الثلاثاء، 23 مارس 2010

ما الذي جاء به ميتشيل إلى المنطقة؟!


كتب : عريب الرنتاوي
يجول الموفد الأمريكي لسلام الشرق الأوسط على عواصم المنطقة ويلتقي بقادتها، والهدف كما هو واضح، وصلُ ما انقطع من جهوده إثر ما بات يعرف بـ"أزمة رامات شلومو" التي اندلعت بين واشطن وتل أبيب، وهوأي ميتشيل- يأمل في تسويق وتسويغ إجابات بينيامين نتنياهو على "أسئلة/شروط" واشنطن الثلاث التي أشهرت في وجهه بعد أن وجّه صفعته الأشد إلى وجه نائب الرئيس جو بايدن، وألحق بالدولة الأعظم، إهانة من العيار الثقيل، وفقا لوصف المسؤولين الأمريكيين أنفسهم.
واشنطن تبدو متفائلة بفرص نجاح موفدها في إقناع محاوريه الفلسطينيين والعرب بأهمية البضاعة التي سلّمها نتنياهو إلى كلينتون في آخر اتصال هاتفي بينهما، قبل أن تطفئ الأخيرة الضوء الأحمر الذي أشعلته في مهاتفة سابقة مع رئيس وزراء إسرائيل، وتشعل الضوء الأخضر لزيارته لواشنطن ولقائه بها أمس، و"قمته" المنتظرة اليوم مع أوباما اليوم في البيت الأبيض.

لقد انتهت الأزمة، وثبت أنها سحابة صيف أو زوبعة في فنجان، وغالباً من دون أن يتقدم نتنياهو بأي تنازل جوهري من تلك النوعية التي طلبتها زعيمة الدبلوماسية الأمريكية، وأهمها على الإطلاق وقف الاستيطان في القدس الشرقية، بدلالة أن نتنياهو نفسه قال بأن البناء القدس كالبناء في تل أبيب، مستمر وسيتواصل، وأنه لن يكف عن فعل ما كان يفعله أسلافه منذ 42 عاما ومن دون انقطاع، ليأتي بعد ذلك أحد كبار حزبه سيلفان شالوم للحديث عن اسئناف البناء قريبا في "رامات شالوم"، وليعود إيلي يشاي وزير داخليته من حركة شاس، للتعهد باستئناف البناء مع حلول أيلول القادم، موعد انتهاء مهلة تجميد المستوطنات التي قطعها نتنياهو على نفسه.
كلمة السر لم تصدر عن نتنياهو إذن، والاستيطان لن يتوقف، وفي أحسن الأحوال، فإن من المتوقع أن يطرأ بعض التباطؤ على الأنشطة الاستيطانية في المدينة، أو تتواصل من دون إعلان، أو أن تعلن في توقيت لا يتزامن مع وجود مسؤولين أمريكيين كبار في إسرائيل أو المنطقة، هذه هي التفاهمات الأمريكيةالإسرائيلية التي يروج لها ميتشيل في المنطقة، على أمل أن يقنع قادتها، بأن الأمور على ما يرام، وأن "غرف مفاوضات التقريب غير المباشرة" قد باتت جاهزة لاستقبال النزلاء من الجانبين، وعلى الأغلب بقيادة صائب عريقات عن الجانب الفلسطيني وإسحق مولكو عن الجانب الإسرائيلي كما تقول الصحافة العبرية.

ولتغليف هذا التعنت والصلف الليكوديين، وكتعبير عن الرغبة في تفادي كسر إرادة زعيم الدولة الأعظم للمرة الثانية في غضون أشهر معدودات، رضخ نتنياهو لمطالب واشنطن باتخاذ إجراءات بناء ثقة، لم يكشف عنها بعد، بيد أنها لا تخرج كما تقول المصادر، عن مألوف الإجراءات الإسرائيلية في مثل هذه الأحوال: الإفراج عن دفعة من المعتقلين الذين شارفوا على إنهاء محكومياتهم...رفع بعض الحواجز أو تغيير مواقعها....إدخال بضعة شاحنات إضافية إلى غزة تحت راية الأونروا أو غيرها من منظمات الإغاثة العالمية، وهذا سيحصل قريبا، وهو حصل من قبل وسيحصل من بعد، طالما أن بالإمكان وفي كل لحظة، إضافة مئات المعتقلين إلى قائمة السبعة آلاف أسير، وطالما أن إعادة نشر الحواجز أكثر سهولة من انتزاعها، وطالما أن إدخال عدة شاحنات من الأغذية والوقود لن تخرج قطاع غزة من غرفة العناية الحثيثة التي دخلها منذ حرب الرصاص المصبوب على رؤوس أبناء القطاع المنكوب وبناته.
بضعة أشهر، انهزمت الإرادة "الطيبة" للرئيس أوباما أمام تعنت نتينياهو صلفه، ونزلت واشنطن عن الشجرة، وقبلت باستئناف المفاوضات من دون وقف كامل الأنشطة الاستيطانية، ونجح موفد أوباما إلى المنطقة في إقناع الفلسطينيين والضغط على العرب ليضغطوا بدورهم على الفلسطينيين للتخلي عن شرط تجميد كامل الأنشطة الاستيطانية، وتفتق ذهن الوسيط الأمريكي عن نظرية "مفاوضات التقريب غير المباشرة"، ورضخ العرب والفلسطينيون وقدموا تنازلا جديدا على طريق طويل مفروش بالتنازلات، وممتد منذ سنوات وعقود.

