الخميس، 11 مارس 2010

البيان الختامي

البيان الختامي والتوصيات

عقد "التجمع الوطني لدعم خيار المقاومة" ـ مؤتمره الثالث ـ

تحت عنوان "خيار المقاومة وبناء الدولة" في 19 ـ 20 ـ 21 شباط 2010

قصر الاونيسكو وفندق البوريفاج بيروت

شارك فيه مفكرون وأكاديميون وباحثون قوميون واسلاميون وقوى تقدمية من لبنان والوطن العربي والجمهورية الاسلامية في ايران وأجانب.

وقد توزعت أعمال المؤتمر على محورين:

المحور الأول: "الدولة القادرة والعادلة" مقاومة وإصلاح

المحور الثاني: مواجهة المشروع الامبريالي الاميركي ـ الصهيوني

بادىء ذي بدء لا بد أن نرحب في التجمع الوطني لدعم خيار المقاومة ونعبّر عن بالغ تقديرنا لمدى الالتزام والجهود الكبيرة التي بذلها المؤتمرون وعلى وجه الخصوص الأخوة العرب والايرانيين الذين تحملوا عناء السفر وساهموا مع اخوانهم اللبنانيين في انجاح هذا المؤتمر بتقديم دراساتهم الاكاديمية والموضوعية المتقنة مما جعل جوّ الحوار والنقاش حولها مركزا وفاعلا من المشاركين كافة كما عزّز فينا الحرص على الاستمرار والسعي الدائم للعمل معا على دعم خيار المقاومة ومواجهة المشروع الامبريالي الأميركي ـ الصهيوني.

مقدّمة:

إن "التجمع الوطني لدعم خيار المقاومة" وانطلاقا من رؤية مرتكزة إلى الوعي المعرفي للمفاهيم ولا سيما مفهوم الدولة القادرة وخيار المقاومة وتحويلهما إلى وعي وطني عام ومشترك يعتمد المواطنة تعبيرا قانونيا وسياسيا وضمانة للأمن والاستقرار وأساسا للوحدة الوطنية التي تعزّز الانفتاح والحوار ومواجهة العدو والشروع بالاصلاح عن طريق منهجيّة الحلول للبنود المؤجلة ومن بينها تشكيل الهيئة الوطنية العليا لإلغاء الطائفية السياسية واستحداث قانون انتخابي عصري يعتمد النسبيّة والعمل على تحرير القضاء وصون استقلاليته وسواها من الاصلاحات مما يضعنا على سكة الانعتاق من التخلف والتجزئة ويساعد على العبور إلى نظام سياسي وطني وديمقراطي تتعزّز في كنفه الثقافة المقاوِمة والحرية والديمقراطية سبيلا لبناء دولة قادرة وعادلة وبلوغ مجتمع العدل والمساواة والحداثة والتنمية البشرية والمستدامة وحق المواطن في الحياة الكريمة وخلاصه من سياسة التجويع والهدر والفساد والإفساد ومجمل المشكلات الاقتصادية والاجتماعية والمعيشية مما يخوّله المساهمة ببلورة مشروع سياسي شامل يسهم في الربط التعبوي بين الاصلاح في الداخل ومقاومة العدو ونظرية "الحرب الناعمة" ويشكّل منطلقا لعمل وطني وقومي وعالمي ملتزم بخيار المقاومة باعتباره مفهوما ثقافيا عاما وبأن المقاومة ردّة فعل على فعل والذي لا ينبغي أن تقع على عاتق قوى وفئات محدّدة فقط، فهي ملك للشعوب المؤمنة بعدالة قضاياها وشرعية نضالاتها.

بناء على ما تقدم فإن "التجمع الوطني لدعم خيار المقاومة" يرى:

على المستوى الداخلي:

في ظلّ الأزمة العامة السياسية والاقتصادية والاجتماعية المتفاقمة والتي تزداد حدّتها تنعكس سلبا على المواطن والوطن وتتنامى في حمى السياسة الطائفية المعتمدة القائمة على المحاصصة مما يجعل المواطنين رعايا طوائف غير متساوين في الحقوق والواجبات ومن ولائهم أسيرا للطائفة والمذهب بعيدا عن مفهوم المواطنة والانتماء للوطن كما يجعل خيار بناء الدولة عسيرا مما يتطلّب فكرا تجديديا وجهدا وطنيا...

وعليه فإن المشاكل في القطاعات كافة تتّضح بأنها بحت سياسية تتعلق بتركيبة النظام ووظيفته المضبوطة على ايقاع الخارج والممسوكة من حيتان المصالح الذين يتمسكون بامتيازاتهم ويعتبرونها دستورية مما يقف حائلا دون الترقّي باتجاه أي تطوّر إيجابي على طريق الحداثة والديمقراطية...

فلو أخذنا على سبيل المثال لا الحصر المشكلة الاقتصادية فقد يتبيّن لنا بموضوعية أنها ليست نتيجة دين عام فقط بل وليدة عامل سياسي مركّب قائم على عجز مرسوم ومخطط له يقوم بالتوافق بين حراس الهيكل في القطاعين العام والخاص.

كذلك بالنسبة لاستقلالية القضاء التي تستباح على مسرح تدخّل السياسيين بازار الانتقائية والاستنساب الذي يتحكّم بمسار المؤسسة علما أن السلطة القضائية تشكّل صمام الأمان للسلطات كافة.

إنّ ما أدرجناه هو غيض من فيض ينسحب على مجمل القطاعات التي لا يمكن أن تتحصّن إلا في ظلّ نظام سياسي حديث وعصري يؤسس لبناء دولة قادرة وعادلة ومضبوطة على إيقاع الثقافة المقاوِمة والاصلاح الكفيلين بتأطير الولاء والانتماء للوطن ومنع انتشار "الفيروسات" الفتنوية والفئوية والطائفية والمذهبية المدمّرة.

في فلسطين:

إن قضية فلسطين هي القضية المركزية للعرب والمسلمين وأن صراعنا مع العدو صراع وجود لا يتوقف عند حدود لذا فواجب التأكيد إلزامي على حق تحرير كامل التراب الفلسطيني وعودة الشعب الفلسطيني كاملا إلى وطنه ورفض التوطين والتطبيع بأشكاله كافة.

لقد اعتمدت أميركا والغرب الامبريالي على الكيان الصهيوني الغاصب منذ نشأته حليفا يقوم بدور وظيفي وعليه فقد حظي بالدعم السياسي والمادي والعسكري تغطية عدوانيته وجرائمه الوحشية مخالفا المبادىء القانونية الدولية وميثاق الأمم المتحدة ولكن رغم الدعم اللامحدود لم يتمكن الكيان الغاصب من تحطيم إرادة الصمود والقتال لدى الشعب الفلسطيني وعلى مدى ستة عقود من الاحتلال وممارسة صنوف الارهاب وارتكابه جرائم الحرب والإبادة اللاانسانية وفي ظلّ العجز الرسمي العربي وانحداره إلى أقصى درجات التردّي وإستقالته من مسؤولية الصراع مع العدو وقد تجلّى ذلك مؤخرا وليس أخيرا باغلاق معبر رفح وبناء الجدار الفولاذي على حدود قطاع غزّة وبالضغط المتمادي على السلطة الفلسطينية للسير بخط التسوية التي تنسف حق عودة اللاجئين الفلسطينيين كما تؤدي إلى تهجير عرب فلسطين وإقامة دولة عنصرية يهودية نزولا عند رغبة أميركا والعدو الصهيوني الذي لم ولن ينجح في تدجين وتركيع الشعب الفلسطيني والقضاء على روح المقاومة لديه. تلك المقاومة الصامدة التي تستصرخ ضمير السلطة بالعمل على فك تعقيدات الأزمة مع حماس وتحقيق المصالحة الوطنية على أرضية التمسك بالثوابت التي يضمنها الميثاق الوطني الفلسطيني لا للصلح لا للاعتراف ولا للتنازل عن أي شبر في فلسطين ـ كردّ عملي على كل الانتهاكات بحق فلسطين وشعبها المصرّ بالتأكيد على عودة جميع أبناء الشعب الفلسطيني إلى وطنهم الأم فلسطين.

