الخميس، 11 مارس 2010

نفق الأنصار(*) ... سيبقى أصدق من نفق الشكوى


نفق الأنصار(*) ... سيبقى أصدق من نفق الشكوى
سلطان مهداوي
صنعاء اليمن
هذا البيت من الشعر، انبثق من واقعة حية، تشير إلى أن شجرة الحياة الفلسطينية، أغنى من النظرية، وهي مصدر الرؤى الصائبة، تختصر المسافة بين النظرية، والواقع الملموس وتقرب النخبة السياسية من الجماهير الشعبية، التي أشادت صرح تراثنا النضالي، المعمد بالتضحيات والعطاء المتواصل الذي يقدمه شعبنا، بسخاء متقطع النظير وعبر عشرات السنين، وتحديداً منذ هزيمة حزيران/ يونيو 1967 حتى يومنا على أكتاف الفصائل الوطنية واليسارية والقومية، وعلى مساحة أكثر من عشرين عاماً 1967 ـ 1988 لم يكن الاتجاه الإسلامي السياسي مشاركاً في الثورة والمقاومة، لم تعرف الثورة والشعب المستحيل، في معركة الدفاع عن الأرض والشعب والوطن، في معركة حق تقرير المصير. وخلال انخراط شعبنا في صفوف الثورة والمقاومة، تمكن من تدشين الطريق لمنظمة التحرير الفلسطينية، كي تتبوأ المواقع المتقدمة في سلّم الاهتمامات العربية، والمؤسسات الدولية، إلى أن صارت حقوق شعبنا بنداً ثابتاً على أجندة الأمم المتحدة من عام 1974، وعلى قاعدة البرنامج الوطني المرحلي "تقرير المصير، الدولة المستقلة عاصمتها القدس العربية المحتلة، حق العودة عملاً بالقرار الأممي 194".
ولا ننسى في هذا السياق التذكير، بأن الانتفاضة كان لها الدور الأبرز في تقديم القضية الفلسطينية، كي تتصدر جدول أعمال القمة في عمان 1987، بعدما كانت على هامش جدول الأعمال.
وبناء عليه، فإن العودة إلى التراث النضالي، والتعلم من مدرسة قوى الثورة ممثلة بالفصائل الأساسية والمؤسسة للمقاومة ومنظمة التحرير الائتلافية، الفصائل الوطنية واليسارية الثورية الديمقراطية، والجماهير الشعبية، الأقرب من نبض الحياة، تشكل المخرج من حالة التردي التي أمست عنواناً اليوم لاجترار اللغة الثورية، دون الوصول بها إلى الممارسة فعلاً، جراء حالة التشرذم والتشظي، التي تفتح بوابات المزايدة على مصراعيها.    
بينما الجماهير الشعبية لم تغادر، ولم تتخلى عن مفردات الانتفاضة والمقاومة، بل هي تمارسها على الأرض وفي الميدان، دون كلل أو ملل، مما يجعلها أكثر قدرة على الدخول إلى جوهر المشكلات، والتعاطي الإيجابي مع المستجدات، وهي تمتلك القدرة على تقديم الإجابات على الأسئلة التي تطرحها الحياة الفلسطينية بكل تحدياتها، وبيدها القول الفصل في التصدي والرد على مخططات التهويد، ومصادرة الأراضي، وجدار الفصل والضم العنصري، ليس هذا فحسب، بل إن تمادي الاحتلال على المقدسات والتراث الوطني، أي أن الهجمة الهمجية باتت تستهدف تاريخ ومستقبل الشعب الفلسطيني وهويته، وتطال المنجزات الحضارية التي بناها أسلافنا عبر التاريخ، فأين منظمة اليونسكو من هذه الجرائم التي تركل بأقدامها كل القوانين الدولية، وتدعي بأنها تدافع عن الحضارة وتصونها من البربرية ؟! ...