واليوم، ينجح نتنياهو في صد الهجمة الأمريكية المرتدة، ويخرج بصفقة مع البيت الأبيض، ظاهرها رضوخ إسرائيلي وانحناءة أمام عاصفة الغضب الأمريكي، أما جوهرها فلا تعديل أو تبديل جوهريين على مواقف تل أبيب من مسألتي الاستيطان والقدس على وجه التحديد، وها هو ميتشيل يطوف العواصم ذاتها، ويلقتي القادة أنفسهم، ويعيد إنتاج السيناريو ذاته: إقناع العرب بأن ليس بالإمكان أبدع مما كان، وسيكون لميتشيل ورئيسه وإدارته، ما تريد، وسيرضخ العرب مرة أخرى، وسترضخ القيادة الفلسطينية وتعاود مزاولة هوايتها المفضّلة، المفاوضات التي لا ملجأ منها إلا إليها، وستنتهي قريبا لعبة شد الحبال واستعراض العضلات، وستذهب زوبعة جو بايدن جفاء أما ما سيمكث على أرض القدس الشرقية فهي مستوطنة رامات شلومو، تماما مثلما ذهبت زوبعة كلينتون (الزوج) وأولبرايت قبل أكثر من عشر سنوات، وظلت مستوطنة هار حوما جاثمة على صدر جبل أبو غنيم.
لسنا نرجح "لعبة تبادل أدوار" بين واشنطن وتل أبيب، ونكاد نجزم بأن حل أزمة الشرق الأوسط بصورة "معقولة" هي في صميم رغبة وإرادة أول ساكن أسود للبيت الأبيض، ولا يساورنا شك في أن إدارة أوباما تسعى في إحداث تغيير على حكومة نتنياهو – تعديل أو تغيير وزاري بلغة السياسة الأردنية المحلية – كما لا يساورنا شك بأن الأوامر صدرت من تل أبيب لخلايا اللوبي اليهودي النائمة في واشنطن ونيويورك للتحرك على عجل لمحاصرة أوباما في مهده وحزبه وعاصمته، فالعلاقة بين الحليفتين الاستراتيجيتين ليست من النوع "السهل"، وهي تحتمل المناوشات والاشتباكات وعض الأصابع واليدين، ولا يمكن اختصارها بالعبارات والتقييمات الدارجة على الألسن، لكنها مع ذلك علاقات عميقة وثابتة واستراتيجية الطابع، وغالبا ما تميل كفتها لصالح إسرائيل، وما الاستثناء هنا إلا تكريسا للقاعدة.

كتائب شهداء الأقصى ' فلسطين ' سرايا الشيخ المجاهد عمر المختار


 قامت احدى خلايا عمر المختار باطلاق زخات  من النيران رشاشاتنا


 على قوة إسرائيلية من حرس الحدود  جنوب جبل الخليل على الطريق  الواقع


كتائب شهداء الأقصى ' فلسطين ' سرايا الشيخ  المجاهد عمر المختار  
  نص البيان
بسم الله الرحمن الرحيم
(أذن للذين يقاتلون بأنهم ظلموا وان الله على نصرهم لقدير)
صدق الله العظيم،)
 
