الجمعة، 16 أكتوبر 2009

أخبار الحريات في تونس

حــرية و إنـصاف

منظمة حقوقية مستقلة

تونس في 26 شوال 1430 الموافق ل 16 أكتوبر 2009

أخبار الحريات في تونس

1) استجواب الناشط الحقوقي السيد زهير مخلوف لليوم الثاني على التوالي :

حضر الناشط الحقوقي السيد زهير مخلوف كما كان متوقعا على الساعة الحادية عشرة من صباح اليوم الجمعة 16 أكتوبر 2006 بمركز شرطة المعمورة من ولاية نابل لاستكمال الاستجواب المتعلق بالشكاية التي قدمها ضده أحد المواطنين والتي يتهمه فيها بتصويره دون موافقته، وبعد إجراء المكافحة بينهما تم تحرير محضر في الغرض تضمن توجيه تهمة التصوير بدون ترخيص من السلطات، وقد أفرج عنه على الساعة الثانية بعد الزوال.

2) نشطاء حقوقيون موقوفون للتفتيش وممنوعون من التنقل:

تعرض ناشطون حقوقيون اليوم الجمعة 16 أكتوبر 2009 إلى المنع من التنقل ومواصلة الطريق وطلب التفتيش بدعوى حيازتهم لآلات تصوير، فقد منعت قوة أمنية السيدة سهام بن سدرين والسيدين عمر المستيري والمولدي الزوابي من دخول مدينة عين دراهم وطلبت منهم الخضوع للتفتيش، كما أوقفت قوة أمنية أخرى السادة علي بن سالم ومحمد الهادي بن سعيد وياسين الجلاصي على مستوى محطة الاستخلاص بالطريق السيار منزل جميل وطلبوا منهم الخضوع للتفتيش بدعوى وجود آلة تصوير لديهم.

3) استمرار اعتقال الشابين رمزي اللافي وأنس الرحموني:

يستمر اعتقال البوليس السياسي للشاب أنس بن نور الدين الرحموني لليوم السادس على التوالي دون أن تعلم عائلته سبب ومكان اعتقاله.

وتجدر الإشارة إلى أن الشاب أنس الرحموني (المقيم بالقاهرة للدراسة) اعتقل بعدما عاد إلى تونس لعقد قرانه، كما اعتقل صديقه الشاب رمزي اللافي المقيم معه بالقاهرة قبله بيوم واحد.

يذكر أن الشاب أنس الرحموني (ابن السجين السياسي السابق نورالدين الرحموني)، يواصل تعليمه العالي بجامعة دمنهور بمصر.

4) عرض مجموعة جديدة من المعتقلين على أنظار قاضي التحقيق:

تم صباح اليوم الجمعة 16 أكتوبر 2009 عرض الشبان رضا الحنزولي وحمدي بن الحبيب شبيل ووجيه بن الكافي ساسي على أنظار قلم التحقيق بالمكتب السادس بالمحكمة الابتدائية بتونس للتحقيق في القضية عدد 16369 من أجل تهم لها علاقة بقانون ''الإرهاب'' غير الدستوري.

5) حتى لا يبقى سجين العشريتين الدكتور الصادق شورو وراء القضبان:

لا يزال سجين العشريتين الدكتور الصادق شورو وراء قضبان سجن الناظور يتعرض لأطول مظلمة في تاريخ تونس، في ظل صمت رهيب من كل الجمعيات والمنظمات الحقوقية، ولا تزال كل الأصوات الحرة التي أطلقت صيحة فزع مطالبة بالإفراج عنه تنتظر صدى صوتها، لكن واقع السجن ينبئ بغير ما يتمنى كل الأحرار، إذ تتواصل معاناة سجين العشريتين في ظل التردي الكبير لوضعه الصحي والمعاملة السيئة التي يلقاها من قبل إدارة السجن المذكور.

