الخميس، 11 فبراير 2010

نحو بناء خطة استراتيجية للتغيير


د/ صلاح الدين دسوقي
 موضوع التخطيط الاستراتيچي يحتاج إلي مقدمات لا تتوافر في حالتنا.. فالاستراتيجية هي الطريق الرئيسي الأفضل للوصول إلى هدف أو مجموعة أهداف في الأجل الطويل . فهي لا تبني من أجل أن تبني.. إنما تبني لتحقيق أهداف ترتضيها جماعة بشرية محددة .. فإذا تحدثنا عن استراتيچية عربية فماذا نقصد بكلمة عربية؟ هل هناك كيان عربي ما يتبنى مهمة صياغة استراتيچية تتبناها الأمة في مواجهة أعدائها؟ سوف ننفي بداية أن جامعة الدول العربية تعني جماعة فهي إطار لا يمثل آلية لاتخاذ القرار أو وضع استراتيچية أو أهداف.. ناهيك عن أي مهام تتعلق بالأمة العربية كأمة. يبقي بعد ذلك النظام الرسمي العربي.. وهو نظام لا يعتنق مفهوم علمي أو تصور عقلاني ترسم علي أساسه استراتيچية صائبة تنحاز لمصلحة الأمة العربية. فقد تبنى النظام الرسمي العربي مقولة أن السلام اختيار استراتيچي.. بما يعبر عن استراتيجية في مواجهة "العدو" الصهيوني وبما أسموه أجندة السلام. هذا هو الأمر الذي أجمع عليه النظام الرسمي. فلماذا اختاروا السلام كخيار استراتيجي؟ هل لتحقيق التقدم والازدهار للأمة؟ أو ليسمح لها بأن يكون لها مكان تحت الشمس وأن تستطيع المنافسة في عالم سريع التطور. إنما اتخذ النظام الرسمي هذه الاستراتيچية في تصور خاطئ بأنها أنسب استراتيجية لمواجهة "إسرائيل". وفي حقيقة الأمر فإنه إعلان عن عجز واستسلام هذا النظام وانصياعه للإرادة الأمريكية التي تتبنى استراتيجية واضحة تتمثل في تحقيق أمن الكيان الصهيوني وضمان تفوقه الشامل في مواجهة الأقطار العربية مجتمعة .
الاستراتيچية غير المعلنة للنظام الرسمي العربي هي استراتيجية الاستقرار في مقاعد الحكم.. نجد أن أي تنسيق عربي مشترك حقيقي هو تنسيق أمني يجمع وزراء الداخلية لخدمة هذا الغرض، ولنأخذ مشهد غزة الأخير وكيف أن النظام الرسمي بأجهزته الأمنية ساعد علي بل وتورط بشكل سافر في تكريس الحصار حول غزة وبناء الجدران الفولاذية والأسمنتية حولها لإحكام حصارها وتركيع أهلها. الاستراتيچية الثالثة التي تبدو واضحة يجاهر بها بعض من الحكام العرب ولا يصرح بها بعضهم الآخر هي الانحياز للغرب وأن أوراق اللعبة في يد أمريكا وأننا دول لا تملك القدرة علي المواجهة بل وتحتاج إلى الحماية الأمريكية .. وعليه فإننا لا نملك غير أن نسير في إطار التوجهات الأمريكية سواء بالنسبة للعراق أو أفغانستان أو فلسطين أو الصومال. يظهر ذلك بوضوح إذا حاولنا أن نجد استراتيچية للنظام الرسمي العربي.. إنما إذا تحدثنا عن استراتيجية لذلك النظام تبحث عن تقدم الأمة العربية فإننا بالقطع لن نجد شيئاً؛ لأنه غير معني بهذه القضية ولا تمثل أهداف غائية له.
هذا في حين أن ثورة يوليو حددت استراتيجيتها منذ اللحظة الأولي.. حينما نادت بأننا أمة عربية واحدة ونريد العدل الاجتماعي والاشتراكية وتوحيد هذه الأمة.. وبالفعل اجتمعت الأمة العربية كلها وراء جمال عبد الناصر وتوحدت كلمة الشعوب العربية.. لأن عبد الناصر وضع أسس البحث عن استراتيجية قومية عربية تعمل لنهضة عربية شاملة تحقق للإنسان كرامته وللوطن حريته.. فاستطاع من خلال استراتيجيته تلك أن يجمع الشعوب العربية علي كلمة واحدة. الآن وبعد مرور أربعون عامًا علي رحيله وعلى بداية عهد الردة والانقضاض على مشروعه النهضوي ، فإن الجماعة العربية بدأت تتفكك كما تتفكك أيضًا القيم الإيجابية التي سبق وزرعها في الأمة.. فشعار مصر أولا ولبنان أولاً والأردن أولا .. الخ إنما يمثل إعلاء لقيمة الوطنية في مواجهة القومية، وكأنما هناك صراع ما بين القومية والوطنية.. وهنا تبدأ عملية تفكيك الهوية العربية وإجهاض عملية التحرر العربي.
وهنا يطرح السؤال.. ما هو حصاد مسيرة الردة والاستسلام ؟ أين أصبحنا من هؤلاء الذين تقدموا؟ ألم يصبح أمامنا غير أن نأخذ بما يقدمونه إلينا ؟. وإذا أردنا اللحاق بل مجرد الاقتراب بالغرب في مجال التصنيع مثلا.. فما هي المقومات الموجودة لدينا حتى نصل إلي مستوي تكنولوجي مناسب؟ فالنظام الاقتصادي العربي يقوم الآن على حالة من التبعية الكاملة للغرب في إطار رأسمالي يعلي قيمة آلية السوق.. يعتمد علي المنافسة دون أن تتوفر لدية القدرة التنافسية في أدنى درجاتها.. يفتح الأسواق.. يتبنى حرية التجارة.. يوقع ويصدق علي اتفاقية الجات.. ويدخل في منظمة التجارة العالمية، ويفتح الأبواب للمنتجات من كل حدب وصوب .. ولتذهب عملية التصنيع إلي الجحيم. لقد تم تزييف الوعي الاقتصادي العربي ليتبنى مبادئ التخصص وتقسيم العمل في العلاقات الدولية وهي التي أتضح بشكل قاطع أنها ضد أي عملية تنمية في الدول الأقل حظًا من التقدم والنمو.. وأنها في مصلحة الدول المتقدمة فحسب.