 قامت احدى خلايا عمر المختار باطلاق زخات  من النيران رشاشاتنا  على قوة إسرائيلية من حرس الحدود  جنوب جبل الخليل على الطريق  الواقع بين بلدة دورا جنوب غربي الخليل وبلدة بيت عوا إلى الجهة الغربية، قرب مستوطنة نجهوت، مساء اليوم التاريخ : 21/3/2010   وذالك ردا سريعا على اغتيال اربعة من ابناء شعبنا العزل في في عورتا وعراق بورين جنوب غرب جبل النار نابلس تاتي هذة الجرائم بتعليما ت جهاز الاستخبارات الاسرائيلي  وبمشاركة المستوطنيين المسلحين
 سنقاوم المؤامرة القذرة المكشوفة التي و ضعتها اسرائيل و رعتها امريكا هذه المؤامرة معلنة لا تخفى على قريب و لا بعيد كبير ام صغير وتستهدف اخراج حكومة نتياهو  من مأزقها و تصدير الازمة من الكيان الاسرائيلي الى الشارع الفلسطيني ان ما تفعله اسرائيل  قبيح وخسيس ويمثل اهانة لكل المتبجحين دعاة التهدئة من  السلطة التي  تتفرج على سفك الدماء البريئة الذي يعني قطف راس الانتفاضة و تنكيس اعلامها و انتزاع روح الصمود و التحدي  فالعمليات البطولية  ستكشفت الكثير من الحقائق وستسقط الكثير وكتشفت عورات كل المتآمرين  الذين يكافحون الانتفاضة والمقاومة  في ذروة الدم الفلسطيني المراق فالرد على العدو امراً وواجباً للحفاظ على هيبة وكرامة ابناء شعبنا العظيم شعب العماليق .
بالاشتباك و بإطلاق النار مستمرون…بعزيمة الرجال الشرفاء الذين حملوا الارواح على الاكف و نذروها رخيصة في سبيل الله و الوطن00 شهدائنا في ضمائرنا وفي جنات النعيم00 وقتلاهم إلى جهنم وبؤس المصير
تحية الى كل من قاوم الاحتلال  والمجد والعزة  للشهداء
 
 
كتائب شهداء الأقصى ' فلسطين ' سرايا الشيخ  المجاهد عمر المختار
 
21/3/010فلسطين

بيان حول مرور سبع سنين على بدء العدوان الأمريكي المجرم


بسم الله الرحمن الرحيم
الحمد لله، والصلاة والسلام على محمد رسول الله وعلى آله وصحبه ومن والاه، وبعد :
فها قد مرت علينا سبع سنين والعراق يئن تحت وطأة غزو غاشم قادته أمريكا (تتار العصر) تحت ستار التحرر والديمقراطية الذي صرنا نرى زيفه واقعا على أرضنا، بإرشاد آباء رغال زماننا، الذين ينتسبون إلى العراق زوراً وبهتانا.
حتى انبرى أبطال العراق المخلصون ليسطروا بدمائهم ملاحم بطولية مكللة بالعز والتضحية أعادت للعراق كرامته ومجده، وليفجروا مقاومة فذة ألهبت الأرض تحت أقدام الغزاة.
وما إن فشل المحتل في بسط سيطرته على الأرض بقوته العظمى حتى هرع إلى أعوانه من خونة العراق لينتشلوه من مستنقع الهزيمة، وليشكلوا عملية سياسية هزيلة أوصلت بلدنا إلى ما هو عليه من مآسي وصراعات.
ونحن إذ نؤكد تمسكنا بثوابتنا وبمنهجنا فإننا :
1ــ نرفض وبكل قوة جميع أشكال الاحتلال والتدخلات ومشاريعه الرامية إلى تدمير البلد.
2ــ سنبقى نرفع السلاح بوجه المحتل حتى نخرج آخر جندي من أرضنا المباركة.
3ــ نثمن للشعب العراقي رفضه للإحتلال ولمشاريعه والانتماء للمقاومة التي دافعت ولا تزال عنه وعن أرضه.
4ــ ندعو الشعوب العربية والإسلامية وشعوب العالم الحرة إلى رفض ما يحصل الآن في العراق من احتلال وتدمير ومؤامرات دارت ولا تزال على الشعب العراقي.
 ﴿فَلَا تَهِنُوا وَتَدْعُوا إِلَى السَّلْمِ وَأَنتُمُ الْأَعْلَوْنَ وَاللَّهُ مَعَكُمْ وَلَن يَتِرَكُمْ أَعْمَالَكُمْ﴾ محمد الآية (35)
  