عن المكتب التنفيذي للمنظمة

الرئيس

الأستاذ محمد النوري

بلاغ صحفي

في إطار الحملة الانتخابية الرئاسية والتشريعية لحزب الاتحاد الديمقراطي الوحدوي يعقد الأمين العام للحزب ومرشحه للإنتخابات الرئاسية الأخ :

احمد اينوبلي

اجتماعا عاما بمدينة جرجيس وذلك يوم السبت 17 أكتوبر 2009 على الساعة الخامسة مساء بدار الثقافة بجرجيس.

عبد الكريم عمر

عضو المكتب السياسي

المكلف بالإعلام

الفساد فى مصر بين العالمية والمحلية

محمد شوكت الملط

تقرير دولي يشير إلى تزايد معدلات الفساد في مصر فى عام 2008، حيث سجلت 2.8 نقطة، مقابل 2.9 فى 2007، على «مؤشر الفساد»، الذى تصدره مؤسسة الشفافية الدولية سنويا. وبذلك تراجع ترتيب مصر عالميا فى مجال محاربة الفساد، للعام الثالث على التوالى، لتحتل المركز 115 من بين 180 دولة قاس أداءها المؤشر فى عام 2008، مقابل تسجيلها المركز 105، من بين نفس عدد الدول، فى عام 2007، تبعا للتقرير السنوى للمؤسسة والصادر فى شهر سبتمبر 2009، بعنوان «الفساد والقطاع الخاص». ويتكون مؤشر الفساد من 10 نقاط، وتعد الدولة «أكثر نزاهة» كلما زادت نقاطها عليه، و«أكثر فسادا» كلما اقتربت

من الصفر. وتعتمد تقارير المؤسسة، فى تقييمها، على «تصورات» قطاع الأعمال والخبراء والمحللين حول مدى انتشار الفساد فى دولهم بين الموظفين الحكوميين والسياسيين، ورؤية المواطنين لجهود حكوماتهم فى مكافحة الفساد.

لو صدر هذا التقرير عن طريق جماعة الإخوان المسلمين ، لقامت الحكومة ولم تقعد ، ولصالت أجهزة الأمن المصرية وجالت فى عرض البلاد وطولها بحثا عن أى شخص إخوانى ، شبلا أو كبيرا ، رجلا أو امرأة،مشهورا بين الناس أو غير مشهور ، ولقامت بالزج بهم جميعا فى غياهب السجون - أكثر مما تفعل بهم فى الوقت الحالى - ولوجهتا لهم النيابة العامة التهم الشهيرة بالإنضمام لجماعة محظورة الغرض منها تعطيل أحكام الدستور والإضرار بالوحدة الوطنية والسلام الإجتماعى، وترويج شائعات تحض على كراهية النظام الحاكم وازدراء مؤسسات الدولة ..الخ، وحبذا لو جاء هذا التقرير

عن حركة " كفاية " لكانت هى الفرصة الذهبية للنظام الحاكم للإجهاز عليها نهائيا ، بالرغم من تفرق أعضائها وضعف دورها فى الشارع السياسى ، وسيرها فى طريق الإنحسارلتكون فيما بعد مجرد ذكرى ، أما اذا تناولت جريدة الوفد حبوب الشجاعة وصدر عنها مثل هذا التقرير مع تبنى توصيات ومقترحات جادة للخروج من هذا النفق المظلم ، لأغلقت الحكومة هذه الجريدة "بالضبة والمفتاح " دون تردد ، كما قامت من قبل بالإجهاز على حزب الوفد ووقف كافة أنشطته وطمس كل من له هوية وفدية سوى بعض الرموز ، وكذلك كان النظام الحاكم سيفعل مع جريدة الأهالى - بالطبع وحزب التجمع -

التى لم تعد كما كانت من حيث قوة الأداء وسعة الإنتشار ،ومع جريدةالعربى الناصرى وحزبها ، وحتى ومع أى شخص من الإخوة الأقباط ، اذا قام بنشر هذا التقرير والإهتمام به بصورة جادة .