كما استهدفت مسيرة الردة والاستسلام تفتيت القيم العربية الايجابية التي أرساها المشروع النهضوي العربي سواء منها ما يتعلق بالتحرر من الاستعمار قديمه وحديثه ، أو منها ما يتعلق بالوحدة العربية كهدف استراتيجي.. أو منها ما يتعلق بالاشتراكية والعدالة الاجتماعية.
في مواجهة كل ذلك فإنه يلزم بناء استراتيجية شعبية عربية.. وتلك الاستراتيچية الشعبية يمكن أن تبني بالتأكيد، ولكن لابد تتوفر مقومات وشروط لها.. أول هذه المقومات والشروط أن تكون هناك طليعة واعية قادرة علي بلورة أهداف هذه الأمة.. وقادرة علي أن تتبنى مشروع للتغيير ينهض بهذه الأمة ويسمح لها بأن تحقق النصر الحاسم على أعدائها . وثاني المقومات أن هذه الطليعة المتقدمة، لابد وأن تكون طليعة عربية قومية وليست مجرد طليعة قطرية.. أما ثالث المقومات فهو أن تتمتع هذه الطليعة بمنهاج ثوري يعتمد استراتيجية للتغيير.
ولصنع استراتيجية التغيير.. يبقي أن تدرك هذه الطليعة أن عملية بناء الاستراتيچية هي عملية طويلة المدي، تبدأ بتوفير الأساس المناسب الذي تبني الاستراتيچية عليه. هنا يلزم توفير عدد من الإجابات :
رقم (1) إجابة علي من نحن؟ هل تمت على الإجابة هذا السؤال ؟.. أم أننا مجموع من العرب المصريون والعراقيون والسوريون والجزائريون ....الخ؟. أم أننا عرب من الشام والجزيرة العربية والمغرب العربي ووادي النيل... الخ من كافة أرجاء الوطن من المحيط إلى الخليج؟ هل يوجد فارق بين الإجابتين أم أنها سفسطة لغوية لا غير ؟ لابد أن توجد إجابة واضحة ونهائية علي السؤال..؟
إلي أين نسير.. هل نسير منحازون إلي هذه الأمة.. أم نسير منحازون إلي الصفوة.. أيا كانت هذه الصفوة.. صفوة حاكمة.. صفوة اقتصادية.. صفوة قبلية أو عشائرية.. صفوة مذهبية .. أيا كان.. ما هو الانحياز الحقيقي؟ كيف نترجم هذا الانحياز إلى أهداف تسعي الأمة إلى تحقيقها ؟ هل تكفينا أهداف الحرية والاشتراكية والوحدة مشقة الاختلاف ، أم أنها تمثل أحد أركان مشروعنا النهضوي العربي ؟
رقم (3) ما هو الطريق الرئيسي الأنسب لتحقيق هذه الأهداف ؟ وبمعنى آخر ما هي استراتيچيتنا لبلوغ هذه الأهداف ؟ ..
دعونا نركز هنا على دروس النضال العربي والتي صاغت استراتيجية تتمثل في المقاومة والوحدة .. فالمقاومة والوحدة معًا يعطيانا بعداً أكثر اتساعًا.. والمقاومة هنا ليست هي فقط المقاومة المسلحة والتي في العراق في مواجهة الغزوة الأمريكية .. وفي لبنان حزب الله والمقاومة الوطنية .. وفي فلسطين فصائل المقاومة .. وفي أي بقعة عربية أخرى حمل السلاح فيها في مواجهة الاستعمار والصهيونية . المقاومة مفهومها أوسع من هذا بكثير ، يمتد ليشمل المقاومة النفسية التي تعمل علي مواجهة محاولات التفكيك لنظام القيم. هذه الاستراتيجية تمتد إذن على كافة الأصعدة السياسية والاجتماعية والثقافية .
إننا مقبلون حاليا علي عالم يختلف عن العالم الذي عاصرناه في نصف القرن الماضي.نعيش متغيرات استراتيجية عديدة تحتاج إلى التأمل والوقوف عليها حتى نستبين قدرة استراتيجية المقاومة والوحدة على التعامل الفعال معها .
المتغير الأول هو تلك الأزمة المالية العالمية الأخيرة التي قدمت عدد من الإشارات الهامة. لقد كان هناك من يقول: إن الاشتراكية فشلت ورحلت . ونجد الرأسماليون يعيدون اليوم النظر في النظام الرأسمالي. كان هناك من يقول : إن التأميم والتخطيط المركزي والقطاع العام والتصنيع والاكتفاء الذاتي والتنمية المستقلة وغيرها من سياسات الحقبة الناصرية قد انتهت وأصبح لا جدوى منها.. نقول لهم أنظروا اليوم كيف تتدخل معاقل النظام الرأسمالي أمريكا وفرنسا وإنجلترا في الاقتصاد . أنظروا إلى ما يقومون به من عمليات التأميم وتقييد الواردات وتقديم الدعم وغير ذلك من آليات تعاكس آليات السوق. علينا أن ندرس هذه الظاهرة ونتوقع في إطار هذه المتغيرات الاقتصادية بزوغًا لتعددية دولية مرة أخري.. هناك بزوغ للصين وللهند.. هناك تطور.. هذا الانفراد في السيطرة علي مقدرات العالم لن يستمر أكثر مما استمر. تهدد الأزمة المالية أول ما تهدد الانفراد الحالي في القطبية الدولية.. وتعجل في ظهور ثنائية أو ثلاثية دولية قادمة، ولابد أن نكون مستعدين لها. وليس هناك أهم من الوحدة استعداداً لهذا التطور . وحدة عربية .. تكامل اقتصادي عربي.. سوق عربية مشتركة .. وحدة المقاطعة الاقتصادية والثقافية للاستعمار والكيان الصهيوني ..
