الجمعة، 16 أكتوبر 2009

سنّة لبنان بين الإعتدال والتطرف والأمركة

اعداد دائرة الشؤون الدينية في المؤتمر الشعبي اللبناني

طبيعة التكوين والإرث التاريخي

لا يمكن فهم بعض جوانب القلق للطائفة السنية بدون معرفة الحقائق التي تتصل بطبيعة تكوين الشارع السني في لبنان والإرث التاريخي الذي يفعل في الذهنية الشعبية السائدة، والتي تعتبر أن مدن الساحل اللبناني الممثلة في طرابلس وبيروت وصيدا، تعرضت منذ الإنتداب وحتى اليوم الى سلسلة متصلة من الضغوطات المتنوعة التي تستهدف تحجيمها وتقليص وزنها في المعادلة الوطنية اللبنانية. وهو أمر ترك جروحاً قديمة، ولا تزال أثارها واضحة، ذلك أن هذا النهج تعامى عن حقيقة تاريخية يعتبر فيها سكان السواحل أنفسهم مرابطين وأهل ثغور. وهو أمر حمّلهم رسالة ومسؤولية تاريخية كان أداؤها يتطلب شعوراً متقدماً بالفخر والإيمان والإعتزاز بالإنتماء للأمة.

فسكان الثغور عموماً، في كل المنطقة العربية الإسلامية، شكلوا دائماً ما يمكن أن نسميه محطة إنذار مبكر لكل العمق العربي تجاه كل الأخطار الوافدة. الأمر الذي ترك بصماته على سكانه، بأن جعلهم في حالة استنفار ويقظة دائمين ضد كل المخاطر. ولأنهم اعتادوا الإحتكاك بالغزوات، فقد اكتسبوا المراس والخبرة اللازمة للمواجهة.

سكان الثغور عموماً يمتلكون استعداداً لا مثيل له للتضحية والفداء، ومهمة الحراسة أكسبتهم صفة الصبر وجعلتهم مع الأيام ينظرون الى مسؤوليتهم بأنها تتجاوز الجانب الأمني، فهم يعتبرون أنفسهم حراس العقيدة ورسلها ودعاتها أيضاً. لذلك فهم أول من يحمل السلاح دفاعاً عن الامة وآخر من يلقيه. هذه الطبائع اكسبتهم صفات منها: أنهم أصبحوا أكثر استشعاراً بالخطر وتحسساً به من غيرهم.

هكذا ينظر سكان مدن الساحل اللبناني الى انفسهم، وهذه هي الذهنية الشائعة التي تحركهم، وهو الأمر الذي يمكن قراءته وملاحظته جلياً في كل المراحل التي مرت بها هذه المنطقة قديماً وحديثاً. يكفي أن نذكر أن هذه المدن وعمقها الريفي عموماً، كما يشير العديد من المراجع الشعبية، وقفت منذ سنة 1918 بعناد ضد تقسيمات المستعمر الفرنسي والإنكليزي في سايكس بيكو وسان ريمو وحتى ضد إعلان دولة لبنان الكبير. كذلك يتذكر الجميع دور الشارع الإسلامي في قتال الصهاينة اليهود في العام 1948. ومن ينسى دور القائد فوزي القاوقجي ابن طرابلس وقائد جيش الإنقاذ العربي المكلف من جامعة الدول العربية؟

وليس بعيداً ذلك التاريخ حين إنتفضت هذه المدن ضد حكم كميل شمعون الذي حاول إدخال لبنان في سياسة المحاور والاحلاف ضد جمال عبد الناصر، وتحالف مع الغرب الذي نزلت جيوشه في العاصمة بيروت، فوقف أبناء هذه المدن ضد حلف بغداد الذي تصدّت له مصر وسوريا والسعودية.