المهم أن أحدا لم يسمع تعليقا حكوميا على هذا التقرير ، بالرغم من أنه فى حالة صدور تقرير يمدح فى الحكومة المصرية من احدى المنظمات الدولية ، حتى وان كانت من المنظمات المغمورة المطمورة ، تقوم أجهزة الإعلام الرسمية بنشره مرات ومرات بصورة استفزازية ، عى أنه نصر مبين وأنه بمثابة شهادة دولية بعظمة النظام وعبقريته ،ولكن حكومتنا النظيفة المباركة كانت كعادتها فى مثل هذه المناسبات لها أذن من طين والأخرى من عجين .

العجيب فى الأمر أن تقريرا مصريا مئة بالمئة مشابها للتقرير الصادر عن مؤسسة الشفافية الدولية -سالف الذكر - نُشر مؤخرا فى الصحف الحكومية الثلاثة وغيرها من وسائل الإعلام الأخرى ، وجاء فيه :

رصدت النتائج النهائية لأول دراسة عن تغير قيم المجتمع المصري كارثة حقيقية تعيشها الأغلبية العظمي من المصريين،.وأكدت الدراسة التي أعدتها وزارة الدولة للتنمية الإدارية بالتعاون مع فريق بحثي برئاسة د.أحمد زايد عميد آداب القاهرة أن الأغلبية تشعر بالظلم واليأس والاحباط وغياب العدالة،.وكشفت الدراسة أن معظم فئات المجتمع يشعرون بأن الدولة تنحاز لرجال الأعمال واصحاب النفوذ وتوفير الحماية لهم ، مما يتيح لهم تحقيق مكاسب على حساب البسطاء،كما أكدت الدراسة انعدام الثقة في الحكومة بنسبة 50% بين أفراد المجتمع.

يا للهول...تقرير مصرى يتسم بالمصداقية والواقعية ، بل تشرف عليه وزارة مصرية ينتقد الأوضاع فى مصر ، ويحذر من خطورة الفساد على المجتمع وعلى الأفراد فى الحاضر وفى المستقبل ، ماالمشكلة ؟ ، انه ليس الا مجرد تقرير ، ولن يُقرأ الا من عدد قليل ولن يهتم به الا الأقل ، وكذلك فلن يغير - قيد أُنملة- فى سياسة الحكومة ، لا من قريب ولا من بعيد .

الحقيقة أن الفساد كالسرطان الذى يدمر جسد الإنسان المريض ، خلال مدة زمنية قصرت أم طالت ،ولكن الفساد يدمر- على المدى القريب والبعيد - مجتمعا بكل افراده بمواهبهم وقدراتهم ويقتل الإبداع والتطور ، ينشر اللامبالاة والحقد الكراهية ويقلب الأوضاع ، فالشريف لايجد له مكانا واذا وجد فربما يكون خلف القضبان ، والوضيع له المكانة والمنصب والجاه ،والغالبية من المواطنين تحاول الهرب خوفا من الفساد ، فتشرع فى الهجرة الى المجهول مهما كانت المخاطر .

قضايا الأدب الإسلامي في العصر الحديث


أ. فراس حج محمد /فلسطين- نابلس

مقدمة:

لا تهدف هذه المقالة إلى تأصيل الأدب الإسلامي أو الخوض في شروطه وسماته وعوامل نهضته وازدهاره، فكل هذا واقع محسوس لمن أراد أن يرى، ولا عذر لجاهل، ولا حجة لواهم وإنما نتغيا بيان أهم القضايا التي تتصل بالأدب الإسلامي (دوره في الصراع، مفاهيم أساسية، مذهب الإسلام في التعبير، الجمال في التصور الإسلامي، الصلة بين الأديب والعقيدة، علاقة الأديب الإسلامي بالوجود من حوله، مجلية بعض الشبهات التي أثيرت حول هذا الأدب).

الأدب الإسلامي ودوره في الصراع:

يعد الأدب في كل أمة مرآة فكرها وحياتها، ومنبعا من منابع حيويتها وطاقاتها، وقد مثل الأدب الإسلامي زمن الرسول _ صلى الله عليه وسلم_ سلاحا مقاوما في وجه الطغاة والمشركين، وكلنا يعرف شاعر الرسول (ص) حسان بن ثابت _ رضي الله عنه_ ودعوة الرسول (ص) له لنصرة الإسلام بلسانه، كما نصر المجاهدون الإسلام بأسنتهم وسيوفهم في ساحات القتال.