جبهة الجهاد والتغيير
المكتب الإعلامي
7 ربيع الثاني 1431 هـ
23 / 3 / 2010 م

في تونس دعارة مقننة" ان لم تستحي فافعل ما شئت


رامي جغام
 للوهلة الأولى ينال فضاء "اربسك القنطاوي " إعجاب زائره ، لتميز معماره و هندسته و تزويقه ، كما لنظافته و احتوائه على عناصر ثقافية و حضارية ، تزيده فخامة و تميزا . و كان أمام صاحب المقهى فرصة ذهبية لتحويله لمقهى ثقافي راقي يسهم من موقعه في سد الفراغ الحاصل في المنطقة السياحية في هذا المجال ، لكن جشعه و طمعه و تكالبه اللامبرر على المادة و تغليبه المصلحة الذاتية على مصلحة المنطقة حال دونه و دون ذلك .بل و حول هذا الفضاء الجميل و ما يحتويه من رمزيات ثقافية و تاريخية إلى سوق مهيأة للدعارة و تجارة الجسد و فضاءا آمنا لتعاطي بعض أنواع المخدرات .
ككل فضاءتجاري تضبط تسعيرة البضائع او الخدمات المقدمة طبيعة حرفاء هذا الفضاء ، و باعتبار غلاء اسعاره فإن حرفاء مقهى الأربسك هم من الطبقة الميسورة ضرورة و هو امر يتعمده بعض أصحاب المقاهي لتفادي عديد المشاكل و الاشكاليات . لكن الأمر مختلفا بالنسبة لصاحب الأربسك حيث ان جشعه و دهائه هما اللذان جعلاه يهيء المكان بطريقة ما و يرفع الأسعار حتى يكون فضاءه كما شاع صيطه في المنطقة و المناطق المجاورة سوقا للمتكالبين على اللذة .
الهدوء ، كما السكينة ، الأضواء كما الألوان ، كلها رموز تبعث في الزائر الأمان و تحرك فيه و من حيث لا يشعر كل الرغبات و النوازع المقبورة و هي طريقة علمية معتمدة في الغرب . و بوجود نوعية معينة من الفتيات اللواتي احترفن الإثارة و فنونها تكون الأرضية مهياة لتدخل الوسييط و هن نادلات المقهى نفسه فيربطن بحرفية فائقة بين " الطالب " و " المطلوب " بمقابل يحدد حسب قانون السوق ( العرض و الطلب ) و حين يحصل الرضاء و يتم الاتفاق يحيل النادل حرفائه إلى مراحيض المقهى إن كان الحريف على عجلة من أمره أو إلى إحدى الشقق التي تحتويها عمارة المقهى ، هذا و قد هيأ صاحب الأربسك مراحيضه و أحكم غلق منافذها لاحتضان مثل هذه الأنشطة كما هيأ عمارته و تفنن في فرشها و تزويقها حتى تكون فضاءا للذة الحرام و سوقا حرة للحم الرخيص و ليس هذا من باب الافتراء و المزايدة فلنا صور شمسية ومقاطع فيديو تثبت بشكل قطعي ذلك .
و في مجال آخر ، و حتى يوفر لنشاطه أقصى ظروف النجاح و أمام تنامي ظاهرة المخدرات و رغم علمه بمثل هذه الأنشطة الممنوعة في محله فإن صاحب المقهى يغض الطرف عنها موصيا عماله بذلك و بعدم التدخل في الاستهلاك الشخصي للحريف لضمان حرية الحريف إلا أن صاحبنا لا تهمه حرية الحريف في شيء بل همه الوحيد هو تكديس المال و الثراء الفاحش على حساب الأخلاق و الدين و حتى القانون .
و مع انعدام الرقابة الفاعلة و الجدية و خاصة الرقابة الأمنية الحازمة والمتشددة فإن أربسك القنطاوي و بعض الفضاءات و المقاهي الأخرى ستظل بؤرا للفساد المتنامي يوما بعد يوم فضاءات تسمم الأخلاق و تسيء لمبائ الناس و تلغي كل القيم و القوانين باستهتار واضح على مرئ و مسمع من القاصي و   الداني و تجعل من الحرية و المدنية مفاخر الدول الحديثة رديفا للانحلال والتسيب