المتغير الثاني علي المستوي الإقليمي هو بزوغ دور إيران وتركيا.. في نفس الوقت نري انسحاب العرب من التأثير حتى علي مقدرات أنفسهم.. وهذا يخلق حالة من الفراغ لها تأثير في شكل المنطقة في الفترة القصيرة القادمة.. ولكن مازال لدينا عوامل قوة وهي كامنة داخل ضمير الشعب العربي. هناك نزعة قومية راسخة ومتأصلة داخل الضمير العربي . أنها مسألة لم يخترعها أحد.. فالعروبة موجودة لدي ناس بسطاء جدًا لا يستخدمون مصطلح "القومية العربية" . العروبة هوية تميز جماعة بشرية موجودة بالفعل . لهذا لابد أن نستند علي نقطة القوة هذه لتفعيل استراتيجية الوحدة الشعبية ولملأ الفراغ الذي تركه النظام الرسمي العربي ولمقاومة محاولات الامتداد من الجوار الجغرافي غير العربي .
أما المتغير الثالث فإنه يتمثل في شكل الحياة السياسية في الوطن العربي والتي تتسم بتعددية ديكورية وبتحول عدد من النظم العربية إلى النظام الجمهوملكي بالتوريث أو التمديد. حقيقةً أنه مازال هناك نخبة سياسية عربية تتوزع ما بين تيار قومي وتيار ماركسي وتيار ليبرالي وتيارات دينية وتيارات أخري متعددة. وإذا كان ذلك يسهل عمومًا مهمة الفرز علي مهام مثل مهمة المقاومة بمفهومها الأوسع.. وإذا استدعى ذلك استراتيجية الوحدة من خلال إقامة تحالفات وائتلافات وجبهات على الأصعدة القطرية والقومية ، إلا أن ذلك كله يجب أن يتجنب مخاطر المظهرية والشكلية التي قد تفرغ مفهوم المقاومة والوحدة من فحواه . لسنا في حاجة إلي لافتات جديدة ترفع لكي نفرغ هذا النزوع لبناء مشروع جديد في قوالب فارغة المضمون. أننا نشهد في هذه المرحلة كثير من هذه القوالب وهذه المسميات التي تُطرح كل يوم، ولكنها لا تعبر عن قوي فاعلة داخل المجتمع. لذلك نجد هذه القوالب الفارغة تتفكك بعد فترة قصيرة ولا يصبح لها تأثير علي عملية نهضوية حقيقية.
خلاصة القول أننا نحتاج لمشروع نهضوي طويل الأجل.. نحتاج إلي منهجية تحدد، إلي أين نحن ذاهبون.. ما هي أهدافنا.. وما هي عوامل القوة والضعف الموجودة فينا.. وما هي التحديات وما هي الفرص المتاحة أمامنا.. وبالتالي نعرف ماذا يمكننا أن نفعل في إطار استراتيچية واسعة نعتبر أنها استراتيچية المقاومة والوحدة مؤقتًا. نعم لأنها استراتيچية رد الفعل الذي لا نملك سواه الآن.. لكن في مشروع مستقبلي، لابد أن يكون لدينا استراتيچية تتجاوز أننا مجرد رد فعل لهجمة موجهة نحونا. نتطلع لرؤية مستقبلية طويلة المدى تترجم إلى أهداف أوسع بكثير لبناء مشروع حضاري متكامل وتأتي المقاومة والوحدة كأداة من أدواته وليست عنواناً للمشروع.
كانت تلك مقدمة لا غنى عنها لفتح حوار واسع يستهدف المشاركة في بناء خطة استراتيجية للتغيير تتضمن عدد من المحاور والإجابات على النحو التالي:

1. من نحن ؟ ودعونا هنا نتحدث عن التيار الناصري .
2. ما هي رؤيتنا طويلة المدى ؟ أو كيف نرى أنفسنا في المدى الطويل ؟
3. ما هي الرسالة التي نتبناها ؟ بمعنى: ماذا نريد أن نقدم للأمة ؟ كيف ؟ ولماذا ؟
4. ما هي الأهداف التي نسعى إلى تحقيقها خلال السنوات (العشر أو الخمس) القادمة لنحدث التغيير ؟
5. ما هي الفرص والتحديات على المستويات الدولية والإقليمية والقطرية التي قد تؤثر على سعينا هذا ؟
6. ما هي نقاط القوة والضعف التي يتسم بها التيار الناصري وتؤثر على سعينا هذا ؟
7. ما هو اختيارنا الاستراتيجي الأفضل ؟ أو ما هو السبيل/الأسلوب/الطريق الأنسب والأكثر فاعلية لتحقيق أهدافنا المحددة في ظل هذه الظروف الخارجية والداخلية والذاتية ؟
8. ما هي الخطط والبرامج والخطوات العملية التي يجب مباشرتها في الأجل القصير ؟ وكيف يمكن وضع خطة زمنية لذلك ؟
وتلك أيضاً دعوة لحوار واسع يستهدف بداية اعتماد المحاور أو الموضوعات أعلاه كمنهج للحوار ثم ننطلق للبناء محوراً وراء آخر حتى نستكمل هذه المهمة لوضع خطة استراتيجية للتغيير يشارك فيها كل من يرغب من أصحاب الفكر والاهتمام من الناصريين .

تخبط قبل العاصفة ?


بقلم : د. فوزي الأسمر
هل يشير التخبط السياسي الدائر في إسرائيل إلى " تخبط قبل العاصفة " ؟ أم أن هناك تناقضا جديا داخل حكومة بنيامين نتنياهو؟ أم كل ما يجري هو مجرد مناورة كلامية للإستهلاك الداخلي ؟ وسائل الإعلام الإسرائيلية ترجح كل هذه الإحتمالات .
