الاثنين، 22 مارس 2010

ندوة صحفية في مقر الجمعية .. بمناسبة صدور تقرير المراقبة الإدارية.. !


الجمعية الدولية لمساندة المساجين السياسيين

تونس في 22 مارس 2010

ندوة صحفية  في مقر الجمعية ..
بمناسبة صدور تقرير المراقبة الإدارية.. !
عقدت الهيئة المديرة للجمعية الدولية لمساندة المساجين السياسيين ندوة صحفية بمقر الجمعية قدمت خلاله عرضا حول تقرير المراقبة الإدارية الذي أصدرته اليوم الإثنين 22 مارس 2010 ،
و قد هرعت قوات البوليس السياسي لمحاصرة مقر الجمعية و منعت بعض المراسلين من دخوله كما قام بعض الأعوان بملاحقة كل من السادة لطفي حجي مراسل " الجزيرة " و لطفي الحيدوري مراسل " قدس برس "  و إسماعيل دبارة الصحفي بجريدة " الموقف " ،
و نوافيكم في بيان لاحق بتقرير حول مجريات الندوة الصحفية ،
مع التنويه إلى أنه يمكن الإطلاع على تقرير الجمعية تحت عنوان :  " مواطنون ..تحت الحصار .. ! المراقبة الإدارية في تونس  "  على الرابط : http://moraqba.wordpress.com
و يمكن تحميله على الرابط : http://moraqba.files.wordpress.com/2010/03/rapport-aispp-mars-2010.pdf

و يتألف التقرير من 289 صفحة منها 120صفحة من الوثائق و الصور ينشر بعضها لأول مرة  تشرح معاناة المساجين السياسيين المسرحين جراء المراقبة الإدارية في أكثر صورها تعسفا و خرقا للقانون و تعديا على أبسط حقوق الإنسان ، مما جعل المراقبة الإدارية تتحول من عقوبة تكميلية صادرة عن السلطة القضائية إلى وسيلة في يد البوليس السياسي  لتأبيد العقوبة على المساجين السياسيين المسرحين و عائلاتهم .

عن الهيئـــــة المديـــرة

الكاتب العام

الأستاذ سميــر بن عمــــر

النقابة الاساسية للتعليم الثانوي بجندوبة تتضامن مع المعتدين على الاساتذة


ملاحظات حول نضالات النقابة الاساسية للتعليم الثانوي بجندوبة :
حالة اولى : النقابة الاساسية للتعليم الثانوي بجندوبة تتضامن مع المعتدين على الاساتذة
تعرضت استاذة تعمل في المعهد الثانوي بجندوبة – شارع البيئة الى اعتداء بالعنف اللفظي من طرف تلميذ وصل في تطاوله على الاستاذة الى حد سب الجلالة امامها وامام التلاميذ وقد قامت الاستاذة برفع تقرير الى المدير لاحالة التلميذ على مجلس التربية ولتدعيم موقفها اتصلت الاستاذة بالكاتب العام للنقابة الاساسية واحاطته علما بالوضعية ورفعت له تقريرا خاصة وان التلميذ هو ابن القيم العام بالمعهد المذكور.
وفعلا تمت احالة التلميذ على مجلس التربية وحصل على رفت بثلاثة ايام فقط والسبب هو ان الكاتب العام للنقابة الاساسية للتعليم الثانوي اتفق مع نقابة التاطير والارشاد التربوي على حل الاشكالية دون عقوبات كبيرة على التلميذ نظرا لحساسية موقع والده ولو كان ذلك على حساب الاستاذة وكرامة المربين.
وهكذا تحولت النقابة من الدفاع عن الاساتذة وكرامتهم الى الدفاع عن مصالح التلاميذ واخطائهم وقد خلف هذا الامر استياءا كبيرا في صفوف الاساتذة بجهة جندوبة بل ان بعض الاساتذة عبر عن خبيبة امله من هذه النقابة الى تهاونت في الدفاع عن كرامة الاساتذة رغم كثرة ضجيجها و صخبها وهناك العشرات من الهفوات الاخرى ساقوم بنشرها تباعا للراي العام حتى يعرف حقيقة هؤلاء النقابيين ؟