رسالتا العراق وموريتانيا الى قمة سرت..استيعاب ام تجاهل ؟


محمود عبد الرحيم:
حدثان لا يجب ان يمرا مرور الكرام علينا ،واحد يطل علينا من اقصى المشرق العربي يذكرنا بالتقصير والعار، وربما الذنب الذي نحمله على اكتافنا تجاه شعب وبلد عربيين ،والاخر  يأتي من اقصى المغرب العربي، ويبدو سارا ،وسط عشرات الاحداث المثيرة للاحباط ،بطول الخارطة العربية، وبينهما - بلا شك - حدث ثالث، ربما نعتبره هامشيا أو رئيسا لكنه - في كل الاحوال - يتوسطهما.
اما الاول فيتمثل في الذكرى السابعة للعدوان الامريكي على العراق، والثاني اعلان موريتانيا قطع علاقاتها نهائيا ،وبشكل كامل مع الكيان الصهيوني ،وبينهما القمة العربية المرتقبة في مدينة سرت الليبية، والتوقعات السلبية لها ولمصيرها، رغم انها تأتي في توقيت بالغ الدقة يتطلب مواقف شجاعة، تلبى ولو الحد الادني من طموحات الشارع العربي، خاصة ما يتعلق بالقضية الفلسطينية، وما تتعرض لها من محاولات حثيثية لتصفيتها صهيونيا ،وبناء دولة يهودية كبرى على انقاضها  تحمل اسم عاصمتها العربية القدس ، بدعم امريكي وتواطؤ دولي، وصمت عربي اقرب الى التآمر أو الرغبة في التخلص من هم ثقيل بات قادتنا غير قادرين على حمله ،بعد ان صاروا عجزة ، ومرتهني الارادة ،ومشغولين أكثر بمعارك صغيرة وشخصية مع بعضهم البعض ،أو بادامة حكمهم الاستبدادي الفردي وضمان توريثه عائليا.
ربما اهمية استذكار العدوان الامريكي على العراق تكمن في ايصال رسالة الى هؤلاء الذين يراهنون على  واشنطن ،أو لازالوا يعتبرون انها راعية الديمقراطية والعادلة ،وانها جادة و قادرة على احلال السلام، واعادة الحقوق المسلوبة الى اصحابها ،حسبما تردد دعايتهم الكاذبة ،سواء في عهد السفاح بوش او المخادع اوباما، في حين ان المعطيات تشير الى انها ليست اقل خطرا علينا من الكيان الصهيوني ،ان لم تكن اكبر ،وانها ليست سوى رمز للشر والعدوان، فيداها ملوثتان بدماء العراقيين ،واثار جرائمها في العراق لا تزال شاخصة ،فى كل ركن بهذا البلد المدمر الذي لا يدرى احد متى أو كيف يمكن ان يعود من جديد، ويقف على قدميه، بعد ان صار بؤرة للعنف الدموي والصراعات الطائفية ،وساحة لتصفية الخلافات الاقليمية والدولية.
وان اوهمونا بأن الاوضاع الامنية والمعيشية قد تحسنت، وان ثمة ديمقراطية تتحرك، وتعبر عن نفسها في عملية انتخابية، في حين ان الصورة بعيدة عن هذه المزاعم تماما؟..فماذا عن تصاعد وتيرة العنف باستمرار، والتفجيرات التى تحدث يوميا ،وتحصد ارواح العشرات، وماذا عن سوء الاحوال الاقتصادية والخدمية،
   ومعاناة ملايين الاسر الذين تشردوا في اصقاع الارض، ومن بقوا  ظلوا اسرى للخوف والحرمان من نقص احتياجاتهم اليومية وفرص الحياة الكريمة، فضلا عن محاولة تصفية الصوت العروبي في العراق،وحرمانه من حقوقه السياسية كمواطن كامل الاهلية، واتهامات التزوير في الانتخابات  التى يتبادلها رجال امريكا ذاتهم ، فضلا عن  جرائم الفساد السياسي والمالي التى تُعلن عن نفسها بانتظام.
والاهم من ذلك، بقاء الاحتلال جاثما على الصدور،حتى بعد توقيع اتفاقية امنية جرى تسويقها كبداية النهاية للوجود الامريكي الذي يبدو انه لا ينوى الرحيل ،وانما تخفيض عدد القوات المحتلة فقط، ليسيطر مباشرة على الارض، ويحرك رجاله في الحكم لما يخدم مخططاته التى لم ينجح حتى الآن سوى في تحقيق القليل منها ،وفي مقدمتها الاجهاز على بلد عربي كبير كالعراق، واخراجه من معادلة القوة العربية ، بعد ان سبقتها مصر ليتسنى تأمين الحماية لاسرائيل، رأس حربة المشروع الغربي الاستعماري في المنطقة ، فضلا عن جعل اسقاط النظام العراقي فزاعة لبقية الانظمة العربية، لتهرول الى تقديم فروض الولاء والطاعة العمياء.
