيب ، ووقفوا تحت الأضواء وظهروا على الشاشات ، وسمع الناس عن سين وعن صاد من تلك الوجوه المعروفة والواضحة بولائها السياسي ، وأصبحوا وكأن مفهوم الاستقلالية السياسية ملك لهم فقط ، ولم يعد مفهوم الاستقلالية في فهمهم يشمل كل من هو قادر على تحمل استحقاقات المرحلة بالمعنى الحقيقي للاستقلالية السياسية ، فلم يتمكنوا من إنتاج شيء ، وأخفقوا في مهماتهم السياسية ، ولم يقدروا على التعامل مع التحديات ، وافتقروا إلى حيوية العمل ومقومات النجاح ، ولم يتمكنوا من تجاوز محل أقدامهم ، وغابوا عن كثير من الميادين والتي يفترض أن يكون لهم فيها حضور بارز ، بحيث بات واضحا انه لا يمكن المراهنة على قدراتهم ، فالجمود في الرؤية لا تشفي مجتمعا من علاته ، بل ربما الجمود بذاته يحتاج أصحابه إلى علاج .
ولو ملك هؤلاء دعاة الاستقلال آليات ومنهاج عميق من التفكير والرؤية والتحليل ، ينسجم مع الحالة الفلسطينية الاستثنائية الراهنة ، لربما تطور حالهم ، بل إنهم لا يملكون عقلا إيجابيا فاعلا يتجلى في تواصلهم من خلال اجتهادات متعددة تجمع وتغني وتوحد ، بعيدا كل البعد عن حجب أدمغة ورؤية وتفكير من هم أكفأ منهم بكثير ، وكأن الشعب الفلسطيني لا يملك غيرهم على الاطلاق ، وكأنهم هم الشطار وحدهم ، والنبهاء لا غيرهم ، وأصحاب المواهب الأزلية اللدنية الخارقة في كل شيء ، وهم الذين لم يُصبهم الفشل من بعده فشل آخر .
 أمام هذا الموقف الملغوز لأولئك دعاة الاستقلالية يحق لنا أن نتساءل : أين أنتم ؟ أين إنتاجكم ؟  أين حضوركم ؟ أين تفاعلكم ؟ وكيف صرتم بقدرة قادر مستقلين وأنتم معروفون في انتماءاتكم وتوجهاتكم ومصالحكم ؟ .
إذا رزق الفتى وجها وقاحا....تقلب في الأمور كيف يشاء
ومن المعيب والإفلاس أن نسمع من المتسلقين الفاشلين في مختلف مواقعهم وتوجهاتهم ، الشتائم والنعوت تلو النعوت بحق المستقلين الحقيقيين الشرفاء ، الذين لا يجيدون التملق والتسلق ولا يملكون غير انتماء واحد هو الانتماء للوطن .  
صدق الشاعر إبراهيم طوقان :   إن قلبي لبلادي**لا لحزب أو زعيم
 نأمل من جميع المستقلين السياسيين الحقيقيين الالتفاف حول خطوة وطنية قوية ، تتجاوز نظر العين ، والتعامل بمسئولية بعيدا عن الارتزاق والتسلق والمصالح ، فالمشترك الفلسطيني كبير بين كل القوى الفلسطينية ، والتحديات تشمل وتطول الجميع منا ، لعلهم بذلك ينجحوا بما فشل به دعاة الاستقلالية السياسية في تشكل رافعة وطنية جديدة على صعيد الحوار السياسي والوفاق الوطني . يضع الجميع منا تحت المساءلة العملية والحية من جميع شرائح شعبنا ، فمن يطلب ود الحسناء لم يغله المهر ، والشدائد تكشف عن معاني ومعادن الرجال ، فتفرز المعارف وتلفظ النكرات ، ففي المحكات والصعاب وفي لحظات التيه والفوضى والإرباك ، تتلاشى حتما طوابير المستقلين المتعطشين للصحافة والإعلام وخشبات المسرح ، فالكرامة ليست قزامة . وصدق من قال :
يا منشئين على خرائب منزلي..تحت الخرائب نقمةٌ تـتقلبُ..
إن كان جذعي للفؤوس ضحيةً..جذري إله في الثرى يتأهبُ..
هذا أنا..عريان إلا من غد..أرتاح فـي أفيـائه أو أصـلبُ..
ولأجل عينيه وأعين إخوتي..أمشي..وأعطي الدرب ما يتطلبُ..


