الاثنين، 19 أكتوبر 2009

جمال عبدالناصر يحضر مباراة مصر والجزائر

إبراهيم عيسى

كل ما يتمناه المرء أن يظهر جمال عبدالناصر في استاد القاهرة (ذلك الذي كان استاد ناصر قبل أن يطمسوا عن الأماكن وفاءها لصالح نفاقها )، يظهر منهجه العروبي والإسلامي (نعم والإسلامي) في التعامل مع قضية الجزائر يوم جاءه خطاب مطول من البكباشي ثروت عكاشة - ملحقنا العسكري بفرنسا وقتها - يتناول فيه الوضع الحالي للعلاقات الفرنسية المصرية علي ضوء اتصالاته بالعديد من الشخصيات الفرنسية، وأنه ضمن خطابه آراء محددة والتي

لا يمكن أن نحاسب شعبا أو نحكم علي صفات وسمات وأفكار شعب من خلال جماهير كرة القدم، هذا محض تفاهة وفراغة عقل، ومن ثم فالتوتر الحاصل بين مصر والجزائر حول مباراة حاسمة فاصلة في كرة القدم للصعود إلي نهائيات كأس العالم ليس متوقعا لأي من البلدين أن يحققا فيها شيئا أكثر من التمثيل المشرف إنما هو توتر حادث وحاصل بين جمهورين وليس بين شعبين.

فرق كبير شاسع بين الشعب والجمهور

بين المواطن والمشجع

فالشعب يتحول أحيانًا إلي جمهور يملأه الحماس والتعصب وروح المنافسة ومشاعر الانفجار والتنفيث الملتهب ويملأه التوتر الذي يجعله فاقدا للتفكير المتعقل أو النظرة الموضوعية.

هذا مسموح به جدا وطبيعي للغاية في أي بلد ولأي شعب في العالم متحضروه ومتخلفوه.

أنت نفسك (أو أنا كي لا تزعل مني ) تذهب للاستاد وتتفرج علي مباراة وأثناء هذا كله تتحول إلي مشجع مهما كنت وقورا فأنت تزعق وتصرخ وتفرح بهبالة وتغضب؛ لأن الحكم محسبش كورنر وتسب في لاعب لأنه قلش الكرة العرضية، تصرفات وسلوكيات وألفاظ وانفعالات لا يمكن أن تصدر عنك وأنت تجلس وراء مكتبك أو أمام ماكينة المصنع أو مع مريضك في المستشفي أو بين عيالك، من هنا أفهم هذا اللغو الدائر بين همهمات من مصر والجزائر بمناسبة المباراة الموعودة باعتبارها تصدر عن جمهورين وليس عن شعبين، المشكلة هنا عندما يتورط إعلاميون ورياضيون في التصرف كجمهور فيلبخ ويطين الدنيا بينما المطلوب منه أن يحتفظ بالمتفرج اللي جواه عند لحظات المباراة وفقط!

أعرف طبعا أن الكرة ليست بالضرورة تجمع بين الشعوب كما نعرف في قاموسها ونتمني من ممارستها؛ فالكرة بالذات في الوطن العربي شأن أشياء كثيرة في الوطن العربي تتحول إلي ماعزة أحيانا؟

يعني إيه؟

أفكرك بحرب البسوس وهي واحدة من الحروب التي دامت بين قبيلتين من العرب مدة وصلت إلي أربعين عاما شهدت قتلي ومذابح وأرامل وأيتامًا وكان سبب اندلاعها خناقة علي معزة، ماعز صغير أو ربما جدي حسب اختلاف الروايات بين القبيلتين الكرة تتحول هذه الأيام إلي هذا الماعز (أليست مصنوعة من جلد الماعز فعلا؟)، فالكرة علي ما فيها من ترفيه وتسلية وقضاء وقت تحولت إلي مصارعات سياسية وكل طرف يتنابز مع الآخر ويتبادل في صفاقة جاهلة الطعن والتسفيه وحط القدر وضعة المكانة!

مرة أخري أعرف أن التوترات بين الدول حول مباريات كرة القدم أمر ليس غريبا تماما فشيء من هذا شفناه وعرفناه في عالمنا المعاصر، لكن الفارق ضخم كذلك بين كرة القدم حين تتحول إلي مرآة عاكسة للتوتر السياسي وبين كرة القدم مثلما حالنا في مصر والجزائر عندما تكون مفجرا للتوتر الشعبي والسياسي، هنا مناط الاختلال!

> بين إسبانيا وإنجلترا توترات دفينة ومعلنة وتجد لنفسها مساحة علنية أقوي وأعرض في لحظات المواجهات الكروية، فهناك خلاف عميق قديم حول السيطرة علي جبل طارق في البحر الأبيض المتوسط وحفريات عداء لاتزال في تربة القلوب الإنجليزية والإسبانية تنمو وترعرع وتعبر عن نفسها يوم لقاء حاسم بين فريق إنجليزي أو منتخب بريطاني مع فريق أو منتخب إسبانيا، كذلك في فترة الحرب الباردة كانت المباراة التي تجمع ألمانيا الغربية بألمانيا الشرقية (أيام الانفصال) كانت شديدة التوتر والمنتصر فيها كأنه جاب حتة من السماء وكأنها مباراة علي من كان اختياره الأفضل والأحسن بين الرأسمالية والاشتراكية بين الغرب والشرق، كذلك المباريات التي تجمع بين كرواتيا وروسيا حتي الآن تحتفظ برغبة كرواتيا في الانتقام من عصر السيادة الروسوفيتية وشيء من هذا تلقاه بين الروس والأوكرانيين، وفي مباريات الصرب والجبل الأسود أمام كرواتيا، وليس بعيدا عنا أن كل مباراة تجمع بين منتخبي إيران وأمريكا تحظي وتحتفظ بكل التوتر المعشش بين الدولتين، لكن هذه الأمثلة وغيرها هي تعبير عن توتر سياسي يجد مسارا وتنفيثا في كرة القدم، السؤال: كيف ومصر والجزائر بلا أي نوع من التوتر بين الشعبين علي أي نحو لما يأتي هذا التوتر وتتفجر تلك الحساسية ثم يتحول الأمر إلي تنغيص سياسي علي الجزائريين ومعايرة بالموقف المصري المتضامن مع ثورة الجزائر وكلام عيال في موضوعات ناس كبيرة لا يصح أن تدخل طرفا في التنابز بين مشجعي فريقين، ولا يصح أبدا أن نتعامل مع جمهور الجزائر كأنما جمهور الإسماعيلي يكايد في الأهلي أو الألتراس الأهلاوي يلقي شماريخ علي جمهور الزمالك (طبعا جمهور الزمالك يستاهل إيه اللي وداه الماتش وهو عارف إنه ينهزم!)