أما في العصر الحديث فقد غيب هذا الأدب ردحا من الزمن، ومورست ضده حملة من التضليل والتشويه، وأوصدت في وجهه معاقل النشر والتوزيع وجوبه حملته والداعون له، واتهموا بشتى التهم من رجعية وتقليد وتخلف، ولكنه عاد ليظهر بقوة في الفترة الأخيرة، وذلك يرجع في تقديري إلى عاملين:

الأول: امتداد الصحوة الإسلامية في كل بقاع الأرض حتى وصلت إلى عقر ديار الغرب، وأصبح ينظر إلى الإسلام النظرة الفكرية المتعمقة، فأدركوا أن لا مجال لاجتثاث هذه الصحوة، ومن هنا جاء الأدب الإسلامي حاملا طبيعيا ومعبرا عفويا تلقائيا عن هذه الصحوة المتنامية.

الثاني: فشل الآداب الأخرى في التعبير عن الإنسان والكون والحياة التعبير المتوازي المتزن، بحيث أخفقت تلك الآداب في تحقيق قيمة الحياة للإنسان مما ساهم في بروز نزعة الانتحار أو الانسحاب من الحياة لثلة غير قليلة من هؤلاء الأدباء، فجاء الإسلام بأدبه وفكره دعامة ليسد هذه الثغرة في المعالجة الحسية والإدراكية والوجدانية لحاجات الإنسان وآماله وتطلعاته.

وعليه فإن الأدب الإسلامي المعاصر قد أخذ صورة من صور التحدي للموقف الحضاري الذي يريد مسخ الحضارة الإسلامية وإلحاقها بحضارات ما وراء البحار، ويمثل الأدب الإسلامي فيما يمثله القيم الإسلامية والدفاع عن الفكرة، وبث الروح الإسلامي كجبهة صراع فكري حقيقية مثلها مثل أي جبهة صراع أخرى تدور رحاها بين الغرب والإسلام، وتنبع أغلب الشبهات حول الأدب الإسلامي في أكثرها من النمطية السائدة تجاه الإسلام، حيث ترى في الإسلام نفسه مذهبا جامدا غير متطور، يحكمها الفكر العدائي المسبق حول الإسلام وأهله وأدبه.

مفاهيم أساسية للأدب الإسلامي:

1. مفهوم الأدب الإسلامي: هو الأدب الذي يرسم صورة الوجود من زاوية التصور الإسلامي لهذا الوجود، فهو بذلك التعبير الجميل عن الكون والإنسان والحياة من خلال التصور الإسلامي.

2. الأديب المسلم: شخص موهوب ذو حساسية خاصة، يستطيع التقاط الإيقاعات الخفية التي لا يدركها الناس الآخرون، وذو قدرة تعبيرية خاصة تستطيع تحويل ما يلتقط وما ينفعل به إلى لون من الأدب الجميل يثير في النفس التأثير ويحرك فيها حاسة الجمال.

3. الإبداع وكيفيته: تمر كل عملية إبداع في مراحل ثلاث وهي: الانفعال النفسي بتجربة ما واستبطان هذا الانفعال داخل النفس و ارتداد التجربة إلى الخارج في صورة تعبير أدبي له وقع خاص وناتج عن استبطان الانفعال في نفس المبدع . وهذه المراحل يمر بها أي مبدع حقيقي، بمن فيهم الأديب الإسلامي بطبيعة الحال.

ولا بد هنا من التنويه إلى جملة حقائق تتصل بالإبداع الإسلامي وهي:

· أثر القلق والأزمة النفسية في إيجاد الأدب، وبالتالي هناك علاقة ما مابين الأزمة النفسية وتطوراتها وطبيعة الأدب المنتج.

