الاثنين، 22 مارس 2010

القذافي مزق ميثاق الامم المتحدة... ماذا سيفعل بميثاق الجامعة العربية؟




بقلم : علي شندب

      فعل القذافي ما لم يتجرأ ان يفعله، عبر  العالم، كل العالم، اي قائد او رئيس او زعيم دولي وعالمي قبله. فعلها القذافي، فمزق ميثاق الامم المتحدة، في عقر دارها، في الجمعية العامة التي تمثل مئة وواحد وتسعين دولة.
      في  الاصداء العربية، قـُـرأ تمزيق القذافي لهذا الميثاق بلسان التحدي والرجولة المنبثقة والمنبعثة من القيم والمبادئ العربية العريقة. أما في الاصداء الدولية عموما، فعملية التمزيق هذه أكدت للجميع ان هذا الرجل لم يستطع حتى الآن، ورغم تبدل التوازنات والمعادلات الدولية، ان يخلع عباءة التمرد والثورة، فهو معها وجهان لعملة واحدة.
      واذا  ما تركنا هذه الاصداء جانبا، ووضعنا سلوك القذافي "التمزيقي" في الاطار الاستراتيجي، بإعتباره الاطار الوحيد الذي يحدد ويعرف سلوك الدول وتوجهاتها، لكان علينا اعتناق الموضوعية المبنية على الفهم الواقعي لمسارات العلاقات الدولية وحالة التوازن الدولي الذي مزق القذافي ميثاق الامم المتحدة في ظله، فالزعيم الليبي الذي أكثر من يعرف ويجيد اقتناص وتخصيب المناسبات، كان بإمكانه القيام بما قام به في "جامعة العالم الدولي" اي "الامم المتحدة" دون ان يذهب اليها. وفي هذا الافتراض رد على من يقول انه انتظر الذهاب الى الامم المتحدة ليفعل ما فعل، لأن هذا القول يلغي المعاني الاستراتيجية لعملية التمزيق. فالحقيقة هي ان القذافي مزق الميثاق في نيويورك، عاصمة القرار الدولي في ارض الولايات المتحدة، وليس في الجمعية العامة للامم المتحدة.
      هكذا فقط، يلتقي الشكل مع المضمون. اما الشكل فهو اميركا، واما المضمون فيتمثل بالاستعمار والهيمنة المعبر عنهما ببنود الميثاق الممزق. وكأن القذافي أراد ان يقول بأن عصر التفرد والاحادية على وشك الافول، ومع أفوله يجب ان تحرق وتمزق كل ادوات الاستبداد والقهر في العالم. وهكذا أكمل القذافي خطوة التمزيق بمعركة ليبيا مع سويسرا والولايات المتحدة، فكانت النتيجة ان خضعت اوروبا الجائعة للنفط الليبي واجبرت اميركا على الاعتذار؛ الاعتذار النابع ليس من الخوف على مصالح شركاتها النفطية في بحار ليبيا، وانما خوفا من اصداء خطاب "سوبر ايديوستراتيجي" وجهه القذافي ضد سويسرا، فتلقفت مقاصده وأبعاده أميركا التي لم تصحو بعد من كابوس الحادي عشر من ايلول. وهنا نجدنا امام سؤالين جد مهمين: لماذا تهكمت واشنطن على خطاب القذافي بمناسبة عيد المولد النبوي الشريف والذي شن فيه "اطروحة جهادية" هجومية ضد سويسرا؟ ولماذا أصرت ليبيا على اعتذار اميركي واضح وصريح؟ والاعتذار حصل!.
      اما الجواب على السؤال الاول، فيبدأ بالقول بأن الخطير في خطاب القذافي في هذه المناسبة الدينية، هو هجومه على الارهاب قبل ان يهجم على سويسرا. بمعنى اخر، ان القذافي بتمييزه بين الارهاب الذي أدانه والجهاد الذي اذاعه وحياه، لكونه واجب وحق ديني، وعلى اعتبار ان الفرق الجوهري بين الارهاب والجهاد، ان الاول ينطلق فقط من اهداف وغايات سياسية في حين ان الثاني ليس له اي صلة بهذه الاهداف والغايات، وانما ينطلق فقط من واجبات دينية سامية وعليا لا تدخلها السياسة لا من قريب ولا من بعيد، قد حصـّن نفسه وحمى خطابه، لكن النتيجة واحدة، وهي التهديد بالعنف المشروع الذي يطلب المسلم الشهادة لأجله. وهو التهديد الحقيقي الذي يخشاه الغرب عامة والولايات المتحدة خاصة. انه التهديد الذي لا يمكن لا للغرب ولا للولايات المتحدة ان ترفع ذريعة "مكافحة الارهاب" لمكافحته، لانها بذلك تقول لاكثر من مليار مسلم "مكافحة الارهاب تعني مكافحة الاسلام"، وهنا المستنقع الخطير الذي سيقع فيه الغرب، لان الارهاب سيرتدي هذه المرة وبقوة عباءة الجهاد. لأجل ذلك، كان على واشنطن الاعتذار لليبيا وقائدها معمر القذافي، ولأجل ذلك كانت ليبيا والقذافي على يقين من حتمية الاعتذار الاميركي، فكان الاعتذار فعلا حتميا.