لكن ما الذي يقوله فريق المصريين المهيج للشعب الجزائري؟

يقول أمرين:

الأول: أن الجزائريين لا يحبون المصريين وأن مبارياتنا معهم يشوبها الشغب والعنف، وأن لاعبيها يلعبون معنا بخشونة وعدوانية.. وطبعاً اللاعبون المصريون ملائكة تمشي علي الأرض ولا تخطئ مثلا.. أو أبداً.

الأمر الثاني: أن الجزائريين ينسون مواقف مصر التي وقفت معهم في نضالهم من أجل الاستقلال وفي مواجهة الاحتلال الفرنسي، وأننا ضحينا من أجل الجزائر وفي الآخر يبقي الثمن كراهية للمصريين ومصر.. وغرام بفرنسا واللغة الفرنسية.

والحقيقة أنه لا حقيقة في هذه الاتهامات المهيجة التي تعبر في صورة منها عن عقدة المصري المضطهد وشعوره بأن العالم يتآمر عليه أو يضطهده من غير ما يعرف هو ولا هم بيحقدوا علينا ليه، أفهم أن الجزائر تحقد علي مصر وصولها لكأس العالم، لو كنا مثل السعودية مثلا نحاول الصعود للمرة الخامسة علي التوالي، أو مثل الكاميرون والسنغال حين حققتا إنجازات ممتازة في كأس العالم، لكن نحن يا حسرة وصلنا مرتين واحدة منهما عام 1934، وكل ما قدمناه هو ضربة جزاء غير صحيحة أحرزنا منها هدفنا الوحيد في تاريخ بطولة مستمرة منذ ثمانين عاما!

لنرد الآن علي ما يقوله المتحمسون للخناق في الحارة مع الإخوة الجزائريين:

أولا: الجزائريون يحبون المصريين وبصدق ولا معني لأي كلام عكس ذلك، فليست مباريات كرة القدم دليلا علي الحب والكراهية، فالحاصل أن الشغب والعنف يخص مباريات كثيرة في دول أكثر بين فرق بلد واحد ومجتمعات واحدة ولو كانت الدنيا تؤخذ بخلافات الكرة لتمزقت دول إلي شيع وكانتونات ودويلات كل منها يرفع علم فريقه بديلا عن علم بلده، أما الخشونة في الملعب فالحقيقة أنها جزء وسمة من طبيعة اللعب الأفريقي والأوروبي الذي لا يعرف اللعب المرئ والميوعة الشهيرة عندنا؛ حيث يتقلب اللاعب في أرض الملعب مصابا كأنما قرصته عقربة ثم يقوم ولا كأن حاجة حصلت، أما خبرة تضييع الوقت فهو ما تلجأ إليه فرق وأندية ومنتخبات، والشاطر من لا يدع فرصة لتضييع الوقت وليس من يتحجج بخمس دقائق وقتًا ضائعاً، ثم إن الجزائر ذلك البلد الصلب القوي المناضل، وهذا الشعب الرائع الصادق المباشر الذي ليس له في اللوع باع ولا بالفهلوة دراية هو من استقبل شيخا مصريا عظيما ووضعه في قلبه وروحه وصار الشيخ الأكبر والأهم والمرجعية الدينية في الجزائر وهو الشيخ محمد الغزالي - رحمه الله -، وكذلك تعامل الشعب الجزائري مع شخصية دينية مصرية عظيمة مثل الشيخ يوسف القرضاوي الذي يتمتع بأكبر مساحة جماهيرية من المحبة والتقدير وأوسع عدد من المريدين والتلامذة في الجزائر. ومن الدين للفن والثقافة حيث محبة الجزائر للثنائي الخالد الشيخ إمام عيسي والشاعر الذي لن يتكرر عمنا أحمد فؤاد نجم اللذين عاشا في الجزائر روحا وجسدا ونجاحا وحبا وفنا يفوق وصف المحبة الجارفة، كما أن فناني مصر من مطربيها وممثليها ونجومها لا يخطو ممثل أو مطرب مترا في الجزائر إلا وأحاطه الجمهور من كل جانب يغمروه بحب منقطع النظير، ولدي كل فنان مصري زار الجزائر في عمل أو في مهرجان أو في فسحة قصة عن جمهور الجزائر وعشقه للفن والفنانين المصريين، أما حفلات مطربينا: أنغام وعلي الحجار وهاني شاكر وإيهاب توفيق وغادة رجب، فيحضرها هناك عشرات الألوف من الجماهير (للمفارقة فالحفلات في الغالب تقام في استادات الكرة حيث نفس الشغب مع الفرق المصرية يناقضه حب مدٍو مع فرق الغناء والمطربين المصريين).