· الأدب الإسلامي منفتح على كل الموضوعات، فليس هناك موضوع إسلامي وغير إسلامي، فكل موضوعات الكون والإنسان والحياة والواقع وما وراء الواقع كلها مادة صالحة للأدب الإسلامي شريطة أن تمر في نهر الإسلام العظيم الذي يشكلها بطابعه الخاص الذي يميزها عن غيرها.

· ينبغي على الأديب الإسلامي أن لا يعيد في أدبه حقائق الكون والدين والعقيدة في شكل صياغات فلسفية وفكرية جامدة أو وعظية مباشرة، بل عليه أن يفيض من روحه ومشاعره وطريقة أدائه وكل إحساسات الجمال المودعة في النفس البشرية حتى يلتقي الفن مع الموضوع في صياغة لها تأثيرها الحسي والإدراكي على المتلقي، وحتى تظهر الأمور بصيغتها الأصلية الجمالية المتحققة في الأدب ومدى تحقيقه للعناصر الجمالية المطلقة في الأدب، والناظر في الآداب المنتشرة على بقعة الكرة الأرضية عربية أو غير عربية يرى أنها لا تنبثق من هذا التصور الإسلامي الشامل للجمال، فجل هذه الآداب منحرف بطبيعة انبثاقه من تصور خاطئ للإنسان، يرى الإنسان نصف مخلوق تشوهه المتع الجسدية والاستغراق في مستنقع الشهوة الطاحنة.

مذهب الإسلام في التعبير:

ينطلق التعبير الإسلامي من واقع الدوائر الثلاث السابقة (الكون والإنسان والحياة)، حيث يتوخى التعبير في هذا الأدب أن يعرض الواقع ويصوره جماليا لهدف وغاية، فالغاية في الأدب الإسلامي حقيقة واقعة وضرورة لازمة، بل حتمية فيه. ولكن واقعية الإسلام ليست منقوصة أو مضخمة، بل إنها تعطي لكل شيء وزنه الخاص فيه فلا يطغى جانب على آخر ولا يغيب جانب ويظهر آخر، فإنه عندما يصور الضعف الإنساني بدون تهويل تظهره بحجمه الحقيقي متوسلة من خلال هذا التصوير إظهار العنصر المقابل، وهو لحظة القوة الإنسانية المتسقة مع فطرة الإنسان ودوره في الحياة، وبالتالي فإن الأدب الإسلامي بغاياته الواضحة يريد أن ينقل الواقع إلى ما يجب أن يكون عليه هذا الواقع، لا ما هو عليه بصفته الحالية.

وقد تلتبس هذه النقطة بما يشاع عن أدب الإسلام، بأنه يعرض الأفكار مجردة حتى يتحول التعبير إلى عملية نظم مجردة من الانفعال والإحساس، وهذه فكرة ليست صائبة، فكل الأفكار التي يعبر عنها الإنسان قد يحسن الإنسان تصويرها، وقد يخفق في هذا التعبير، وهذه ليست سلبية تلصق بأدب الإسلام دون سواه، فالأدباء الواقعيون في مستهل أدب العرب الحديث قد وقعوا في هذا الفخ، وأدباء النزعة الماركسية لم يتخلصوا منه، وهذا عائد لطبيعة الأديب أولا وقبل كل شيء، وهو خاضع بطبيعة الحال إلى الأداء الفني وامتلاك الأدوات الفنية، والسمات الشخصية، وهي مختلفة ومتفاوتة عند بني البشر، ولهذا تجد التعبير الأدبي الجمالي الرائع في الأدب الإسلامي كما تجد التعبير الإسلامي الخاوي من الجمال وهذا ما لم ينج منه اتجاه أدبي أو فني.

