الخميس، 11 مارس 2010

العرب وإسرائيل و"السلام المستحيل"


عريب الرنتاوي
ما الذي يتعين على إسرائيل أن تفعله (أكثر مما تفعله يوميا في القدس والضفة والقطاع) لكي يقتنع النظامان العربي والفلسطيني بأن السلام الذي يسعيان إليه مع دولة الاحتلال، هو ضرب من المستحيل؟...وهل ثمة نقطة معينة يتعين على العدوانية والتوسعية الإسرائيليتين أن تصلا  إليها لكي تصدر عن "هذين النظامين" عبارة: كفى أو "كفاية" وفقا لتعبير أحبتنا المصريين؟...أين تقع هذه النقطة، قبل ابتلاع الأرض والحقيق أم بعدها، قبل الإعلان عن "يهودية القدس" العاصمة الأبدية الموحدة للدولة اليهودية" أم بعدها، هل هناك اجل منظور لكل هذا التخاذل وتلك الهرولة، أم أن يقظة العرب معلقة على "شرط الظهور -  ظهور المهدي" ومدرجة في عداد "علائم الساعة" و"آيات البعث والنشور"؟
الا يكفينا كل هذه الاحتقار الإسرائيلي للمواقف والمصالح والسياسات والنظم العربية (والنظام الفلسطيني في مقدمتها) لكي نستيقظ من غفوتنا ذات صباح، ونتدارك ما يمكن تداركه من حقوقنا، ونخلع عن أنفسنا ثياب العجز والتخاذل والضعف والانقسام والتواطوء، إلى آخر ما في قاموس "النكبة والنكسة والهزيمة" من مفردات، ألا يُخجلنا بأن إسرائيل ترد على كل خطوة نخطوها نحو "المفاوضات حياة" و"السلام خيار استراتيجي" ببناء حي استيطاني كامل كما فعلت بالأمس، أو مصادرة مساحات إضافية من أراضي الفلسطينيين، أو هدم بيوتهم وتشريد عوائلهم وتدنيس مقدساتهم؟
منذ فاس (الثانية) قبل ثلاثة عقود ونحن نردد ببلاهة منقطعة النظير شعار "السلام خيارنا الاستراتيجي الوحيد"...ومنذ مدريد قبل عقدين من الزمان ونحن نتغنى بالمفاوضات (مباشرة كانت أم غير مباشرة) ومرجعيات مدريد ومختلف الخرائط والمبادرات والرؤى والأوراق (الرسمية منها وغير الرسمية)...ومنذ أوسلو وطابا...منذ الخريطة والرؤية،...منذ ميتشيل الأول وتينيت الثاني....منذ ورقة عباس وعبد ربة وبيلين...منذ كلينتون الزوج والزوجة...منذ حلم أوباما وميتشيل الثاني....ومنذ ومنذ ومنذ، إلى آخر ما قد تجود به الذاكرة...ركام من الأوراق والمبادرات والمشاريع، مسؤولون وسعاة ووسطاء أحيلوا على التقاعد أو فارقوا الحياة، حكومات تتشكل في تل أبيب وأخرى تروح...لا تقدم من أي نوع، ولا أمل ولا ضوء في نهاية النفق المظلم، قأين نحن من السلام، وأين نحن من استرداد الحقوق، هل بقي مطرح للسلام، وهل بقيت بقية من حقوق يمكن التفاوض بشأنها؟.
أما آن الأوان للقول بأن هذه الخطوة الإسرائيلية أو تلك، قد قوّضت بالفعل فرص السلام، وقطعت الطريق على محاولات إنقاذه، بدل الاكتفاء بترديد عبارات: "قد تهدد، وقد تقوّض"، التي يرددها بعضنا كالببغاء، أو على طريقة الرد الآلي المعتمد في شركات الاتصالات: "أخي المشترك، رقم الهاتف المطلوب مفصول، يرجى المحاولة فيما بعد"؟...بالمناسبة، أليست قرارات القمم العربية، بما فيها القمة التي ستأتي، هي من نوع "الرد الآلي" المثير للسأم والقشعريرة في العروق؟.
ألم يحن الوقت كي ينتفض إخواننا في سلطة رام الله لكرامتهم وحقوق شعبهم، ويخلعوا عن أنفسهم رداء الـ" VIP" وقفازاتها الحريرية، و"يعودوا إلى قواعدهم سالمين أو غير سالمين"، ألم يحن الوقت لحراك فلسطيني داخلي ضاغط في سبيل مصالحة حقيقية، في مواجهة الاحتلال وليس للتكيف مع شروطه ومقتضيات إدامته، وبصورة تتخطى الورقة المصرية بتفاصيلها الفنية والإجرائية التي لم تعد لها من قيمة، بعد أن تخطتها حكومة نتنياهو ومقتضيات "مرحلة ما بعد عملية السلام"؟
إسرائيل لم تترك لأحد فرصة للاجتهاد، المفاوضات مطلوبة فقط بغر ض التغطية على التوسع والضم والتهويد وابتلاع الحقوق، كل "شبر تقدم" على مسار التفاوض، تقابله مئات الدونمات من الأراضي المصادرة والمستعمرات المشيّدة على صدور الفلسطينين وأراضيهم المغتصبة، فيما العالم يقف إما عاجزا أو متواطئا أو شريكا في "أكبر عملية خداع في التاريخ" يجري تنفيذها ضد الشعب الفلسطيني تحت اسم حركي مضلل: عملية السلام ؟!
والحقيقة أن العرب يخدعون أنفسهم ويضحكون على شعوبهم، عندما يقولون – كما قال وزراؤهم في اجتماعهم الأخير في القاهرة – بأنهم يواصلون الالتزام بالمفاوضات وعملية السلام، لوضع إسرائيل في الزاوية، وإعطاء فرصة إضافية للرئيس أوباما وإدارته، فلا إسرائيل تجد نفسها "مختنقة" بالعزلة الدولية، ولا واشنطن بصدد الانتقال الآ ن أو في المدى المنظور، إلى موقع الضاغط على تل أبيب" وكل ما انتهت مواقف العرب وسياساتهم، هو تشجيع حكومة نتنياهو على توجيه الصفعة تلو الأخرى، لكرامتهم وحقوقهم ومصالحهم، ومن دون أن يرف لها جفن، أو ترتجف لها ساق، أرادوا إحراج إسرائيل فإذا بالحرج يحيط بهم من جهاتهم الأربع، أرادوا منح فرصة لأوباما، فإذا بهم يخسرون فرصتهم في البرهنة على جديتهم وجدواهم، ولسنا ندري على أية حال، إن كانت هناك نهاية وشيكة لهذا المسلسل المتهافت، أو إن كان هناك قعر يمكن أن تتوقف عنده حالة السقوط العربية.

ليست هناك تعليقات:

إرسال تعليق