ثانيا: أما معايرة الجزائريين بأن مصر عملت لهم وفعلت، فالغريب أن هذه المعايرة تأتي من أشخاص يدعون لانعزال مصر عن محيطها العربي ويكرهون التواصل والتآزر بيننا وبين الشعوب العربية، ففلسطين فلس وطين، والعرب جرب، والخلايجة بدو، والسعوديون كذا، والكوايتة كذا، ولبنان مش عارف إيه.. ومع ذلك فإن هؤلاء الذين لا يكفون عن دعاوي التخلص من عروبتنا هم أول من يعاير فلسطين واليمن بما فعلته مصر ويتنابز مع الجزائر بما فعلته مصر، ورغم أن هؤلاء في الغالب لا يعرفون بالضبط ما فعلته مصر مع اليمن والجزائر (ودول أفريقيا بالمرة) لكنه كلام سمعوه من مراحل غسيل الدماغ المصرية في السبعينيات حين كانت سموم الإعلام الحكومي ترمي بكل أدرانها علي عروبة مصر والذي أوصلنا الموقف إلي تطبيع رسمي مع إسرائيل وكراهية رسمية للعرب والعروبة، وفي ذات الوقت كان ملايين المصريين يعملون في الجزيرة العربية والخليج العربي والعراق وليبيا، والحقيقة أن مصر فعلت فعلاً الكثير مع الشعوب العربية من أجل تحرر هذه الشعوب واستقلالها، لكن مصر فعلت كدور واجب ومفروض وفرض ديني وعروبي وإنساني عليها ولم تفعل ذلك من أجل إتباعه بالمن والأذي وفعلت ذلك ووجدت من العرب بعدها كل تضامن ومحبة ومشاركة في السراء والضراء، وفي حرب 1973شاركت قوات جزائرية مع الجيش المصري في الحرب ضد الصهاينة لتحرير الأرض وأرسلت دول أخري أسلحة وطائرات ودبابات، فضلا عن استخدام سلاح البترول الذي كان سلاحا عظيما وعربيا تماما في الحرب، فضلا عن مليارات الدولارات من المعونات تسلمتها مصر منذ نكسة يونيه حتي قرر الرئيس السادات أن يستبدلها بالمعونات الأمريكية. والحقيقة أن آلاف المدرسين سافروا للدول العربية للتدريس والتعليم ـ هناك وهذا معروف ومؤكد ـ ودورهم كبير وفعال لكنهم كذلك تقاضوا أجورهم ورواتبهم عن هذا العمل، وكان المدرس المصري يحلم بإعارة لدولة عربية ومن ثم لم يكن عملا تطوعيا ولا تفضلا وفضلا بلا مقابل، أسوأ من أن ينكر البعض دور مصر هو أن تمن مصر وتؤذي وتطلب مقابلا عن هذا الدور، والمؤكد أنه منذ وفاة جمال عبدالناصر وجنازته الأهم والأكبر والتي لم يشهد ولن يشهد لها التاريخ العربي مثيلا، حيث خرج الملايين في الجزائر تشييعا لزعيم العروبة كأنما يشيعون معه العروبة ميتة لمثواها الأخير، منذ هذا اليوم والشعوب العربية لم تشهد من مصر وإعلامها إلا الاستعلاء والتنابز والمعايرة والاتهام بنكران الجميل، وكأن الدول تفعل ما يمليه عليه ضميرها ومبادئها انتظارا للجميل!! فما كان من الشعوب العربية إلا أن تقلصت مشاعرها المحبة لمصر من مساحتها الواسعة الفضفاضة الفياضة واقتصرت علي حب فنانيها وفنها واكتفت بهذا الحب الذي لا يعاير فيه أحد أحدا (اللهم إلا مع بعض الغباءات المؤقتة التي سرعان ما تزوي وتزول في الساحة الفنية المصرية من بعضنا الذي تربي علي سموم السبعينيات ضد العرب).

كل ما يتمناه المرء أن يظهر جمال عبدالناصر في استاد القاهرة (ذلك الذي كان استاد ناصر قبل أن يطمسوا عن الأماكن وفاءها لصالح نفاقها )، يظهر منهجه العروبي والإسلامي (نعم والإسلامي) في التعامل مع قضية الجزائر يوم جاءه خطاب مطول من البكباشي ثروت عكاشة - ملحقنا العسكري بفرنسا وقتها - يتناول فيه الوضع الحالي للعلاقات الفرنسية المصرية علي ضوء اتصالاته بالعديد من الشخصيات الفرنسية، وأنه ضمن خطابه آراء محددة والتي تضمنت النقاط الرئيسية التالية:

أ - دور مصر في دعم الكفاح المسلح في شمال أفريقيا وما سيترتب عليه من قيام الحكومة الفرنسية باتخاذ موقف معاد عنيف ضد مصر استجابة لمطالبة الأحزاب السياسية الفرنسية والهيئات الاقتصادية.

ب- التلويح بمقاطعة فرنسا لشراء القطن المصري طويل التيلة وخسارة مصر لخمسة عشر مليوناً إسترلينياً.

جـ - نجاح فرنسا في تهدئة الموقف بتونس ومراكش بعد منحها الاستقلال وانتظار تركيز جهود فرنسا ضد ثورة الجزائر وقدرة فرنسا لتوجيه ضربة قوية والقضاء علي الكفاح المسلح مما سيوقع مصر في موقف محفوف بالمخاطر.

د - نجاح فرنسا في اكتساب مساندة أمريكا وبريطانيا مما يحمل في طياته إمكانية استعانتها بإمكانيات البلدين عسكريا وسياسيا للتأثير في الرأي العام الغربي وتزويد فرنسا بالأسلحة الحديثة.

هـ - العبء الكبير الذي تتحمله ثورة مصر لتزويد الثورة الجزائرية بالسلاح والذي يفوق قدراتها مع رجحان كفة السلطات الفرنسية باستمرار إذا ما قورنت بإمكانيات مصر خاصة بعد دعم أمريكا وبريطانيا لفرنسا.

و ـ اتهام أجهزة الإعلام الفرنسية لثورة مصر وقادتها بالقتلة والسعي لإراقة دماء أبناء الشعب الفرنسي سعيا وراء سيطرة مصر علي شمال أفريقيا وعلي حساب المصالح الفرنسية وتأثر الرأي العام الفرنسي بهذه الدعاية وامتداد تأثيرها ليشمل غالبية الرأي العام الأوروبي.

ز ـ أهمية تجنب الصدام المباشر مع حكومة فرنسا لتفادي انسياقها وراء الرأي المطالب بضرورة دعم إسرائيل عسكريا وسياسيا في مواجهة موقف القاهرة المعادي للشعب الفرنسي.