لقد كان طبيعياً أن تتضامن هذه المدن مع كل القضايا العربية المحقة، تتويجاً لنهجها كقلاع وثغور للعروبة والوطنية والإيمان. وحتى في الحرب الأهلية اللبنانية رفض أبناء هذه المدن الإنجرار الى منطق الحرب الطائفية والذبح على الهوية. وبقيت هذه المدن تقدم نموذجاً متقدماً للعيش المشترك فلم تشهد شوارعها عمليات تهجير ولا عمليات تطهير ديني مذهبي، وبقيت أجراس الكنائس فيها تقرع الى جانب أذان المساجد، على عكس ما جرى في بعض المناطق حيث تم جرف البيوت والقرى بالجرافات.

ان قراءة تاريخ هذه المدن، تؤكد أن التطرف لم يكن سوى حالة ظرفية وشاذة، وأن الإعتدال هو السمة الثابتة التي تميز شارعها الذي رفض في عزّ الحرب، حسب وصف أكثر من مرجعية شعبية سنية، أن يشكل ميليشيا خاصة كما فعل البعض من أمراء الحرب وميليشياتها في لبنان، كما لم يسجّل على أي من مراجعها الدينية الكبرى صفة التعصّب، فمفتي الجمهورية ليس متعصباً، وهو ما كان يتلاقى مع النهج الإنفتاحي للإمام الراحل الشيخ محمد مهدي شمس الدين رئيس المجلس الإسلامي الشيعي الأعلى، ومن بعده الشيخ عبد الامير قبلان وسواهما.

ان النضج الوطني التوحيدي هو الذي ميّز حركة الشارع السني الذي لم يتصرف يوماً كأقلية، ولم تحركه مشاعر الخوف والهواجس، لذلك لم يشعر بضرورة بناء كيانات سياسية أو ميليشيا خاصة، بقدر ما كان يتصرف كصاحب قضية صادقة، أو كما يقال "كأم الصبي" فهو يعتبر أن الحفاظ على الوحدة الوطنية مهمة قومية عربية ثابتة.

أيضاً لم يشهد الشارع السني حسب هذه المرجعيات ما شهدته بعض المناطق في العالم من تيارات نمت مع نمو الإسلام السياسي أو ما يسمى ظاهرة الأصولية والتعصب الدموي مثلما جرى في الجزائر وافغانستان وايران ومصر والسودان، فما حدث كان تعبيراً عن حالة إسلامية عامة، تعكس حالة إضطراب إيديولوجي أو سياسي وإجتماعي، جرى فيه الحديث عن تصدير الثورة والأفكار. وهو أمر بقي الشارع الإسلامي السني اللبناني في منأى عنه بشكل عام، وبقيت آثاره في كل الاحوال في أقل درجاتها ولم تستطع أن تشوه سمة الإعتدال التي ميزت حركة هذا الشارع عموماً.

وإذا نجحت بعض الحركات الإسلامية التكفيرية في التواجد في مصر وسوريا والجزائر وتونس، فإن لبنان لم يشهد مثيلاً لهذه الحركات، وإن كانت بعض الجماعات محدودة التأثير تتواجد على سطح المجتمع لكنها فشلت في تكوين تيار شعبي مؤيد لها.

الحرمان المستديم وتقصير الدولة

ولا يخفى أن الحرمان والظلم الإجتماعي هما أحد الأسباب لنمو حركات العنف السياسي عموماً. وأيضاً لا يخفى أن نظام الإمتيازات الطائفية الذي قام بعد الإنتداب، لم يتمكن من بناء دولة ومؤسسات، بقدر ما أنشأ مزرعة، أو في أحسن الاحوال شركة مساهمة تمتلك فيها إحدى الطوائف الأسهم الكبرى. وهذا الأمر دفع ببعض الباحثين الى دراسة وتقويم دور المسلمين السنة في التاريخ اللبناني، وفي هذا المجال يتفق الباحثان، الدكتور محمد علي مكي والدكتور محمد علي الضناوي في كتابيهما عن تاريخ لبنان بأن الفتح العربي الإسلامي للبنان عام 635م هو الأساس في تكوين لبنان بشرياً، حيث لم يكن في لبنان سوى عشرة آلاف نسمة يقطنون المنطقة ما بين البقاع والجبل، منهم الجراجمة والانباط وثم بقايا الروم البيزنطيين، وذلك بسبب الحروب البيزنطية والفارسية على أرض لبنان، ووباء الملاريا الذي اجتاح لبنان، فقد كانت السواحل وما فوقها شبه خالية من السكان، وقد شكّل السنة في ما بعد الأغلبية الساحقة لسكان السواحل مع عدد من الروم الأرثوذكس وكانوا هم السد البشري أمام الغزوات البيزنطية وبعدها الأفرنجية وغيرها من الغزوات.