وهنا قد يثار السؤال التالي : هل الأدب الإسلامي أدب إمتاعي؟

يحقق الأدب بشكل عام وظائف عدة، ألمحت إلى بعضها سابقا، وتبقى الوظيفة الإمتاعية هي المقصود الأول لكل أدب، إذ العقد بينك وبين القارئ تقديم أدب ممتع حتى يكون قادرا باستعداده النفسي أن يتابعك، فإن فقد الأدب هذه الخاصية فَقَدَ قيمة كبرى في أهمية التواصل مع الآخرين، ولا شك أن الأدب ينشأ من أجل إنشاء رابطة شعورية وجدانية مع المتلقي، تقوم على الإمتاع أولا، ولكن الأدب الإسلامي الذي يحرص كل الحرص على الناحية الإمتاعية فيما يُنْتِج، إلا أنها ليست هي المقصودة في ذاتها، بل إن الإمتاع في الأدب الإسلامي وسيلة لغاية أخرى، فإذا تحقق الإبداع في النص من خلال نقل الشعور والإمتاع للآخرين، لا بد أن يحقق الغايات الأخرى، فلا يتنازل الأدب الإسلامي عن الفكرة والهدف والغاية، ودون أن يتنازل كذلك عن قواعد الفن الأصيل.

ومن جانب آخر، يمتلك هذا الأدب – بفعل استناده إلى النظرة الكلية عن الكون والإنسان والحياة واتصاله بالعقيدة – فاعلية خارقة في تأسيس مبادئ الحياة الصحيحة في النفس، وقادر على إثارة المشاعر في صميم النفس البشرية، فتتحول هذه المشاعر المتعددة في نفس الإنسان إلى طاقة حركية، لتدفع الإنسان في مسيرته الحياتية، وحمل رسالته الدعوية لبناء حضارة نافعة قائمة على الروح والمادة في توازن تام، وانتماء إلى المشاعر الإنسانية التي تعم المجتمع الإسلامي، وتحمل الخير لغيرها، في توافق جدلي بين الشكل والمضمون، المضمون المبني على قواعد الإسلام وأفكاره، والشكل الفني ؛ فليس هناك انفصال بين شكل العمل الأدبي ومضمونه في الإسلام، فالاتجاه العام لأداء التعبير عن قيم الإسلام لم تفصل بين قيمة الشكل وقيمة المضمون، فإن للشيء الجميل طريقا جميلا يقود إليه حتما.

الجمال في التصور الإسلامي:

ينبع الجمال في التصور الإسلامي من مظاهر الكون أساسا، التي تجمع إلى جانب المعرفة بالحقيقة المادية المشخصة الجانب الجمال بقيمة معنوية على مستوى الإبداع في الخلق والتكوين، فقد أشار القرآن إلى ذلك مستخدما صيغة جمالية تؤدي المعنى بأبعادها النفسية اللافتة للجمال في الكون، فعنصر الجمال عميق في هذا الوجود يتبدى في كل كائناته، والإنسان مطالب أن يفتح حسه لهذا الجمال ويتأثر به ليكون حافزا لحاسة الجمال المودعة فيه، فتفيض في تعبيره جمالا موازيا لهذا الجمال الكوني الرائع.

ومن خلال هذا التصور الإسلامي للجمال يلاحظ الإنسان أن أصل الخلق من مادة واحدة له إيحاءات كبرى ودلالات عظيمة، فكل ما خلق الله من كون وإنسان وحياة تشترك في أصل الخلق من عناصر مشتركة واحدة، ليجعل لهذا الخلق فكرة اكتمال الدائرة في التصور الإسلامي، فعلينا أن نلاحظ مثلا صلة الإنسان بالكون وصلة الإنسان بالحياة والعناصر الأخرى الحية وغير الحية لنرى اكتمال الدائرة حيث أصل النشأة والمصير في صلة الإنسان بخالقه.

وحرصت النظرة الجمالية في الإسلام أن يظل الإنسان إنسانا لا يرتكس إلى درك الحيوان، فيعرف دوره في الحياة، كما أراده الله، وبذلك يتحقق الجمال بمفهومه الواسع.