يروي السياسي المصري الراحل فتحي الديب في كتابه «عبدالناصر وثورة الجزائر»، والمعروف أن الديب كان مسئولا عن دعم الثورة الجزائرية في عصر الزعيم جمال عبدالناصر، إن خطاب ثروت عكاشة كان يهدف تقريبا لوقف الدعم لثورة الجزائر وتشجيعها علي التفاوض مع فرنسا مخافة الانتقام الفرنسي والغربي من مصر: «وتوجهت إلي منزل الرئيس في الموعد المحدد ليستقبلني الرئيس جمال بابتسامته المعتادة مرحبا وبهدوء نفسي غير عادي، وليفاجئني بأنه طرح خلاصة ما جاء بخطاب السيد ثروت عكاشة علي بعض أعضاء مجلس الثورة وناقشهم طويلا وأنه يصارحني بأن الآراء انقسمت بين معارض ومؤيد، الأمر الذي جعله يؤجل اتخاذه لقراره النهائي حتي يستمع إلي ما سأطرحه من آراء باعتباري أقرب المسئولين ارتباطا والتحاما بتطور الأحداث بالنسبة للكفاح بشمال أفريقيا، وطالبني بأن أبدأ فورا بطرح النتائج التي توصلت إليها من دراستي للخطاب توفيرا للوقت.

بدأت كلامي

أ - في شأن اقتناع السلطات الفرنسية بدور مصر الإيجابي في دعم الكفاح المسلح بشمال أفريقيا فهذا أمر واقع لا يشين ثورة 23 يوليو، بل يخدم أهداف سياستها التحررية وسيدفع جميع الدول إلي التعامل معها من موقع قدرتها علي الفعل والتأثير في مجريات الأحداث بالوطن العربي وخارجه، وفيما يتعلق باتخاذ فرنسا لمواقف مضادة فإن قناعتنا كاملة بأن السلطة الاستعمارية الفرنسية وتحت تأثير النفوذ الصهيوني الكبير المسيطر علي سياسة فرنسا لن تتواني في اتخاذ هذا الموقف متي أتيحت لها الفرصة لذلك بغض النظر عن دعمنا للكفاح المسلح، وذلك نظراً للنظرة العدائية التي تحكم عقلية المسيطرين علي سياسة فرنسا والذين يرون في استقرار ثورة مصر ونجاحها خطراً داهما يهدد مصالحهم، شأنهم في ذلك شأن باقي الدول الاستعمارية.

ب- التلويح بمقاطعة شراء القطن المصري وخسارتنا لمبلغ الخمسة عشر مليوناً من الجنيهات سنويا فالرد عليه قاطع ويؤكد عدم إمكانية إقدام المصانع الفرنسية علي هذه الخطوة التي تعني توقف هذه المصانع الفرنسية عن العمل تماماً؛ لأنها مصممة جميع ماكيناتها وآلاتها علي استخدام القطن المصري بالذات.

جـ - أما بالنسبة للقول بتفرغ فرنسا لضرب ثورة الجزائر بعد منح تونس ومراكش (المغرب ) لاستقلالهما فأمر يصعب للقوات الفرنسية تحقيقه نظرا لسيطرة جيش التحرير الجزائري علي مناطق جبلية حاكمة فشلت القوات الفرنسية في الوصول إليها، ويكفينا اعتراف نفس السلطات الفرنسية بذلك وحجم الخسائر التي تتحملها يوميا علي أيدي المكافحين، الأمر الذي أرغم جي مولييه علي طلب التفاوض وذلك بالإضافة إلي نجاحنا في تنظيم إمداد الجبهات الجزائرية بكميات كبيرة من السلاح والذخيرة مؤخرا.

د - وبشأن اكتساب فرنسا لأمريكا وبريطانيا إلي جانبها وما يعنيه من حصول فرنسا علي مساعدات عسكرية ضد الكفاح فأمر مبالغ فيه إلي حد كبير، وفي تقدير حجم هذا العون ولا يحمل في طياته أي جديد، نظرا لأن فرنسا تحارب ومنذ البداية بإمكانيات حلف الأطلنطي ومعداته وأسلحته دون أن تحقق أي نجاح.

هـ - أما عن تصور إمكانيات ثورة 23 يوليو في مجال الإمداد بالسلاح مقارنة بما تقدمه وستقدمه الدول الغربية لفرنسا فالعبرة في تقييم قدرات المناضلين لا ترتكز علي نوعية السلاح الذي يستخدمونه وعدده، بل العامل الأهم والفعال هو في صلابة الإرادة والدافع، الذي يحكم نفسية المقاتل، وكل الحقائق تؤكد أن المناضل الجزائري يقاتل بعناد وصلابة لاستخلاص حريته بينما الجندي الفرنسي يقاتل عن غير اقتناع وبلا تصميم، بل كثيراً ما يحاول التنصل من القتال حفاظا علي حياته مما يرجح كفة المقاتل الجزائري وعلي المدي الطويل.

و- وفيما يتعلق بحملة أجهزة الإعلام الفرنسية المعادية وتصويرها لنا بالقتلة فهو اتجاه طبيعي تحكمه روح الحقد والكراهية التي يحملها الاستعماريون والصهاينة المسيطرون علي أجهزة الإعلام الفرنسية والتي ناصبتنا العداء منذ تفجير ثورة 23يوليو، وإن كانت كل المعلومات المؤكدة التي وصلتنا تؤكد ثورة الرأي العام الفرنسي علي حكومته التي تزهق أرواح أبناء الشعب الفرنسي بلا نتيجة واقتناع الرأي العام الفرنسي بتضليل أجهزة الإعلام له، الأمر الذي أدي بالشعب الفرنسي إلي عدم تصديق ما تنشره أو تذيعه هذه الأجهزة، ونحن بصدد القيام بحملة مضادة لفضح جرائم القتل الجماعي التي تمارسها السلطة الاستعمارية علي أرض الجزائر مدعمين دعايتنا بالصور والمستندات.