افق المصالحة الفلسطينية عربيا


بقلم: عبد الاله بلقزيز
نخشى من أن “الحوار الوطني” الفلسطيني في القاهرة لن ينتهي إلى ثمرة سياسية مريحة للشركاء فيه كافة، وقد تظل عقدة التوقيع على “الورقة المصرية” تفرض أحكامها على الوضع الانقسامي الفلسطيني المفتوح . وليس السبب في أن لحركة “حماس” تحفظات مشروعة على بنود “الاتفاق”، وإنما لأن شروط الحوار والاتفاق لم تنضج بعد على النحو الذي ينفتح معه أفق المصالحة والوحدة الوطنية . ومع أننا لا نستبعد تماماً إمكان التوقيع على “الورقة المصرية” في أية لحظة، إلا أن التوقيع لا يستتبع تنفيذاً بالضرورة على ما تفيدنا به سوابق الحوار في الماضي القريب .
سبق للفصيلين الفلسطينيين المعتركين أن تحاورا ثنائياً  ومع غيرهما من الفصائل الأخرى  في القاهرة قبل سنوات من أجل إعادة بناء منظمة التحرير وتنمية الأطر المؤسسية للوحدة الوطنية . وانتهى الحوار إلى اتفاق . وأحيط الاتفاق بتهليل سياسي وإعلامي كبير أوحى بأن الوحدة الوطنية الفلسطينية دخلت ربيعها المزهر . غير أن شيئاً مما وقع الاتفاق عليه ووقع عليه لم يبصر نوراً ولا خطا نحو تنفيذ مادي أو رمزي . فعاد المتحاورون، وعادت مصر الراعية للحوار، وعدنا معهم جميعاً إلى نقطة الصفر .
وسبق للفصيلين  بعد إذ صارا شريكين في السلطة مختلفين  أن تحاورا في السعودية برعاية منها قصد حل خلاف الشراكة في السلطة، وانتهى الحوار إلى توقيع “اتفاق مكة” الذي قضى بتقاسم السلطة شراكة من طريق تشكيل حكومة وحدة وطنية . غير أن الصيغة ما أحرزت حظاً من الحياة لأن “فتح” ابتلعتها مرغمة قبل أن تجد من القوى الدولية والعربية من يحررها منها .
ثم إن الفصيلين تحاورا في اليمن قبل فترة، وبعد أن بلغ الانقسام بينهما أشده، ووصل الحوار إلى تثبيت ثوابت ومشتركات في ما عرف ب “اتفاق صنعاء” لكن الفريقين تبادلا الاتهام بالمسؤولية عن تعطيل التوقيع والتفعيل، فعادت الأوضاع إلى سوئها الذي كانت عليه . وهذا عين ما يحصل اليوم في القاهرة .
لا تعني هذه الوقائع من الفشل المتعاقب للحوار الوطني إلا شيئاً واحداً لا يقبل التجاهل: عدم نضج الشروط الفلسطينية الداخلية  السياسية والنفسية  للحوار وغياب إرادة مشتركة في ذلك . مرد هذا، في المقام الأول، إلى أن كل فريق متمسك بما لديه من سلطة، وحريص على أن لا تضيع منه تحت عنوان الوحدة الوطنية . ويزيد من معدل ذينك التمسك والحرص ما بين الفصيلين من حال حادة من التواجس وفقدان الثقة، بل ما بينهما  أحياناً  من تكايد يمتنع معه كل مسعى مخلص إلى الخروج من نفق الانقسام .