ولكن هناك شبه إجماع لدى الكثيرين من المحللين السياسيين الإسرائيليين أن إمكانية الحرب في الشمال , أي بين سورية ولبنان وبين إسرائيل أمر وارد لدى حكومة اليمين المتطرف في إسرائيل , وأن هذه الحكومة بإنتظار فصل الربيع للقيام بشنها , لأن إسرائيل لا تدخل الحروب في فصل الشتاء . وأن إمكانية قيام إسرائيل بمغامرة عسكرية ضدّ المنشأت النووية الإيرانية أمر وارد أيضا في قاموس المحللين الإستراتيجيين الإسرائليين .
فالذين يتحدثون عن الحرب يسقطون إلى حد كبير إمكانية قيام حرب كلاسيكية , كما حدث في الحروب السابقة بإستثناء حرب 2006 في لبنان . على إعتبار أن العرب وصلوا إلى قناعة أن لإسرائيل اليد العليا في مثل هذه الحرب , حرب الدبابات والطائرات .
والإعتقاد السائد هو أن الحرب القادمة ستكون حرب دفاع وهجوم , فإذا قامت الطائرات أو الصواريخ الإسرائيلية بقصف المدن العربية , فإن الرد سيكون بالمثل , وهناك سابقة وهي حرب 2006 , وبالتالي فإن الدمار لن يكون على جانب واحد من الحدود , كما تعودت إسرائيل في حروبها الماضية .
كما أن الغزو البري سيواجه بحرب عصابات تتبناها المقاومة وليس بحرب جيوش نظامية , بمعنى أن الدبابات والمدرعات والآليات العسكرية الإسرائيلية التي ستعبر الحدود ستواجه حرب فدائيين وإنتحاريين . ولهذا السبب تردد وسائل الإعلام الإسرائيلية بين الحين والآخر تصريح الرئيس السوري , بشّار الأسد , في أعقاب هزيمة إسرائيل في حرب 2006 , أن " المقاومة تؤدي للسلام " .
وتفسر وسائل الإعلام الإسرائيليةهذه المقوله بأن عهد الحرب الكلاسيكية قد انتهت , وأن حرب المقاومة والعمل الفدائي , لن يعطي إسرائيل إمكانية الإنتصار العسكري المطلوب على غرار إنتصاراتها في الحروب السابقة .
فهذا النوع من التفكير هو الذي يدفع الكثيرين من الإسرائيليين رفض فكرة الحرب , طالما أن الإنتصار غير مؤكد , وأن الدمار لن يكون على جانب واحد من الحدود .ومهما كانت الغطرسة الإسرائيلية الرسمية , إلا أن رجل الشارع الإسرائيلي غير مستعد لدفع الثمن لأن حكومته تريد أن تفرض سيطرتها بقوة السلاح وإعادة ثقافة الهزيمة إلى عقول وقلوب العرب , مقابل وقوع ضحايا و تدمير مدن ومنشآت إسرائيلية .
فبسبب عدم وجود إستقرار , ومحاولة إسرائيل العيش بقوة السلاح , وبسبب نتائج حرب 2006 فإن عددا لا بأس به من الإسرائيليين قد هاجروا من البلاد . وقد جاء ذلك في إفتتاحية صحيفة " هآرتص " ( 11/2/2010) حيث قالت :"إن نسبة الإسرائيليين الذين هاجروا من البلاد كبيرة .... السبب هو صعوبة الحياة في إسرائيل بسبب الصراع مع العرب " .
ولكن الداعين إلى الحرب يفسرون موقفهم بأنه لا يمكن التفاوض مع العرب وهم في موقع قوة بسبب نتائج حرب لبنان الثانية وبسبب حرب غزة التي ولدت تقرير غولدستون . إن الإنتصار في الحرب القادمة هو السبيل الوحيد , حسب رأيهم, للحصول على ما تريده إسرائيل .
وقد ظهر هذا الموقف واضحا في مقال نشرته صحيفة " يدعوت أحرونوت" ( 7/2/2010 ) عنوانه " توجه نتنياهو للحرب " . يقول كاتب المقال أن مواقف المتحمسين للحرب من الوزراء من يوسي بيليد وحتى أفغيدور ليبرمان تحدثوا بما فيه الكفاية عن الحرب والضربات الوقائية , وهم صادقون في كل أقوالهم وشعورهم ولكن هذا لا يعني أن مخططهم قد ينجح , ومع ذلك فقد:" حان الوقت لأن نصرخ في إذن رئيس الوزراء الذي يتحدث عن السلام ونقول : إن توجهك هو للحرب , إلى حرب مع سورية , وأنت تعرف هذا جيدا , حتى لو لم تكن متحمسا لذلك . فلو كان توجهك للسلام لجلست مع الأسد وتفاوضت معه.إنك تعرف الثمن المطلوب " .
ويقول الكاتب أنه في أعقاب هذه الحرب لن يكون أمام نتياهو سوى الجلوس والتوقيع على السلام الذي يقف اليوم أمام عينيه , بالإضافة إلى الضحايا الذين قدموا أنفسهم من أجل لا شيء . وهذه النتيجة التي خرج بها الكاتب تشير إلى عدم ثقته بمقدرة إنتصار إسرائيل عسكريا .
ومواقف نتنياهو المتخبطة واضحة للرأي العام الإسرائيلي أكثر من وضوحها للإدارة الأمريكية , ولكثير من الحكومات العربية والأوروبية . ولهذا تستطيع صحيفة " معاريف " ( 10/2/2010 ) أن تنشر مقالا بعد مرورسنة على وجود نتنياهو بالحكم جاء فيه أنه بعد سنة من حكم نتنياهو :" فإن السياسة التي يتبعها هي أحجية . إنه من غير الواضح بعد سنة من وجود نتنياهو بالحكم ماذا يفكر حقيقة عن السلام وعن الأراضي ( المحتلة ) " .