ز- وفي مجال الرد علي عدم الدخول في صراع مباشر مع فرنسا لتفادي دفعها لدعم إسرائيل بالسلاح.. إلخ، فلاشك أننا نمتلك سلاحا قويا للضغط علي فرنسا يتمثل في المصالح الفرنسية بالوطن العربي بالإضافة إلي حجم التبادل التجاري بين فرنسا وجميع أقطار الوطن العربي 100 مليون إذا ما قورن بحجمه مع إسرائيل والذي لا يتعدي مليونين.

ح - وفي شأن الاتجاه الجديد للحكومة الفرنسية ومنحها الاستقلال لتونس ومراكش واستعدادها لمنح الجزائر نوعا من الاستقلال الذاتي فأمر مشكوك فيه استنادا إلي المعلومات المؤكدة التي وصلتنا علي لسان بعض المسئولين الفرنسيين والتي كشفت عن أن مخطط السلام ما هو إلا خطوة مرحلية لتهدئة جناحي الكفاح المسلح للتركيز علي الجزائر أملا في توجيه ضربة قاضية لتعود وتتراجع فيما منحته للجناحين تونس ومراكش.

ويكمل المناضل المصري الناصري الأفريقي فتحي الديب روايته في كتابه قائلا: استمع الرئيس عبد الناصر لحديثي الطويل والذي استغرق ما يزيد علي ساعة كاملة بإمعان دون مقاطعة لي، وبدأ الرئيس جمال تعليقه لي أنه سبق وأن أوضح لي أن حرية مصر تظل ناقصة بلا حرية باقي أقطار الوطن العربي، والحرية في مفهومنا لابد وأن تترجم في صورة تضحيات ولن يتحرر الوطن العربي بلا تضحيات، وواجب كل شعب عربي يتحرر أن يتحمل نصيبه من هذه التضحيات، وهذه عقيدة كل الثوار المؤمنين، واستطرد ليقول إنه استمع إلي كل ما طرحته من قناعات وهي لا تختلف كثيرا عما وصل إليه في تحليله للموقف؛ بل يكاد يتطابق وعليه فإليك قراري النهائي: وكان نصه:

«الاستمرار في دعم الكفاح المسلح الجزائري بكل طاقاتنا وقدراتنا المتاحة مهما كانت التضحيات التي يتحملها الشعب الجزائري ونتحملها نحن معه كشعب مصر وهذا حقه علينا كثورة تحررية رائدة في الوطن العربي قامت لا لتحرر أرض مصر وحدها بل لتحرر كل الأرض العربية».

وانتقل الرئيس ليعطيني توجيهاته وكان منها البدء في إنشاء إذاعة موجهة باللغة الفرنسية للشعب الفرنسي والجزائري لكشف حقائق الدعايات المضللة الفرنسية وإعلان الحقائق أولاً بأول. وموافقته علي استخدام الطائرات في تهريب الأسلحة جوا إلي الجبهات الداخلية بالجزائر، وذلك من حيث المبدأ، تاركا لي وضع جميع تفاصيل أسلوب العمل علي أن أوافيه بالخطة تفصيلا حين الانتهاء من إعدادها وتجهيز متطلباتها. وقيام مصلحة الاستعلامات بإصدار نشرة يومية لتغطي ما تنشره جرائد إيطاليا وفرنسا وإذاعتهما فيما يختص بكل شئون الكفاح المسلح بشمال أفريقيا والرد عليها مع الاستفادة بصوت العرب والإذاعة المنتظر توجيهها باللغة الفرنسية وكذا أجهزة الإعلام المصرية لدحض وكشف أباطيل الدعاية الفرنسية. والعمل علي تهريب أكبر كمية من السلاح والذخيرة لداخل الجزائر لتغطية جميع احتياجات جيش التحرير وتسليح جميع مناضليه مع توفير احتياطي مناسب لمواجهة أي طارئ. وغادرت منزل الرئيس في الثالثة بعد ظهر يوم الأربعاء 16 مارس 1956 لأباشر علي الفور تنفيذ كل ما تلقيته من توجيهات والسعادة تغمر قلبي بقرار الرئيس جمال عبد الناصر التاريخي وما أكده من معانٍ وقيم ثورية.

عندما تتحدثون عن مباراة مصر والجزائر المقبلة وعندما تذهبون للاستاد لمشاهدتها وعندما تنطلق صفارة الحكم معلنة نهاية المباراة.. تذكروا أن جمال عبدالناصر ومصر لم تكن تمنح الجزائر منحة بل كانت تفعل ما يمليه عليها الضمير والواجب وليس بسبب عبدالناصر، نطالب الجزائر بأن تتخلي عن حلم الوصول لكأس العالم، فلتكن مباراة الجزائر مع مصر هي مباراة متوترة وحرجة ومكهربة ومنفعلة وكأنها بين جزائر الإسماعيلي ومصر الأهلي، وسأترك لي فرصة أن أشجع ضمن مرات نادرة الأهلي أمام الإسماعيلي خصوصا أن معظم نجوم الأهلي في المنتخب هم أبناء الإسماعيلي سواء بركات وسيد معوض وشريف عبدالفضيل وأحمد فتحي وأحمد حسن، وأضف إليهم عصام الحضري وهاني سعيد وحسني عبدربه، يبقي في بيتها والله!

أيمن نور وحملات فريدوم هاوس المشبوهه !!

بقلم/ محمد عبدالعزيز

في اللحظات الحاسمة والخطيرة من التغيرات التاريخية تتشابك الخيوط وتتداخل الأغصان نظرا لتعقيد الموقف والتشابكات السياسية الكثيفة، فتحجب الرؤية عن العين المجردة ويصبح الاقتراب أكثر وأكثر هو الوسيلة الوحيدة لكشف الحقائق واستجلاء الصورة الصحيحة.