العراق:

بعد سقوط نظام الثنائية القطبية شهد العالم عقدة عدم التوازن مما حدا بأميركا رفع وتيرة الشعور بالآحادية والهيمنة ومحاولة بدء عصر جديد من السيطرة على الشعوب المستضعفة في العالم ومدفوعة بعوامل القوة والتفوق والغرور... وقد أتت أحداث 11 أيلول محفزة لبدء مسلسل الجنون والذي وقع العراق أحد ضحاياه بمباركة صهيونية عالمية وغرب امبريالي واسترخاء عربي مشين.

إلا أنه على الرغم من فداحة ما جرى من تدمير وإبادة للبشر والحجر وتحت وطأة زلزال العصر إلا أن شعب العراق أثبت كما في كلّ مرة عبر التاريخ بأنه لجلاّده بالمرصاد فاستطاع بتضحياته وتصميمه على الصبر والمقاومة بتكبيد المحتل الأميركي وأعوانه وزبانيته خسائر فاقمت أزماته ودفعته لاعادة تموضع قواته الغازية تمهيدا للانسحاب من العراق في تموز 2011.

ولكن ما يهمنا في هذا السياق هو إفشال مشروع تقسيم العراق والعمل على محو مسلسل إثارة الفتن الطائفية والمذهبية والعرقية وهذا ما لا يتحقق إلا بتشكيل إطار سياسي تنظيمي يضم قوى المقاومة المسلحة والقوى السياسية العراقية وتوحيد المواقف السياسية والميدانية وقطع دابر الأعمال الارهابية بحق الابرياء والمدنيين صنيعة الموساد والمحتل الأميركي والوصول إلى وضع برنامج الحدّ الأدنى لعمل جبهوي يحكم علاقات المقاومة وشعبها ضد الاحتلال وعملائه.

المقاومة:

إن ثقافة الشارع العربي إلى جانب تأثّرها بالقوى السياسية ومنها ثقافة النظام الرسمي التي لم تستطع على مدى عقود أن تصل إلى فرض حالة من التوازن في صراعها مع العدو بل زادت في حالة التردّي والتراجع والاستسلام لذا فإن غالبية الشعب العربي التوّاق إلى مواكبة قضاياه إنحاز إلى "الثقافة المقاوِمة" التي أثبتت أنها حقيقة العصر والرافعة والمحرك لمقارعة العدو وتعميم الحرارة في جسم الأمة وقواها الحية وعلى مستوى المواجهة والاصلاح والتغيير وإحياء الأمل في إعادة المساهمة في صياغة الوحدة.

ولكنه في الوقت التي أحيت المقاومة الوطنية والاسلامية حق لبنان في تحرير أرضه وأنزلت بالكيان الغاصب شر الانهزام بجهوزيتها الفائقة وفي انتصارها الاستراتيجي في تموز وحققت توازن الرعب...

وبدورها أبلت المقاومة في فلسطين بلاء العصر ووضعت بصمودها حدا لحالة التنازل عن الحقوق المشروعة رافضة الاعتراف بالعدو ومشروعية عدوانه...

كما ألحقت المقاومة العراقية بالمحتل الأمريكي وأعوانه وملحقاته الخسائر الفادحة ومازالت تخوض المنازلات بمواجهة مشاريعه المشبوهة لتقسيم العراق وإثارة الفتن المذهبية والعرقية...

رغم هذه الانجازات لقوى المقاومة فإن اشكالية عدم وحدتها جبهويا مازالت تجعلها محكومة للنظرة القطرية وكأنها مقاومات لعدة شعوب وهذا قد يؤثر سلبا على مستقبل حركتها مما يفسح في المجال أمام المشروع الأميركي ـ الصهيوني ونظرية "الحرب الناعمة" التي يعتمدها من محاولة الاختراق والتطويق...

وعليه فإنه من الضروري بل من الواجب على "قوى المقاومة" خروجها إلى الأفق الأرحب وارتقائها إلى مستوى الخيار الاستراتيجي بمواجهة المشروع المعادي وتطوير عوامل الاستمرار عن طريق تكامل أجهزتها وجبهاتها بهدف تعبئة الجماهير وبرمجة خطاها على منوالها تحقيقا للوحدة وتأسيس مشروع مقاوم موحّد يقلّص المسافات ويجسّر الفجوات لاحداث انتقالة نوعية سبيلا إلى التكامل مما يضمن ديمومتها ويساهم في وضع الشعب العربي والاسلامي على سكة التفاعل والوحدة انطلاقا للتواصل مع حركات التحرر لمواجهة المشروع الامبريالي الأميركي ـ الصهيوني على مساحة العالم...

إن أميركا التي لن تتوقف عن محاولاتها في إقامة شرق أوسط تحت أي مسمى من ضمن نظام عالمي حيث تعتمد أجندة تحديد وتوزيع مناطق النفوذ والعلاقات حسب مصالحها على غرار القرار 1559 الذي تعمل على احيائه مع أنه سقط وأصبح من الماضي، يستلزم منا تفعيل المواجهة والتصدي لمشاريعها وفي رأس الأولويات مواجهة جهد الافتعال والايقاع بين العروبة والاسلام الذي تستغله أميركا لإبعاد الكيان الصهيوني عن واجهة الصراع واختلاق ايران كمعاد بديل وترويج المذهبية مادة تسويق في المنطقة على وقع "الحرب الناعمة" هذه المرة مستهدفة الأمن القومي العربي والاسلامي والالتفاف على المشروع النووي الايراني لايقافه.

إننا في "التجمع الوطني لدعم خيار المقاومة" وتقديرا منا للجمهورية الاسلامية في ايران ودعمها لقوى المقاومة وحركات التحرر العربية والعالمية نرى لزاما علينا تثمين دورها ومساندة مشروعها النووي الذي يؤدي حتى لو كان للأغراض السلمية إلى كسر معادلة احتكار العدو الصهيوني للسلاح النووي وحيازته له كما يؤكد على التوازن في القوة والردع.

التوصيات:

1ـ "خيار المقاومة وبناء الدولة: قوامه مقاومة وإصلاح متلازمان سبيلا لمجتمع العدل والمساواة والديمقراطية وحفظا لحق المواطن وسيادة الوطن.

2ـ المواطنة تعبير قانوني وسياسي وأساس في الأمن والاستقرار واستئصال نمطية التطييف وغرائزية التمذهب.

3ـ الهيئة الوطنية العليا لإلغاء الطائفية السياسية جسر العبور إلى نظام سياسي وطني وديمقراطي.

4ـ استقلالية القضاء تحقيق للحرية وبلوغ دولة العدل والمساواة وحقوق المواطن والعيش بأمن وسلامة.

5ـ "الثقافة المقاوِمة" توأم الثقافة الوطنية تمهيد لسبل التواصل والتفاعل والانفتاح والحوار.

6ـ الوحدة الوطنية تجديد للفكر وتعزيز لمنهجة العمل وتأسيس لمشروع اقتصادي اجتماعي تربوي واعلامي ينقذ من قيود التخلف والتجزئة ويساهم بالربط التعبوي بين الاصلاح في الداخل ومقاومة العدو.

7ـ مؤسسات المجتمع المدني الواعية والواعدة وبرمجة تحركها لرفد ورفض سياسة التجويع والهدر والفساد والإفساد والتصدي لمجمل المشكلات الاقتصادية والاجتماعية والمعيشية وليدة النظام الاقتصادي النيوليبرالي المتوحش والخصخصة اللاغي لكل الضمانات الاجتماعية.

8ـ الاعلام الملتزم والجريء قادر على تنشيط عملية الوعي والتخطيط وانتاج الأفكار وتحمّل المسؤولية الوطنية.

