الخميس، 11 مارس 2010

التقارب الأمريكي-العربي) بمنظورالإستثناءات الأمريكية

د.الطيب بيتي العلوي
"للولايات المتحدة تحالف مع الله،وللدول الأخرى تحالف مع الولايات المتحدة،يتحدد  خلالهاعلاقات خضوع الأطراف للمركز،من الدول الأوروبية والعالم،إلىالولايات المتحدة، ومن الولايات المتحدة إلى الله...."،هذاهو اللاهوت اللانهائي الكامن في السياسة الدولية للولايات المتحدة"
"جوهان جاليتونج" ...Johan Galtugمن"السياسة الخارجية للولايات المتحدة في شكلها اللاهوتي-(عن معهد النزاعات الشاملة والتعاون مقال رقم 4 و1997)
 قراءة متأنية لمصطلحات"التغييرالأمريكية
تعيش البشرية اليوم،حيرات ذهنية،وتخبطات عقليةعلى جميع المستويات،لاعهد للبشرية بها منذ نهاية الحرب الكبرىالثانية،حيث طغىالحديث عن التغييرات،وحوارات الحضارات والثقافات والديانات و(غرب/إسلام)، بسبب شيوع مناخ الإرتعاب من المجهول،وطغيان أنواع الفوضى الفكرية الجديدة،التي انتعشت بعدتفكك الإتحاد السوفياتيمع نهاية القرن السابق،والتي تحاول-عبثا-رصد المستقبل المعتم، وملإ الفراغ الذي أحدثته خطابات النهايات(الايديولوجيا،الحضارة،الانسان،الحداثة، التاريخ الثقافة المجتمع،السياسة)،مع الترقب المستمرلما قد يحدث من مفاجئات في المراحل الحاسمة المقبلة التي تقض مضاجع المفكرين على كافة اختصاصاتهم-انتظارا لعهود"ما بعد الأمركة"الأكيدة المرتقبة،بمنظور الأنثروبولوجيا السياسية، بينمالايزال المخلفون من الأعراب،ومعتدلي المنطقة،يراهنون  على الخلود الأمريكي، بمحاولة إنعاشه من أعراض أمراضه الباثولوجية،ويأملون في   استمراروهجه ،على"قبسات التغييرالأوبامي-التقدمي"، ويعملون ليل نهارعلى رعاية "القبس الأمريكي"،متجاهلين مقولة الجنرال دوغول الخالدة"بأن السياسيين الجاهلين لقراءة التاريخ من مواقع العبر،لا يمكنهم إلا ارتكاب وتكرارنفس الأخطاء التاريخية الغبية القاتلة"

وحول"التغييرالأوبامي"للعالم، والتقارب(الأمريكي-العربي-الاسلامي) الحالي،كتبواوحللوا واستشرفوا،وفي أمر"أوباما"و"التغيير"وأمريكا وأوروبا وإسرائيل خبطوا خبط التيه، وتردوا في مهاوي سحيقة،وانتحل كل مصلح صادق،أومدلس ناعق،طريقة ونهجا في فهمه لهذه المصطلحات،ومدى تأثيرها السلبي على كافة شعوب اليابسة وشعوبها  على مدىعقود من الزمن، ومخلفاتها الكاريثية على المنطقة،وما تناتج عنها من سلبيات،ومنهم من ما يزلون  يركنون ركونا ركونا،ويستبشرون خيرا،رغم الهنات والنكسات، بما ستجود به قرائح اللقاءات والمؤتمرات الصغرى والكبرى،الإقليمية والدولية،التي لن يولد من رحمها،الا المزيد من الزيف والبهتان والأراجيف..،
ومع ذلك-للغرابة-فيخرج علينا المدلسون صبيحة  كل يوم،بطنين مفردات"التغييرات والحلول الجذرية "المعجزة الإيجابية "للقاءات مع الأمريكيين والأوروبيين والإسرائليين،إمعانا في استغفال الشعوب العربية المقهورة والمغلوبة،بينما يعكف الدارسون الجادون في صوامع بحوثهم،يتنسمون بارقة أمل،أوبصيصا من نوريهتدون به،ولكن هيهات، فقد عم البلاء وطم،فالباحثون في زواياهم، لم تستقر بهم قدم ،ولارسخ بهم رأي على حال،عما ستلده الأيام الحبلى القادمة من المزيد من الأزمات الخفية،التي ستكون أدهى وأمرمن سابقاتها.