وإذا كانت الوقائع المرئية، والعنيدة تشير إلى أن حدة التناقضات قد وصلت قمة تجلياتها وإفرازاتها، فهي تستدعي مغادرة القراءة الأحادية، والتحرر من الأحكام المسبقة، كي يتسنى لنا التعاطي مع الواقع، الذي يتطلب تظافر الجهود لنصرة الانتفاضة والمقاومة، ودعمها عربياً بكل الوسائل الممكنة، كي يكون بمقدورها الصمود والدفاع عن الأرض والحقوق الوطنية والقومية، وهي الكفيلة بفتح الطريق أمام السياسات الجديدة، الأكثر عمقاً وثورية، لترسم لنا ملامح المستقبل وتحقيق الحقوق الوطنية.
وحتى يتحقق لنا ذلك؛ لا بد من الإقرار بأن الانقلاب في حركة التحرر الوطني، هو بمثابة انحراف بالثورة وبالحركة عن حقيقتها، التي تقوم على تطوير الفعل الثوري الشعبي والوطني، للوصول إلى أحداث تغيير في ميزان القوى لصالح حقوق الشعب، وتحرير الوطن، وبما أن الانتفاضة أصبحت ضرورة وطنية موضوعياً، مع استفحال التناقض مع الاحتلال، فإن الذي يحد من تطورها وامتداد حركتها هو التشبث بالمصالح الفئوية، التي تتسم بالجمود والتكلس والانقسام، الذي يشكل كابحاً لتطور النضال الوطني، وسيبقى سبباً في إضعاف الانتفاضة والمقاومة، ويُبقي القضية الفلسطينية ملتقى الضغوط والمصالح الإقليمية والدولية.
وحتى الأمس القريب، كان لسان حال العرب يقول "ما يرضى به الفلسطينيون نرضى به، وانقلب الحال اليوم فأصبح ما يرضى به العرب يرضى به الفلسطينيون، وقد سقطت هذه المقولات الزائفة، بعدما تم اختبارها في البرازيل واستراليا، والعديد من أقطار العالم التي فتحت أبوابها للفلسطينيين، باستثناء الدول العربية.
وهذا يستحثنا ويدعونا إلى التسلح بالنوايا الصادقة والإرادة السياسية، لطيّ صفحة التشرذم والتشظي السوداء، والارتقاء إلى مستوى حل المشكلات الفلسطينية ـ الفلسطينية، وليدرك القاصي والداني أن الحل موجود فقط بيد أبناء فلسطين أنفسهم، لأنهم الأدرى بهذه المشكلات منذ نشأتها، وهم القادرين على تجاوزها بالمزيد من الحكمة والمرونة، المقرونة بالحرص على حقوق الشعب، ومستقبل القضية الوطنية.
خلاصة القول؛ إن ترتيب البيت الفلسطيني على أسس ديمقراطية، تؤمن الشراكة في صنع القرار، ستنهض بالعامل الذاتي، ليواكب العوامل الموضوعية التي تصهر النخبة السياسية في بوتقة الجماهير الشعبية، كي تتعزز قدرتها على التفاوض، وخوض المعركة السياسية بكل أبعادها، مسنودة بالموقف الشعبي والوطني المقاوم، ومعبرة عن الإرادة الشعبية في جميع المحافل الإقليمية والدولية، وهي أكثر قدرة على مواجهة الضغوطات، بغض النظر عن وجهتها واتجاهاتها، وكل هذا مرهون بالإرادة السياسية القادرة على استخراج الاتفاقات والوثائق من بطون الأدراج، من أجل تنفيذها.
ابتداءً من اتفاق القاهرة وحتى الورقة المصرية، التي ما زالت تنتظر توقيع حماس عليها، ويبقى السؤال في رسم النخبة السياسية إذا ما كانت تملك إرادة الأمل، وربط القول بالعمل.



(*) "نفق الأنصار" مكّن المعتقلين من صنع الطريق إلى الحرية في عام 1984.
(·) سلطان مهداوي: أسير 17 عاماً في سجون الاحتلال، من أبناء الوحدات الفدائية للجنة الديمقراطية لتحرير فلسطين.

ليست هناك تعليقات:

إرسال تعليق