اشرف النغموشي
نقابي قاعدي

القذافي مزق ميثاق الامم المتحدة... ماذا سيفعل بميثاق الجامعة العربية؟




بقلم : علي شندب

      فعل القذافي ما لم يتجرأ ان يفعله، عبر  العالم، كل العالم، اي قائد او رئيس او زعيم دولي وعالمي قبله. فعلها القذافي، فمزق ميثاق الامم المتحدة، في عقر دارها، في الجمعية العامة التي تمثل مئة وواحد وتسعين دولة.
      في  الاصداء العربية، قـُـرأ تمزيق القذافي لهذا الميثاق بلسان التحدي والرجولة المنبثقة والمنبعثة من القيم والمبادئ العربية العريقة. أما في الاصداء الدولية عموما، فعملية التمزيق هذه أكدت للجميع ان هذا الرجل لم يستطع حتى الآن، ورغم تبدل التوازنات والمعادلات الدولية، ان يخلع عباءة التمرد والثورة، فهو معها وجهان لعملة واحدة.
      واذا  ما تركنا هذه الاصداء جانبا، ووضعنا سلوك القذافي "التمزيقي" في الاطار الاستراتيجي، بإعتباره الاطار الوحيد الذي يحدد ويعرف سلوك الدول وتوجهاتها، لكان علينا اعتناق الموضوعية المبنية على الفهم الواقعي لمسارات العلاقات الدولية وحالة التوازن الدولي الذي مزق القذافي ميثاق الامم المتحدة في ظله، فالزعيم الليبي الذي أكثر من يعرف ويجيد اقتناص وتخصيب المناسبات، كان بإمكانه القيام بما قام به في "جامعة العالم الدولي" اي "الامم المتحدة" دون ان يذهب اليها. وفي هذا الافتراض رد على من يقول انه انتظر الذهاب الى الامم المتحدة ليفعل ما فعل، لأن هذا القول يلغي المعاني الاستراتيجية لعملية التمزيق. فالحقيقة هي ان القذافي مزق الميثاق في نيويورك، عاصمة القرار الدولي في ارض الولايات المتحدة، وليس في الجمعية العامة للامم المتحدة.
      هكذا فقط، يلتقي الشكل مع المضمون. اما الشكل فهو اميركا، واما المضمون فيتمثل بالاستعمار والهيمنة المعبر عنهما ببنود الميثاق الممزق. وكأن القذافي أراد ان يقول بأن عصر التفرد والاحادية على وشك الافول، ومع أفوله يجب ان تحرق وتمزق كل ادوات الاستبداد والقهر في العالم. وهكذا أكمل القذافي خطوة التمزيق بمعركة ليبيا مع سويسرا والولايات المتحدة، فكانت النتيجة ان خضعت اوروبا الجائعة للنفط الليبي واجبرت اميركا على الاعتذار؛ الاعتذار النابع ليس من الخوف على مصالح شركاتها النفطية في بحار ليبيا، وانما خوفا من اصداء خطاب "سوبر ايديوستراتيجي" وجهه القذافي ضد سويسرا، فتلقفت مقاصده وأبعاده أميركا التي لم تصحو بعد من كابوس الحادي عشر من ايلول. وهنا نجدنا امام سؤالين جد مهمين: لماذا تهكمت واشنطن على خطاب القذافي بمناسبة عيد المولد النبوي الشريف والذي شن فيه "اطروحة جهادية" هجومية ضد سويسرا؟ ولماذا أصرت ليبيا على اعتذار اميركي واضح وصريح؟ والاعتذار حصل!.
      اما الجواب على السؤال الاول، فيبدأ بالقول بأن الخطير في خطاب القذافي في هذه المناسبة الدينية، هو هجومه على الارهاب قبل ان يهجم على سويسرا. بمعنى اخر، ان القذافي بتمييزه بين الارهاب الذي أدانه والجهاد الذي اذاعه وحياه، لكونه واجب وحق ديني، وعلى اعتبار ان الفرق الجوهري بين الارهاب والجهاد، ان الاول ينطلق فقط من اهداف وغايات سياسية في حين ان الثاني ليس له اي صلة بهذه الاهداف والغايات، وانما ينطلق فقط من واجبات دينية سامية وعليا لا تدخلها السياسة لا من قريب ولا من بعيد، قد حصـّن نفسه وحمى خطابه، لكن النتيجة واحدة، وهي التهديد بالعنف المشروع الذي يطلب المسلم الشهادة لأجله. وهو التهديد الحقيقي الذي يخشاه الغرب عامة والولايات المتحدة خاصة. انه التهديد الذي لا يمكن لا للغرب ولا للولايات المتحدة ان ترفع ذريعة "مكافحة الارهاب" لمكافحته، لانها بذلك تقول لاكثر من مليار مسلم "مكافحة الارهاب تعني مكافحة الاسلام"، وهنا المستنقع الخطير الذي سيقع فيه الغرب، لان الارهاب سيرتدي هذه المرة وبقوة عباءة الجهاد. لأجل ذلك، كان على واشنطن الاعتذار لليبيا وقائدها معمر القذافي، ولأجل ذلك كانت ليبيا والقذافي على يقين من حتمية الاعتذار الاميركي، فكان الاعتذار فعلا حتميا.
      لنسقط كل هذا التحليل على قمة سرت العربية المرتقبة بعد ايام، ولنجب معا على سؤالين يلحان في الطرح: هل سيمزق معمر القذافي بوصفه مضيف القمة ورئيسها ميثاق جامعة الدول العربية كما مزق ميثاق الامم المتحدة؟ ثم هل من اسقاطات ومقاربات جديدة وشبيهة يمكن للقائد الليبي ان يطرحها في القمة وعليها، كمقاربته التمييزية بين الارهاب والجهاد؟
      اما المحرض على السؤال الاول فيتمثل بالقرار  الذي اتخذه الزعيم الليبي قبل سنوات  وهاجر بموجبه من المخدع العربي الى الحضن الافريقي الذي استقر فيه وتبنى كل ازماته كقضايا ملحة، ونجح في معالجة الكثير منها. لكن الوضع العربي اليوم، وبالذات منذ اعدام الرئيس العراقي صدام حسين وما نتج عنه من تداعيات دراماتيكية عربية واقليمية ودولية، هو وضع مختلف جذريا عن الوضع العربي السابق. و بكلام اوضح، يمكن الجزم ان القذافي، انما غرد في الفضاء الافريقي، لعلمه الاكيد ان تغريده في الفضاء العربي، في كل الحقبة السابقة سيكون دون صدى، فالسرب في مكان وهو في مكان اخر، ولحقيقة ان التوازن الدولي في تلك المرحلة حيث السيطرة المطلقة للولايات المتحدة على القرار الدولي دون منافس، حقائق لم تكن لتسمح لليبيا بابقاء الصوت عاليا في وجه اميركا، فكان الخيار بالذهاب الى حيث ينقب القطب الصيني الموعود عن مناطق نفوذ ضرورية له في مرحلة تجميع الاوراق.
      اما اليوم، فالتوازنات الدولية والمتغيرات الاقليمية، تشكل ارضية مساعدة وتربة  خصبة، تسمح للجماهيرية وقائدها، بأخذ المبادرة واقتحام الميدان العربي من جديد، لفعل شيىء ما، اقله وكخطوة اولى، ترتيب البيت العربي من جديد، خصوصا بعد نوبة المصالحات العربية العربية، السورية السعودية والليبية السعودية، وهي المصالحات التي لا شك ستثري الجعبة الليبية خلال رئاستها للقمة.