ويُجمع أكثر من محلل سياسي أن كرسي رئاسة الوزراء مهم جدا لنتنياهو ولهذا فإنه مشلول الحركة , لا يستطيع التحرك في تجاه السلام كي لا يخسر شركاءه في الحكومة , والتحرك نحو السلام يدخله في صراع بين واقعه وبين أيديولوجيته الصهيونية التي ترفض أن تدفع ثمنا حتى للسلام . وبالتالي فإنه يتفق على ما يبدو مع موقف وزير خارجيته , ليبرمان , عندما قال :" إذا قامت دولة فلسطينية فإنه لن تبقى دولة إسرائيل " ( هآرتص 9/2/2010 ) .
والصراع الداخلي في إسرائيل أخذ يتطور بصورة تقلق الرأي العام هناك , على الرغم من عدم تناقل وسائل الإعلام العربية والعالمية تفاصيل هذا الصراع . فبالإضافة إلى الخلافات الحادة في مواقف الوزراء حول السلام والتوجه للحرب , هناك مواقف متناقضة بالنسبة للمستعمرات اليهودية على الأرض الفلسطينية المحتلة منذ عام 1967 والمستعمرين اليهود .
ففي الوقت الذي يشجع فيه بعض الوزراء الأعمال الإرهابية التي يقوم بها الإرهابيون اليهود منطلقين من مستعمراتهم , على البيوت العربية والحقول العربية ( هآرتص 28/1/2010 ) , يرى البعض أن الخضوع لمطالب :" المتدينين اليهود قد اصبح يشكل خطرا على مستقبل الدولة كلها , حيث تعدت ما يريدونه المطالب السياسية إلى المطالب الإجتماعية أيضا " ( معاريف 9/2/2010 ) .
إن الصراع الداخلي بين قادة إسرائيل ولدّ الكثير من الضغط على الرأي العام الإسرائيلي , فالتخوف من ضرب العمق الإسرائيلي في حالة نشوب حرب حدت ببعض المثقفين اليهود الإسرائيليين إلى الدخول في المعترك السياسي وطرح حلول للمشاكل المستعصية . فمثلا نشر الروائي الإسرائيلي المشهور , أ. ب. يهوشع , مقالا سياسيا في صحيفة " هآرتص " ( 10/2/2010 ) حول كيف يمكن تنفيس التهديد الإيراني على إسرائيل , ويخلص إلى القول أن إيران تستغل القضية الفلسطينية كي تهدد إسرائيل بالدمار ولهذا يقترح الكاتب :" أن الوصول إلى سلام بين الفلسطينيين والإسرائيليين سيحيد موقف إيران من إسرائيل " .
إن هذا التخبط الإسرائيلي لا يعني أنه لا يوجد قاسم مشترك أعظم بين قادتها وهو أيديولوجيتهم الصهيونية التي تمنعهم من التنازل عن الأرض المحتلة , أو إقامة دولة فلسطينية تتمتع بسيادة وإستقلال حقيقيين , هذه الإيديولوجية القائمة على الإرهاب , والتوسع بقوة السلاح . ولهذا فإن الحكومة الحالية لن يهدأ لها بال إلا إذا إستطاعت إحراز إنتصار عسكري , ولذا فإن إمكانية قيامها بمغامرة كهذه واردة جدا على الرغم من المعارضة الموجودة ضدّ الحرب

أخبار الحريات في تونس


حــرية و إنـصاف


منظمة حقوقية مستقلة

تونس في 26 صفر 1431 الموافق ل 11 فيفري 2010
أخبار الحريات في تونس
1)    محاصرة ومراقبة لصيقة للناشط الحقوقي الأستاذ محمد عبو:
تعرض الناشط الحقوقي الأستاذ محمد عبو نهار اليوم الخميس 11 فيفري 2010 للمراقبة اللصيقة من قبل أعوان البوليس السياسي، وتحولت هذه المراقبة إلى محاصرة لمنزل العائلة الكائن بجهة الوردية بالعاصمة ومنع الزائرين.
وحرية وإنصاف تندد بهذه الممارسات المخالفة للقانون التي تستهدف الأستاذ محمد عبو وتدعو إلى وضع حد لها وتطالب السلطة باحترام القانون والالتزام بالاتفاقيات والمعاهدات الدولية التي صادقت عليها والتي تنص على حماية المدافعين عن حقوق الإنسان.
2)    استمرار اعتقال شبان منزل بورقيبة:
لا يزال الشبان عماد القبطني وخالد الدلاجي وصلاح الطعبوري وعمر الفنطازي وشكري العراس ومنير النفزي أصيلي عمادة سيدي منصور معتمدية منزل بورقيبة قيد الاعتقال لليوم الرابع على التوالي، ولا تزال عائلاتهم تجهل سبب ومكان احتجازهم.
وحرية وإنصاف تجدد مطالبتها للسلطة بوقف الاعتقالات العشوائية واستهداف الشبان بسبب انتمائهم الفكري والعقدي وتدعو إلى إطلاق سراحهم فورا وتوفير مناخ من الحوار واحترام حرية الانتماء والمعتقد.
3)    حتى لا يبقى سجين العشريتين الدكتور الصادق شورو عيدا آخر وراء القضبان:
لا يزال سجين العشريتين الدكتور الصادق شورو وراء قضبان سجن الناظور يتعرض لأطول مظلمة في تاريخ تونس، في ظل صمت رهيب من كل الجمعيات والمنظمات الحقوقية، ولا تزال كل الأصوات الحرة التي أطلقت صيحة فزع مطالبة بالإفراج عنه تنتظر صدى صوتها، لكن واقع السجن ينبئ بغير ما يتمنى كل الأحرار، إذ تتواصل معاناة سجين العشريتين في ظل التردي الكبير لوضعه الصحي والمعاملة السيئة التي يلقاها من قبل إدارة السجن المذكور.