ولذا لا نعجب حين نرصد تسارع  مسيرة التطبيع مع العدو الصهيوني سرا وعلانية بعد حرب العراق، رغم تسارع المخططات الصهيونية ونيلها بعدوانية ،وبخطى سريعة من الحقوق الفلسطينية،حيث الارتباط العضوي بين كل من واشنطن وتل ابيب، والتقرب الى الكيان الصهيوني ،لجهة رضاء السيد الامريكي ،والتغاضي عن جرائمهما ، أو كذب الوعود سواء امريكية او اسرائيلية خوفا وطمعا، وهو الامر الذي يتواصل الى يومنا هذا ، ويهدد المصالح العربية بشكل حقيقي، لا مجازيا.
ربما لهذه الاسباب، يجب الاحتفاء بقرار الحكومة الموريتانية قطع علاقاتها مع تل ابيب، بصرف النظر عن ملابسات القرار، وعما اذاجاء كمناورة مع قوى  المعارضة للنظام الجديد بقيادة الجنرال محمد ولد عبد العزيز، او كان جادا ومخلصا فيه، ففى كل الاحوال يبدو القرار في غاية الاهمية والقوة ويمكن وصفه ايضا بالشجاع، خاصة ما يتعلق بالتوقيت الذي يشهد توالى الضربات الصهيونية للقضية الفلسطينية ،والسعى لانجاز مخطط التهويد والاستيلاء على القدس نهائيا في اقرب مدى ممكن، والتأكد ان مثل هذا الكيان لن يمد يدا للسلام، أو يعيد حقا لاصحابه ،سبق ان استولى عليه غصبا وعدوانا.
ان هذه الخطوة التى تأتي من اقصى المغرب العربي ،والتى تكلل جهود مناهضى التطبيع في الشارع الموريتاني ،الرافضين لعار اسمه الصلح مع عدو الامة العربية في الماضي والحاضر والمستقبل،قيمتها كذلك  في انها تعطي الامل لشعوب اخرى ،سواء في مصر او الاردن أو المغرب او قطر وغيرهم ، في امكانية فك الارتباط
  مع هذا الكيان العدواني، واسقاط هذه الاتفاقات الاستسلامية التى جاءت بالتناقض مع الرغبات الشعبية ، الى جانب الربط الذي يجب ان نربطه بين التغيير الداخلي ،وفرص اتخاذ قرارات منسجمة مع تطلعات الجماهير وتحقق مصالحهم، من جانب القيادات الجديدة المنتخبة ديمقراطيا.
ومثلما  يجب ان تكون ذكرى الحرب العدوانية الامريكية على العراق رسالة قوية الى القمة التى تصف نفسها ب"العربية" ،وفي بلد يزعم حاكمه انه زعيم عربي كبير، وتذكر الجميع ان العراق وشعبه عربا ،ولا يجب ان يتركوا نهبا للامريكان،
وغيرهم من القوى الاقليمية والدولية ، وان عليهم استعادتهم الى "البيت العربي" ، والهوية العربية، فعلا وليس قولا، ومساعدته بكل السبل على استعادة الروح، والتخلص من الاستعمار البغيض،بل والتكفير عن ذنب الاسهام في اسقاط هذا البلد العربي بخطوات جادة وشجاعة مثل ملاحقة مجرمي الحرب الامريكان ،وعلى رأسهم الرئيس الامريكي السابق بوش، ورئيس الوزراء البريطاني توني بلير ،والاهم من ذلك،  ضرورة اتخاذ وقفة ومراجعة العلاقة مع واشنطن بموضوعية ،وعلى اساس المصالح الوطنية والقومية ،لاعادة تأسيسها على قاعدة من التوازن والندية ،لا التفريط والتبعية.
 في الوقت نفسه ،يجب ان يكون القرار الموريتاني -ايضا - رسالة اخرى لهذه القمة يجب آخذها في الاعتبار، والاقتداء بها ، فلم يعد ثمة مبرر للابقاء على علاقات مع هذا الكيان ،سواء سرا أو علانية ،ولا مكان كذلك لمبادرة السلام العربية أو بالاحرى مبادرة الاستسلام والذلة ،وانما الالتفاف الصادق من جديد حول القضية الفلسطينية ،وحق تقرير المصير للشعب الفلسطيني ودعم خيار المقاومة والكفاح المسلح ،قبل ضياع الفرصة الاخيرة .. فهل من يسمع ويتعظ ويلتقط الرسائل الواضحة اكثر من اللازم .. ام سيظل الحال على ما هو عليه من التدهور والمهانة ؟!
*كاتب صحفي مصري