وما تمر به مصر هذه الأيام هي حالة شديدة التعقيد من التجاذبات السياسية ومعادلة بات حلها أمر غاية في الصعوبة، إذ أن الوقت يجري وميعاد استحقاق الانتخابات الرئاسية يقترب بين حديث عن التمديد للرئيس الأب والتوريث للوريث الابن واحتمالات أخرى تؤكد

بل وتتمنى وترجو – أن المؤسسة العسكرية سيكون لها الدور الأكبر في حسم النتائج النهائية التي ستحدد مصير هذا الوطن ومستقبله الظاهر كأنه في منحنى على النهر لا تستطيع أن تحدد إن كان بعد هذا المنحنى مياه هادئة أم شلال قد يقلب القارب ويطيح براكبيه.

بعد 28 عاما من حكم نظام مبارك حدث خلالها الكثير من المآسي يحتاج لذكرها مجلدات تمتلئ صفحاتها بأخبار نظام أصبح يعادي كل طوائف وفئات شعبه، فمن شباب الأطباء الذين يعانون ارتفاع تكاليف استكمال دراستهم والحصول على الماجستير والدكتوراه وشراء المراجع العلمية اللازمة لهم بينما يحصلون على مرتبات هزيلة لا تمكنهم حتى من العيش بكرامة، إلى أساتذة الجامعات الذين كان ينظر لهم باعتبارهم طبقة راقية، وهو أمر طبيعي أن تقدرهم الدولة لكونهم علماء يخرجون أجيالا هي التي ستحمل لواء الحضارة لهذا البلد، لكننا في السنوات الأخيرة رأينا هبات أساتذة الجامعات من حركة 9 مارس الرافضة لتدخل الأمن في الجامعات والطالبة بمرتبات محترمة تكفل لأساتذة الجامعات حياة تليق بمكانتهم العلمية ومتماشية مع نظرائهم في كل دول العالم المتقدمة وحتى النامية .. وشهدت أيضا سنين حكم مبارك احتجاجات واسعة من القضاة الشرفاء مطالبين باستقلال القضاء وعدم تحكم السلطة التنفيذية في سير شؤون العدالة بالترهيب والترغيب عن طريق ندب القضاة ومد السن وغيره من المؤثرات التي تضرب فكرة استقلال القضاء بخنجر وزير العدل .. والمهندسين الذين يصرخون مطالبين بنقابة دون حراسة رغم حصولهم على العديد من الأحكام القضائية لإجراء انتخابات في نقابة المهندسين لكن الدولة ترفض وتبقى أزمتهم معلقة منذ ما يقرب من 14 عاما .. وتستمر الاحتجاجات في كل مكان حتى سائقي المقطورات والعربات الكارو والعمال في وضع مختل لنظام لا يؤيده أحد من شعبه وما يبقيه هو ارتكانه على عصا الأمن المركزي!

كما ارتكب هذا النظام على مدار سنوات حكمه الكثير من الجرائم في حق دور مصر التاريخي وثقلها الطبيعي في المنطقة عبر اتخاذه مواقف تتنصل لذلك الدور مثل اشتراك مصر في حرب الخليج الأولى 1990 ضد دولة عربية شقيقة وهي العراق، وسماحه بمرور الطائرات والبوارج الأمريكية الذاهبة لاحتلال العراق الشقيق من خلال قناة السويس والأجواء المصرية في عام 2003، وموافقته على تصدير الغاز المصري الذي هو ثروة قومية لهذا الجيل والأجيال القادمة إلى العدو الاستراتيجي الأول للبلاد إسرائيل بسعر أقل من سعر تكلفته بينما يرفع أسعار كل السلع على مواطنيه ليتميز هذا النظام بالسخاء مع إسرائيل والغباء مع المصريين!!

وموقفه المتواطئ خلال حرب إسرائيل على قطاع غزة حين أعلنت وزيرة الخارجية الإسرائيلية آنذاك تسيبي ليفني عزم إسرائيل قصف قطاع غزة عبر مؤتمر صحفي جمعها بوزير خارجية مصر أحمد أبو الغيط وبعد لقائها مبارك في القاهرة لتصورها الكاميرات ويد أبو الغيط تحتضن يدها في حنان بالغ أثناء هبوطها درجات السلم!

بعد كل هذا الميراث الثقيل من الانهيار السياسي بل والأخلاقي لنظام احتكر السلطة والثروة أكثر من ربع قرن لم يكتفي خلالها بما حدث بل أراد أن تستمر هذه الحفرة الحضارية العميقة التي أوقعنا فيها بالاتساع عن طريق توريث السلطة لمبارك الابن وإعداد المسرح بديكور جذاب حتى تبدو اللعبة وكأنها تلقائية بينما تلك التلقائية تنطوي على خبث شديد، فيتم تعديل الدستور لتتحول المادة 76 الخاصة بانتخاب رئيس الجمهورية إلى مادة لا تقبل إلا وأن يكون اسم المرشح هو جمال محمد حسني مبارك بينما تبقى المادة 77 والتي تتيح لرئيس الجمهورية الترشح مدى حياته دون أي تعديل لتضمن استمرار جمال في الحكم عدد سنوات والده وربما يورث السلطة لنجله أيضا!

صاحب ذلك التعديل القضاء على آخر أمل في اي انتخابات بها شبهة نزاهة عن طريق إلغاء الإشراف القضائي على الانتخابات لتتحول إلى تعيينات إدارية، وهو الأمر الذي وضح خلال انتخابات المحليات وانتخابات التجديد النصفي لمجلس الشورى وكانت النتيجة هي لم ينجح أحد إلا إذا كان عضوا في الحزب الوطني!

ولأن مصالح أمريكا في المنطقة قوية للغاية، ومنذ توقيع مصر معاهدة كامب ديفيد ودورها هو رعاية المصالح الأمريكية والإسرائيلية بل وخدمتها كما ذكرنا عن طريق تنازلات قدمتها مصر خلال ال 28 عاما من حكم مبارك لصالح أمريكا وإسرائيل فإن من الطبيعي أن تهتم أمريكا بمستقبل الحكم في مصر وليس الأمر بالسذاجة التي تحاول السفيرة الأمريكية مارجريت سكوبي خداعنا بها من أن أمريكا لا يعنيها مستقبل الحكم في مصر وأنه شأن داخلي!!