      لنسقط كل هذا التحليل على قمة سرت العربية المرتقبة بعد ايام، ولنجب معا على سؤالين يلحان في الطرح: هل سيمزق معمر القذافي بوصفه مضيف القمة ورئيسها ميثاق جامعة الدول العربية كما مزق ميثاق الامم المتحدة؟ ثم هل من اسقاطات ومقاربات جديدة وشبيهة يمكن للقائد الليبي ان يطرحها في القمة وعليها، كمقاربته التمييزية بين الارهاب والجهاد؟
      اما المحرض على السؤال الاول فيتمثل بالقرار  الذي اتخذه الزعيم الليبي قبل سنوات  وهاجر بموجبه من المخدع العربي الى الحضن الافريقي الذي استقر فيه وتبنى كل ازماته كقضايا ملحة، ونجح في معالجة الكثير منها. لكن الوضع العربي اليوم، وبالذات منذ اعدام الرئيس العراقي صدام حسين وما نتج عنه من تداعيات دراماتيكية عربية واقليمية ودولية، هو وضع مختلف جذريا عن الوضع العربي السابق. و بكلام اوضح، يمكن الجزم ان القذافي، انما غرد في الفضاء الافريقي، لعلمه الاكيد ان تغريده في الفضاء العربي، في كل الحقبة السابقة سيكون دون صدى، فالسرب في مكان وهو في مكان اخر، ولحقيقة ان التوازن الدولي في تلك المرحلة حيث السيطرة المطلقة للولايات المتحدة على القرار الدولي دون منافس، حقائق لم تكن لتسمح لليبيا بابقاء الصوت عاليا في وجه اميركا، فكان الخيار بالذهاب الى حيث ينقب القطب الصيني الموعود عن مناطق نفوذ ضرورية له في مرحلة تجميع الاوراق.
      اما اليوم، فالتوازنات الدولية والمتغيرات الاقليمية، تشكل ارضية مساعدة وتربة  خصبة، تسمح للجماهيرية وقائدها، بأخذ المبادرة واقتحام الميدان العربي من جديد، لفعل شيىء ما، اقله وكخطوة اولى، ترتيب البيت العربي من جديد، خصوصا بعد نوبة المصالحات العربية العربية، السورية السعودية والليبية السعودية، وهي المصالحات التي لا شك ستثري الجعبة الليبية خلال رئاستها للقمة.
      اذن،  لن يمزق الزعيم الليبي ميثاق الجامعة  العربية، لكنه سيعود الى همومه العربية، وسوف يكون هناك توافق بينه وبين الدول العربية المركزية على اخذ المبادرة من جديد. لكن ما هي مرتكزات نجاح هذه المبادرة، وعن اي مبادرة نتحدث؟
      نتحدث عن مبادرة تعيد العرب لاعبا رئيسا  في مجريات الشرق الاوسط، بعدما اختـُزل اللاعبون بأميركا واسرائيل من جهة، وايران وظلالها من جهة ثانية. مبادرة تنطلق من انجازات المقاومتين العراقية التي هزمت المشروع الاميركي في العراق والمنطقة وعبرهما في العالم، والمقاومة الفلسطينية التي أكدت حقيقة ان اسرائيل لم ولن تستطيع ابتلاع كل فلسطين، بعدما كسرت غزة انياب الحوت الاسرائيلي. مبادرة تنطلق من مصلحة وقدرة حقيقية، أعمدتها ليبيا ومصر وسوريا والسعودية واستطرادا الجزائر وقطر.
      وبما  ان غزو العراق هو من اخرج العرب من دائرة الفعل ليضعهم في دائرة ردة الفعل، فالعراق هو نفسه، قادر وكفيل باعادة العرب الى دائرة الفعل الاوسع. فالنتائج الانقلابية والهستيرية التي عكستها الانتخابات العامة العراقية مؤخرا، انما اخذت على عاتقها دفع عربة الحصان العربي من جديد. فالعراقيون، وخصوصا الشيعة منهم، بطردهم الاحزاب المذهبية، الممثلة خصوصا بالائتلاف الوطني العراقي، والسنة بشكل اخص بتصويتهم لشيعي غير مذهبي، دون ان يتخلوا عن المقاومة، قد أعلنوا عن عراق عربي صاف، داعين العرب الى تلقف الجديد قبل ان يقتل الحصان وتقلب العربة، وهي العربة التي لم يعد من مصلحة واشنطن عرقلة عجلاتها حتى لو لم تركبها. وهي ايضا العربة التي يسير القطار التركي بمحاذاتها لا بل يقتضي وصوله الى المحطة وصولها ايضا الى محطتها ولو بوقت أقل. لكن الوصول الاكيد يحتاج الى جواد عربي اصيل يقوده فارس شجاع شاهرا سيفه البتار.
      وان حصل ذلك، اي اذا اقتحم العرب  بكل قوتهم الميدان العراقي، ودعموا خيارات الشعب العراقي التي عبر  عنها بالمقاومة العسكرية ومن ثم بالمقاومة الانتخابية، فسينعكس ذلك ايجابا وبشكل سريع على القضية الفلسطينية التي تعيش اليوم انتفاضتها الثالثة، وقد يصل الامر الى حد اعادة اللحمة الفتحاوية الحمساوية، برعاية ودعم وتبني عربي صاف ايضا.