      اذن،  لن يمزق الزعيم الليبي ميثاق الجامعة  العربية، لكنه سيعود الى همومه العربية، وسوف يكون هناك توافق بينه وبين الدول العربية المركزية على اخذ المبادرة من جديد. لكن ما هي مرتكزات نجاح هذه المبادرة، وعن اي مبادرة نتحدث؟
      نتحدث عن مبادرة تعيد العرب لاعبا رئيسا  في مجريات الشرق الاوسط، بعدما اختـُزل اللاعبون بأميركا واسرائيل من جهة، وايران وظلالها من جهة ثانية. مبادرة تنطلق من انجازات المقاومتين العراقية التي هزمت المشروع الاميركي في العراق والمنطقة وعبرهما في العالم، والمقاومة الفلسطينية التي أكدت حقيقة ان اسرائيل لم ولن تستطيع ابتلاع كل فلسطين، بعدما كسرت غزة انياب الحوت الاسرائيلي. مبادرة تنطلق من مصلحة وقدرة حقيقية، أعمدتها ليبيا ومصر وسوريا والسعودية واستطرادا الجزائر وقطر.
      وبما  ان غزو العراق هو من اخرج العرب من دائرة الفعل ليضعهم في دائرة ردة الفعل، فالعراق هو نفسه، قادر وكفيل باعادة العرب الى دائرة الفعل الاوسع. فالنتائج الانقلابية والهستيرية التي عكستها الانتخابات العامة العراقية مؤخرا، انما اخذت على عاتقها دفع عربة الحصان العربي من جديد. فالعراقيون، وخصوصا الشيعة منهم، بطردهم الاحزاب المذهبية، الممثلة خصوصا بالائتلاف الوطني العراقي، والسنة بشكل اخص بتصويتهم لشيعي غير مذهبي، دون ان يتخلوا عن المقاومة، قد أعلنوا عن عراق عربي صاف، داعين العرب الى تلقف الجديد قبل ان يقتل الحصان وتقلب العربة، وهي العربة التي لم يعد من مصلحة واشنطن عرقلة عجلاتها حتى لو لم تركبها. وهي ايضا العربة التي يسير القطار التركي بمحاذاتها لا بل يقتضي وصوله الى المحطة وصولها ايضا الى محطتها ولو بوقت أقل. لكن الوصول الاكيد يحتاج الى جواد عربي اصيل يقوده فارس شجاع شاهرا سيفه البتار.
      وان حصل ذلك، اي اذا اقتحم العرب  بكل قوتهم الميدان العراقي، ودعموا خيارات الشعب العراقي التي عبر  عنها بالمقاومة العسكرية ومن ثم بالمقاومة الانتخابية، فسينعكس ذلك ايجابا وبشكل سريع على القضية الفلسطينية التي تعيش اليوم انتفاضتها الثالثة، وقد يصل الامر الى حد اعادة اللحمة الفتحاوية الحمساوية، برعاية ودعم وتبني عربي صاف ايضا.
      ومما  لا شك فيه، ان هكذا تفاهما عربيا في الملفين  العراقي والفلسطيني، ستكون له انعكاساته المباشرة والسريعة على الملف اللبناني، الذي ما يزال لغاية الآن يشكل فخا لاختلاف عربي معروف، وهو الاختلاف المرتكز على الموقف من حزب الله.
      لكن مقاربة الزعيم الليبي القائلة بحتمية التمييز بين الارهاب والجهاد يمكن ان تكون بمثابة الوصفة الناجعة والشافية لهذا المرض العضال. فالخلاف بين بعض الدول العربية حول حزب الله، هو خلاف قد وصل في بعض الاحيان الى حدود تجاوز المسألة من منطق الخلاف الى منطق الاختلاف الشبيه بالتناقض بين الجهاد والارهاب.
      وبهذا المعنى، فإن الدول العربية  المختلفة حول حزب الله وعليه، انما تنظر اليه بعين مصلحتها الوطنية بشكل عام، وهي نظرة معذورة في ظل انعدام وجود استراتيجية عربية مشتركة تنظر بعين قومية واحدة وتؤطر كل النظرات القطرية المتعددة. فلسوريا اسبابها التي تقودها  للدفاع عن قناعاتها والقول بأن حزب الله هو حركة مقاومة وطنية ضد الاحتلال، كما ان للسعودية ومصر اسبابهما ومخاوفهما التي تدفعهما للقول بان حزب الله ليس الا ذراعا ايرانية في لبنان، وهو في سبيل ذلك يقوم بـ "مغامرات غير محسوبة".
        وربما، ليبيا، ولوحدها، تخرج من هذا الاستثناء، حيث قلما يترك العقيد القذافي مناسبة ذات صلة الا ويشيد فيها بالمقاومة في لبنان، لا بل يزايد احيانا على حزب الله في بلاغة تعريف وتحديد دور المقاومة اللبنانية، وهي المقاومة التي كان لليبيا اليد الاولى والطولى في اشعال أوارها يوم لم يكن حزب الله قد شهد مخاض ولادته بعد، ففي ذلك الحين كانت هذه المقاومة عروبية المنحى والخطاب والتسمية والدعم. لذلك لا يختلف اثنان حول حقيقة احتضان ليبيا لبدايات توجه الامام موسى الصدر، على اساس مناداته بخيار المقاومة. وما الاتهام المستمر من حركة امل لليبيا بالوقوف وراء اختفاء موسى الصدر لكونه كان متواجدا في ليبيا قبل اختفائه، الا دليلا مضافا على دعم ليبيا له، والا ماذا جاء يفعل "بــ" ليبيا!
      لكن من المتوقع ان يشتد الجدل بشأن الموقف العربي من حزب الله في كواليس القمة خصوصا بعد وقوفه الصريح الى جانب حركة امل ونبيه بري، في تهديد الواقع اللبناني بالتغييرين السياسي والميداني، في حال مشاركة لبنان في قمة ليبيا. ان هذا الموقف الواضح والاكثر من تضامني من حزب الله مع حركة امل، سيكون حاضرا في الحسابات الليبية، التي تعطي ليبيا حقا مشروعا في مراجعة خطابها تجاه حزب الله الذي وافق ايضا وبشكل ضمني مع ما نطق به رئيس المجلس الاسلامي الشيعي الاعلى عبد الامير قبلان، بأن "ليبيا بلد عدو". ان كل ذلك، سيضع سوريا في موقف حرج امام حليفتها ليبيا اولا والسعودية ودول الاعتدال العربي ثانيا. فهل ستتعهد سوريا بضبط مضاربات نبيه بري في بورصة الصدر وافهام حزب الله، ان ليبيا خط احمر، وهي تستطيع فرض ذلك، فيكون هذا الضبط وذلك الافهام في صالح اسراتيجية عربية مطلوبة من قمة سرت، ام ان دمشق ستستمر في اعتناق الحياد السلبي منهجا في هذا الملف، الامر الذي قد يهدد اي اتفاق عربي على مثل هكذا استراتيجية؟
      واذا  ما كان الخيار الثاني هو الواقع، فان ذلك يعطي الزعيم الليبي مطلق الحق في اسقاط نظرية التفريق بين الجهاد والارهاب على الواقع اللبناني. ذلك ان حزب الله بتضامنه مع بري، يكون قد اعلن بكل صراحة ووضوح انه يشتغل سياسة لا مقاومة، لان السياسي غلب على الديني في مقاربته لمسألة هي سياسية بامتياز.
                                                                            علي شندب