ولأن أمريكا لا تترك شيئا للمصادفة فإنها تترك كل أطراف اللعبة تتصارع بشكل يبدو تلقائيا ولكنها تحتفظ لنفسها بالقدرة دائما على تحريك مجريات اللعبة من الطرفين!

في نفس الإطار انطلقت حملة ضد التوريث اسمهوها "مايحكمش" وقد جاءتني دعوتها عن طريق الانترنت كالكثير ممن تلقوا تلك الدعوة العامة وذهبت .. ربما لأقترب وأعرف وأحلل الوضع وربما لاعتقادي أنه قد تتوحد النخبة خلف هدف واحد وهو رفض التوريث .. ما غاب عني وقتها هو لقاء د/أيمن نور الداعي للحملة قبل يوم واحد لإطلاقها مع منظمة فريدوم هاوس المشبوهة ذات العلاقة الوثيقة بجهاز المخابرات الأمريكية والتي سبق أن خضت معركة مع زملائي ضدها وضد مخططاتها الخبيثة في مصر، ولست الآن في موقف إثبات أنها منظمة ذات علاقات قذرة بتجارب التغيير الملون في العالم وعن تاريخها المشبوه وعلاقتها بال CIA ومن يريد أن يعرف معلومات أدق يمكنه قراءة مقالي الثالث من سلسلة وهم التغيير المستورد "التغيير الملون والمنظمة المشبوهة".

وبما أني الآن قد وضحت الصورة أمامي كاملة، ومن الشجاعة الاعتراف بالخطأ وعدم التمادي به فإنني أعترف بخطئي لحضوري المؤتمر التأسيسي لهذه الحملة كونها ممولة من تلك المنظمة المشبوهة ..

وأدعو كل الشرفاء الذين ذهبوا بحسن نية للمشاركة في حملة ضد التوريث إلى عدم التمادي والغوص في هذا المستنقع الأمريكي الرامي إلى أن تسيطر أمريكا على كل الخيوط بشكل كبير من خلال تنسيقها مع الوريث ومعارضيه أيضا!!

وإذا أردنا أن نوحد النخبة خلف هدف رفض التوريث فيجب أن يكون ذلك التوحد دون أي دعم من منظمة فريدوم هاوس أو غيرها من المنظمات ذات الصلة بالمخابرات الأمريكية.

إن التغيير الحقيقي لن يكون أبدا من خلال التعاون مع تلك المنظمات الممولة من المخابرات .. التغيير الحقيقي الذي سيطالب به غالبية الشعب لابد وأن يتصادم مع المصالح الأمريكية لتعاطف المصريين بطبيعتهم مع الشعب العراقي الشقيق والقضية الفلسطينية وكرهم المتوارث والجيني للكيان الصهيوني وجرائمه.

فإننا حين نبحث عن التغيير يجب أن نحذر من الخداع وخفة اليد الأمريكية التي تعمل لسرقة أمل التغيير مننا .. لذلك أدعو كل شريف أن يعارض التوريث الذي كلنا نعارضه ولكن دون أن يتورط في تأييد تلك الحملات المشبوهة..

اللهم قد بلغت .. اللهم فاشهد.

كي لا تتحول القضية العراقية إلى قضية مطلبية وإصلاحية

حسن خليل غريب

للقضايا ثوابت أساسية تشكل المحور الذي تدور في فلكه المتغيرات، أي الوسائل والخطط، التي تخدم حركتها والمحافظة على جوهرها، فتصبح القضية جرم يضبط إيقاع الوسائل والخطط التي تعمل في خدمتها، وبغير ذلك يختل التوازن في حركة الثوابت والمتغيرات معاً.

قياساً على ذلك، ومن أجل العمل السليم الذي يخدم القضية العراقية، نربط الحركة الإعلامية التي يتم توظيفها في خدمة هذه القضية، بمفهومنا لهذه القضية الآن. فكيف نرى هذا المفهوم وننظر إليه؟

القضية العراقية الآن هي قضية احتلال قبل أي شيء آخر. والوسائل التي يجب توظيفها هي كيف نقاوم الاحتلال؟ الأمر الذي يجعل ثنائية (الاحتلال – المقاومة) ثابتاً تدور في فلكه كل الوسائل والخطط. وما يخرج عنها قد يحوِّل الأنظار عن المفهوم الثابت إلى قضايا ثانوية مما يفسح الطريق لخلل قد يدفع بالثابت إلى دائرة النسيان، وتحل مكانه في ذاكرة الرأي العام تلك الثانويات.

حول ذلك، وللتبسيط أكثر، نعتبر الغرق في تسليط الضوء على كل الجرائم التي يتم ارتكابها على أرض العراق كما لو أنها أخطاء ترتكبها أدوات الاحتلال وعملائه فقط، والغرق في نصحها أو تهديدها بالإقلاع عنها، نكون كمن يدعو إلى تغيير في البنى الحكومية المحلية، أي تتم معالجتها بمجرد استبدال أشخاص الذين يرتكبونها بأشخاص آخرين. ونكون بذلك كمن يتم تجهيل الثابت الأساس، والثابت هنا هو أن ما يحصل كان نتيجة للاحتلال، ولا يمكن العمل على إصلاحه إلاَّ بالقضاء على السبب الرئيسي أولاً ويأتي القضاء على ذيوله نتيجة حتمية، مترافقة أولاحقة.

ذهب محمد بحر العلوم، وأتى ابراهيم الجعفري، وذهب الجعفري وأتى أياد علاوي، وذهب علاوي وجاء نوري المالكي، وقد يذهب المالكي ويأتي آخر لا يختلف عنه إلاَّ بالاسم. ذهبوا جميعاً، وأتوا جميعاً، فكانوا متغيرات يحكمون باسم ثابت واحد لم يأت كما لم يذهب، وهو الاحتلال الأميركي.