9ـ المقاومة ردة فعل على فعل ودعم المقاومة واجب وطني هادف لاسترجاع الحقوق وتحقيق السيادة.

10ـ خيار المقاومة مفهوم ثقافي وطني اجتماعي انساني عام وحق للشعب المؤمن بعدالة قضاياه وشرعية نضالاته.

11ـ المقاومة والارهاب نقيضان لا يلتقيان إلا في قاموس الامبريالية المهيمنة والصهيونية المتوحشة.

12ـ ارتقاء قوى المقاومة وتقليص المسافات فيما بينها يضع حدا للاشكاليات التي تواجهها وخطوة على طريق تكاملها وتأكيد على إحياء تضامن عربي اسلامي مواجه للمشروع المعادي.

13ـ الصراع مع العدو صراع وجود بلا حدود ووجوب ملاحقته على جرائمه في فلسطين ولبنان وأمام المحاكم الدولية وتثمين الصلاحية العالمية في ملاحقة جرائم الحرب الاميركية في العراق وفي أي صقع على مساحة العالم.

14ـ التسوية وكل أشكالها في ظل اختلال ميزان القوى تصب في صالح العدو وهي ليست سلمية بل استسلامية.

15ـ استهداف ايران ومشروعها النووي ومحاولة تطويق سوريا يتطلب تشكيل مشروع استراتيجي عربي اسلامي عالمي للمواجهة والتصدي.

16ـ تفعيل وتطوير العلاقات مع أميركا اللاتينية وتكثيف الحوار مع مؤسسات المجتمع المدني في أوروبا والغرب عامة والمتعاطفة مع القضايا المحقة مساهمة في إضعاف الجهد الصهيوني وعدوانيته.

17ـ قرر "التجمع الوطني لدعم خيار المقاومة" والأخوة المؤتمرون بالاجماع الإعلان عن تأسيس "التجمع العربي الاسلامي لدعم خيار المقاومة" المرتكز على المقاومة والاصلاح والوحدة هذا وقد انبثق عن التجمع لجنة تنسيق تتولى عملية متابعة تنفيذ توصيات المؤتمر والرؤية البرنامجية في لقاءات دورية كل ثلاثة أشهر تحدد مواعيدها لاحقا.

في الختام:

الشكر العميم لعموم المشاركين في أعمال المؤتمر الثالث "للتجمع الوطني لدعم خيار المقاومة" الذي من موقع ايمانه والتزامه بدعم خيار المقاومة وبناء الدولة ومواجهة المشروع الامبريالي الاميركي ـ الصهيوني يعقد العزم مع الأخوة المؤتمرين لتثمير أعمال هذا المؤتمر ووضع آلية لتنفيذ توصياته وذلك عن طريق السعي الحثيث والعمل الدؤوب مع كل الاشراف والأحرار والقوى المجتمعية الحية والمؤسسات المؤمنة بحقوق الانسان وحرية الشعوب والأوطان سبيلا إلى تأكيد وتأطير وتجذير التواصل، التفاعل والتكامل بين كل قوى المقاومة والممانعة وحركات التحرر العربية والاسلامية والعالمية بهدف رصد الدواهي وردّ المكائد وصدّ محاولات اختراق ما يسمى "بالحرب الناعمة" والحدّ من مفاعيل المشروع الامبريالي الاميركي ـ الصهيوني وافشال مخططاته تعزيزا لخيار المقاومة والاصلاح والوحدة على طريق بناء المشروع النهضوي المقاوم تحقيقا للنصر.

ملاحظة: على كل المشاركين الذين يريدون أن يكونوا أعضاء تأسيسيين في "التجمع العربي الاسلامي لدعم خيار المقاومة" والذي تم تبنيه خلال الجلسة الختامية أن يؤكدوا ذلك من خلال اتصالهم عبر البريد الالكتروني التالي:

