الخميس، 11 فبراير 2010

تخبط قبل العاصفة ?


بقلم : د. فوزي الأسمر
هل يشير التخبط السياسي الدائر في إسرائيل إلى " تخبط قبل العاصفة " ؟ أم أن هناك تناقضا جديا داخل حكومة بنيامين نتنياهو؟ أم كل ما يجري هو مجرد مناورة كلامية للإستهلاك الداخلي ؟ وسائل الإعلام الإسرائيلية ترجح كل هذه الإحتمالات .
ولكن هناك شبه إجماع لدى الكثيرين من المحللين السياسيين الإسرائيليين أن إمكانية الحرب في الشمال , أي بين سورية ولبنان وبين إسرائيل أمر وارد لدى حكومة اليمين المتطرف في إسرائيل , وأن هذه الحكومة بإنتظار فصل الربيع للقيام بشنها , لأن إسرائيل لا تدخل الحروب في فصل الشتاء . وأن إمكانية قيام إسرائيل بمغامرة عسكرية ضدّ المنشأت النووية الإيرانية أمر وارد أيضا في قاموس المحللين الإستراتيجيين الإسرائليين .
فالذين يتحدثون عن الحرب يسقطون إلى حد كبير إمكانية قيام حرب كلاسيكية , كما حدث في الحروب السابقة بإستثناء حرب 2006 في لبنان . على إعتبار أن العرب وصلوا إلى قناعة أن لإسرائيل اليد العليا في مثل هذه الحرب , حرب الدبابات والطائرات .
والإعتقاد السائد هو أن الحرب القادمة ستكون حرب دفاع وهجوم , فإذا قامت الطائرات أو الصواريخ الإسرائيلية بقصف المدن العربية , فإن الرد سيكون بالمثل , وهناك سابقة وهي حرب 2006 , وبالتالي فإن الدمار لن يكون على جانب واحد من الحدود , كما تعودت إسرائيل في حروبها الماضية .
كما أن الغزو البري سيواجه بحرب عصابات تتبناها المقاومة وليس بحرب جيوش نظامية , بمعنى أن الدبابات والمدرعات والآليات العسكرية الإسرائيلية التي ستعبر الحدود ستواجه حرب فدائيين وإنتحاريين . ولهذا السبب تردد وسائل الإعلام الإسرائيلية بين الحين والآخر تصريح الرئيس السوري , بشّار الأسد , في أعقاب هزيمة إسرائيل في حرب 2006 , أن " المقاومة تؤدي للسلام " .
وتفسر وسائل الإعلام الإسرائيليةهذه المقوله بأن عهد الحرب الكلاسيكية قد انتهت , وأن حرب المقاومة والعمل الفدائي , لن يعطي إسرائيل إمكانية الإنتصار العسكري المطلوب على غرار إنتصاراتها في الحروب السابقة .
فهذا النوع من التفكير هو الذي يدفع الكثيرين من الإسرائيليين رفض فكرة الحرب , طالما أن الإنتصار غير مؤكد , وأن الدمار لن يكون على جانب واحد من الحدود .ومهما كانت الغطرسة الإسرائيلية الرسمية , إلا أن رجل الشارع الإسرائيلي غير مستعد لدفع الثمن لأن حكومته تريد أن تفرض سيطرتها بقوة السلاح وإعادة ثقافة الهزيمة إلى عقول وقلوب العرب , مقابل وقوع ضحايا و تدمير مدن ومنشآت إسرائيلية .
فبسبب عدم وجود إستقرار , ومحاولة إسرائيل العيش بقوة السلاح , وبسبب نتائج حرب 2006 فإن عددا لا بأس به من الإسرائيليين قد هاجروا من البلاد . وقد جاء ذلك في إفتتاحية صحيفة " هآرتص " ( 11/2/2010) حيث قالت :"إن نسبة الإسرائيليين الذين هاجروا من البلاد كبيرة .... السبب هو صعوبة الحياة في إسرائيل بسبب الصراع مع العرب " .
ولكن الداعين إلى الحرب يفسرون موقفهم بأنه لا يمكن التفاوض مع العرب وهم في موقع قوة بسبب نتائج حرب لبنان الثانية وبسبب حرب غزة التي ولدت تقرير غولدستون . إن الإنتصار في الحرب القادمة هو السبيل الوحيد , حسب رأيهم, للحصول على ما تريده إسرائيل .
وقد ظهر هذا الموقف واضحا في مقال نشرته صحيفة " يدعوت أحرونوت" ( 7/2/2010 ) عنوانه " توجه نتنياهو للحرب " . يقول كاتب المقال أن مواقف المتحمسين للحرب من الوزراء من يوسي بيليد وحتى أفغيدور ليبرمان تحدثوا بما فيه الكفاية عن الحرب والضربات الوقائية , وهم صادقون في كل أقوالهم وشعورهم ولكن هذا لا يعني أن مخططهم قد ينجح , ومع ذلك فقد:" حان الوقت لأن نصرخ في إذن رئيس الوزراء الذي يتحدث عن السلام ونقول : إن توجهك هو للحرب , إلى حرب مع سورية , وأنت تعرف هذا جيدا , حتى لو لم تكن متحمسا لذلك . فلو كان توجهك للسلام لجلست مع الأسد وتفاوضت معه.إنك تعرف الثمن المطلوب " .