ذهب محمد باقر الحكيم وجاء عبد العزيز الحكيم، وذهب عبد العزيز وأتى عمار الحكيم، وظل الثابت الوحيد الذي لم يذهب، لم يتبدل ولم يتغير، وهو الاحتلال الإيراني.

ذهب محسن سليم، وجاء طارق الهاشمي، والذي لم يذهب ولم يأت هو منهج الحزب الإسلامي العراقي.

الاحتلال هو الثابت الوحيد، أما المتغير فهم عملاؤه. وجرائم العملاء لا تقاس بجريمة الاحتلال، فهذه كانت السبب، وتلك كانت النتائج، وللقضاء على النتائج لا يمكن أن يحصل إلاَّ بالقضاء على السبب.

من كل ذلك، نرى أن القضية العراقية ليست قضية مطلبية، بل هي قبل أي شيء آخر قضية تحرر وطني.

ليست قضية مطلبية يمكن معالجتها بتغييرات داخلية، سواءٌ أكان بإصلاح الحكومات، أم كان بإصلاح المؤسسات المدنية والأمنية والعسكرية. وسواءٌ أتمَّ ذلك عبر تغييرات في بنى الأجهزة، أم تمَّ بعملية انتخابية.

بل هي قضية تحرر وطني، لن يتم علاجها إلاَّ بالقضاء على أسبابها، وسببها الوحيد هو الاحتلال.

ولاحتلال العراق وجهان:

- الاحتلال المباشر، ووجهه البارز والحقيقي يظهر في الحلة الأميركية، عبر مئات الآلاف من الجنود النظاميين والمرتزقة، يساعده عملاؤه المباشرين الذين يديرون العملية السياسية والأمنية والعسكرية.

- الاحتلال المقنَّع، ووجهه إيراني، عبر أدوات عراقية محلية تشكل الغطاء العراقي لمئات الآلاف من الإيرانيين المتداخلين تحت ذلك الغطاء.

كل من الاحتلالين الآن، وفي هذه المرحلة بالذات، يعمل على تجهيل دوره بالإيحاء أن القضية العراقية بكل تداعياتها ليست أكثر من شأن داخلي يمكن تصحيحه بعلاجين: أولهما تثبيت التقسيم ثلاثي المظهر (الجنوب – الوسط – الشمال) لمنع الاحتكاك بين الطوائف والأعراق كما يزعمان. وثانيهما الانتخابات التي يوحيان بأن نتائجها ستؤثر على تصحيح كل الأخطاء التي ارتكبت وترتكب في العراق. أي باختصار تحميل الأوزار للعراقيين وتجهيل الأدوار الخارجية. ولهذا يعملان عن طريق الحوار، الذي ليس هو أكثر من شد وجذب شكليين بينهما، للاتفاق على تثبيت سلة من المصالح قبل أن يداهم الاحتلال الأميركي استحقاق الانتخاب، وقبل أن يداهم الاحتلال الإيراني استحقاق صحوة نظامية عربية تربك مخططه وأهدافه.

استناداً إلى ما نحسبه أساسياً في المرحلة الراهنة، ندعو إلى تكثيف الحركة الإعلامية المساندة للمقاومة العراقية تجاه التركيز على الاحتلال بنوعيه لكي لا ينسى المواطن العراقي أن محنته التي يعيشها ليست أكثر من نتيجة لسبب وحيد هو الاحتلال ولن يستفيد من عملية التجميل التي يجري الإعداد لها باعتبار أن المسؤولية تقع على العملاء وحدهم، بينما الاحتلال بنوعيه يلعب دور الحكم بين المتصارعين من العملاء على كسب ثقة العراقيين في صناديق الاقتراع. هذا مع العلم أن كل من ينخرط في هذه العملية لن يحمل هم العراق والعراقيين بل يتسابقون على احتلال المواقع التي توفر لهم الفرصة للإمعان في الجريمة والفساد والسرقة والنهب.

كما أنه على وفق حساباتنا، ندعو العرب الذين إن صحَّ احتمال صحوتهم على وعي مخاطر ما يجري أن يريحوا أنفسهم من التسابق على كسب من هنا أو هناك، ممن يراهنون على أنهم قد يوفرون لهم مرقد عنزة لمصالحهم في العراق، أن مراهناتهم ستكون أكثر من خاسرة، لأنه إذا استتب الأمر لكل من الاحتلالين، كما نستنج مما يجري وراء الكواليس، فإن مصالح بعض العرب المراهنين على نتائج الانتخاب ستكون على حساب تقسيم العراق وتقاسم المصالح فيه للخارج الأميركي والإيراني، ولن يُسمح لهم بالدخول إلى العراق إلاَّ وفق تأشيرة من واشنطن أو تأشيرة من طهران.

ومن هنا نتوجه إلى العراقيين الذين يعيشون في أتون لم تعرف البشرية أكثر منه ظلماً وظلاماً وقسوة، لنقول إن خلاصهم لن يتم من بوابة الإصلاح التي يراهن عليها البعض، بل إن خلاصهم لن يتم إلاَّ من بوابة التحرير، تحرير بلدهم من كل آثار الاحتلال مهما كان شكله ولونه وطعمه، بينما المتسابقون على ما يسمونه إصلاحاً داخلياً، بالانتخابات أم بغيرها، سيبقون الذراع الإجرامية بيد الاحتلال للإمعان بالجريمة والفساد والسرقة ومصادرة السيادة الوطنية.

كما نوجه الأنظار إلى أنه خير للعرب، أنظمة ومجتمعات وطنية، أن يدخلوا إلى العراق من بوابته العربية، فيكونوا إخوة أعزاء مُرحَّباً بهم، من أن يدخلوا إلى العراق من بوابة الأجنبي وتحت مراقبته وإرادته.

فقضية العراق الآن إذن ليست قضية مطلبية إصلاحية، بل هي قضية تحرر وطني، فلتتحد كل البنادق والأقلام من أجل إزالة السبب واجتثاثه، لأنه بغير ذلك سيضيِّع العراقيون والعرب الوقت والفرصة وهما ثمينان في حياة الشعوب والأمم.

19/10/2009