في الذكرى العاشرة لرحيل المفكر الدكتور جمال الأتاسي إطلالة على فكره السياسي النقدي


دمشق
 أحمد مظهر سعدو

 عشر سنوات مضت على رحيل المفكر القومي الديمقراطي الكبير الدكتـور جمال الأتاسي .. عشر أعوام أفلت، وفكره النير المبدع باقٍ فينا، وتفكيره العلمي القومي الناصري ما زال يعبق به المكان والزمان، فجمال الأتاسي ذاك المفكر العربي الذي نفتقده كثيراً هذه الأيام، بينما فكره الحداثي النقدي يعم الحالة الفكرية السياسية الآنية، وينهل من معينه كل من عرفه أو قرأه أو عايشه .. حيث يمتاز هذا الفكر الإبداعي بالحداثة والتجدد، والحداثة والمعاصرة: وهي نمط حضارة مميز، يتناقض مع نمط التقليد وهي التي تتمحور كذلك حول المستقبل، في حين أن التقليد يتمحور حول الماضي، حسب تحديد ياسين الحافظ رفيق عمر الأتاسي .
  في إطلالتنا اليوم على فكر الدكتور جمال الأتاسي  السياسي والنقدي المتجدد أبداً، نحاول الإمساك ببعض ما أنتجه على هذا الطريق، في محاولة منا لأن نلج معه في مضامين الفكر السياسي الناقد، والنقدي، وهو من عرف عنه أنه ذو فكر يرتكز إلى مقولة " النقد المزدوج طريق للاستيعاب " حيث كان جل فكره يتساوق بالضرورة حول هذه المقولة المنهجية التي أفرد لها أبحاثاً وصياغات، معتقداً بعقل، أن لا سبيل للتطور الفكري، ولامناص من التطلع نحو المستقبل إلا بهذا النقد المزدوج الذي يستوعب الحالة العربية، ويقرأ معطياتها، ويسبر غور ماهيتها، باتجاه إعادة صياغة الفكر السياسي العربي على أسس تاريخانية كما ( العروي) وديمقراطية قومية كما المشروع العربي النهضوي، الذي حمل لواءه جمال الأتاسي والياس مرقص وياسين الحافظ والكثير من هذا الجيل المتنورالذي ما زلنا ننهل من معين فكره هذا، وهو الذي سيبقى للأجيال القادمة جيلاً بعد جيل .
  في ذكراه العاشرة نطل على فكره النقدي وتستوقفنا بعض محطاته الفكرية النقدية التي نتوخى من خلال تناولها أن نكون قد أعدنا طرح ما كان قد طرحه جمال الأتاسي،لنحيي فكره المستقبلي،الذي يصب في أتون الفكر الناصري، وقد أرسى قواعده القائد جمال عبد الناصر .
·        العقليــة النخبويــــة :
يقف الدكتور جمال الأتاسي بجرأة وصراحة، ليوجه نقده للعقل النخبوي الذي ساد في مرحلة الستينيات حيث يقول :
(( قد تكون إحدى ثغرات جيلنا والتي كنـا نغفلها .. أن العقليـة السائدة هي ( العقلية النخبوية ) فهذا القصور يتمثل في التصور الصوري للمسألة.. فما دمنا نمتلك الوعي ونمسك بالحقيقة ونخلص للقضية فـإن الشعب سوف يندفـع وراءنا .. ولم ندرك أن هذا الشعب أسير ومكبل بميراث واقعه الاجتماعي والثقافـي .. وأنه لن يتجاوز هذا إلا إذا ارتبطت به الطليعة ارتباطاً عضوياً، وأن تساعده على شعوره بامتلاك إرادته وتحديد هدفه .. لقد بدأ هذا الجيل – جيل الثورة – حركة وعي واستيعاب وجهد نضالي، لكنه لم يستطع أن يصل إلى تحريك وقيادة الكتلة الشعبية والقاعدة الجماهيرية، ومن ثم لم يستطع أن يبني حركة تاريخية أو ثورة آنذاك، لقد استطاع عبد الناصر أن يحقق الارتباط العضوي بينه وبين الشعب، ومن ثم استطاع أن يخلق كتلة شعبية واسعة وعريضة شاركت معه في صنع الدور التاريخي والتغييرات الكبرى بالمنطقة والعالم  " ..ثم يضيف الدكتور :" ومن عجائب الأمور أننا كنا نظن أنفسنا طلائع متقدمة فكراً ومعاناة ونضالاً عن عبد الناصر في البداية، ثم وجدناه أمامنا ومتقدماً علينا، وشعرنا بما صنعه للجماهير وبالجماهير... إن الجماهير في الوحدة والانفصال تحركت عضوياً، والقيادات التقليدية والعشائرية كانت هي الأكثر ارتباطاً بها، بينما القيادات الوحدوية بمعزل عنها وأسيرة عقليتها النخبوية " .
  حيث نلحظ من خلال نقده هذا للعقلية النخبوية كيف استطاع الدكتور الأتاسي أن يكون ناقداً للذات بوعي عقلاني قومي ديمقراطي، بهدف إنتاج حالة فكرية سياسية ناصرية من خلال أفق منفتح ومختلف .



·        تخلف القيادات أثناء الوحـــدة  :
             استوعب الدكتور الأتاسي الماهية الفعلية لتركيبية القيادات السياسية أثناء فترة الوحدة بين مصر وسورية ( 22/شباط / 1958 –28  أيلول /1961) ووسمها بالمتخلفة عن عبد الناصر، حيث أكد وبكل صراحة " أن هذه القيادات كلها كانت تأخذ صفة القيادات الوحدوية بينما معظم هذه القيادات لا أستطيع أن أضعها ضمن جيل الثورة، لأنها في حقيقة الأمر ركبت الموجة، أما جيل الثورة فهو جيل آخر ، جيل يحيط ويستوعب ويمثل القدوة والنموذج، هذا الجيل دخل في صراع مرير مع هذه المجموعة من القيادات في سوريا، وقد عانينا طويلاً من هذه المسألة، بالإضافة إلى أن كل القيادات – كما أكد الأتاسي - كانت متخلفة جداً عن عبد الناصر، وبينما كان هو القيادة والدولة في مصر، فإننا في سوريا كنا نعاني غيابه عن الدولة وحضوره كقائد .. لقد كانت المشكلة بالنسبة لنا منذ البداية هي كيفية صياغة حركة تستوعب التفاعل بين زعامة تاريخية تستقطب الجماهير وبين عملية تأطيرها واستيعاب وجدانها، إن هذه الجماهير كانت عيونها معلقة على القاهرة ودولـة عبد الناصر وكانت هـذه الدولـة غير ثوريـة( الصراعات بين الأجهزة – العقلية العسكرية التي تريد أن تسطير – القوى القديمـة .. الخ ) وكانت قيادة عبد الناصر الثورية لا يمكنها أن تكشف كل شيء أمام الجماهير إلا فـي حينه، ومثلما غاب الوسيط – التنظيم – الثوري بين القائد وشعبه في مصر .. مثلما كانت المشكلة أفدح هنا في سوريا، لغياب الوسيط، ولتواجد القيادات هنا وهناك، التي تركب الموجة وتتدعي الانتماء لفكر وثورة ناصر .
  ولكأن المفكر الأتاسي كان يشير إلى أمثال عبد الكريم النحلاوي و الضباط الآخرين،    ، عصاصة، الكزبري، وسواهم الذين صنعوا الانقلاب الانفصالي اللعين، فيما بعد، أو الذين كانوا أقرب المقربين إلى السلطة أيام الوحدة وللراحل عبد الحكيم عامر في تلك المرحلة .. وهوما تؤكده الآن افتراءات النحلاوي عبر قناة الجزيرة، من خلال عمليات الابتزاز القذرة التي يستجره إليها الإعلامي الحاقد أحمد منصور لا فض فوه .  