على أن عدم نضج شروط المصالحة ليس واقعاً فلسطينياً فحسب، أو قل إن العامل الفلسطيني فيه ليس وحيداً ونهائياً، وإنما هو يتصل ببيئة العلاقات العربية  العربية وما يعتورها من استقطاب ونزاع وأثر تلك البيئة ومشكلاتها على الوضع الداخلي الفلسطيني . ذلك أن الاستقطاب الداخلي الفلسطيني لا يعدو، في وجه من وجوه التعبير عن نفسه، أن يكون لحظة في الاستقطاب السياسي العربي وترجمة لأحكامه على الصعيد الفلسطيني . وما أغنانا عن القول إن هذه الحقيقة في غير حاجة إلى كبير اجتهاد للاستدلال عليها، فصلات “فتح” بمحور عربي على مثال صلات “حماس” بمحور عربي آخر أمر في عداد المشهور والمسلم به .
ينجم من ذلك أن إنضاج شروط الوفاق الوطني الفلسطيني يتوقف  في جانب كبير منه  على تحسن أوضاع العلاقات العربية البينية وعلى جنوحها للوفاق، وفي قلبه التوافق على إنهاء حال الأزمة الداخلية الفلسطينية . إذا لم يكن ممكناً أن يحصل وفاق سوري  سعودي  مصري على حل الأزمة، فإن أحداً من الأطراف لا يملك وحده، بمعزل عن مثل هذا الوفاق، أن ينهي حال الانقسام الفلسطيني وإن حسنت نيته . وهذا عين ما حصل في أزمة لبنان بين العامين 2005 و2009 .
لم تكن حال الانقسام الفلسطيني أشد حدة من حال الانقسام اللبناني ولا أكثر استعصاء منها . كما أن محاولات أي محور عربي إدارة أزمة لبنان بمعزل عن المحور الآخر انتهت إلى الاخفاق وإلى المزيد من توسعة رقعة الشرخ الداخلي اللبناني . ومثلما وصل الخلاف الفلسطيني إلى الصدام المسلح في غزة، وصل الخلاف اللبناني إلى الصدام المسلح في بيروت والجبل والشمال . غير أن الانقسام اللبناني انتهى وكأنه لم يكن ما إن حصل توافق سوري  سعودي على انهائه . بدأ ذلك في “مؤتمر الدوحة” (مايو 2008) وبلغ ذروته في المصالحة السورية  السعودية التي فتحت الباب أمام تشكيل حكومة الائتلاف الوطني برئاسة سعد الدين الحريري .
ولسنا نشك في أن الخلاف الفتحاوي  الحمساوي، وإن اشتد أواره، سينتهي ما إن يقع توافق عربي على إنهائه سياسياً . وقد يقتضي مؤتمر حوار وطني مثل “مؤتمر الدوحة”، وقد يقتضي مبادرة أخرى من نوع مختلف، لكنه قطعاً يقتضي توافقاً بين سوريا ومصر والسعودية من دونه يكون أفق الحل مستحيلاً .