      ومما  لا شك فيه، ان هكذا تفاهما عربيا في الملفين  العراقي والفلسطيني، ستكون له انعكاساته المباشرة والسريعة على الملف اللبناني، الذي ما يزال لغاية الآن يشكل فخا لاختلاف عربي معروف، وهو الاختلاف المرتكز على الموقف من حزب الله.
      لكن مقاربة الزعيم الليبي القائلة بحتمية التمييز بين الارهاب والجهاد يمكن ان تكون بمثابة الوصفة الناجعة والشافية لهذا المرض العضال. فالخلاف بين بعض الدول العربية حول حزب الله، هو خلاف قد وصل في بعض الاحيان الى حدود تجاوز المسألة من منطق الخلاف الى منطق الاختلاف الشبيه بالتناقض بين الجهاد والارهاب.
      وبهذا المعنى، فإن الدول العربية  المختلفة حول حزب الله وعليه، انما تنظر اليه بعين مصلحتها الوطنية بشكل عام، وهي نظرة معذورة في ظل انعدام وجود استراتيجية عربية مشتركة تنظر بعين قومية واحدة وتؤطر كل النظرات القطرية المتعددة. فلسوريا اسبابها التي تقودها  للدفاع عن قناعاتها والقول بأن حزب الله هو حركة مقاومة وطنية ضد الاحتلال، كما ان للسعودية ومصر اسبابهما ومخاوفهما التي تدفعهما للقول بان حزب الله ليس الا ذراعا ايرانية في لبنان، وهو في سبيل ذلك يقوم بـ "مغامرات غير محسوبة".
        وربما، ليبيا، ولوحدها، تخرج من هذا الاستثناء، حيث قلما يترك العقيد القذافي مناسبة ذات صلة الا ويشيد فيها بالمقاومة في لبنان، لا بل يزايد احيانا على حزب الله في بلاغة تعريف وتحديد دور المقاومة اللبنانية، وهي المقاومة التي كان لليبيا اليد الاولى والطولى في اشعال أوارها يوم لم يكن حزب الله قد شهد مخاض ولادته بعد، ففي ذلك الحين كانت هذه المقاومة عروبية المنحى والخطاب والتسمية والدعم. لذلك لا يختلف اثنان حول حقيقة احتضان ليبيا لبدايات توجه الامام موسى الصدر، على اساس مناداته بخيار المقاومة. وما الاتهام المستمر من حركة امل لليبيا بالوقوف وراء اختفاء موسى الصدر لكونه كان متواجدا في ليبيا قبل اختفائه، الا دليلا مضافا على دعم ليبيا له، والا ماذا جاء يفعل "بــ" ليبيا!
      لكن من المتوقع ان يشتد الجدل بشأن الموقف العربي من حزب الله في كواليس القمة خصوصا بعد وقوفه الصريح الى جانب حركة امل ونبيه بري، في تهديد الواقع اللبناني بالتغييرين السياسي والميداني، في حال مشاركة لبنان في قمة ليبيا. ان هذا الموقف الواضح والاكثر من تضامني من حزب الله مع حركة امل، سيكون حاضرا في الحسابات الليبية، التي تعطي ليبيا حقا مشروعا في مراجعة خطابها تجاه حزب الله الذي وافق ايضا وبشكل ضمني مع ما نطق به رئيس المجلس الاسلامي الشيعي الاعلى عبد الامير قبلان، بأن "ليبيا بلد عدو". ان كل ذلك، سيضع سوريا في موقف حرج امام حليفتها ليبيا اولا والسعودية ودول الاعتدال العربي ثانيا. فهل ستتعهد سوريا بضبط مضاربات نبيه بري في بورصة الصدر وافهام حزب الله، ان ليبيا خط احمر، وهي تستطيع فرض ذلك، فيكون هذا الضبط وذلك الافهام في صالح اسراتيجية عربية مطلوبة من قمة سرت، ام ان دمشق ستستمر في اعتناق الحياد السلبي منهجا في هذا الملف، الامر الذي قد يهدد اي اتفاق عربي على مثل هكذا استراتيجية؟
      واذا  ما كان الخيار الثاني هو الواقع، فان ذلك يعطي الزعيم الليبي مطلق الحق في اسقاط نظرية التفريق بين الجهاد والارهاب على الواقع اللبناني. ذلك ان حزب الله بتضامنه مع بري، يكون قد اعلن بكل صراحة ووضوح انه يشتغل سياسة لا مقاومة، لان السياسي غلب على الديني في مقاربته لمسألة هي سياسية بامتياز.
                                                                            علي شندب

هناك تعليق واحد:

  1. والله راجل القذافى ده الى كنا مستنينوا من العرب كلهم بس نعمل ايه؟شكرا على الافاده يا استاذ

    ردحذف