مع تحيات

رئيس التجمع الوطني لدعم خيار المقاومة

د.يحيى غدار

أقسم أن أمي كانت أكثر حرية وتحررا من نساء اليوم


كلمات في "العيد" العالمي للمرأة..
جلال / عقاب يحيى
   وُلدت أمي في الربع الأخير من القرن الماضي(1924)، كانت شبه أميّة(تحفظ جزءاً من القرآن الكريم وبعض السيّر). تزوجت والدي وهي لم تبلغ الرابعة عشرة من عمرها، وأنجبت ما يقرب من دستة أولاد (صبيان وبنات).. وكانت عشق والدي حتى وفاته المبكرة، المفاجئة ..
    ربما زعل منها، ربما غضب، والموضوعات كثيرة في عالم المزارعين، وسنوات الخير والقحط، والبيت المفتوح، والمتطلبات الكثيرة لعائلة كبيرة تسيطر فيها طبيعة الفلاح الطيّب، الكريم ، وتصرفاته الأريحية التي لا مكان للحسابات واللدغ فيها تفتح المجال لعديد المشاحنات والتفاعلات المألوفة بين الزوجين . لكنني لا أذكر مرة واحدة أنه ضربها(أدّبها)، أو أهانها أمامنا، أو منعها من ممارسة دورها، أو حجبها وحجّبها عن ممارسة ذاتها في تلك المساحة المفتوحة التي لا تعرف إلا حدود القيّم، والشرف، والكرامة، رغم حجم المناقرات والتنقيرات التي كانت تشكّل ملح أيامنا، وليالينا الطويلة الفارغة من وسائل الترفيه، ورغم ثقل المتطلبات، والإنهاك ..
    ورغم أن أمي كانت مُستنزفة تماماً في عمل بيتي لا يرحم، إضافة إلى حياة المزارعين القاسية، المليئة بالأشغال التي لا تتوقف أو تنتهي، والتي يصعب حصرها، وهي تواصل عملها من الفجر حتى العشاء، وأكثر.. إلا أنها كانت سيدة البيت، سيدة قراراتها، صاحبة شخصية واضحة تمارسها دون كلفة، أو غضاضة، لها حيّز مستقل لا يستطيع أحد أن يزاحمها فيه، أو يضطهدها(كان شأن الأغلبية هكذا) في مجتمع فلاحي متنوّر، مفتوح، حرّ، وطيّب، ومعطاء، ووسط استعداد للتغيير نحو الأفضل، واستقبال بوارق الشعارات الكبيرة عن (العالم الجديد) القادم على أكفّ، ومن أفواه شباب متعلم ..
    ورغم كمّ الحزن(التارخي) المُتوارث، واستجلاب البكاء بالاستماع إلى الأغاني العراقية(خاصة حضيري أبو عزيز).. حين كانت نسوة الحي تجتمع في موعد محدد أمام مذياع (عمي أبورزق) في نوبة بكاء لا تنقطع، والتي يصعب على أحد أن يفسر عواملها المباشرة، وأسبابها عند كل واحدة من تلك الأمهات والنسوة .. رغم ذلك .. كانت السماء إذا ما جادت مطراً تفتح طاقاتها للفرح والأمل، فتنام العيون على أحلام كبيرة في موسم جيّد يملأ البيت وفرة ويفيض..ولم تكن مجتمعات الاستهلاك المستوردة ـ المتوحشة المفتوحة الأشداق قد غزتنا واستلبتنا، وشقلبتنا.. فعرفنا معاني" القناعة كنز لا يفنى" ولو بالإرغام، واعتدنا الكفاية بالموجود، والتعويض بتلك العلاقات الأسرية الحميمية التي يظللها الحب والتضامن، رغم كمّ التنوّع، والشجار الصبياني، والأحلام المستقلة ..
عندما انخرطنا في السياسة مُيكراً، وعملت في اتحاد الطلاب منذ بدايات(انقلاب ـ" ثورة" آذار التي يصادف قيامها نفس يوم عيد المرأة) كنا مهمومين كثيراً بثقل المهام والشعارات الكبيرة التي تملأ فمنا، وعقولنا، وسماءنا، وترزح على صدورنا عبئاً ثقيلاً يصل النهارات المليئة بالاجتماعات بليالي النقاش الطويلة، والأحلام المرهقة عن صورة الغد العربي الذي نحمل (قدره)، ونتشرّف بصناعته (المجتمع العربي الاشتراكي الموحّد)، وقد تصورنا أننا (بجرّة قلم) سنمحو التخلف، والعادات القديمة،  وصورة المجتمع (المرفوض من قبل الثوريين ـ دعاة التغيير الشامل) لاستبداله بالجديد، اللامع، الحديث، التقدمي، المتحرر من رواسب القيود والركود ..
وكانت المرأة، وشعار تحررها، و"مساواتها بالرجل" تنتصب طوداً بارزاً في خطابنا، وندواتنا، وشعاراتنا، وحتى صراخنا المُعاد، واجتماعاتنا الكثيرة .. كانت الشعارات كبيرة، كثيرة، حفظناها غيباً، ورددناها آلاف المرات دون أن تكون لدينا تصورات تفصيلية عن المضامين، وعن كيفية هبوط تلك التصورات إلى الأرض لتصبح واقعاً مُعاشاً، حين تتساوى المرأة بالرجل، وإذ بها صنوه، وقد تتقدّمه. وعندما أخذنا بالقراءة المعمّقة، خاصة دراسة وقراءة الفكر الماركسي، أمسكنا، أو اعتقدنا أننا أمسكنا بتلابيب المشكل والحل(فلا حرية وتحرر للمرأة دون تحررها الاقتصادي)، فأكثرنا المناداة والتركيز على هذا البعد الجوهري، واندفعنا في رسم تصوراتنا، وتقدمنا عبر خط سيرورة العمل النقابي واتساعه، ودخول المرأة ميدانه بشكل متزايد.. فاستبشرنا غداً آخر نقبر فيه الجهل والتخلف، ونحطم القيود، والسدود، ثم أدركنا أن المشكل أكبر، وأعمق، وأشمل : إنه مشكل كلي يرتبط بتغيير كامل . تغيير منهّج قائم على أسس واعية، وعبر دراسات وافية، واستشراف واضح، وَمَرْحلة الأهداف والمهام  بحيث تأتي حرية المرأة تحصيل حاصل، وليس كعملية قيصرية، أو جبرية، اغتصابية، مفروضة بقوة السلطة وأجهزتها الأمنية والإدارية، أو من خلال أكوام الشعارات والخطابات والاجتماعات المكررة ..
لن أتناول هنا الفجوات، والسلبيات، والمزاودات والاستعراضات، ولا الاستغلال، وخيانة الهدف، وبدء عملية التقلص، فالتملّص، فالتخلص من جوهر المبادئ والالتزام، والانتماء.. إلى مواقع أخرى تصبح فيها القضية مجرد مركوب تماوجي للوصول إلى المصالح الخاصة، حتى وإن كانت فجوراً صُراحاً، وخيانة شاملة للمبادئ، ونحراً لها في (سوق المتعة) والنهب، والاكتناز، والفجور ..لأننا اكتشفنا، بالوعي والتجربة، أن حرية المرأة ليست أقوالاً وشعارات للتصدير والتصدّر، بل هي كينونة متسقة ترتبط بسيرورة وصيرورة التقدّم، والمجتمع ككل . إذ يستحيل في ظلّ قوانين ذكورية، وسيطرة أبوية مشرشة منذ قرون وقرون، وتشريعات متخلفة، وثقافة مفوّتة، ماضوية، ظالمة مظلومة، وبنية عقلية يشرش فيها الاستبداد، والأنا الذكر، والملكية الخاصة(بمعنى التملك للمرأة)، ومفهوم الحُرمة (التركي ) .. أن تجد تلك الشعارات اللاهبة مكانها، أو أن نتمكّن من دحرجتها بكل الطرق المتاحة .. ولعل ضحك أمي(المنتمية إلينا عاطفياً، والمدفوعة مع اندفاعاتنا الشابّة) من كلامنا الكبير عن حرية المرأة يعكس حالنا أيامذاك(قبل عصر الفوات والنكوص والشقلبة) ..وما زالت تردد المثل الفلاحي ((عيش يا كديش تا يجيك الحشيش )) كأنها كانت تقرأ سفر الأيام القادمة، وانقلاب(الرفاق) إلى كومة نفاق، وإخفاق .