فكل قراءات التغييروالحوارات مع الغرب المتمثلة في التوليفة الجديدة(الإسرائيلو-إمريكية–إوروبية)لن تعطي إلا أشتاتا من الترهات،لا ناظم ولا راتق ولاجامع لها،سوى الشتات نفسه،حيث سيتطوح المتلقون لهذه المقولات والشعارات من قطيع البشرالجائعة المنتشرة على هذه الدعقاء في المتاهات،الذين سينعمون بالمزيد من الخطابات"السياسوية"البلهاء المتلونة،التي سيُدندن بهاعن اليمين وعن الشمال رهوط السياسيين والمصلحين والمفتين والمنظرين والمفكرين والإديولوجيين،بأحاديث ممسوخة سمجة بلاطعم،تطفح بها الصحائف والصحف والمقالات والتحليلات،بدون عماد ولا سند،سوى أنها للموضة تابعة،وللتخديرهادفة،ولسوف تذهب هذه الكتابات "الإستشرافية"المبهورة بوهج اصطخاب"التغييرالأمريكي"أدراج الرياح،وسيؤول مآل هذا المصطلح"الى ما آل إليه سوابق المصطلحات"الحداثية الوردية"التي لم ترمنها العوالم الثالثية لأكثرمن ثلاثة قرون،سوى الويل والثبور،بطغيانالمفاهيم"المخملية"الدوارة"المحسوبة على"الفكرالجاهز"مثل الموضة الجاهزة،التي تخضع في جميع الأحوال الى قوانين"السوق"،وحينية العرض والطلب،ومتطلبات البضاعة الرائجة،حيث الموضة الفكرية،أوالثقافية،أوالسياسية"الدوارة ،مظهر معبر بشدة عن"إديولوجية"ما،لكنها مظهرقاهرمتحكم،ليس من السهل تجاوزه،لأنه ينتمي أولا وقبل كل شيء،إلى السلطة الفكرية والتنظيرية التي ينتمي اليها خدم الإيديولوجيا المسيطرة،وبالتالي،فّإن"الموضات"الفكرية والسياسية والثقافية لاحدود لها في أيامنا  هذه،وهي نفعية ولا أخلاقية في معانيها وأبعادها،ولازمة من مستلزمات الماكيافيللية والبراغماتية الثعلبية،والنفعية الإنجلوساكسونية المتخابثة،والعبرة دائما بمضمون الأمر،لا بالإسم ،فكم من"تغيير"جرى على أعنة التاريخ جرالىالتهلكة ،وكم من"تغيير"قاد الى بوار،وسلك طرقا لاتفضي الى الأفضل،وانما الأموربخواتيمها كما ورد في الأثر
تجليات أطروحات "التغيير"الأمريكي  
 ولكي لا نسقط في سرد المقولات الكارثية للفكر"الرجعي"أو"المثالي"لقراءة النكسات والأزمات،كما كان الشأن في لذة الكتابات القاتمة لما بعد الحرب الكبرى الثانية،عن "السقوط الأكبر لبرج بابل الأعظم"، ..فعلينا أن تتبع المراحل التاريخية "لأطرروحات التغيير"بمنظورالاستثناءات الأمريكية،مادام الطرح "الأنثروبو-ثقافي"الأمريكي هو الفكرالأغلب والسائد،ومادام ما تعيشه البشرية اليوم من أزمات خانقة ،تعود إلى صلب هذا الفكربالدرجة الأولى، فإليه المآل واليه المنتهى
 لقد تحرك الأمريكيون"البيض البيورتانيين "(المتطهرون)الوافدون الأوائل من إنجلترامنذ البداية على مرحلتين :
الأولى :على شكل اندفاعية  دينية محضة ،باعتبارأن مغامرة  كولومبس نفسها،لم تكن إلا  مغامرة دينية،لإعتقاده بأن"الرب جعله رسولا للجنة الجديدة،والأرض الجديدة،بعد أن حدثه بها يوحنا القديس، في سفرالرؤيا،وأراه النقطة التي يجدها عندها،أن اكتشاف أمريكا كان نهاية حج عظيم للبحث الروحي العظيم "كما ذكرذلكEdwin ,Scott  كتابه :A
Religiuous  History of America حيث كانت القارة الجديدة بالنسية اليهم  هي"أورشليم الجديدة"و"إسرائيل الجديدة"وكنعان الجديدة"والأرض الموعودة" (وهذا هو سرالإرتباط الروحي المفصلي المتين،الذي يربط الولايات المتحدة بإسرائيل، والذي لا يمكن لأية قوة مهما كانت الفصل عراهما)..