بروفيسور اسرائيلي: جدار مصر على الحدود مع غزة نموذج لخدمات نظام مبارك لاسرائيل*


لناصرة ـ القدس العربي ـ من زهير اندراوس ـ قال رئيس مركز (هرتسوغ) لبحوث الشرق الاوسط في جامعة بئر السبع، البروفيسور يورام ميطال، انّ الجدار الفولاذي الذي تشيده مصر حاليا على حدودها مع قطاع غزة يأتي كنموذج للخدمات التي يقدمها النظام المصري لاسرائيل، حيث يهدف الجدار لسد الانفاق التي تستخدم في تمرير الاحتياجات الانسانية لسكان القطاع واغلاق معبر رفح امام الفلسطينيين.وتابع الاكاديمي الاسرائيلي قائلا، حسبما افادت صحيفة "هآرتس" العبرية انّ هذا يأتي في اطار التعاون بين القاهرة وتل ابيب اللتين تنظران الى حركة المقاومة الاسلامية ((حماس) التي تسيطر على قطاع غزة باعتبارها منظمة ارهابية يجب استئصالها والقضاء عليها بقوة الذراع، مشددا على انّ الجدار الذي تبنيه مصر بالاضافة لاغلاق بوابات رفح ينسجمان ويتطابقان ويتماشيان مع مطالب الدولة العبرية والولايات المتحدة الامريكية من مصر بالعمل على منع التهريب من اراضيها، وينبعان من خوف اصحاب القرار في مصر من اجتياح مئات الاف الفلسطينيين الى سيناء، كنتيجة لهجوم اسرائيلي او ازمة انسانية بالقطاع، وتفادي مطالبة مصر بتخصيص اراض في سيناء وضمها الى الدولة الفلسطينية المقبلة.
ولفت بروفيسور ميطال الى انّه في ذروة الأزمة بين مصر و(حماس) بسبب الجدار الحدودي نشرت "هآرتس" في الثامن من كانون الثاني (يناير) الجاري كاريكاتيرا ظهر فيه الرئيس المصري حسني مبارك يستقل رافعة ضخمة تنزل الواحا من الفولاذ على حدود قطاع غزة امام عيون الفلسطينيين، واشار الى ان هذا الرسم الساخر عبّر عن رضا الكثيرين بتل ابيب بسبب تعامل مصر الصلب والقاسي مع حركة حماس، على حد قوله.
وزاد قائلا انّه ما من شك بانّ سياسة الرئيس المصري مبارك تخدم السياسة الاسرائيلية التي ترى في حماس منظمة ارهابية يجب القضاء عليها بقوة الذراع، او على الاقل اتخاذ خطوات ضدها تعمل على منعها من تثبيت حكمها وسلطتها في قطاع غزة، الذي تسيطر عليه منذ تموز (يوليو) من العام 2007 عقب الاطاحة بحركة (فتح). ورأى الاكاديمي الاسرائيلي في هذا الاطار انّ الجدار الحدودي ياتي ضمن هذه الخطوات لوقف التهريب ورفض الرئيس المصري فتح معبر رفح امام الفلسطينيين، ما اعتبره يشكل تعبيرا مباشرا وملموسا عن معارضة مصر لقيام دولة صغيرة لحماس وخوفها من تداعيات استخدام الانفاق في عمليات التهريب على امنها القومي.
بيد انّ البروفيسور ميطال يؤكد ان لتلك السياسة التي ينتهجها النظام المصري تجاه قطاع غزة آثاراً سلبية عليه حيث تواجه بانتقاد لاذع سواء في داخل مصر وخارجها، مضيفا انّ هذا النظام يتابع وبمنتهى القلق سهام الانتقادات التي يطلقها نحوه الناطقون بلسان المعارضة والذين يربطون احتجاجاتهم على السياسة المصرية تجاه (حماس) بكفاحهم لمنع توريث الحكم لجمال النجل الاصغر للرئيس مبارك.

الدخول التركي على القضايا العربية المصيرية حدود وآفاق



مطاع صفدي

عودة الترك إلى مشرقهم العربي قد يكون واحداً من أهم منعطفات النهضة في مطلع الألفية الثالثة لكلا الأمتين الصانعتين للحضور العربي الإسلامي، حوالي عشرة قرون، على المستويين الحضاري الذاتي لكليهما، ومستوى تفاعل المدنيات الإنسانية المعروفة بمؤثراتها الكونية الاستراتيجة حتى اليوم.

السؤال المركزي هو حول الحقيقة في هذه العودة الموصوفة بالفجائية في سياق سياسة دولية وإقليمية بالغة التعقيد والحساسية كحالها دائماً. فلسنا لنطرح التساؤل من وجهة التحليل السياسي اليومي. إنه الاستفهام الفلسفي الباحث عن الحقيقة، كما هو تقليده الكوني إزاء مسرحة الحدث، بطريقة المفاهيم المختفية وراء الوقائع، والصانعة لها أحياناً. فالتحول التركي لا يمكنه الاندراج والانحباس في سياق الضرورات السياسية ومناوراتها. ذلك أنه ليس ثمة براغماتية آمرة بالتغيير الأيديولوجي الكبير الذي ينطوي عليه حراك حكومي لا سابقة له في تاريخ (تركيا الحديثة). هذه الدولة الجديدة كلياً التي قام تأسُيسها الأول انطلاقاً من تجذير قطيعة بنيوية شاملة مع تاريخها السابق، بدءاً من إلغاء صورة معينة وثابتة عن شخصيتها المفهومية طيلة تواجدها الألفي في سياق من التداخل العضوي، مع كل ما كانت تعنيه الحضارة العربية الإسلامية.