لذلك فإن أول ما فعله الإنتداب الفرنسي هو توجيه ضربات متتالية للسنّة في لبنان لإضعافهم في السواحل والنيل من قوتهم، لأن الإنتداب الفرنسي استهدف إيجاد تناقضات طائفية، بمقدار ما استهدف إزاحة القوّة السنية التي تتصدر مقاومة المستعمرين.

ان كل الدول والسلطنات العربية الإسلامية قبل الإنتداب الفرنسي شعرت بأهمية تدعيم مسلمي الساحل ليكونوا نقطة إرتكاز في الدفاع عن كل برّ الشام. وقد أدرك السنة دورهم، فهم لم يطالبوا بإمتيازات، ودعو لتوحيد صفوف المسلمين ثم كل اللبنانيين لتحصين الوطن، وكانوا يتولّون الحكم في كل مراحل التاريخ، ويتواصلون مع كل العرب الذين كانوا يقاتلون الغزاة وخاصة مرحلة التصدي للحروب الافرنجية، ولقد كانت مشاكل السنّة مع اي جهة تناصر المستعمر، ولم تكن لديهم مشكلة مع أصحاب أي مذهب إسلامي أو طائفة مسيحية ولم يعملوا في سبيل إيجاد إمتيازات أو كانتونات خاصة بهم.. لقد أحتضن العرب وسنّة لبنان مار مارون مؤسس الطائفة المارونية الذي اضطهد في زمن البيزنطيين ووفروا له الحماية في شمال لبنان، ليعلن لأول مرة في التاريخ استقلال الكنيسة المارونية. ولم يكن للسنة اللبنانيين علاقة بتوترات مذهبية قام بها حكم المماليك، وهم تعاطفوا مع الصحابي أبي ذر الغفاري حينما كان يتحدث عن الفساد في البلاط الأموي، ومع الامام الاوزاعي الذي قال للوالي العباس: لا تزر وازرة وزر أخرى، وذلك دفاعاً عن مسيحيي الجبل. وحينما تحوّل قسم من السنة في الجبل الى المذهب الدرزي فإن سنة لبنان لم يتصرفوا معهم بمنطق الحرب الأهلية وقد عانى السنة وسائر اللبنانيين من الحكم العثماني الإستبدادي مثل غيرهم وكانوا أول المتضررين من السلطة التركية يوم تحولت الى حزب الإتحاد والترقي، هذا الحزب الذي أراد تتريك العرب والاستبداد بهم. واذا راجعنا التاريخ العربي نلاحظ أن قيادات سنية بارزة كانت تعمل لتوحيد صفوف المسلمين والمسيحيين من أجل الإستقلال والتضامن مع كل العرب في المشرق.

هذه القراءة التي يتناقلها الشارع الإسلامي السني منذ سنوات طويلة تؤكد حقيقة ثابتة يصل اليها العديد من الباحثين وهي أن تركيبة هذا الشارع وطنية وليست طائفية، وهي رافضة للاستبداد بكل صوره، وهي تركيبة لها علاقة بمعطياته التكوينية، وهي التي رسمت سياسته تجاه جمهورية الاستقلال، وهي التي دعته الى رفع شعار المشاركة حيناً ورفع الغبن حيناً آخر، الامر الذي لم يجد أذناً صاغية لا في الخمسينيات ولا في الستينيات، وكان الرد دائماً يتجسد بممارسة تعمق استقالة الدولة من واجباتها الإقتصادية والإجتماعية والتربوية والصحية، مما أدى الى نشوء بنية إقتصادية شديدة المركزية أهملت المحافظات ونظرت اليها كملحقات وأطراف مشكوك بولائها للوطن.