 الثانية : على  شكل  اندفاعية  نفعية :أجل الأستغلال الجشع لأرض غير مأهولة،خرافية الإتساع،ذات الأراضي الخصبة،والثراء اللامحدود الطبيعي،لتشكيل العالم الجديد(القارة الأمريكية) ثم باقي العالم بعدذلك،في شكل أقرب إلى الحملة الصليبية لتحضيرالعالم،وتخليصه من تخلفه وأدرانه، وتطهيره من عقائده ووثنياته، كما حدد ذلك المؤرخ الأمريكي الشهير"أرثرشليزر"،..حيث احتدم الصراع منذ البدايات –داخليا-عبروضع"التغييرات"على الخارطة السياسية الأمريكية في مسارها التاريخي القصير،ما بين"العهد الجديد"و"العهد القديم"،أي،الخضوع المستمر،لدورات من الصراع الدخلي، بين الواقعية "الذرائعية"،والمسيحانية "المثالية"،أوبين التجريب،والقدرية،أوكما وصف"كيسينغر"هذا الاصطراع،بأنه،( توليفة،أوتقاطع،أوتلاقي الإزدواجيات :بين العزلة والعالمية،وبين المثالية والقوة)،ولا أحد يمكنه التكهن"بمتى"و"كيف"ولمن  ستكون الغلبة لأحدى هذه الإزدواجيات،وذلك لأن العهد القديم، سيظل على الدوام متصلا بالعهد الجديد(بالمنظورالبروتستانتي-التوراتي)حيث ظهرذلك جليا لدىالرئيس"بوش الأب"الذي تحدث عن"النظام العالمي الجديد"وطرحه لقضيتي الخيروالشر-فغزا العراق،لمحو صورة"الشيطانصلاح الدين الجديد"الممثل زمنها في شخص الراحل"صدام حسين"فحازبذلك إعجاب الجمهوريين والديموقراطيين وكل اللوبيات مجتمعة، بينما تحدث الرئيس"كلينتون"عن مقاربة الدورالعالمي"للمثالية"الأمريكية ،فأرسل قواته إلى الصومال والبوسنة وهايتي، فقوبل بنقد من معارضيه من اليمينيين،الذين يرون أنه أخطأ التقديروالحسابات،لأن التدخل الأمريكي،لا بد أن يكون ضرورة عندما تتهدد المصالح الأمريكية،بينما انتقده (الليبراليون البراغماتيون الجدد) لكون سياسته مترددة وغير"نافعة"وليست مهاجمة بما يكفي..،وهنا يتجلى الصراع بين"أرض الميعاد"و"الدولة الصليبية"التي مثلها"آل بوش"،أي بين الواقعية والمثالية،وبين المصالح القومية ،والدورالعالمي ،التي مثلها كلنتون ويمثلها اليوم أوباما  ببراغماتية  متجددة  متنوعة الأطراف-كما فصلت ذلك في تحليل سابق)،وفي كلتي الحالتين،فان كلا من السياستين،ما هما إلا صورتين للعملة النقدية الأمريكية الواحدة المتداولة (in  God  we  trust)
ومن هنا يمكننا أن نخلص إلىأن المساندة اللامشروطة لإسرائيل،هي من أساسيات وثوابث الدستورالأمريكي كما سنه"جورج واشنطن" في مايسمى"بالعهد القديم"للسياسة الأمريكية الخارجية، وتلك قضية مفصول فيها-أمريكيا-إلى ما بعد الأمركة، كما هو الشأن بالنسبة لروسيا الحالية بعد مرحلة ما بعد الإتحاد السوفياتي
أما التدخل في العراق وأفغانستان والحرب على الإرهاب ومشروع الهجمة على إيران واستأصال حزب الله،والتهديدات والمساومات والمناوشات التي  ستسمر لسوريا، ومعاقبة السودان، ومراقبة ليبيا،ومغازلة الجزائر،ودغدغة  وتخدير واستنزاف"دول الإعتدال"فهي قضايا ينظرإليها –أمريكيا-من منظور(العهد الجديد)،وكلا العهدين يؤصلان ويقعدان للمرجعيات السياسات الأمريكية(الداخلية والخارجية) الأكثرصرامة–مذهبيا- تنفيذا للحلم الأمريكي الأمبراطوري الأمبريالي البحث الذي لن يتغير ابدا   الى ما بعد الامركة ايضا/(وكما يسميه الأنثروبولوجيون الأمريكيون ب"الإمبريالية التقدمية"،إشباعا لجشع لوبيات المال والاقتصاد،وصناعات الأسلحة من جهة(وهذاهوالجانب النفعي/ التجريبي/ البراغماتي)،وتلبية أيضا لأهداف لوبيات التحالفات  الدينية الأصوليةالجديدة الخفية(الإنجيلية-البروتستانتية-اليهودية) باعتبارأن الخلفية الأصولية لتأسيس أمريكا،هي كونها"اسرائيل