القطيعة الأتاتوركية مع العرب لم تكن قراراً سياسياً، ولا حتى أيديولوجياً فحسب، كانت شرطاً تكوينياً محورياً لقيام الأمة التركية الخالصة المتصوّرة بحسب نزعة قوموية استوردها حزب (الاتحاد والترقي) منذ أوائل النصف الثاني من القرن التاسع عشر، من عصر القوميات الإمبراطورية الصاعدة في أوروبا الغربية. بينما كانت الإمبراطورية العثمانية تعاني مرحلة أفولها في مختلف نواحيها كدولة قروسطية، ومجتمع خليط من قوميات أخرى متنافرة وساعية إلى استقلالها عن السلطنة. كانت حركة التتريك التي قادها الضباط الشباب من قادة ذلك الحزب، تأتي من جهةٍ، كعامل تحريض لشعوب السلطنة، وكرد فعل في آن على تحركاتها الاستقلالية، وفي سياق هذا التفكك المتنامي في جسد الرجل المريض، وهو اللقب الأوروبي لحال تخلف السلطنة آنذاك، كان العرب، وهم القومية الثانية المشاركة للأتراك في بناء الإمبراطورية العثمانية، يعيشون عصر نهضتهم القومية من مدخلها الثقافي والأيديولوجي، ما جعل القادة النهضويين العرب يعتبرون أن حركة التتريك موجهة أساساً ضد الشريك العربي.

كان غلوُّ الاتحاديين بالغاً أوج الإثارة العنصرية في هيكلة الدولة السلطانية، لدرجة حتى أنهم حمَّلوا العنصر العربي مسؤولية التخلف المتفشي في أنحاء كيانهم الإمبراطوري. فحين قامت الثورة العربية الأولى الصاعدة من أرض الحجاز مع بوادر انهزام اسطنبول عسكرياً خلال الحرب العالمية الأولى، لم تكن في نية القيادات العربية آنذاك تدمير الإمبراطورية، لكنهم شعروا أن جماعة الاتحاديين المحيطين بالسلطنة آنذاك، قد فصموا شراكة الأمتين العربية والتركية في بناء الإمبراطورية. كانت نزعة التتريك تهدف إلى قلب الكيان المفهومي المؤسسي للدولة المعولمة طيلة القرون الأربعة السابقة. فالعنصر العربي كان شريكاً أصيلاً في صناعة السلطنة وتاريخها، كان تواجده البشري أساسياً في مختلف مستويات الدولة إدارياً وعسكرياً وثقافياً. كانت الإمبراطورية تمثل في عيون شعوبها المتعددة، المنضوية تحت لوائها، الحلقة الأخيرة من مسيرة الفتوحات الإسلامية. هكذا كانت هذه الشعوب، الاسلامية منها، تسوّغُ تنازلها عن هوياتها العنصرية، بانضوائها تحت قبة الخلاقة الإسلامية، والعرب كان لهم الدور المحوري في شرعنة الخلامة وذلك ليس كأمر واقع فحسب، بل كخيار ضروري، يصبُّ في صميم مشروع العولمة الإسلامية، الذي أبدعوه وخرجوا به من صحرائهم إلى مدنيات العالم القديم المتخلفة، أملاً في صناعة كونية جديدة من العدالة والمساواة أمام الحق.