ولأن يوم المرأة العالمي يقترن ب"ثورة آذار".. كانت الاحتفالية التقليدية الرسمية تطغى، فيضطر "الاتحاد النسائي" للتعويض في (عيد الأم)، وبعض الاحتفائيات المحدودة التي يغلب فيها التمجيد لليوم(العظيم) الذي(أوصل البعث) للحكم، فينسى كثيرنا ذلك المعنى الرمزي الذي كرسته الحركة الثورية يوماً للمرأة للوقفة والتذكير، وشحذ الهمم والمراجعة، فانحشر واختنق في الاحتفالات الصاخبة ب"ثورة البعث" ..
فشلنا في تحرير المجتمع، وبالتالي : تحرير المرأة من قيود راسفة، وكانت ذروة الفشل أننا لم نقترب من الأساس، والأساس يبدأ بالممكن، والممكن : إقامة منظومة قانونية، وتشريعية تحمي المرأة، وتفتح الطريق إلى الهدف، حتى لو كانت وسيطة، وسطية، انتقالية(رغم بعض القوانين والتقدمات هنا وهناك)، وبالتالي ظلت الشعارات عالية، مرتجفة، بعيدة عن التجسيد .
                                                      ***
عندما تمّ تدشين عصر الارتداد، كان ذلك يعني أن القوى الحاكمة(صاحبة الشعارات والمشاريع التقدمية) وصلت سقفها وهي تحاول نطاح الواقع بتلك الأسلحة التجريبية، المترددة، الوجلة، والمتصدّعة، وبتطورات عديد شرائحها النافذة ـ الحاكمة فعلياً نحو مواقع أخرى تغادر فيها أصولها ومبررات انتمائها، ومضامين المبادئ والشعارات( الحفاظ على الصدى والأشكال ضروري للتمرير والتغرير والاستمرار)، حتى إذا ما كان عدوان حزيران المبيّت كاشفاً، وهزيمة شاملة.. نكصت، وتكوّرت في جحورها الجديدة لبدء عملية التراجع النهشي، وقضم ما تحقق واستبداله بمزيد الصراخ والتبرير، والتغرير، وإطلاق العنان لمهادنة(أعداء الأمس : التخلف وقواه وتجسيداته وثقافته ومنظوماته) لتكون بديلاً، وارتكازاً للديمومة : طالما أن الهدف الأوحد : استمرار الحكم، واستمرار التحكم، والنهب، والإفساد.. وتجويف كل شيء، وصباغته بألوان مناسبة والتكويع، والتغليف، وطالما أن الكلام الجميل يسيل لعاب المغشي عليهم، بينما وتيرة التجسيد في ميادين أخرى مناقضة .
الأكيد أن تقدّماً حصل في عدد المتعلمات، والموظفات، وأن عديد النساء انخرطن بالشأن العام(المعلب والمرتب)، وعضوية مجالس الشعب الصورية، وبعض مواقع المسؤولية (وزارة وسفارة، وحتى عاملات في الشرطة والجيش.. وغير ذلك).. لكن الأكيد أكثر أن أمي التي لم تكن سياسية محترفة، والتي انشدّت إلى السياسة تعاطفاً معنا، وعرفت دروب السجن إلى تدمر والمزة وصيدنايا، وإلى الاجتجاج أمام القصر الجمهوري، وتولي ما يشبه محطة الإذاعة لنساء ورجال الحي.. أكيد أنها كانت أكثر حرية وتحرراً من نساء هذه الأيام، وأقلّ هموماً (رغم ما حمّلناها من أثقال خارقة) . فقد طحنت مجتمعات الاستهلاك الطبقة الوسطى، والشخصية المستقلة، وتلك الفسحة من الأمل والفرج والفرح.. حين زجّت قسراً بالمواطن في أتون حاجات مفتوحة الأشداق لا ترحم وقتاً، ولا جسداً، فتعددت عمليات الاستلاب والتشييء والتشيؤ، وتنوّعت أشكال تهميش واضطهاد واستغلال المرأة وتكويرها، والمرأة تدفع ثمناً باهظاً، خصوصاً المرأة العاملة التي صار عليها أن تُستنزف في البيت والعمل، والبحث عن مصادر أخرى لتلبية الحاجات، وتأمين الحد الأدنى لنمط حياتي لا يرحم، ويرغم الجميع على دخول السباق فيه . ناهيك عن الفساد المنظم، وهتك الكرامة، والحقوق في العمل، والمجتمع، وناهيك عن كمّ التحرّش، والمظالم، والاحتقار، وصدى الواقع في كثرة الطلاق، والنساء العازبات، والفتيات الأمهات، والفتيات العوانس، وصعود الأمية الحقيقية في الريف والمدينة .
    من جهة أخرى فإن انتعاش، وهيصة علاقات ما قبل قومي، ونخصّ منها : ما يعرف ب"الصحوة الإسلامية"، وبعودة علاقات القبيلة، والطائفة، والمنطقة، والحارة، والعائلة، والتحليل والتحريم، والمنع والزجر(لا نتحدث هنا عن آفات التحرش الجنسي، والاغتصاب، والإدمان على المخدرات والدعارة، والعهر متعدد الأشكال) في إطار اختناق المشروع النهضوي، وإعلان انتحاره على الملأ.. أدى إلى تراجع محسوس في حرية وتحرر المرأة، وإلى بروز ذكورية مجلببة بنوع من قدسية دينية، وأمنية، واستبدادية تدفع بالمجتمع نحو الخلف، وذكورية ردّ فعل على واقع مفوّت، منخور، كثير التفاوت والظلم والفرض والقسر لتصبح المرأة أول دريئة للرجل يصوّب إليها بعض احتقانه المنفجر.
إن عودة علاقات ما قبل قومي، وانتعاش السلفية الفكرية، والدينية، والماضوية، وإن كانت تجد تفسيرها، وعناوينها في فشل المشروع القومي ـ النهضوي، وفي ردّ فعل مفهوم على موبقات، وآثام من حكموا باسم ذلك المشروع، ومن مرّغوا الشعارات في وحول قذاراتهم، ومستنقع ممارساتهم، وكهوف خزائنهم وثرواتهم المنهوبة، وكنوع من حماية ضد التغوّل الأمني، والفتك بإنسانية الإنسان.. فإن هذه العودة حملت معها إرثها التخلفي(كأنه صنوها)، والكثير من ردود الفعل المتشنجة، المتعصبة ، وكأن الدين والطوائف ونظام الملل والنحل مقترن بالذكورية، وبعودة المرأة إلى سجن الحُرمة، ومقترن أكثر بالجهل والتخلف، ونكران تطور البشر، وما وصلت إليه الحضارة من مستويات .
ثم كيف لرجل مقيّد، مسلوب الإرادة، والحرية، والقرار، والكرامة، والدور.. أن يكون في موقع المانح، أو القادر على العمل لتحرر المرأة، والتنازل عن جزء من مملكته الاستبدادية، وما يعتبره ملكية خاصة (مشروعة) وهو بحاجة إلى من يعتقه ويحرره ؟؟..
كيف لمجتمع أن ينصف المرأة، ويرتقي بها إلى مصاف الحقوق المتساوية وهو يرسف بأغلال الاستبداد، والظلم، والتخلف، والماضوية المفوّتة، القشرية، وهو مقطّع الأوصال، مهمّش، مفكك، محروم من أبسط الحقوق ؟؟ ..
حرية المرأة صيرورة، وصيرورة مجتمعية متكاملة، متسقة في إطار مشروع نهضوي شامل، وهذا لن يتوفّر في ظل الظروف، والشروط، والقوانين، والنظم، والمعرفيات السائدة.. ولا بدّ من نهوض، بل إنهاض مشروع حداثي متكامل ينقل مجتمعاتنا إلى  مواقع أخرى تغادر فيها سراديب التغوّل، والخوف، والرجعة.. لتستقبل العصر حركة فاعلة فيه، وليس في طيّاته، وظلاله .
وإذا كان التقليد توجيه التحية للمرأة العربية في العيد العالمي للمرأة.. فإن التحية الحقيقية تكون عندما تستطيع القوى الحيوية في الأمة النهوض من عثارها، وغيبوبتها، وأسر ماضويتها وذكرياتها وعصبوياتها لإنجاز مشروع قابل للحياة . مشروع رافعة تضع شعبنا في موقع الحركة والفعل، وتدفع نساءنا للعمل من أجل تحسين واقعهن، وانتزاع حقوقهن، كجزء من ترسانة حقوق الشعب في حياة ديمقراطية لا قيود فيها على الرأي والاعتقاد والعمل إلا ما تحدده قوانين وضعية تساوي بين الرجل والمرأة في جميع المجالات، كما تساوي بين جميع مكوّنات الأمة ومفرداتها المتنوعة ..