عن المكتب التنفيذي للمنظمة
الرئيس
الأستاذ محمد النوري

السوريون يسخرون :كيف تعرف أنك تشاهد التلفزيون السوري!


يوسف سرحان
تحولت الرسائل المتبادلة بين المواطنين السوريين العاديين عبر البريد الإلكتروني، إلى وسيلة للتعبير والسخرية من الأوضاع المعيشية والاقتصادية والإعلامية التي يعيشها السوريون، في ظل غياب إعلام سوري حقيقي معبر عن آمال الناس وآلامهم تلفزيونياً وورقياً،
 يعرف بدقة من هو الكاتب أو الكتاب الأساسيين الذين يكتبون هذه الرسائل، التي يتم تداولها سواء عبر مجموعات بريدية يمكن لأي مواطن إنشائها من بريده الخاص، ليرسل لمن يحب الرسائل المميزة والطريفة التي تصله، أو عبر مجموعات مرتبطة فيما بينها، عن طريق المواقع المجانية الكثيرة التي تتيح إنشاء مثل هذه المجموعات. وكانت السلطات السورية قد حجبت في وقت سابق مواقع عديدة تيتح لمستخدميها إنشاء المدونات المجانية التي يعبر فيها الشباب عن آرائهم وأفكارهم بحرية، كما قامت في فترة من الفترات بحجب مواقع بريد إلكتروني كـ (مكتوب) و(هوتميل) و(جي ميل) في سابقة لم تحدث في أي مكان من العالم... قبل أن تعود إلى فتحها
توجيه الدعم لمستحقيه!
الهم المعيشي للمواطن السوري يكاد يكون المحور الأساسي التي تدور حوله معظم هذه الرسائل الإلكترونية، التي صارت فضاء حراً، تزدهر فيه النكتة السورية... ولعل أطرف الرسائل التي تم تداولها في هذا السياق أن مواطناً سورياً سأل مواطناً إماراتياً: كم راتبك؟! فرد الإماراتي: (راتبي 25000'درهم، وبدل سكن'120000 درهم سنويا،'وبدل مواصلات 1500 درهم شهريا، وبدل غلاء معيشة 2500 درهم، وبدل ماء وكهرباء 2000 درهم وسيارة كل سنة، وتأمين صحي للعائلة، ومدارس خاصة لأولادي، وتذاكر سفر دولية على الدرجة الأولى.. وأنت كم راتبك؟!) فأجاب المواطن السوري: (راتبي 10000 ليرة سورية! (حوالي 200 $) فسأل الإماراتي متعجباُ: هذي بدل إيش؟! فقال السوري: (بدل ما أشحد وأتسول)
وفي السياق نفسه، استأثرت مشكلة رفع أسعار المازوت (350 ') دفعة واحدة... ثم تخفيضه إلى (300 ') فقط بعد عام من الشكوى وارتفاع أسعار كل شيء بسبب هذه الزيادة العالية جداً على المادة الأساسية المستخدمة للتدفئة في سورية... استأثرت هذه المشكلة بسخرية العديد من الرسائل البريدية السورية، وخصوصاً بعد أن بررت الحكومة هذا الإجراء بشعار: (توجيه الدعم إلى مستحقيه) وقررت توزيع إعانة سنوية على المواطنين السوريين كبدل تدفئة مقدارها (200) دولار أمريكي لكل أسرة، إنما بشروط عجائبية محددة منها: (ألا تمتلك الأسرة سيارة سياحية تزيد سعة محركها على 1600 سم/ ألا تزيد فواتير الماء والكهرباء والهاتف والمحمول على 100 دولار في الشهر/ ألا يكون لديها مصدر دخل إضافي... إلخ) وقد فتحت هذه الشروط التعجيزية المذلة، قريحة السوريين للسخرية... وكان من بين الرسائل الإلكترونية التي تم تداولها... رسالة بعنوان: (شروط بدل المازوت في سورية) ومما جاء فيها:
(إذا كنت حابب تحصل على بدل مازوت عنّا فلازم تحقق المواصفات العشرة التالية:
1 ـ لازم يكون راتبك 0، يعني ما عندك راتب، وما بتشتغل، ولا بتشحد، ولا بتاخد مصاري ولا بتاكل ولا بتشرب.. وعايش عمرك عالدفا وبس.
2 ـ لازم يكون لون عيونك عادي، لا أزرق ولا أخضر، وطول رموشك لا يتعدى الـ5 دوزيم.
3 ـ لازم يكون عندك شي 7 أولاد، اثنان منهم معاقين، أو برصان... ويفضل تكون أصلع... وصلعتك بتبرد بالشتاء!
4 ـ أجدد شغلة ببيتك هي اللمبة.
5 ـ لازم تكون أجدد كندرة عندك عمرها 5 سنين، وما بتلبسها غير وقت المناسبات والدبكة، وبالحالة الاعتيادية (شالوخك) بيناضل معك.
6ـ بيتك بغوغلا، و أجار جديد وليس قديماً (الإيجارات القديمة في سورية غير قابلة للارتفاع).
7 ـ تعاني من الأعراض التالية في الشتاء: ارتجاج مخيخ بالسنان، شفاه زرقاء صافية، تصدّف بالقدمين بسبب تجمد المياه المحيطة بالجوارب في حذائك المليء بالمياه التي تطوف في الشوارع مع كل هطول للأمطار!
8 ـ بلاليع المنزل دائما مغلفة بسبب تراكم الثلوج.
9 ـ مرتك معها انفصام شخصية وبتفكر حالها تلجة بالشتوية.. وعندك ابن حلم حياتو يتحول لجمرة مشتعلة!
10 ـ تستخدم كل يوم نص أو ربع لتر مازوت، ولأسباب إنسانية تمنع أحد أفراد العائلة من التجمد!