القدس تثأر لبغـداد


معن بشور

قيل الكثير والكثير في الهبة الشعبية الفلسطينية التي تشهدها أحياء القدس، وباحات المسجد الأقصى منذ أيام، خصوصاً بعد إعلان العدو الصهيوني عن افتتاح "كنيس الخراب" الملاصق للمسجد الأقصى تمهيداً لتقسيم المسجد فهدمه.
فلقد قيل إن الهبة الشعبية الفلسطينية تلامس انتفاضة ثالثة، وقيل إن جيلاً جديداً من شباب فلسطين وفتيتها الميامين قد دخل المعركة ضد المحتل الذي راهن، بل وسعى إلى إلغاء الذاكرة الوطنية الفلسطينية، فإذا به يواجه جيلاً جديداً يستعيد روح انتفاضة الحجارة وانتفاضة الأقصى فيؤكد أنه إذا كانت قيادات تتعب، وأجيال تتعب، فإن الشعوب لا تتعب بل هي تتجدد باستمرار مع تجدد الأجيال فيها.
وقيل أيضاً إنه إذا كان الصهاينة يحتفلون بافتتاح كنيس صهيوني في القدس، فإن الفلسطينيين يعلنون في انتفاضتهم إغلاق مرحلة من الرهانات والسياسات والتسويات وقع أسرَها كثيرون في فلسطين وخارجها منذ كامب ديفيد إلى أوسلو إلى وادي عربة.
وقيل أيضاً إن هذه الهبّة قد أكدت أن كل قيود الاحتلال، والمتعاونين مع الاحتلال، وإجراءات دايتون والتنسيق الأمني الذي يشرف عليه، لا يمكن أن تصمد أمام إرادة الشعوب وحركة التاريخ.
وقيل أيضاً إن النظام الرسمي العربي عشية انعقاد القمة بعد أيام سيقف محرجاً أمام الحقيقة الساطعة التي تطل من فلسطين، سواء تلك التي تكشف نوايا العدو العدوانية أو التي تُبرز إرادة الشعب الفلسطيني، فإما أن تخرج عن القمة قرارات شجاعة تحمل مراجعة لسياسات وتسويات واتفاقات ومبادرات وتنطوي على اعتماد استراتيجيات جديدة أبرزها التضامن والمقاومة والممانعة وتوجيه البوصلة باتجاه العدو الرئيسي للأمة وهو العدو الصهيوني، وإما أن يسقط هذا النظام من جديد في خانة العجز والتخاذل والتواطؤ مع العدو؛ فأمام معركة القدس وانتفاضة فلسطين لا مجال للتشاطر أو التحايل او التلاعب ، فإما أن نكون مع القدس وأهل فلسطين، وإما أن نكون في خدمة الأعداء ومخططاتهم.
ولكن ما يجب أن يقال أيضاً، إن القدس اليوم، ومعها كل فلسطين، تثأر لبغداد، ولكل العراق، في الذكرى السابعة لغزو العراق واحتلاله وتدمير بناه ودولته وجيشه واجتثاث قواه الحيّة.
فالعراق دفع، وما زال، منذ سنوات، ثمن موقف شعبه وقيادته المدافعة عن فلسطين وحقوقها، والقدس ومقدساتها، والشهداء وذويهم، بل بات واضحاً أن الحرب على العراق والحصار على شعبه منذ بداية التسعينات في القرن الماضي وصولاً إلى حرب 2003، كانا في جانب كبير منهما حرباً إسرائيلية بأدوات أمريكية وبريطانية وأجنبية، تماما مثلما التحريض اليوم على إيران هو أساساً تحريض صهيوني يسعى لتوريط واشنطن في حرب جديدة ومستنقع جديد، بعد العراق وأفغانستان؛ بل تماما كما كانت الحرب على لبنان عام 2006 في منطلقاتها حرباً أمريكية بأدوات صهيونية.
 وأفضل ما نفعله لأهلنا في فلسطين، كما في العراق، كما في كل بلد عربي أو إسلامي يتعرض للاحتلال والعدوان، هو أن نتذكر أن المعركة واحدة على امتداد الأمة وصولاً إلى كل أرجاء العالم، وأن نسقط كل محاولات الفصل بين مقاومة هنا ومقاومة هناك، بين قضية عادلة في هذا البلد وقضية عادلة في بلد آخر، فنغرق في تغليب اعتبارات صغيرة على المعركة الكبيرة وإعلاء التناقضات الثانوية على التناقضات الرئيسية، وتحريك العصبيات العابرة على الروابط الثابتة.
فالاحتلال في القدس وبغداد، كما في الجولان ومزارع شبعا، والمقاومة واحدة... ومثلما يربك أهل فلسطين اليوم الاحتلال الصهيوني وحلفاءه فيفتحون لإخوانهم في العراق ولبنان وسوريا آفاق التحرر من الاحتلال، أمريكياً كان أم إسرائيلياً، فلقد أدى الفعل المقاوم في العراق إلى تعثر المشروع الإمبراطوري الأمريكي وارتباك أصحابه من المحافظين الجدد، وبالتالي إلى خسارة المحتل الصهيوني لواحد من أهم ركائز مساندته ودعمه