ويقول الكاتب أنه في أعقاب هذه الحرب لن يكون أمام نتياهو سوى الجلوس والتوقيع على السلام الذي يقف اليوم أمام عينيه , بالإضافة إلى الضحايا الذين قدموا أنفسهم من أجل لا شيء . وهذه النتيجة التي خرج بها الكاتب تشير إلى عدم ثقته بمقدرة إنتصار إسرائيل عسكريا .
ومواقف نتنياهو المتخبطة واضحة للرأي العام الإسرائيلي أكثر من وضوحها للإدارة الأمريكية , ولكثير من الحكومات العربية والأوروبية . ولهذا تستطيع صحيفة " معاريف " ( 10/2/2010 ) أن تنشر مقالا بعد مرورسنة على وجود نتنياهو بالحكم جاء فيه أنه بعد سنة من حكم نتنياهو :" فإن السياسة التي يتبعها هي أحجية . إنه من غير الواضح بعد سنة من وجود نتنياهو بالحكم ماذا يفكر حقيقة عن السلام وعن الأراضي ( المحتلة ) " .
ويُجمع أكثر من محلل سياسي أن كرسي رئاسة الوزراء مهم جدا لنتنياهو ولهذا فإنه مشلول الحركة , لا يستطيع التحرك في تجاه السلام كي لا يخسر شركاءه في الحكومة , والتحرك نحو السلام يدخله في صراع بين واقعه وبين أيديولوجيته الصهيونية التي ترفض أن تدفع ثمنا حتى للسلام . وبالتالي فإنه يتفق على ما يبدو مع موقف وزير خارجيته , ليبرمان , عندما قال :" إذا قامت دولة فلسطينية فإنه لن تبقى دولة إسرائيل " ( هآرتص 9/2/2010 ) .
والصراع الداخلي في إسرائيل أخذ يتطور بصورة تقلق الرأي العام هناك , على الرغم من عدم تناقل وسائل الإعلام العربية والعالمية تفاصيل هذا الصراع . فبالإضافة إلى الخلافات الحادة في مواقف الوزراء حول السلام والتوجه للحرب , هناك مواقف متناقضة بالنسبة للمستعمرات اليهودية على الأرض الفلسطينية المحتلة منذ عام 1967 والمستعمرين اليهود .
ففي الوقت الذي يشجع فيه بعض الوزراء الأعمال الإرهابية التي يقوم بها الإرهابيون اليهود منطلقين من مستعمراتهم , على البيوت العربية والحقول العربية ( هآرتص 28/1/2010 ) , يرى البعض أن الخضوع لمطالب :" المتدينين اليهود قد اصبح يشكل خطرا على مستقبل الدولة كلها , حيث تعدت ما يريدونه المطالب السياسية إلى المطالب الإجتماعية أيضا " ( معاريف 9/2/2010 ) .
إن الصراع الداخلي بين قادة إسرائيل ولدّ الكثير من الضغط على الرأي العام الإسرائيلي , فالتخوف من ضرب العمق الإسرائيلي في حالة نشوب حرب حدت ببعض المثقفين اليهود الإسرائيليين إلى الدخول في المعترك السياسي وطرح حلول للمشاكل المستعصية . فمثلا نشر الروائي الإسرائيلي المشهور , أ. ب. يهوشع , مقالا سياسيا في صحيفة " هآرتص " ( 10/2/2010 ) حول كيف يمكن تنفيس التهديد الإيراني على إسرائيل , ويخلص إلى القول أن إيران تستغل القضية الفلسطينية كي تهدد إسرائيل بالدمار ولهذا يقترح الكاتب :" أن الوصول إلى سلام بين الفلسطينيين والإسرائيليين سيحيد موقف إيران من إسرائيل " .
إن هذا التخبط الإسرائيلي لا يعني أنه لا يوجد قاسم مشترك أعظم بين قادتها وهو أيديولوجيتهم الصهيونية التي تمنعهم من التنازل عن الأرض المحتلة , أو إقامة دولة فلسطينية تتمتع بسيادة وإستقلال حقيقيين , هذه الإيديولوجية القائمة على الإرهاب , والتوسع بقوة السلاح . ولهذا فإن الحكومة الحالية لن يهدأ لها بال إلا إذا إستطاعت إحراز إنتصار عسكري , ولذا فإن إمكانية قيامها بمغامرة كهذه واردة جدا على الرغم من المعارضة الموجودة ضدّ الحرب

ليست هناك تعليقات:

إرسال تعليق