- أما الأوراق الثبوتية المطلوبة... فهي: أوراق تثبت كل ما ذكر في الأعلى مع 40 شاهدا من نفس البناية.. إحضار مختار الحارة أو الحي، مع مختار الحي المجاور ليؤكد كل منهما هوية الآخر... 40 ألف طابع مالي وصحي وشعبي.. ومبروك عليك بدل المازوت)
ولم تتوقف السخرية من الطريقة الروتينية البيروقراطية في توزيع إعانة المازوت على السوريين، حتى بعد البدء بتوزيع (شيكات الدعم) وهي عبارة عن شيكين مقدار كل واحد منهما (ما يعادل 100 دولار أمريكي) يصرف الأول في بداية العام، والثاني في بداية الشهر الثاني من العام... فقد شهدت هذه الطريقة مع كتابة التعهد للمواطنين بانطباق المواصفات المطلوبة كي يستحقوا الدعم، مع صورة للهوية الشخصية وإحضار البطاقة الشخصية والوقوف في الطابور لساعات طويلة في مراكز توزيع الدعم... شهدت هذه الطريقة الكثير من السخرية النابعة من العذاب الذي لاقاه الكثيرون جراء هذه الإجراءات... وقد اختصرت إحدى الرسائل البريدية المتداولة كل هذا، بصورة جماعية، لعشرات المواطنين الذين بدوا في حالة بائسة... وقد كتب عليها التعليق التالي: (تخريج الدفعة الأولى من الحاصلين على بدل المازوت... اغتنم الفرصة لتحقق الشهرة وتكون صورتك بين هؤلاء!).
كيف تعرف أنك تشاهد التلفزيون السوري!
ولا تقتصر سخرية السوريين في رسائلهم المتبادلة عبر الانترنت، على أوضاعهم المعيشية ومتاعبهم الحياتية، بل تشمل كذلك صورة الإعلام الذي يفترض أن يعكس مختلف جوانب حياتهم بشفافية وصدق. وتشكل العلاقة مع التلفزيون السوري الرسمي بقنواته الثلاث، محوراً دائماً من محاور هذه السخرية... وثمة رسالة يتم تداولها عبر أكثر من قائمة بريدية منذ أكثر عام، وبأكثر من صياغة بعنوان: (كيف تعرف أنك تشاهد التلفزيون السوري)، يضيف لها المتداولون باستمرار بنودا جديدة... وقد حددت هذه الرسالة أربعة عشراً بنداً، تجعل أي مواطن سوري يعرف أنه يشاهد التلفزيون الرسمي، وهذه البنود هي:
1 -إذا شاهدت مذيعة من عيار (خراس وتفرج) كانت تقدم منذ كنت طفلاً برنامجاً لم يتوقف حتى اليوم، رغم أنك تخرجت من الجامعة وتزوجت، وهاهم أولادك يتابعون اليوم هذه المذيعة التي هي من الثوابت الإعلامية الراسخة ومن أهم تحفنا الوطنية الباقية على الشاشة فاعرف أنك تشاهد التلفزيون السوري!
2 -إذا خرجت مذيعة الأخبار وهي تضع ابتسامة عريضة (مسبقة الصنع) على وجهها، لتزف لك الخبر المفجع من انفجارات ووقوع ضحايا وشهداء!
3 -إذا شاهدت الخبر الذي تناقلته الفضائيات العربية من 3أيام يظهر على شريط أخبار شاشتنا ضمن (خبر عاجل!).
4 -إذا كان أحد المذيعين يقلد بإبداع برنامج (ميشو شو) وطريقة أدائه في برنامج مسابقات يبث على التلفزيون والإذاعة بآن واحد دون أن ينسى أن يقول لك: إلك أو معك.
5 -عندما يكون مقدم برنامج عن الطب والصحة... ويبدو المذيع وهو يحاول إظهار نفسه أنه أفهم من الطبيب الضيف
6 -عندما تكون المقابلة مع مسؤول، و يتصل مواطن جريء فتجد مقدم البرنامج وهو يحاول سحق المواطن وإسكاته، خوفا من إحراج الضيف.. وغضب المسؤول... وفجأة نرى إن الاتصال قد انقطع... فيتصنع المذيع الأسف لهذا الخطأ الفني، ويطلب من المواطن إياه، أن يحاول معاودة الاتصال مرة أخرى!
'7-عندما تشاهد ديكور استوديو و كأنه من تصميم بياع فلافل و بكلفة لا تتجاوز 5000 ل س وباقي الإنارة مستعارة من غير استوديوهات وتكون متأكدا أن فاتورة الديكور تجاوزت الـ 250000 ل س .
8- عندما تشاهد في الشارة أسماء العاملين في البرنامج من اسرة واحدة
9- إذا كانت المذيعة التي تحاور الضيوف تبدو بحالة دهشة وذهول وانبهار بالضيف، وكأنها رسول نسي وصاياه العشر، ولم يتذكر إلا الحادية عشرة منها وهي التسليم بقناعة ورضا بالسيناريو المرسوم من قبل المعد وعدم الخروج عنه!
10- عندما تسمع صوت 'خبيط' وصوت أعمال نجارة وأنت تتفرج على برنامج على الهواء، لأن هناك تحضير لبرنامج بريد الأطفال.
11 -عندما تشاهد فيديو كليب وترى انه مقطوش ربعه من الأعلى ونصفه من الأسفل لإخفاء لوغو محطة أخرى، كدلالة على أن الكليب مسروق من قناة فضائية أخرى!
-12 إذا شهدت خلال فترة الأعياد (سهرة تلفزيونية) تبدأ من الصباح الباكر دون سابق إنذار وتستمر حتى المساء قبل فترة النوم بقليل والضيوف هم أنفسهم بكل حلقة من أيام العيد وهم.. علي الديك ونضال سيجري. وشكران مرتجى وزهير رمضان وعبير شمس الدين.