التقارب الأمريكي-العربي) بمنظورالإستثناءات الأمريكية

د.الطيب بيتي العلوي
"للولايات المتحدة تحالف مع الله،وللدول الأخرى تحالف مع الولايات المتحدة،يتحدد  خلالهاعلاقات خضوع الأطراف للمركز،من الدول الأوروبية والعالم،إلىالولايات المتحدة، ومن الولايات المتحدة إلى الله...."،هذاهو اللاهوت اللانهائي الكامن في السياسة الدولية للولايات المتحدة"
"جوهان جاليتونج" ...Johan Galtugمن"السياسة الخارجية للولايات المتحدة في شكلها اللاهوتي-(عن معهد النزاعات الشاملة والتعاون مقال رقم 4 و1997)
 قراءة متأنية لمصطلحات"التغييرالأمريكية
تعيش البشرية اليوم،حيرات ذهنية،وتخبطات عقليةعلى جميع المستويات،لاعهد للبشرية بها منذ نهاية الحرب الكبرىالثانية،حيث طغىالحديث عن التغييرات،وحوارات الحضارات والثقافات والديانات و(غرب/إسلام)، بسبب شيوع مناخ الإرتعاب من المجهول،وطغيان أنواع الفوضى الفكرية الجديدة،التي انتعشت بعدتفكك الإتحاد السوفياتيمع نهاية القرن السابق،والتي تحاول-عبثا-رصد المستقبل المعتم، وملإ الفراغ الذي أحدثته خطابات النهايات(الايديولوجيا،الحضارة،الانسان،الحداثة، التاريخ الثقافة المجتمع،السياسة)،مع الترقب المستمرلما قد يحدث من مفاجئات في المراحل الحاسمة المقبلة التي تقض مضاجع المفكرين على كافة اختصاصاتهم-انتظارا لعهود"ما بعد الأمركة"الأكيدة المرتقبة،بمنظور الأنثروبولوجيا السياسية، بينمالايزال المخلفون من الأعراب،ومعتدلي المنطقة،يراهنون  على الخلود الأمريكي، بمحاولة إنعاشه من أعراض أمراضه الباثولوجية،ويأملون في   استمراروهجه ،على"قبسات التغييرالأوبامي-التقدمي"، ويعملون ليل نهارعلى رعاية "القبس الأمريكي"،متجاهلين مقولة الجنرال دوغول الخالدة"بأن السياسيين الجاهلين لقراءة التاريخ من مواقع العبر،لا يمكنهم إلا ارتكاب وتكرارنفس الأخطاء التاريخية الغبية القاتلة"