تنازل بلا إعلان


سوسن البرغوتي

وسط  ازدحام الملفات الشائكة وتداخلها وفي حومة مواجهات واشتباكات في الضفة والقدس المحتلة، وغارات على القطاع المحاصر بمساهمة وتواطؤ عربي رسمي ودولي مفضوح، وبعد إعلان سقوط مشروع ما يُسمى حل الدولتين، يهرع كبير المفاوضين مجدداً بالاستجداء ودعم بيان اللجنة الرباعية، مع التأكيد دائماً وأبداً، أنها تمثل الدول الاستعمارية بالإضافة إلى روسيا وعراب الأمم المتحدة المهيمن عليها أمريكياً، والمجمعين على نقاط رئيسة:
 - وقف "الاستيطان" في الضفة والقدس إلى حيث وصل، وهنا نعيد السؤال نفسه، ما الذي بقي حتى إن توقف البناء؟، ولحين إلزام "إسرائيل" – ولن يحدث- تكون قد التهمت ما بقي من أراضٍ فلسطينية.
- استئناف المفاوضات من نقطة الصفر، دون شروط، أي ما تم تنفيذه من قبل السلطة متفق وموافق عليه. على الرغم من تهويد القدس بالكامل، وبناء "الخراب" والشروع  ببناء كنس يهودية أخرى، وضم الحرم الإبراهيمي ومسجد بلال بن رباح، وازدياد مشاريع توسع المستعمرات، إلا أن سلطة رام الله ما زالت تراهن على أمل معالجة الفالج الذي أصابها، وكأن بيان الرباعية ثورة أو انقلاب على ذات المفاهيم والممارسات الاستعمارية.
- مطالبة اللجنة بتوقف "إسرائيل" عن القيام بأعمال هدم وطرد من القدس الشرقية، يعني بقاء الأمور على ما هي عليه، وغض الطرف عن التوسع والبناء في المستعمرات (غير الشرعية) أما الشرعية الكبرى - حسب التفاهمات- فقد حُسم أمرها، لصالح (الدولة اليهودية)، والمطلوب شرط الاعتراف بها من قبل المفاوض الفلسطيني.
- موافقة امتناع الصهاينة الإعلان عن القرارات حول البناء، يدعو إلى السخرية مما آلت عليه أمور وحال المفاوض الفلسطيني، والدهاء "الإسرائيلي" المكشوف، فالأقوال أمر والأفعال على الأرض هي نفسها المعتمدة داخل الأرض المحتلة عام 1948، بمعنى أوضح، تغطية إعلامية لتسويغ بث روح الحياة إلى مفاوضات تتنازل أكثر بلا إعلان.
- اللجنة الرباعية طالبت بوقف "الاستيطان"، ولم تدن تهويد القدس وأفعال الاحتلال في قتل واغتيال الفلسطينيين، ولم تفرض على "إسرائيل" عقوبات إجرائية، حيال القتل والهدم اليومي.
- حقن ما يسمى العملية السلمية، جرعة مخدرة لإنعاش السلطة، كإزالة بعض الحواجز وإعطاء الأجهزة الأمنية (شرف) الإشراف على مناطق جديدة على الأرض الفلسطينية المحتلة.
- دولة الإدارة المحلية المرتبطة عضوياً بـ"إسرائيل"، لا يتسنى الشروع في تطبيقها، إلا برفع الحصار عن القطاع، وإطلاق سراح أسرى، والمصالحة لتشكيل حكومة واحدة في أراضٍ فلسطينية.
إن توفرت تلك العناصر، تكون الرباعية والسلطة و"إسرائيل" وعرب التطبيع، قد اجتازوا معضلة تعيق تلك الدولة، ليُستكمل لاحقاً انضمام الأردن إلى الدولة المغلفة بغلاف (كونفدرالية الأراضي المقدسة)، وهو ما ترجحه الإدارة الأمريكية وتعطي ما يُسمى بالنخب الفلسطينية- الأردنية و"الإسرائيلية" الدفع والدعم لهذا الحل. لذلك التحضير لها جارٍ، دون أي عوائق تُذكر، خاصة أن سحب الجنسية الأردنية من الفلسطينيين بالتدريج قد بدأ فعلاً، وتثبيت فك الارتباط مع الضفة، يعطي مؤشراً واضحاً، على ترجيح الدولة الإدارية للفلسطينيين في الضفة والقطاع، المنزوعة السيادة والقرار، والضلعان الفلسطيني والأردني تلتقي مصالحهما مع رأس المثلث وصناع القرار في "تل أبيب".
- الاعتراف الرسمي عربياً ودولياً بسلطة رام الله ورئيسها، وأجهزتها الأمنية التابعة لقيادة دايتون، وعباس كرئيس المنظمة، الذي اُنتخب بالتزكية في مؤتمر بيت لحم الأخير، المخولين بتقرير مصير الشعب الفلسطيني كله.