المهم في هذا الموضوع هو أن إيديولوجيا الكمالية لم تعد وحدها المسيطرة على عقول الأتراك المعاصرين اليوم، سواء على مستوى النخب السياسية والثقافية، أو على مستوى الجمهور الواسع. والعودة إلى الإسلام قد تكون حراكاً استبدالياً لكمالية استنفذت أهدافها، وكان لها نجاحها التاريخي في إنهاض تركيا، جمهوريةً حداثيةً، على أنقاض خلافة تيوقراطية متهالكة إلى سلطنة قروسطية زائلة بسبب أعطالها البنيوية ذاتياً، قبل أن تطيح بها هزيمة الحرب العالمية الأولى التي أجهزت عليها. لكنها أخذت معها كذلك، النسخة الأخيرة عن نموذج الحكم (الأممي) الديني، أو الخلافة الإسلامية للعصور القديمة.

هذه الخلفية التاريخية لا يمكن للذاكرة العربية أن تتجاهلها، بل تفرض نفسها في هذه اللحظة من الانعطافة التركية الأهم في قصة الانتماء المشترك الفعال لكلا الأمتين العربية والتركية في الأقنوم المفهومي والحدثي للحضارة الإسلامية. فمن الصعب أن ينتظر أحد من طرفي هذه الشراكة إلى الانعطافة من زاوية كونها مجرد استجابة لمصالح سياسوية اقتصادوية فحسب. ذلك أن رفيقيْ الدرب الواحد الطويل افتقدا هذه الرفقة، خلال معظم القرن العشرين، وها هما يلتقيان فجأة ومجدداً على ذات الدرب الواحد؛ كأنه لم يفرقهما إلا ليجمعهما ثانية. لكن لن يتعارفا ثانية بحسب المنظار الماضي البعيد، بقدر ما يقرَّان بحجم الاختلافات المكتسبة والطارئة بالنسبة لكل منهما، طيلة الغيبة المديدة عن بعضهما. هذا مع التيقن انه ليس هناك ثمة خلافة دينية عظمى، ولا إمبراطورية عسكرية معولمة، ينتظرها أحدهما من عودتهما إلى بعضهما.

لكنهما معاً يعانيان من لحظة ازدحام زمن العالم بمقاربات الأفول والظهور لإمبراطوريات هرمة متداعية وأخرى شابة صاعدة، في حين تبقى ، وحدَها قارة العرب والإسلام، مبعثرة الأركان والهويات، فاقدة في معظمها، لحس العصر، ولوقتها أو لمكانها من خارطته الغاصّة بكل الآخرين وإنتاجاتهم، ماعدا الذات وخوائها المستديم.

تركيا المحكومة سابقاً بنظام العسكريتاريا الانقلابي، كانت أسيرة لبوصلة التوجه الكلي إلى شمالها الأوروبي. كانت ترى في الالتحاق الذيلي بمولود أوروبا الكبير، باتحادها، المستقبل الضامن لحداثتها، ولاغترابها الكياني والنهائي عن هويتها التراثية. وكان اغتراباً مفروضاً بسلطة الدستور المتشبث بعلمانية مغلوطة، ليست في حقيقتها سوى قناع ثقافوي لقوموية العسكريتاريا القابضة على قمة السلطة والممسكة بمفاتيحها النفعية سياسياً اقتصادياً معاً. فهي المستفيدة من تركة الإنجاز الأتاتوركي، بما حققه بدءاً من إنقاذ تركيا من مصيرها المقرر غربياً، في تقسيمها وتوزيعها استعمارياً، على أثر الهزيمة الحربية؛ كما كان هو مصير بقية المشرق العربي. فقد فاز جيش كمال أتاتورك، المتبقي عن جيوش الإمبراطورية العثمانية المنهارة، بجغرافية الأناضول وساحليه الشمالي والغربي، كوطن لأمة تركية جديدة، خالصة عرقياً، حسب تصور مؤسسها، وإن شاركتها في هذا الوطن شعوب أخرى عديدة، ومتجذرة في ترابها منذ ما قبل قدوم قبائل الجد المغولي القديم (أرطغرل) للأتراك من أقاصي آسيا.