وحول"التغييرالأوبامي"للعالم، والتقارب(الأمريكي-العربي-الاسلامي) الحالي،كتبواوحللوا واستشرفوا،وفي أمر"أوباما"و"التغيير"وأمريكا وأوروبا وإسرائيل خبطوا خبط التيه، وتردوا في مهاوي سحيقة،وانتحل كل مصلح صادق،أومدلس ناعق،طريقة ونهجا في فهمه لهذه المصطلحات،ومدى تأثيرها السلبي على كافة شعوب اليابسة وشعوبها  على مدىعقود من الزمن، ومخلفاتها الكاريثية على المنطقة،وما تناتج عنها من سلبيات،ومنهم من ما يزلون  يركنون ركونا ركونا،ويستبشرون خيرا،رغم الهنات والنكسات، بما ستجود به قرائح اللقاءات والمؤتمرات الصغرى والكبرى،الإقليمية والدولية،التي لن يولد من رحمها،الا المزيد من الزيف والبهتان والأراجيف..،
ومع ذلك-للغرابة-فيخرج علينا المدلسون صبيحة  كل يوم،بطنين مفردات"التغييرات والحلول الجذرية "المعجزة الإيجابية "للقاءات مع الأمريكيين والأوروبيين والإسرائليين،إمعانا في استغفال الشعوب العربية المقهورة والمغلوبة،بينما يعكف الدارسون الجادون في صوامع بحوثهم،يتنسمون بارقة أمل،أوبصيصا من نوريهتدون به،ولكن هيهات، فقد عم البلاء وطم،فالباحثون في زواياهم، لم تستقر بهم قدم ،ولارسخ بهم رأي على حال،عما ستلده الأيام الحبلى القادمة من المزيد من الأزمات الخفية،التي ستكون أدهى وأمرمن سابقاتها.فكل قراءات التغييروالحوارات مع الغرب المتمثلة في التوليفة الجديدة(الإسرائيلو-إمريكية–إوروبية)لن تعطي إلا أشتاتا من الترهات،لا ناظم ولا راتق ولاجامع لها،سوى الشتات نفسه،حيث سيتطوح المتلقون لهذه المقولات والشعارات من قطيع البشرالجائعة المنتشرة على هذه الدعقاء في المتاهات،الذين سينعمون بالمزيد من الخطابات"السياسوية"البلهاء المتلونة،التي سيُدندن بهاعن اليمين وعن الشمال رهوط السياسيين والمصلحين والمفتين والمنظرين والمفكرين والإديولوجيين،بأحاديث ممسوخة سمجة بلاطعم،تطفح بها الصحائف والصحف والمقالات والتحليلات،بدون عماد ولا سند،سوى أنها للموضة تابعة،وللتخديرهادفة،ولسوف تذهب هذه الكتابات "الإستشرافية"المبهورة بوهج اصطخاب"التغييرالأمريكي"أدراج الرياح،وسيؤول مآل هذا المصطلح"الى ما آل إليه سوابق المصطلحات"الحداثية الوردية"التي لم ترمنها العوالم الثالثية لأكثرمن ثلاثة قرون،سوى الويل والثبور،بطغيانالمفاهيم"المخملية"الدوارة"المحسوبة على"الفكرالجاهز"مثل الموضة الجاهزة،التي تخضع في جميع الأحوال الى قوانين"السوق"،وحينية العرض والطلب،ومتطلبات البضاعة الرائجة،حيث الموضة الفكرية،أوالثقافية،أوالسياسية"الدوارة ،مظهر معبر بشدة عن"إديولوجية"ما،لكنها مظهرقاهرمتحكم،ليس من السهل تجاوزه،لأنه ينتمي أولا وقبل كل شيء،إلى السلطة الفكرية والتنظيرية التي ينتمي اليها خدم الإيديولوجيا المسيطرة،وبالتالي،فّإن"الموضات"الفكرية والسياسية والثقافية لاحدود لها في أيامنا  هذه،وهي نفعية ولا أخلاقية في معانيها وأبعادها،ولازمة من مستلزمات الماكيافيللية والبراغماتية الثعلبية،والنفعية الإنجلوساكسونية المتخابثة،والعبرة دائما بمضمون الأمر،لا بالإسم ،فكم من"تغيير"جرى على أعنة التاريخ جرالىالتهلكة ،وكم من"تغيير"قاد الى بوار،وسلك طرقا لاتفضي الى الأفضل،وانما الأموربخواتيمها كما ورد في الأثر
تجليات أطروحات "التغيير"الأمريكي  
 ولكي لا نسقط في سرد المقولات الكارثية للفكر"الرجعي"أو"المثالي"لقراءة النكسات والأزمات،كما كان الشأن في لذة الكتابات القاتمة لما بعد الحرب الكبرى الثانية،عن "السقوط الأكبر لبرج بابل الأعظم"، ..فعلينا أن تتبع المراحل التاريخية "لأطرروحات التغيير"بمنظورالاستثناءات الأمريكية،مادام الطرح "الأنثروبو-ثقافي"الأمريكي هو الفكرالأغلب والسائد،ومادام ما تعيشه البشرية اليوم من أزمات خانقة ،تعود إلى صلب هذا الفكربالدرجة الأولى، فإليه المآل واليه المنتهى
 لقد تحرك الأمريكيون"البيض البيورتانيين "(المتطهرون)الوافدون الأوائل من إنجلترامنذ البداية على مرحلتين :
الأولى :على شكل اندفاعية  دينية محضة ،باعتبارأن مغامرة  كولومبس نفسها،لم تكن إلا  مغامرة دينية،لإعتقاده بأن"الرب جعله رسولا للجنة الجديدة،والأرض الجديدة،بعد أن حدثه بها يوحنا القديس، في سفرالرؤيا،وأراه النقطة التي يجدها عندها،أن اكتشاف أمريكا كان نهاية حج عظيم للبحث الروحي العظيم "كما ذكرذلكEdwin ,Scott  كتابه :A
Religiuous  History of America حيث كانت القارة الجديدة بالنسية اليهم  هي"أورشليم الجديدة"و"إسرائيل الجديدة"وكنعان الجديدة"والأرض الموعودة" (وهذا هو سرالإرتباط الروحي المفصلي المتين،الذي يربط الولايات المتحدة بإسرائيل، والذي لا يمكن لأية قوة مهما كانت الفصل عراهما)..
 الثانية : على  شكل  اندفاعية  نفعية :أجل الأستغلال الجشع لأرض غير مأهولة،خرافية الإتساع،ذات الأراضي الخصبة،والثراء اللامحدود الطبيعي،لتشكيل العالم الجديد(القارة الأمريكية) ثم باقي العالم بعدذلك،في شكل أقرب إلى الحملة الصليبية لتحضيرالعالم،وتخليصه من تخلفه وأدرانه، وتطهيره من عقائده ووثنياته، كما حدد ذلك المؤرخ الأمريكي الشهير"أرثرشليزر"،..حيث احتدم الصراع منذ البدايات –داخليا-عبروضع"التغييرات"على الخارطة السياسية الأمريكية في مسارها التاريخي القصير،ما بين"العهد الجديد"و"العهد القديم"،أي،الخضوع المستمر،لدورات من الصراع الدخلي، بين الواقعية "الذرائعية"،والمسيحانية "المثالية"،أوبين التجريب،والقدرية،أوكما وصف"كيسينغر"هذا الاصطراع،بأنه،( توليفة،أوتقاطع،أوتلاقي الإزدواجيات :بين العزلة والعالمية،وبين المثالية والقوة)،ولا أحد يمكنه التكهن"بمتى"و"كيف"ولمن  ستكون الغلبة لأحدى هذه الإزدواجيات،وذلك لأن العهد القديم، سيظل على الدوام متصلا بالعهد الجديد(بالمنظورالبروتستانتي-التوراتي)حيث ظهرذلك جليا لدىالرئيس"بوش الأب"الذي تحدث عن"النظام العالمي الجديد"وطرحه لقضيتي الخيروالشر-فغزا العراق،لمحو صورة"الشيطانصلاح الدين الجديد"الممثل زمنها في شخص الراحل"صدام حسين"فحازبذلك إعجاب الجمهوريين والديموقراطيين وكل اللوبيات مجتمعة، بينما تحدث الرئيس"كلينتون"عن مقاربة الدورالعالمي"للمثالية"الأمريكية ،فأرسل قواته إلى الصومال والبوسنة وهايتي، فقوبل بنقد من معارضيه من اليمينيين،الذين يرون أنه أخطأ التقديروالحسابات،لأن التدخل الأمريكي،لا بد أن يكون ضرورة عندما تتهدد المصالح الأمريكية،بينما انتقده (الليبراليون البراغماتيون الجدد) لكون سياسته مترددة وغير"نافعة"وليست مهاجمة بما يكفي..،وهنا يتجلى الصراع بين"أرض الميعاد"و"الدولة الصليبية"التي مثلها"آل بوش"،أي بين الواقعية والمثالية،وبين المصالح القومية ،والدورالعالمي ،التي مثلها كلنتون ويمثلها اليوم أوباما  ببراغماتية  متجددة  متنوعة الأطراف-كما فصلت ذلك في تحليل سابق)،وفي كلتي الحالتين،فان كلا من السياستين،ما هما إلا صورتين للعملة النقدية الأمريكية الواحدة المتداولة (in  God  we  trust)
ومن هنا يمكننا أن نخلص إلىأن المساندة اللامشروطة لإسرائيل،هي من أساسيات وثوابث الدستورالأمريكي كما سنه"جورج واشنطن" في مايسمى"بالعهد القديم"للسياسة الأمريكية الخارجية، وتلك قضية مفصول فيها-أمريكيا-إلى ما بعد الأمركة، كما هو الشأن بالنسبة لروسيا الحالية بعد مرحلة ما بعد الإتحاد السوفياتي
أما التدخل في العراق وأفغانستان والحرب على الإرهاب ومشروع الهجمة على إيران واستأصال حزب الله،والتهديدات والمساومات والمناوشات التي  ستسمر لسوريا، ومعاقبة السودان، ومراقبة ليبيا،ومغازلة الجزائر،ودغدغة  وتخدير واستنزاف"دول الإعتدال"فهي قضايا ينظرإليها –أمريكيا-من منظور(العهد الجديد)،وكلا العهدين يؤصلان ويقعدان للمرجعيات السياسات الأمريكية(الداخلية والخارجية) الأكثرصرامة–مذهبيا- تنفيذا للحلم الأمريكي الأمبراطوري الأمبريالي البحث الذي لن يتغير ابدا   الى ما بعد الامركة ايضا/(وكما يسميه الأنثروبولوجيون الأمريكيون ب"الإمبريالية التقدمية"،إشباعا لجشع لوبيات المال والاقتصاد،وصناعات الأسلحة من جهة(وهذاهوالجانب النفعي/ التجريبي/ البراغماتي)،وتلبية أيضا لأهداف لوبيات التحالفات  الدينية الأصوليةالجديدة الخفية(الإنجيلية-البروتستانتية-اليهودية) باعتبارأن الخلفية الأصولية لتأسيس أمريكا،هي كونها"اسرائيل الجديدة"(وهذاهوالجانب الديني/البيوراتني الأمريكي)حيث يستحيل الفصل–عمليا بين هذين الجانبين، بينما يتم في العهد"الأوبامي"التأكيدعلى ممارسة لعبة"تقليد حماية الحريات"-في الداخل- بالمناهج البراغماتية الجديدة المتعددة الأطراف والأهداف ،ومن أجل ذلك أوتي به ليحفاظ على هذا"التقليد الامريكي"عن طريق القمع"اللطيف" والإرهاب"الظريف" الداخلي، وخرق حقوق الإنسان الداخلية وحرق السيادات الوطنية لكل بلدان العالم-بشدة إن اقتضى الأمر-،قمعا للعصاة المحتملين من المواطنين الأمريكيين–وخاصة للجاليات العربية والمسلمة-)  ومن  المارقين  الجدد في العالم  اينما كانوا وارتحلوا وسيظل لفارق الفرق بين بوش وأوباما في نوعية قوة الضغط على"الفرامل"بمهارة وحروب مخملية أكثر،مع ملكات أوباما الطبيعية-مقارنة بغلاظة وغباء بوش- على"تجميل"القمع وتبريره، ودعم طروحاته كمحامي لسن وضليع، تتلمذ لسنوات طوال على يد"بريزنسكي" في الدفاع عن القضايا المشبوهة للشركات المتعددة الجنسيات الجشعة ،
،وسيظل الشعب الأمريكي –نفسه-بكل شرائحه وأطيافه السياسية والمذهبية يكون"شعبا متناقضا وهشا"،وستضل السياسة الأمريكية بالتالي سياسة(براغماتية /مثالية)..أي بلغة السياسة ستكون"لاأخلاقية،متلونة،نفعية،مفاجئة ومصادمة على الدوام، ومتقلبة ما بين الترهيب والترغيب،ولكن دون  تغيير جذري على الإطلاق
فمهما تحدثنا عن التغييرفي السياسات الأمريكية –الخارجية أوالداخلية- مستقبلا، فان الإستثناءات الأمريكية تفرض نفسها عند كل منعرجات مسارالشعب الأمريكي،ومصير البشرية،وسيظل"التغيير"بالمفهوم الأمريكي،أكثرالمصطلحات زئبقية وغموضا،بالاضافة الىأن"أوباما"سيكون أكثرالرؤساء الأمريكيين لغزا وزئبقية(في سياساته الداخلية والخارجية) والذي سيكون الأكثر تقلبا، في اتخاذ القرارات،الحاسمة من أجل "الإصلاحات"..
وعادة ما تتم في هذه الأيام تلك المقارنات الساذجة بين"بوش"و"أوباما"حيث يثم استخلاص عبر"منفلوطية"،لرسم العهد"الأوبامي"الراغب في التخلص من التركة البوشية الثقيلة، مما يدل على أن هؤلاء المحللين مصابون بميكروبية "قراءة التاريخ البشري من آخره،حيث يقومون ببتركل من هاذين الشخصين عن السياق العام الذي يطبع الخصوصية الأمريكية ،وكأن الرئيس الأمريكي المنتخب يؤتى به "لينظر"أو"ليخطط"أو"ليتفلسف"(وملف طرق الانتخابات الأمريكية هو من أعقد الملفات بالمنظورالسوسيو-أنثروبو-سياسي) متناسين، دورالاطار(الفلسفي-السياسي)،وتطبيقاته العملية على السياسات الأمريكية المتنوعة،المتأرجحة ما بين العهد القديم،والعهد الجديد ،وبين البراغماتية الكلاسيكية ،والبراغماتية الجديدة...،ومتناسين  بان قوة الأمبراطوريات والأنطمة السياسية التي سادت البشرية في الماضي،كما في الحاضر،لا تستمد قوتها وهيمنتها بقوة السلاح والعتاد الحربي فحسب،بل لابد لها أولا،من الاعتماد على أنظومة فكرية وعقدية،تبررأهدافها،وبالتالي فكل رئيس أمريكي ماهوالا"منتوج"لفكروتنظيرفلسفي أمريكي محدد ، براغماتي خصوصي  متعدد الاوجه ،وبالتالي فما يسميه البعض بالتناقض في السياسات الأمريكية الخارجية ما بين الديموقراطيين والجهموريين ليس في الواقع،سوى تطبيق ممارسات تقليدية للتصورالأمريكي الأوحد للعالم المحصورما بين"الواقعية والمثالية"وبين المصلحة القومية والدورالامبراطوري العالمي،التي أسندت الولايات المتحدة  شؤون ترشيده الى نفسها لكي لا يتهدد الفناء الخلفي  ل"لأرض الميعاد"و"الدولة الصليبية"
للبحث صلة
 باحث مغربي في  الأنثروبولوجيا  /باريس/فرنسا