الجديدة"(وهذاهوالجانب الديني/البيوراتني الأمريكي)حيث يستحيل الفصل–عمليا بين هذين الجانبين، بينما يتم في العهد"الأوبامي"التأكيدعلى ممارسة لعبة"تقليد حماية الحريات"-في الداخل- بالمناهج البراغماتية الجديدة المتعددة الأطراف والأهداف ،ومن أجل ذلك أوتي به ليحفاظ على هذا"التقليد الامريكي"عن طريق القمع"اللطيف" والإرهاب"الظريف" الداخلي، وخرق حقوق الإنسان الداخلية وحرق السيادات الوطنية لكل بلدان العالم-بشدة إن اقتضى الأمر-،قمعا للعصاة المحتملين من المواطنين الأمريكيين–وخاصة للجاليات العربية والمسلمة-)  ومن  المارقين  الجدد في العالم  اينما كانوا وارتحلوا وسيظل لفارق الفرق بين بوش وأوباما في نوعية قوة الضغط على"الفرامل"بمهارة وحروب مخملية أكثر،مع ملكات أوباما الطبيعية-مقارنة بغلاظة وغباء بوش- على"تجميل"القمع وتبريره، ودعم طروحاته كمحامي لسن وضليع، تتلمذ لسنوات طوال على يد"بريزنسكي" في الدفاع عن القضايا المشبوهة للشركات المتعددة الجنسيات الجشعة ،
،وسيظل الشعب الأمريكي –نفسه-بكل شرائحه وأطيافه السياسية والمذهبية يكون"شعبا متناقضا وهشا"،وستضل السياسة الأمريكية بالتالي سياسة(براغماتية /مثالية)..أي بلغة السياسة ستكون"لاأخلاقية،متلونة،نفعية،مفاجئة ومصادمة على الدوام، ومتقلبة ما بين الترهيب والترغيب،ولكن دون  تغيير جذري على الإطلاق
فمهما تحدثنا عن التغييرفي السياسات الأمريكية –الخارجية أوالداخلية- مستقبلا، فان الإستثناءات الأمريكية تفرض نفسها عند كل منعرجات مسارالشعب الأمريكي،ومصير البشرية،وسيظل"التغيير"بالمفهوم الأمريكي،أكثرالمصطلحات زئبقية وغموضا،بالاضافة الىأن"أوباما"سيكون أكثرالرؤساء الأمريكيين لغزا وزئبقية(في سياساته الداخلية والخارجية) والذي سيكون الأكثر تقلبا، في اتخاذ القرارات،الحاسمة من أجل "الإصلاحات"..
وعادة ما تتم في هذه الأيام تلك المقارنات الساذجة بين"بوش"و"أوباما"حيث يثم استخلاص عبر"منفلوطية"،لرسم العهد"الأوبامي"الراغب في التخلص من التركة البوشية الثقيلة، مما يدل على أن هؤلاء المحللين مصابون بميكروبية "قراءة التاريخ البشري من آخره،حيث يقومون ببتركل من هاذين الشخصين عن السياق العام الذي يطبع الخصوصية الأمريكية ،وكأن الرئيس الأمريكي المنتخب يؤتى به "لينظر"أو"ليخطط"أو"ليتفلسف"(وملف طرق الانتخابات الأمريكية هو من أعقد الملفات بالمنظورالسوسيو-أنثروبو-سياسي) متناسين، دورالاطار(الفلسفي-السياسي)،وتطبيقاته العملية على السياسات الأمريكية المتنوعة،المتأرجحة ما بين العهد القديم،والعهد الجديد ،وبين البراغماتية الكلاسيكية ،والبراغماتية الجديدة...،ومتناسين  بان قوة الأمبراطوريات والأنطمة السياسية التي سادت البشرية في الماضي،كما في الحاضر،لا تستمد قوتها وهيمنتها بقوة السلاح والعتاد الحربي فحسب،بل لابد لها أولا،من الاعتماد على أنظومة فكرية وعقدية،تبررأهدافها،وبالتالي فكل رئيس أمريكي ماهوالا"منتوج"لفكروتنظيرفلسفي أمريكي محدد ، براغماتي خصوصي  متعدد الاوجه ،وبالتالي فما يسميه البعض بالتناقض في السياسات الأمريكية الخارجية ما بين الديموقراطيين والجهموريين ليس في الواقع،سوى تطبيق ممارسات تقليدية للتصورالأمريكي الأوحد للعالم المحصورما بين"الواقعية والمثالية"وبين المصلحة القومية والدورالامبراطوري العالمي،التي أسندت الولايات المتحدة  شؤون ترشيده الى نفسها لكي لا يتهدد الفناء الخلفي  ل"لأرض الميعاد"و"الدولة الصليبية"
للبحث صلة
 باحث مغربي في  الأنثروبولوجيا  /باريس/فرنسا


ليست هناك تعليقات:

إرسال تعليق