الصلة بين الأدب والعقيدة:

إن الصلة بين الأدب والعقيدة كصلة المؤمن بربه، علاقة دائمة لا انفصال فيها، ولا تشويش ولا اضطراب، ولذا فإنك ترى في الأدب الإسلامي قدرة متميزة في التعبير عن المبادئ والقيم بكل ما تشتمل عليه من إبداعات، ويتمتع هذا الأدب بقدرته على حسم النزاع الفكري الذي تخلفه في الناس الأطروحات المذهبية الأخرى حول المبادئ العامة للحياة والقيم الكبرى التي تقودها، وتتساوق في الإسلام حركة الأدب والفكر بحيث يلتحمان معا، فيعبر الأديب الإسلامي عن روح الالتزام بالإسلام وتعاليمه التزاما حقيقيا نابعا من شعور ديني، لا تفرضه عليه سلطة أدبية أو سياسية، أو دينية مؤسساتية، بل بمحض إرادته يرى نفسه ملتزما بالإسلام فكرا وأدبا وشعورا وسلوكا، فتتمثل في أدبه كل الملامح الإسلامية الراقية، ليخرج إلى الحياة لبنة صالحة تدعم وجود الإسلام فكرا ومنهجا على أرض الواقع.

إن ما يلفت النظر في الأدب الإسلامي تلك العلاقة القائمة بين الأديب وبين خالقه، فالأديب ينبع أدبه من علاقة وجدانية مع هذا الخالق، فالإله البارئ هو مصدر الخير والوحي، والإنسان خليفة الله المؤتمن على هذه الأرض، ومن هنا تتكامل الحلقات الثلاث (الكون والإنسان والحياة) في هذا الأدب وتشكل محورا رئيسيا فيه، فيظهر في هذا الأدب تجليات الحياة والنظرة إليها والغاية والمقصد من وجودها وعلاقتها بالإنسان وما حوله من تجليات الكون، فتتجاوز نظرة الأدب الإسلامي حدود الواقع، وتتطلع إلى ما وراء هذه الحياة الفانية من نعيم دائم، وبهذا يكون الأدب الإسلامي رجعا حقيقيا وصورة حية لعلاقة الإنسان بأخيه الإنسان في المفهوم الشامل القائم على المحبة والخير والعطاء. ولهذا الأدب أبعاده الإنسانية العالمية التي لا تكتفي بالظهور بالثوب المحلي أو الإقليمي، فتحارب الفئوية والحزبية والتشرذم والتقوقع، فكما أن الإسلام دين شامل كامل إنساني عالمي فإن ما ينتج عنه من فكر وأدب وتصور لا بد أن تظهر فيه هذه الخصائص، فالمتوقع من هذا الأدب أن يعطي الصورة الصادقة والثابتة عن شكل العالم وجوهره والعلاقات التي تحكمه والقوى الفاعلة فيه.

ولعل ارتباط الأدب الإسلامي بالعقيدة، يؤدي إلى اتهام هذا الأدب باتكائه على ثقافة الغيب، فإن من يطرح هذا التصور، يرى فيه شبهة وعارا على الأدب، ويكون قد ارتكز على مخلفات فكرية غربية لا تؤمن إلا بما ترى أو تسمع، أما ما لا يقع عليه البصر أو السمع فلا دخل لها به، وهذا نابع أصلا من تصور غربيّ فكريّ بأن الدين ليس له حق في رسم الحياة والتفكير من خلال مغيبات تنطلق من رحم الدين.

وبما أن الأدب الإسلامي يرتكز في مؤداه الإبداعي على الإسلام وعقيدته، فإن ثقافة الغيب هي روحه، لأنه متعلق مشاعريا وعقليا بالمغيب الذي طلب أن يؤمن به، فكيف يؤمن بالمغيبات إيمانا قطعيا جازما ثم يحاربها في أدبه؟

هذا أمر، أما الأمر الآخر، هو صحة المغيب أو عدم صحته، فإذا كان المغيب موجودا حقا فلماذا لا يكون له ركن في الأدب، فالمسلم يرى أن الغيب يحكم حياته كلها، وهذا لا يعني سلبية المؤمن بل الايجابية الفاعلة التي ترى أن العمل والجد والإخلاص لا تتنافى مع ما قدر أو غُيِّب، فهو ليس مطالبا بمعرفة الغيب وإن كان محكوما به، وبالتالي فإن ثقافة الغيب متجذرة في حركة الإسلام الفكرية، وهي سر تميز أتباعه وأدبائه ومفكريه.