تركيا (أردوغان) ليست نقيضة تركيا أتاتورك. لكنها قد تأتي تصحيحاً لعلمانيتها المبدئية، فلا تتدخل الدولة سلباً أو إيجاباً في خيارات العقائد لدى مكونات مجتعها، بشرط ألاّ تنسحب حيادية السلطة هذه، على خيارات استراتيجيتها، وذلك انطلاقاً من كونها مرآة عاكسة لشخصية أمتها في ماضيها وحاضرها. ولعل ذلك هو الدليل الأيديولوجي الذي صار يقود السياسة الخارجية لتركيا راهنياً، نحو الانفتاحات المتتابعة على قضية العرب الرئيسية، فلسطين. فالحزب (الإسلامي) الحاكم في أنقرة يريد أن يبرهن على أن العلمانية لا تتناقض مع هوية الأمة. وبالتالي لا يمكن للسلطة الحاكمة أن تقف مكتوفة الأيدي إلى الأبد تجاه تعاطف شعبها مع مآسي الشعب الفلسطيني، واتخاذ المواقف الإنسانية، على الأقل، المنتظرة، مع المظلوم ضد الظالم المتجبر الذي هو العدوان الإسرائيلي المستمر والمتصاعد ضد أبسط متطلبات الأمن الفلسطيني وتطلعاته نحو كيانه الحر المستقل.

بالمقابل يستنتج الفكر الاستراتيجي التركي أن المشروع الإسرائيلي ليس له حدود يقف عندها في مساحة المشرق العربي وجواره الإسلامي معاً. فلماذا لا تقوم لهذا المشرق ثمة سياسة متضامنة عربياً إسلامياً ضد المطامع الإسرائيلية المتمادية.

تلك هي بعض بدهيات الواقع الجيوسياسي لمنطقة الشرق الأوسط بمعناه الأوسع، وكما يجب أن تفهمه شعوبه أولاً، وليس كما تفرضه إرادة أمريكا من ما وراء البحار، أو كما تحلم به إسرائيل الدخيلة على المنطقة، مهما طالت رحلة السرقة الدموية الوقحة لبعض أوطان الآخرين، ولبعض الوعي الدولي المسلوب الإرادة وقوة الحسم معاً.

لا شك أن هذا الدخول التركي العقلاني والحاسم على قضايا منطقته العربية، من محورها المركزي الفلسطيني، سوف يُغير تدريجياً وفي العمق، من قواعد اللعبة الأمريكية الصهيونية المستبدة حتى اليوم بالمنطقة كلياً، والممسكة بتوازناتها الجيوسياسية الراكدة لصالحها، مع ملاحظة أن توقيت هذه اليقظة التركية، والانفتاح المتنامي على قارتها العربية والإسلامية من حولها، وبدءاً من جوارها المشرقي المباشر، ومن الموقع المحوري لسورية بالذات، إنما يجيء في اللحظة التطورية المناسبة لبروز الممانعة العربية، عبر جولات متتابعة من إحباط الارتدادات الأمبريالية الصهيونية على المواقع الصامدة في أنحاء المنطقة.

العرب يتطلعون حقاً إلى ما تعنيه إضافة الحراك التركي إلى مجموع قواههم المشتتة، على أن يكون هذا الحراك نفسه جديراً بالآمال المعقودة على تطوراته الكبيرة المنتظرة. و في كل الأحوال لن يكون مستقبل المنطقة بعد هذا الحراك كما كان كلُّ ماضي المشرق المعذب قبله. فليس التفاؤل المفرط ليستبق الحقبة القادمة بما تحمله من فجائيات السلب والإيجاب، لكنها هي المتغيرات الموضوعية وحدها التي لها حسابها المجدي. لعلّ التحول التركي قد يجاري أمانيه العربية، مع العلم أنه لن يكون في منأى عن الترددات والنكسات. وقد يتوقف الأمر في أساسه على مدى تجذير التحول التركي في أرضه الذاتية، مع النظر إلى كونه خطاً نضالياً معيناً، سيظل سابحاً في خضم تناقضات الداخل التركي وصراعاته الظاهرة والخافية، والثانية هذه قد تكون هي الأدهى.. ربما!

' مفكر عربي مقيم في باريس