- فلسطين الداخل، حُسمت لصالح "دولة إسرائيل"، ومساعي عربية رسمية ودولية، لإيجاد (حل عادل) للاجئين فيما بعد، فلم يعد المطروح احتلال وسرقة أرض وطرد أكثر من نصف الشعب الفلسطيني، بل الموضوع على الطاولة ما سبق ذكره، تأكيداً على إحدى مقولات نتينياهو السابقة وما يروج له كل قادتهم بلا استثناء، بأن (الشعب الفلسطيني خُلق فجأة بعد حرب 1967)، على اعتبار أن فلسطين كانت أرضاً بلا شعب!.
- استمرار عملية تضليل وخداع الشعب الفلسطيني، بأن تلك المفاوضات غير المباشرة، ستفضي إلى أخرى مباشرة وصولاً إلى اتفاق نهائي، ولكن حول ماذا، وإلى أين؟
 عند قراءة الاتفاقيات والتفاهمات (الفلسطينية- الإسرائيلية) بشكل عام، نجد أن أهم الملفات العالقة جرى تأجيلها عن عمد بهدف إسقاطها لاحقاً، لنخلص إلى ما نراه على أرض الواقع. فلا وضع القدس مدمج بالاتفاقيات، ولا حق العودة ولا حدود (الدولتين)، وصلاحيات دولة إدارة شؤون الناس اليومية، مقيدة بسلاسل التوسل والتسول من الدول المناحة، والتحكم "الإسرائيلي" المطلق، أقصى ما تستطيع السلطة الحصول عليه. يزيدهم العشم بوعد أوباما المؤجل، الذي لا يختلف عن سلفه بوش، بمنحهم امتيازات محلية أخرى في غضون سنتين أو أكثر. معنى ذلك إعطاء الاحتلال والإدارة الأمريكية مهلة تهدئة مريحة لهما، حتى يتخلصوا من ملفات أكثر تعقيداً من تلك التسوية مع رهط أبى إلا أن يشارك في تصفية القضية الفلسطينية. فضلاً عن مراهنة السلطة بإسقاط حكومة نيتنياهو (المتطرفة)، وكأن ما سبقها أو ما سيليها، سيكون أكثر رأفة وتعاطفاً وقبولاً للسلام مع الفلسطينيين، ليعم الاستقرار والأمن وفق برنامج الانتحار على عتبات الإنعاش الاقتصادي.
 إن التهويد المستعر لاغتيال فلسطين العربية وهدم الأقصى المبارك على مرأى من العالم، يسمح لـ"إسرائيل" الزحف نحو استباحة المزيد من بلاد ودماء الشعب في الوطن العربي، ويتيح فرصة تعبيد طرق التفافية مشوهة تنزع فلسطين من محيطها العربي، لتصبح مشاعاً لمن هبّ ودبّ، وسنغافورا الثانية بلا هوية ولا ثقافة معرّفة، محمولة بشعار الديمقراطية.. فلتذهب هذه الديمقراطية إلى الجحيم، لأن التحرير قبل هيكلة دولة، ومن لا يحسن استرجاع حقه وأرضه وطرد الغزاة، فلن يفلح بخوض تجارب تخريبية، تزيدنا تيهاً وضياع بوصلة التحرير لعقدين آخرين.
 يقابل خطة المشروع الإداري للضفة والقطاع والدولة الكونفدرالية، إرهاصات انتفاضة في الضفة والقدس ضد الاحتلال، فإن تصاعدت  بشكل ممنهج قابل للاستمرارية، ستشمل الهبّة السلطة وأجهزة دايتون، وستعطي دفعاً قوياً لتحركات وطنية خارج الأرض المحتلة، لاستعادة المنظمة وإعادة بنائها على أسس وقواعد التحرير، أو إعلان موتها، خاصة أن العالم  لم يعد يعترف بها وما هي إلا شماعة لتمرير مزيد من التنازلات، فلماذا علينا الإمساك بها وهي على هذا النحو؟!، وإن استشعرت الدولة الأردنية الخطر المحدق بها، فإن أقل ما يمكن فعله، دعم المقاومة بلا إعلان.
 إن حروب الإنابة عن "إسرائيل" وأمريكا، يجب أن تنتهي واستخدام الأنظمة العربية مطية لأطماعهم، ينبغي أن يتوقف، وأن تلتفت الرؤوس العربية الحاكمة إلى مواجهة، حفاظاً على ما تبقى من السيادة والأمن الوطني لبلدانهم، فكلما مدوا أياديهم للسلام المزعوم، بترها العدو، وكلما منحت "الشرعية الدولية" السلطة الحياة بعملية تنفس اصطناعي، تأتي صفعة أخرى من حيث لا يحتسبون.
هذه السلطة لا خيار لها إلا "الشراكة" حتى النهاية، وقد باتت خطرة على الجوار العربي كما كانت وما زالت بالغة الخطورة على الشعب والقضية الفلسطينية، ولا حل إلا بسحب المبادرة العربية، وإسقاط السلطة، وتشكيل حكومة بلديات وطنية، تسير الأمور الحياتية اليومية، واستلام قيادة المقاومة المسلحة زمام الأمور حتى تحرير كل الأرض الفلسطينية.
وسيبقى القطاع محرراً بصمود الشعب والمقاومة، ولا بد أن يأتي يوم قريب يُكسر فيه الحصار بوسائل وطرق عدة، وتستمر المقاومة وصولاً إلى التحرير الشامل.

