الجمعة، 16 أكتوبر 2009

الفساد فى مصر بين العالمية والمحلية

محمد شوكت الملط

تقرير دولي يشير إلى تزايد معدلات الفساد في مصر فى عام 2008، حيث سجلت 2.8 نقطة، مقابل 2.9 فى 2007، على «مؤشر الفساد»، الذى تصدره مؤسسة الشفافية الدولية سنويا. وبذلك تراجع ترتيب مصر عالميا فى مجال محاربة الفساد، للعام الثالث على التوالى، لتحتل المركز 115 من بين 180 دولة قاس أداءها المؤشر فى عام 2008، مقابل تسجيلها المركز 105، من بين نفس عدد الدول، فى عام 2007، تبعا للتقرير السنوى للمؤسسة والصادر فى شهر سبتمبر 2009، بعنوان «الفساد والقطاع الخاص». ويتكون مؤشر الفساد من 10 نقاط، وتعد الدولة «أكثر نزاهة» كلما زادت نقاطها عليه، و«أكثر فسادا» كلما اقتربت

من الصفر. وتعتمد تقارير المؤسسة، فى تقييمها، على «تصورات» قطاع الأعمال والخبراء والمحللين حول مدى انتشار الفساد فى دولهم بين الموظفين الحكوميين والسياسيين، ورؤية المواطنين لجهود حكوماتهم فى مكافحة الفساد.

لو صدر هذا التقرير عن طريق جماعة الإخوان المسلمين ، لقامت الحكومة ولم تقعد ، ولصالت أجهزة الأمن المصرية وجالت فى عرض البلاد وطولها بحثا عن أى شخص إخوانى ، شبلا أو كبيرا ، رجلا أو امرأة،مشهورا بين الناس أو غير مشهور ، ولقامت بالزج بهم جميعا فى غياهب السجون - أكثر مما تفعل بهم فى الوقت الحالى - ولوجهتا لهم النيابة العامة التهم الشهيرة بالإنضمام لجماعة محظورة الغرض منها تعطيل أحكام الدستور والإضرار بالوحدة الوطنية والسلام الإجتماعى، وترويج شائعات تحض على كراهية النظام الحاكم وازدراء مؤسسات الدولة ..الخ، وحبذا لو جاء هذا التقرير

عن حركة " كفاية " لكانت هى الفرصة الذهبية للنظام الحاكم للإجهاز عليها نهائيا ، بالرغم من تفرق أعضائها وضعف دورها فى الشارع السياسى ، وسيرها فى طريق الإنحسارلتكون فيما بعد مجرد ذكرى ، أما اذا تناولت جريدة الوفد حبوب الشجاعة وصدر عنها مثل هذا التقرير مع تبنى توصيات ومقترحات جادة للخروج من هذا النفق المظلم ، لأغلقت الحكومة هذه الجريدة "بالضبة والمفتاح " دون تردد ، كما قامت من قبل بالإجهاز على حزب الوفد ووقف كافة أنشطته وطمس كل من له هوية وفدية سوى بعض الرموز ، وكذلك كان النظام الحاكم سيفعل مع جريدة الأهالى - بالطبع وحزب التجمع -

التى لم تعد كما كانت من حيث قوة الأداء وسعة الإنتشار ،ومع جريدةالعربى الناصرى وحزبها ، وحتى ومع أى شخص من الإخوة الأقباط ، اذا قام بنشر هذا التقرير والإهتمام به بصورة جادة .

المهم أن أحدا لم يسمع تعليقا حكوميا على هذا التقرير ، بالرغم من أنه فى حالة صدور تقرير يمدح فى الحكومة المصرية من احدى المنظمات الدولية ، حتى وان كانت من المنظمات المغمورة المطمورة ، تقوم أجهزة الإعلام الرسمية بنشره مرات ومرات بصورة استفزازية ، عى أنه نصر مبين وأنه بمثابة شهادة دولية بعظمة النظام وعبقريته ،ولكن حكومتنا النظيفة المباركة كانت كعادتها فى مثل هذه المناسبات لها أذن من طين والأخرى من عجين .

العجيب فى الأمر أن تقريرا مصريا مئة بالمئة مشابها للتقرير الصادر عن مؤسسة الشفافية الدولية -سالف الذكر - نُشر مؤخرا فى الصحف الحكومية الثلاثة وغيرها من وسائل الإعلام الأخرى ، وجاء فيه :

رصدت النتائج النهائية لأول دراسة عن تغير قيم المجتمع المصري كارثة حقيقية تعيشها الأغلبية العظمي من المصريين،.وأكدت الدراسة التي أعدتها وزارة الدولة للتنمية الإدارية بالتعاون مع فريق بحثي برئاسة د.أحمد زايد عميد آداب القاهرة أن الأغلبية تشعر بالظلم واليأس والاحباط وغياب العدالة،.وكشفت الدراسة أن معظم فئات المجتمع يشعرون بأن الدولة تنحاز لرجال الأعمال واصحاب النفوذ وتوفير الحماية لهم ، مما يتيح لهم تحقيق مكاسب على حساب البسطاء،كما أكدت الدراسة انعدام الثقة في الحكومة بنسبة 50% بين أفراد المجتمع.

يا للهول...تقرير مصرى يتسم بالمصداقية والواقعية ، بل تشرف عليه وزارة مصرية ينتقد الأوضاع فى مصر ، ويحذر من خطورة الفساد على المجتمع وعلى الأفراد فى الحاضر وفى المستقبل ، ماالمشكلة ؟ ، انه ليس الا مجرد تقرير ، ولن يُقرأ الا من عدد قليل ولن يهتم به الا الأقل ، وكذلك فلن يغير - قيد أُنملة- فى سياسة الحكومة ، لا من قريب ولا من بعيد .

الحقيقة أن الفساد كالسرطان الذى يدمر جسد الإنسان المريض ، خلال مدة زمنية قصرت أم طالت ،ولكن الفساد يدمر- على المدى القريب والبعيد - مجتمعا بكل افراده بمواهبهم وقدراتهم ويقتل الإبداع والتطور ، ينشر اللامبالاة والحقد الكراهية ويقلب الأوضاع ، فالشريف لايجد له مكانا واذا وجد فربما يكون خلف القضبان ، والوضيع له المكانة والمنصب والجاه ،والغالبية من المواطنين تحاول الهرب خوفا من الفساد ، فتشرع فى الهجرة الى المجهول مهما كانت المخاطر .

ليست هناك تعليقات:

إرسال تعليق