نتج عن هذه العقلية، إهمال المناطق الطرفية، وإضعاف الزراعة، وهجرة كثيفة من الريف الى المدن وتحديداً الى العاصمة التي دفعت ضريبة هذه السياسة التي تجاهلت بيروت كمدينة لها تاريخها وهويتها ومصالحها، بقدر ما لها خصوصيتها كعاصمة جامعة لكل اللبنانيين.

ويضحك كثيراً سكان الأحياء الشعبية والريف السني عموماً في عكار والضنية وفي طرابلس والبقاع وبيروت وصيدا من الإدعاء بأن الصيغة التي كانت قائمة قبل الحرب ترتكز على حلف ماروني - سني، كما كان يروّج بعض التقليد السياسي لذلك، لأن هذا إدعاء ساذج، ذلك انه يكفي ترديد ما قاله أحد القيادات الشيعية إثر زيارته لبعض قرى جرود عكار والضنية "الآن اكتشفت كم هي كذبة كبيرة تلك التي كان البعض يروّجها من أن الحرمان له هوية جنوبية فقط".

ومما زاد في المرارة، حسب هذه القراءة، ان الحرب اللبنانية التي كان الحرمان أحد مسبباتها، جرت في غالبها في هذا الشارع وعلى حسابه ودفع شبابه وأهله وعمرانه ثمناً ووقوداً لها. وفي الوقت الذي كان البعض يتغنى بحكومات الإنماء والإعمار راحت الملايين، بل المليارات تصرف لحساب الترويكا، وكان لأمراء الحرب وميليشياتها الحصة الكبرى. وكانت الخيبة كبيرة عندما طارت المليارات وبقي الحرمان يعشش في جرود الضنية وعكار وشوارع وأزقة طرابلس وبيروت وإقليم الخروب والعرقوب والبقاع.

ثم من يستطيع أن ينكر ان الحرمان والفقر المنتشر في أحياء وأزقة هذه المدن هو الحليف الطبيعي للعنف والحقد والكراهية بكل أنواعها؟ ترعرع في هذه الأحياء يعرف تماماً ماذا تعني القراءة الموضوعية والسوسيولوجية لهذا القهر اليومي المعاش والذي يدفع نحو تشخيص من نوع آخر يجعلنا نكتشف ان هناك بالفعل "عالماً" آخر أو "كوكباً" آخر عاش فيه وخرج منه هؤلاء الشبان الى جرود الضنية مكفرين ومهاجرين؟!

مصادرة الإرادة والتحجيم

ومما زاد في الطين بلّة أن أمراء الحرب وميليشياتها نجحوا في "تطييف" الحرب، وتنظيم "الطوائف" والدخول في تسوية عرفت بالإتفاق الثلاثي الميليشيوي عام 1985 جرى فيها تقاسم الشارع اللبناني وتوزيعه كأسلاب وغنائم وكانتونات، ومنذ ذلك الحين ينظر البعض الى حالة الممانعة التي شكلها الشارع السني بعين الشك والريبة.

والحقيقة أن حالة الممانعة هذه كانت نابعة من إيمان والتزام عميقين بوحدة لبنان وعروبته، وهي المسألة المركزية التي كانت ولا تزال تحرك هذا الشارع الذي كان حسب بعض قياداته البارزة، يعتبر نفسه وكأنه معاقب ومحاصر خاصة وأن الامر ارتبط مع إبعاد ونفي قوة وطنية تحمل مشروعاً وطنياً بعيداً عن العصبية والطائفية تمثلت في حالة الاستاذ كمال شاتيلا رئيس المؤتمر الشعبي اللبناني والوجه الشعبي الوطني البيروتي الأبرز.