"الديمقراطية" إذ تخطت الأربعين


رجب ابو سرية
كان لانطلاقة الجبهة الديمقراطية قبل واحد واربعين عاماً دورٌ في خلق صلة الوصل بين الفصائل الفلسطينية، خاصة تلك التي تشكلت قبلها، ومع مرور الوقت، ورغم ان فصيلاً أساسياً (الجبهة الشعبية) نظر اليها على اعتبار انها كانت حالة انشطارية عنها وهذا خطأ معلوم، الشعبية ائتلاف رباعي (جناحي حركة القوميين العرب من 1963: الجناح اليساري الديمقراطي، والأخر الوطني، جبهة التحرير الفلسطينية التي غادرت الائتلاف باسم الشعبية القيادة العامة عام 1968، منظمة فلسطين العربية التي غادرت الائتلاف وانضمت إلى فتح عام 1971 برئاسة العقيد أحمد زعرور ضابط متقاعد من الجيش الأردني)، اتضح الدور الوطني لـ"الديمقراطية" في اغناء الحالة الوطنية من زاويتين، الاولى خلق صلة ما بين الطابع العملي لحركة فتح والاخلاقيات السياسية المشتركة بين "الديمقراطية" و"الشعبية"، ثم اضافة القيم الديمقراطية، خاصة على الصعيد التنظيمي للتراث الفصائلي برمته.
تعمق مع ظهور الجبهة الديمقراطية، التي لم تسقط من السماء، كون قيادتها وكادرها خرج من عباءة التيار اليساري في حركة القوميين العرب والذي استقل في الاقطار العربية باسماء وبرامج أخرى في كل قطر (حركة القوميين العرب/ محمد جمال باروت/ المركز العربي للدراسات الاستراتيجية/ دمشق، وكتاب حركة القوميين العرب/سهير التل/عمان/الأردن)، والتي كانت قد تحولت بدورها بحركة القوميين العرب - التنظيم الفلسطيني، مفهوم البندقية المسيسّة، وظهر ذلك بقوة بعد أعوام قليلة على اعلان الجبهة الديمقراطية، حين تبنّت برنامج النقاط العشر، الذي تحول إلى برنامج سياسي لـ م.ت.ف.
الآن وبعد ان تخطت الجبهة الديمقراطية الاربعين عاماً من عمرها، تواجه الجبهة ومعها مجموع المفكرين السياسيين والمثقفين الفلسطينيين اسئلة عديدة، تدخل إلى عمق العمل السياسي الفلسطيني، لعل أهمها السبب الذي ما زال يحول دون ان تتحول الجبهة الديمقراطية ومجمل قوى اليسار الفلسطيني إلى قوة أولى قائدة، وتحويل تلك القيم إلى نظام عام، خاصة بعد ان تولت الفصائل منذ خمسة عشر عاماً مسؤولية ادارة نصف الشعب الفلسطيني - موضوع الدولة تحت الاحتلال - في الضفة الغربية وقطاع غزة.
من يسعى إلى استحضار المبررات، سيجد مخرجاً له يعفيه من القيام بمراجعة التجربة، واخفاقاتها، لكن من يتحرر من إرث الماضي، حتى بحضوره البهي في جوانبه المشرقة، يمكنه بكل بساطة ان يصل إلى نتيجة مفادها ان "ثورة" داخلية باتت مطلوبة ويحتاجها الشعب الفلسطيني لينطلق مجدداً، آخذاً بعين الاعتبار التحولات الكونية/ الاقليمية/ وحتى الداخلية، بعد ان اجترح الشعب الفلسطيني انتفاضتين متتاليتين، كانت أولاهما في غاية الأهمية، دون ان يحقق أهدافاً ذات أهمية، في مقدمتها - الهدف الذي وضعته الانتفاضة موضع التنفيذ، بعد ان حددت ملامحه السياسية مبكراً مبادرة الجبهة الديمقراطية - نقصد- اقامة الدولة في الضفة وغزة، استناداً إلى برنامج النقاط العشر، واعلان الاستقلال العام 1988م.
لعل عدم قدرة اليسار، ومنه الجبهة الديمقراطية، على وقف التدهور السياسي الفلسطيني العام، خاصة في جوانب العلاقات الداخلية، بين الفصائل، وفي مجمل النظام السياسي، الذي تراجع في درجة عمله الجماعي، ومستوى الرقابة، يظهر حجم المأزق الذي تعاني منه الفصائل مجتمعة والذي أدخلت فيه الشعب الفلسطيني وقضيته الوطنية، وصولاً إلى حالة الانقسام المدمرة الراهنة.
على مدار عقدين مضيا، لم تتقدم القوى الديمقراطية، ان لم تكن قد تراجعت، وبات المشروع الوطني رهناً للتجاذب بين قوة وطنية وأخرى أصولية، وضعت حداً للتقدم بالمشروع إلى الأمام، وفق نظام الشراكة، وهكذا فانه يمكن القول بأن الشعب الفلسطيني ربما بات بحاجة إلى انطلاقة سياسية جديدة، تفرض تحولاً جذرياً على النطاق الوطني، يكرس الديمقراطية الشعبية بآفاقها العصرية، ولعل في مقدمة ذلك، ظهور إرهاصات الحديث عن كيفية فرض التحول والتغيير على هذه الفصائل، من خارجها، أي من الوسط الشعبي، وبقوة التطور المجتمعي، دون انتظار التغير من داخل هذه الفصائل الذي لم يأت على مدار السنين.
بالمعنى النسبي يمكن استحضار مواقف الجبهة الديمقراطية المشرقة، كذلك كل التضحيات التي قدمتها الفصائل مجتمعة، لكن في الواقع الراهن، لا بد من القول بأن مجموع الفصائل بات يشكل بوضعه الحالي حجر عثرة أمام تطلعات الفلسطينيين للتقدم على طريق الحرية والاستقلال.
لذلك بات من الضروري فتح أبواب هذه الفصائل، ووضعها على طاولة المساءلة والمحاسبة، ذلك انه لا بد من القول بأن الديمقراطية الفلسطينية لا يمكن ان تتقدم، دون اخضاع الفصائل للمساءلة الشعبية، أي دون وجود قانون أحزاب تخضع له في علاقاتها الداخلية وفيما بينها، ويحكم ويحدد الضوابط لاتصالاتها وعلاقاتها الخارجية.
من البداية لا بد من التساؤل، ان كان يمكن للفلسطينيين ان ينجحوا في اقامة نظام ديمقراطي/ انتخابي، في ظل وجود أحزاب مسلحة، سرعان ما تفرض مواقفها على خصومها بالقوة - كما حدث في الحسم العسكري العام 2007-. ثم كيف يمكن ان تخضع الفصائل وهي القوة السياسية الاساسية التي تقرر مصير الفلسطينيين، دون ان يراقب الشعب عملها، أداءها، وعلاقاتها الداخلية والخارجية، وفي مقدمة ذلك تمويلها وبرامجها، حيث لا أحد من المواطنين - أي الشعب لا يعلم من أين تمول الفصائل، وإلى أين تذهب الأموال التي تحولها لها قوى اقليمية وخارجية، بذلك لا يمكن ان يجد الفلسطينيون طريقهم إلى الحرية في ظل سيطرة فصائل خارج دائرة الرقابة والمحاسبة الشعبية، كذلك لا يمكن توقع ان يقبل النظام العالمي ولا حتى الاقليمي إقامة دولة مستقلة دون ان تكون ديمقراطية وحديثة، لذلك فانه من المستبعد اعلان الدولة في ظل الوجود الحالي للفصائل، ما لم يعلن عن قانون احزاب يخضعها لمساءلة القانون ومحاسبة الشعب، حفاظاً على النظام العام، الذي لا بد له ان يكون ديمقراطياً بالفعل، وليس بالقول فقط.