13 -إذا رأيت الإعلانات نفسها تتكرر دون انقطاع مثل شوكولا عمار (يا خيو ما أكوسها) وعلكة سهام (شو طيبة).. ومحارم ديمة... ديمة... ديمة (بكل علبة هدية)
14- إذا شعرت أن كل البرامج (الجديدة) مستنسخة إما من بعضها أو من محطات أخرى، ولكن بأسلوب بازاري مقلد... ولا جديد فيها، فتأكد أنه التلفزيون السوري (ماركة أصلية مسجلة... ماركة الدب) وهو من نوع سبق ومن عصر آخر مضى!
ورغم أن بعض هذه (العلامات المميزة والفارقة) قد تجاوزها الزمن في عمل التلفزيون السوري اليوم، إلا أنه من الواضح أنها بقيت عالقة في أذهان مشاهديه على مر سنوات طويلة، عانوا فيها من خطابه الخشبي وصورته الباهتة وأداءه المترهل... الذي لم يتأثر لا بوجود فضائيات، ولا بثورة مالية... ولا بأي تقدم أو أزمة عالمية!
أسئلة امتحان الشهادة الثانوية بعد عشرين عاما!
وفي مجال الفن والغناء، تمتد سخرية السوريين، لتطال حالة التراجع الثقافي الذي يتخيل بعضهم، أنها يمكن أن تنعكس... حتى على مستوى الامتحانات التعليمية كما نرى في رسالة بعنوان: (امتحان الشهادة الثانوية في دورة 2030) جاء فيها:
قال الشاعر (علي الديك) يصف موسم الحصاد، ويتغزل بحبيبته السمراء:
جايي تسنبل وراي... سمرا وأنا الحاصودي
مابو بالزرع شمّيل... عودي ع ديارك عودي
لا تقولي مر وميّل... خاف عيونك باوردي!
سمرا أوعى تحبيني... أنا عصفور طياري!
'الأسئلة:
'1. غنّ البيتين الأول والثاني بدون موسيقى ولا تنس التصفيق!
'2. لماذا يريد الشاعر عودة حبيبته في البيت الثاني مع أنها جابتلو الزوادي؟
3. في النص تلميح واضح لعودة الشعب الفلسطيني إلى دياره السليبة من خلال التركيب البياني (عودي عديارك عودي) حدد أركان هذا التركيب .
4. فسر معنى الكلمتين (مابو ـ شميل).
5. تخيل الشاعر نفسه سائق طيارة من خلال قوله (آني عصفور طياري) حدد نوع العصفور الذي قصده الشاعر: (فري... حجل ... دجاجة بياضة)
6. أكتب ثلاثة أبيات من قصيدة الشاعرعلي ديوب (واعدتينا تحت التينا وما جيتينا)
أما أسئلة النحو:الإعراب... فجاءت على النحو التالي:
أين تجد كلمة ( تسنبل - واراي) في قاموس لسان الكراجات؟
حوّل كلمة (بارودي) إلى مسدس دون إطلاق عيارات نارية!
في النص مواضع سخافة كثيرة حدد اثنين منها.
وفي مجال (القراءة والمطالعة) جاءت الأسئلة على النحو التالي:
جاء في قصيدة صباح فخري:
خمرة الحب اسقنيها همّ قلبي تنسنيه
عيشةٌ لا حب فيها جدول لا ماء فيه
'1ـ تحدّث عن دوخان صباح فخري بما لا يتجاوز 3000 سطر مع العلم أن تابع الحركة الدورانية هو: ع = لغ(ب + ج ) .
'2ـ إلام يرمز الخمر في هذه القصيدة ؟ ثم هات أربعة من المشروبات الروحية دون ذكر 'الماسة ' أما موضوع (التعبير) أو (الإنشاء) فكان محوره:
' بوس الواوا خلي الواوا يصح' ناقش مُعاناة هيفاء وهبي مع المرض موضحاً الأسباب الرئيسة لقيامها بدور (ملائكة الرحمة) في هذه الأغنية، ومدعما حديثك بالشواهد المناسبة... شريطة ألا تخدش الحياء العام!
مستحيلات الدنيا الأربعة عشر!
أما أطرف الرسائل التي يتداولها السوريون، للسخرية من الحالة الأمنية القابضة على حياتهم... فهي رسالة بعنوان: (مستحيلات الدنيا الأربعة عشر) وقد تخيل كاتب الرسالة، المميزات التي تميز بعض الشعوب العربية والإسلامية، والتي يكاد يكون خرقها، أو تغييرها من المستحيلات... ولم تخل هذه الرسالة من بعض الأوصاف الجارحة بحق الآخرين، لذا تم تشذيبها وحذف بعض التعابير المسيئة منها.. فكان هذه المستحيلات هي:
(إماراتي فقير/ فلسطيني لا نازح ولا لاجئ/ مصري ساكت/ سوداني نشيط/ مغربي حدا بيفهم عليه وقت يتكلم عربي/ يمني صاحي/ كويتي متواضع/ سعودي من يومين ما أكل كبسة/ إيراني اسمه ?/ هندي ما بهز رأسه/ أردني يحب النكتة/ لبناني ما بيفنّص (يدعي مالا يقدر على فعله)/ وسوري ما انكتب فيه تقرير للأمن بحياته!)

السخرية كمتنفس وعلاج!
من الواضح أن السوريين، يتحاشون في سخريتهم، تناول الأشخاص أو المسؤولين الكبار بأسمائهم ومناصبهم، كما نرى على سبيل المثال، لدى المصريين في نكاتهم الشفهية المتداولة واللاذعة والتي تنشرها الصحف بين الحين والآخر، أو لدى اللبنانيين في برامجهم السياسية التلفزيونية الساخرة... ومهما قيل عن الوجه الذي تعكسه هذه الرسائل عن سورية، فإنها تبقى تعبيراً عن حالة صراع معنوي من أجل التوازن، وعن حاجة ملحة للسخرية البريئة وغير المؤذية، التي تشكل متنفساً يحتاجه السوريون للتأكيد في ظل القيود المفروضة على حرية التعبير، كما تبقى مادة للدراسة عن هذا الفضاء الجديد والمغفل التوقيع، الذي تزدهر فيه النكتة السورية اليوم!