وقد إزدادت مرارة هذا الإبعاد في الشارع البيروتي والسني عموماً كما لدى سائر الوطنيين المؤمنين، فاعتبر هذا الشارع إن إضعاف قياداته الشعبية يتم في الوقت الذي يجري فيه إحتضان الآخرين من أمراء الحرب وميليشياتها، خاصة وأن بعضهم تورط في إقامة كانتونات إنفصالية.

ولم يكن هذا المسار منفلتاً أو مفاجئاً، فهو جاء تتويجاً لسلسلة محاولات يستحضرها هؤلاء بدأت منذ محاولة أدعياء اليسار إنشاء المجالس المحلية وإغتيال الشيخ أحمد عساف، وإنحياز منظمة التحرير الفلسطينية بالكامل مع قوى اليسار ضد الشارع المؤمن في لبنان.

كل هذه الأحداث يتم استعادتها واستعراضها للقول بنظرية مصادرة القرار والارادة والتحجيم. وهي نظرية تجد لها انصاراً كثراً ويتم تداولها في العديد من المجالس والصالونات، ومن الخطأ صمّ الآذان وعدم الاستماع اليها.

تزوير التمثيل

وقد كانت عملية تزوير تمثيل الشارع السني الشعرة التي قصمت ظهر البعير، وخاصة في الانتخابات النيابية المتتالية بعد اتفاق الطائف. فقد ظهرت المسائل بوضوح واكتمل السيناريو، فبعد مصادرة القرار والتحجيم، من الطبيعي ان يكون تزوير التمثيل هو الخطوة الثانية.

ويتوقف البعض عند اتفاق الطائف وطريقة تطبيقه، بل وحتى عند بعض بنوده ويسجل الملاحظات التالية:

- محاولة تهميش دور رئاسة الحكومة ودورها والتي وظفها البعض لتحسين مواقع أخرى علماً أن الطائف أكد على الفصل بين السلطات وعدم طغيان سلطة على اخرى، وإنما تكاملها ديمقراطياً لمصلحة الوطن والمواطن.

- مشاركة امراء الحرب والميليشيات مع بعض التقليد السياسي وبارونات المال، أدت الى تقويض مشروع الطائف القاضي ببناء دولة المؤسسات وإفراغه بالتالي من مضمونه الاصلاحي، الذي كان ينتظره الجميع. بل والأسوأ من ذلك، ان الممارسة عمقت البعد الطائفي للنظام ليحمل على أيدي الطبقة الجديدة ابعاداً حزبية اكثر خطورة، حيث راح البعض يتحدث عن إنقلابات مذهبية ومعطيات ديموغرافية رفضها الإمام الراحل الشيخ محمد مهدي شمس الدين.

وبقدر ما كان رهان البعض كبيراً على الانماء المتوازن، كانت الخيبة أكبر، ذلك انه غاب كلياً ولم تستفد الارياف السنية واللبنانية عموماً من سياسة الاعمار، بل وحتى المدن الساحلية وخاصة طرابلس التي وجدت، كما يرى البعض ان حصتها من الاعمار ذهبت ضحية تقاسم وابتزاز بين اطراف الترويكا، والمجالس سيئة الذكر، والتي اشتهرت بالهدر والفضائح.

احتضان وتوظيف

وقد دخل على خط توظيف هواجس السنة في لبنان اطراف اكثر فتم دعمها واحتضانها لتملأ الفراغ في الشارع، لذلك لم يكن غريباً، ان يتم ادخال الشارع السني في عملية تجاذب وصراع بين جماعات اسلامية حزبية وان يجري ايصال ممثلين عنهم الى المجلس النيابي وان يجري تسليط الاضواء على صراعهم ليظهر وكان لكل طائفة احزابها المتنافسة والمتصارعة بعيداً عن تيار الاعتدال الوطني الذي يشكل الغالبية عند السنة وسائر الطوائف. لكن هذه السياسة، وإن أفادت البعض انتخابياً، ألا انها أصابت الشارع السني بأبلغ الاضرار، وفتحت فيه ثغرات نفذ منها اصحاب الفكر المتزمت.