نفق الأنصار(*) ... سيبقى أصدق من نفق الشكوى


نفق الأنصار(*) ... سيبقى أصدق من نفق الشكوى
سلطان مهداوي
صنعاء اليمن
هذا البيت من الشعر، انبثق من واقعة حية، تشير إلى أن شجرة الحياة الفلسطينية، أغنى من النظرية، وهي مصدر الرؤى الصائبة، تختصر المسافة بين النظرية، والواقع الملموس وتقرب النخبة السياسية من الجماهير الشعبية، التي أشادت صرح تراثنا النضالي، المعمد بالتضحيات والعطاء المتواصل الذي يقدمه شعبنا، بسخاء متقطع النظير وعبر عشرات السنين، وتحديداً منذ هزيمة حزيران/ يونيو 1967 حتى يومنا على أكتاف الفصائل الوطنية واليسارية والقومية، وعلى مساحة أكثر من عشرين عاماً 1967 ـ 1988 لم يكن الاتجاه الإسلامي السياسي مشاركاً في الثورة والمقاومة، لم تعرف الثورة والشعب المستحيل، في معركة الدفاع عن الأرض والشعب والوطن، في معركة حق تقرير المصير. وخلال انخراط شعبنا في صفوف الثورة والمقاومة، تمكن من تدشين الطريق لمنظمة التحرير الفلسطينية، كي تتبوأ المواقع المتقدمة في سلّم الاهتمامات العربية، والمؤسسات الدولية، إلى أن صارت حقوق شعبنا بنداً ثابتاً على أجندة الأمم المتحدة من عام 1974، وعلى قاعدة البرنامج الوطني المرحلي "تقرير المصير، الدولة المستقلة عاصمتها القدس العربية المحتلة، حق العودة عملاً بالقرار الأممي 194".
ولا ننسى في هذا السياق التذكير، بأن الانتفاضة كان لها الدور الأبرز في تقديم القضية الفلسطينية، كي تتصدر جدول أعمال القمة في عمان 1987، بعدما كانت على هامش جدول الأعمال.
وبناء عليه، فإن العودة إلى التراث النضالي، والتعلم من مدرسة قوى الثورة ممثلة بالفصائل الأساسية والمؤسسة للمقاومة ومنظمة التحرير الائتلافية، الفصائل الوطنية واليسارية الثورية الديمقراطية، والجماهير الشعبية، الأقرب من نبض الحياة، تشكل المخرج من حالة التردي التي أمست عنواناً اليوم لاجترار اللغة الثورية، دون الوصول بها إلى الممارسة فعلاً، جراء حالة التشرذم والتشظي، التي تفتح بوابات المزايدة على مصراعيها.    
بينما الجماهير الشعبية لم تغادر، ولم تتخلى عن مفردات الانتفاضة والمقاومة، بل هي تمارسها على الأرض وفي الميدان، دون كلل أو ملل، مما يجعلها أكثر قدرة على الدخول إلى جوهر المشكلات، والتعاطي الإيجابي مع المستجدات، وهي تمتلك القدرة على تقديم الإجابات على الأسئلة التي تطرحها الحياة الفلسطينية بكل تحدياتها، وبيدها القول الفصل في التصدي والرد على مخططات التهويد، ومصادرة الأراضي، وجدار الفصل والضم العنصري، ليس هذا فحسب، بل إن تمادي الاحتلال على المقدسات والتراث الوطني، أي أن الهجمة الهمجية باتت تستهدف تاريخ ومستقبل الشعب الفلسطيني وهويته، وتطال المنجزات الحضارية التي بناها أسلافنا عبر التاريخ، فأين منظمة اليونسكو من هذه الجرائم التي تركل بأقدامها كل القوانين الدولية، وتدعي بأنها تدافع عن الحضارة وتصونها من البربرية ؟! ...
وإذا كانت الوقائع المرئية، والعنيدة تشير إلى أن حدة التناقضات قد وصلت قمة تجلياتها وإفرازاتها، فهي تستدعي مغادرة القراءة الأحادية، والتحرر من الأحكام المسبقة، كي يتسنى لنا التعاطي مع الواقع، الذي يتطلب تظافر الجهود لنصرة الانتفاضة والمقاومة، ودعمها عربياً بكل الوسائل الممكنة، كي يكون بمقدورها الصمود والدفاع عن الأرض والحقوق الوطنية والقومية، وهي الكفيلة بفتح الطريق أمام السياسات الجديدة، الأكثر عمقاً وثورية، لترسم لنا ملامح المستقبل وتحقيق الحقوق الوطنية.
وحتى يتحقق لنا ذلك؛ لا بد من الإقرار بأن الانقلاب في حركة التحرر الوطني، هو بمثابة انحراف بالثورة وبالحركة عن حقيقتها، التي تقوم على تطوير الفعل الثوري الشعبي والوطني، للوصول إلى أحداث تغيير في ميزان القوى لصالح حقوق الشعب، وتحرير الوطن، وبما أن الانتفاضة أصبحت ضرورة وطنية موضوعياً، مع استفحال التناقض مع الاحتلال، فإن الذي يحد من تطورها وامتداد حركتها هو التشبث بالمصالح الفئوية، التي تتسم بالجمود والتكلس والانقسام، الذي يشكل كابحاً لتطور النضال الوطني، وسيبقى سبباً في إضعاف الانتفاضة والمقاومة، ويُبقي القضية الفلسطينية ملتقى الضغوط والمصالح الإقليمية والدولية.
وحتى الأمس القريب، كان لسان حال العرب يقول "ما يرضى به الفلسطينيون نرضى به، وانقلب الحال اليوم فأصبح ما يرضى به العرب يرضى به الفلسطينيون، وقد سقطت هذه المقولات الزائفة، بعدما تم اختبارها في البرازيل واستراليا، والعديد من أقطار العالم التي فتحت أبوابها للفلسطينيين، باستثناء الدول العربية.
وهذا يستحثنا ويدعونا إلى التسلح بالنوايا الصادقة والإرادة السياسية، لطيّ صفحة التشرذم والتشظي السوداء، والارتقاء إلى مستوى حل المشكلات الفلسطينية ـ الفلسطينية، وليدرك القاصي والداني أن الحل موجود فقط بيد أبناء فلسطين أنفسهم، لأنهم الأدرى بهذه المشكلات منذ نشأتها، وهم القادرين على تجاوزها بالمزيد من الحكمة والمرونة، المقرونة بالحرص على حقوق الشعب، ومستقبل القضية الوطنية.
خلاصة القول؛ إن ترتيب البيت الفلسطيني على أسس ديمقراطية، تؤمن الشراكة في صنع القرار، ستنهض بالعامل الذاتي، ليواكب العوامل الموضوعية التي تصهر النخبة السياسية في بوتقة الجماهير الشعبية، كي تتعزز قدرتها على التفاوض، وخوض المعركة السياسية بكل أبعادها، مسنودة بالموقف الشعبي والوطني المقاوم، ومعبرة عن الإرادة الشعبية في جميع المحافل الإقليمية والدولية، وهي أكثر قدرة على مواجهة الضغوطات، بغض النظر عن وجهتها واتجاهاتها، وكل هذا مرهون بالإرادة السياسية القادرة على استخراج الاتفاقات والوثائق من بطون الأدراج، من أجل تنفيذها.
ابتداءً من اتفاق القاهرة وحتى الورقة المصرية، التي ما زالت تنتظر توقيع حماس عليها، ويبقى السؤال في رسم النخبة السياسية إذا ما كانت تملك إرادة الأمل، وربط القول بالعمل.



(*) "نفق الأنصار" مكّن المعتقلين من صنع الطريق إلى الحرية في عام 1984.
(·) سلطان مهداوي: أسير 17 عاماً في سجون الاحتلال، من أبناء الوحدات الفدائية للجنة الديمقراطية لتحرير فلسطين.