رئاسة الجمهورية الخطأ المبني على خطأ


صباح علي الشاهر
 طلب نائب الرئيس العراقي السيد طارق الهاشمي أن يكون رئيس الجمهورية عربياً ، وبرر مطالبته هذه بكون العراق بلد عربي، وأضاف في تصريحه لقناة الجزيرة أن هذه المطالبة تأتي ( في باب تسمية الأمور بمسمياتها الصحيحة، ووضع النقاط على الحروف ) مشيراً إلى أن تولي شخصية عربية رئاسة العراق جزء من خلاصة وعودته إلى حضنه العربي .
ومعنى هذا الكلام أنه إذا لم يكن الرئيس العراقي عربي القومية فإن لا خلاص له ، إي أنه يظل في الدوامة التي هو فيها، أليس في هذا القول إقرار بأن للدول العربية يد في الحالة الكارثية العراقية، وهل وضع شخصية عربية في موقع رئاسة بروتوكولية مهماً إلى هذا الحد، بحيث أن الدول العربية لا تسعى إلى خلاص العراق من كارثته إلا إذا كان رئيسه عربي القومية، كما أنها سوف  لن تعيده إلى حضنها الدافيء.
أي تسويق مهلهل لهدف ليس موارباً بما فيه الكفاية يعبر عنه مثل هذا القول ؟
مثل هذه التبريرات والأقاويل مخطوءة جملة وتفصيلاً ، فليس كل عربي عروبي النزعة والهوى، وليس كل غير عربي معاد لهذه  الأمة .
ثمة عرب أقحاح، بعضهم ينتسب لقريش ، وبعضهم علوي، والآخر مثل السيد النائب هاشمي النسب، لكنهم لا يريدون الإرتباط بهذه الأمة، وأغلبهم لا يكتفون بالموقف السلبي، بل يعملون وبالإرتباط بإعداء العرب على إضعاف العرب  وتهميشهم ، وتعزيز الإرتباط  بالأبعد ، وربما بالأشد عداوة لهذه الأمه .
كيف يسوّغ عراقي لنفسه أن يقر بمعادلة مفادها أن العراق سوف لن يعود إلى حضنه العربي إذا كان رئيسه كردياً أو تركمانياً أو آشورياً أو كلدانيا ، أو أي عراقي غير عربي، أليس هذا شطط ما بعده شطط؟!
العراق قبل أن يكون للعرب، هو للعراقين أولاً، وهذه حقيقة من دونها لن تقوم للعراق قائمة .
العراق للعراقيين أولاً وللعرب ثانياً، وأي قلب لطرفي المعادلة لن يكون عملاً بريئاً، وفي أحسن الأحوال سيكون تقديراً سيئاً وخاطئاً .
العراق عربي، كان وما زال وسيبقى كذلك ، لكن الدستور الذي أسهم في صياغته وإقراره السيد النائب لا يشير إلى هذه الحقيقة الجلية الواضحه .
 ليس هذا فقط بل أنه وصف كل شيء وفصل في كل شيء، لكنه لم يذكر عروبة العراق ولا مرّة واحدة في حين ذكر كردستان وكردستانية الأقليم عشرات المرات!
كل ما قاله الدستور عن علاقة العراق بأمته أن العراق عضو مؤسس لجامعة الدول العربية، علماً بأن العراق عضو مؤسس أيضاً لللأمم المتحدة، وعضو مؤسس للدول المصدرة للنفط (أوبك) وكذلك (أوابك) !! ، وكونه عضوا مؤسساً في أي منظمة أو مؤسسة ليس توصيفاً لهوية البلد، وإنما مؤشراً على نشاطه أو حيويته أو ريادته في هذه المنظمة أو تلك،
 ولست أدري حتى هذه اللحظة ما الذي منع السادة الذين صاغوا الدستور بتحديد هوية العراق ، ماذا يضرهم لو ذكروا أن العراق جزءاً من الوطن العربي إذا كانوا يستثقلون القول جزء من الأمة العربية !
صفة العراق وأنتماؤه لا يحددهما منصب الرئيس البروتوكولي ، وإنما العراق هو الذي يحدد صفة الرئيس كائن من كان هذا الرئيس بإعتباره رئيساً لبلد عربي تجاهل ساسة العملية السياسية عروبته ، ولم يذكروها في أهم وثيقة ألا وهي الدستور .
 دستور العملية السياسية لا ينص لا صراحة ولا تلميحاً على قومية رئيس الجمهورية أو رئيس الوزراء أو رئيس البرلمان، لذا فدستورياً ووطنياً من حق أي عراقي يختاره العراقيون عن طريق الإنتخاب الحر أن يكون رئيسا لجمهورية هذا البلد أو رئيساً لوزرائه، بعيداً عن مزايدات البعض، وشوفينة البعض وعنصرية البعض .  
وأغرب من تصريحات السيد نائب الرئيس تصريح السيد فتاح الشيخ الذي لقب نفسه بالناطق الإعلامي بأسم العراقية عندما قال ( أن منصب رئيس الجمهورية حق مشروع للأكراد) !!
لماذا حق مشروع ؟ ومن شرّع هذا الحق ؟ من جعل هذا الحق وقفاً على الكرد ؟ لماذا لا يكون للعرب أو التركمان؟ وعلى أي شيء يستند فتاح الشيخ في قوله هذا .
 أعلى الدستور أو على خيارات الشعب ؟ والدستور لم ينص على مثل هذا الحق والشعب لم يقرر أن من يمثله في رئاسة الجمهورية الكرد حصراً .
لقد إستلم مام جلال الرئاسة نتيجة صفقة تقاسم طائفي وأثني .
كانت الصفقة مرهونة بوقتها ، وليس من مصلحة العراق أن يشرعن التقاسم الطائفي والعنصري للمراكز العليا ، ولا لوزارات ومؤسسات الدولة .
الواجب الوطني يقتضي مغادرة هذه المحطة من دونما عودة . من حق الأكراد ومن خلال ممثليهم المشاركة في حكم البلد ، ولكن ليس من حقهم إحتكار منصب رئيس الجمهورية،  ولا أي منصب آخر، ومن حق الشيعة والسنة المشاركة في إدارة الدولة، من أبسط مرفق حيوي إلى أعلاه، ولكن ليس من حق أي منهم أن يحتكر رئاسة الوزراء أو رئاسة البرلمان ، أو أي منصب آخر .
لو كانت الحال في العراق سليمة وصحية .... لم يشوه الحراك السياسي ، بما سُمي بالعملية السياسية ، تلك العملية الملغومة من ألفها إلى يائها بألغام قابلة للتفجر في كل حين .
لو أن الأحزاب  تتشكل على أسس الوطنية ، لا الطائفية أو العنصرية .
 لو أن لدينا أحزاب برامج محدده ، يسارية ويمنية ، ليبرالية وتقليدية ، تضم كل الناس من مختلف الطوائف والأديان والقوميات ، فإنه عندئذ لا يهم من سيحكم ، طالما جاء عن طريق صناديق الإنتخابات .
 سينظر الناس إلى البرنامج الذي إنتخبوه ، والذي عبر عنه هذا الشخص المُسمى الذي سيستلم مهام رئيس الجمهورية أو رئيس الوزراء أو رئيس مجلس النواب ، بغض النظر عن قوميته أو طائفته أو دينه .
أما وأن الأحزاب مبنية على اسس مذهبية وعنصرية، أما وأن الإنتخابات تجري وفق معايير الإنتماء الطائفي والعرقي، وطالما أن معايير الوطنية ملغاة من فهم وتعامل هذه القوى المتصارعة على المناصب فإن من حق الناس الذين يشكلون أغلبية الشعب أن يكون الرئيس منهم ، وإلا فإن منصب الرئيس يكون مسروقاً قسراً من الأغلبية، إذا كيف يكون رئيساً للبلاد من لو إحتكم إلى إستفتاء فإنه بالكاد سيحصل على 15 % من أصوات الشعب ، هذا إذا كان الشعب الكردي قد صوت بأجمعه إلى جانبه ؟
أليس في هذا غبن إلى الـ 85% الباقية ؟
غادروا أحزابكم الطائفية والعنصرية ....لوا تنظيماتكم الوطنية، وسيكون العراق كله لكم ، وعندها سنقول ، وبصوت عال : أهلاً برئيسنا العراقي الكردي ، ورئيس وزرائنا العراقي  التركماني ، ورئيس برلماننا العراقي الآشوري .