ان الحالات النافرة والشاذة تنمو عادة على قاعدة متماثلة فكرياً، تختلف معها جزئياً، لكنها تتغذى منها، وتعيش في ظلالها وعلى جوانبها وتتلقى من خلالها الاحتضان والتشجيع. فإيديولوجيا الكراهية والخطاب الطائفي التحريضي والتكفيري الذي تتبناه هذه الجماعات وتيار الوصاية الاجنبية هو الحاضن والمولد الطبيعي لمظاهر العنف واستخدام السلاح، الذي يسارع هؤلاء الى غسل ايديهم والتبرؤ منه ووضع المسؤولية على بعض "الشبان المغرر بهم"، وبالتالي التضحية بالايدي الصغيرة، اما الرؤوس المحرضة الكبيرة فتبقى خارج الدائرة تنكر أية مسؤولية اعلامياً، وتتباكى على هؤلاء الشباب خلف نعوشهم.

اقتراحات عملية

إن مواجهة هذه الظواهر تحتم اتخاذ اجراءات على أكثر من صعيد نختصرها بـ:

1 – اولها ان يقلع البعض عن استخدام المنابر والمساجد كمراكز تبرير لجماعات الوصاية الاجنبية تثير النعرات، وتنشر التطرف، بهدف كسب التأييد الرخيص الذي يحرك الهواجس الطائفية والمذهبية. وتتحمل دار الفتوى في هذا المجال مسؤولية اساسية إذ عليها ان تتابع وتراقب وتقطع دابر التوظيف السياسي للمساجد. ولا يجوز الاحتجاج بأن بعض المساجد "خاصة" لا تتبع الاوقاف الاسلامية، ولا يجب السماح بالخصخصة في المساجد والكنائس.

2 - ان على الدولة ان تبدأ العمل في المناطق الاكثر حرماناً في طرابلس وتحديداً في التبانة والقبة والسويقة، ثم في الضنية وعكار وكل مناطق الحرمان والبؤس بغض النظر عن هويتها الدينية.

3 – أن يقلع أهل الحكم عن سياسة الصيف والشتاء على سطح واحد، إذ لا يجوز احتضان ودعم فئات وتقويتها على حساب فئات اخرى يجري حصارها واضعافها واضطهادها. واذا لم تكن القوى الشعبية الإسلامية المعتدلة موجودة بقوة، ومسموحاً لها بالعمل بحرية وكرامة، فمن الطبيعي ان تملأ الفراغ الشعبي قوى التطرف والتصعب والوصاية الاجنبية.

ان اخطر العلميات ضد الطائفة السنية تأتي اليوم من جانب انصار الوصاية الاجنبية الذين يحاولون احتكار الصوت السني لتمرير غايات اجنبية ومقاصد تدويلية بما يتصادم مع حقيقة السنة التوحيدية العربية.

ان احرار السنّة في طليعتهم رئيس المؤتمر الشعبي كمال شاتيلا المنطلقين من تيار وطني عروبي غير طائفي هم الاساس في تصحيح التشويه الذي لحق بالطائفة السنية على ايدي المنقلبين على العروبة وعلى تاريخ الطائفة.

انها مهمة مستحيلة للملتحقين دولياً بدفع الطائفة السنية نحو التدويل والفدرالية، انها مهمة مستحيلة لمن يريدون ان يبرموا معاهدة مذلة مع اسرائيل.

انها مهمة مستحيلة لمن وافق الاميركيين على تجنيس 200 الف اشوري وكلداني فالسنّة كانوا دائماً ولا يزالون، الاساس لوحدة الصف الاسلامي الشامل، والمرتكز للوحدة الوطنية اللبنانية والمحطة الاولى في الشرق للدفاع عن الثغور العربية الإسلامية، فمن ينقلب على هذا الدور السنّي الطليعي انما ينقلب على نفسه ويعزل نفسه لتبقى طائفة السنة الحامية الاولى للثوابت الوطنية اللبنانية والقاعدة الاولى لحرية لبنان واستقلال لبنان وعروبة لبنان.

ليست هناك تعليقات:

إرسال تعليق