·        غياب عبد الناصر وسد الفراغ   :
             الدكتور جمال الأتاسي من القيادات الناصرية والمفكرين القوميين الذين أدركوا ومنذ البداية حجم الغياب الكبير لقيادة بمستوى جمال عبد الناصر، وتلمس الحاجة الماسة لقيادة تملأ الفراغ الذي تركه، لكنه أبداً ليس من الذين يتعلقون بأشخاص كبدائل لعبد الناصر .. بل كانت له نظرة سياسية عقلانية متميزة، تجاوز من خلالها كل من سبقه من المفكرين الناصريين الذين دأبوا على إعادة إنتاج قيادة ناصرية أخرى بحجم عبد الناصر.
 حتى أن البعض منهم، ومن القوى الناصرية في الوطن العربي وفي الساحة اللبنانية على وجه التحديد، وبدلاً من سد الفراغ- كقيادات وطليعة- راحوا يبحثون عن المخلص المنقذ وبدأ الكثير منهم مع بداية السبعينيات يأمل خيراً في السادات وراحوا يراهنون عليه، حتى بعد أن كشف مخططه وتآمره منذ أيار / 1971/.
   لكن الأتاسي أكد أنه " لا يمكن سد هذا الفراغ الكبير إلا بقيادة قوى طليعية .. جيل ثوري متماسك له هدف وإطار ناظم، ولهذا فإن الجيل الذي نشأ بعد النكسة وبعد حركة الردة، ونشعر به يتحرك في أرجاء الوطن العربي، منوط به هذا الدور، إنه جيل يتحدى اليأس أيضاً لأننا رجعنا لمواقع ما قبل الثورة وإن كان بصيغة أخرى: فالإقليمية عادت والمصالح الضيقة برزت.. ويعاد صياغة نمط جديد من الرأسمالية ينهب الداخل ويصب للخارج، مستعمرين من داخلنا بسيطرة واستبداد النظم، ومن الخارج بالتبعية الثقافية والاقتصادية. ثم يتابع الدكتور قائلاً : " هذا الجيل الجديد مطالب بتحدي اليأس وهو يحمل إرادة التغيير ودور جيلنا أن ننقل له الوعي بتجربتنا، وننير له حقائق المرحلة التي عاصرناها مع عبد الناصر بسلبياتها كما نراها نحن لا كما تراها قوى الردة .. وإيجابياتها العظيمة دون أن نلوي الحقائق أو ندعي ما لم يكن" وهو هنا ينطلق من بعد نقدي صريح وواضح، فأن ننقد أنفسنا، وننتقد تجربتنا كناصرين، خيراً من أن ننتظر لينتقدنا الآخر، من موقف العداء، أو التشفي بما حصل بعدها .. حيث يؤكد أيضاً أنه " علينا أن نعطي تجربتنا ونتواصل مع هذا الجيل الجديد لأن الإنسان الثوري لا تنطبق عليه التسمية إلا إذا كان في تواصل ذاتي مع نفسه، وفي تواصل مع الأجيال التالية .. أن ينقل تجربته ومعاناته للجيل الذي يأتي من بعده .. الوضع الراهن لا يمكن أن يتغير بمجرد إصلاحات وتعديلات في هذا الواقع العربي أو ذاك .. بل بحاجة إلى ثورة جذرية .. والشعب الذي أعطى من قبل يمكنه أن يعود ويعطي من جديد " .
·        الصمـــت كموقــف   :
خلال استلام الدكتور الأتاسي رئاسة تحرير جريدة ( الجماهير ) التي كانت تصدر بدمشق أثناء الوحدة، حيث صدرت لمدة /200/ يوم فقط، حاول الدكتور جمال أن ينقد بعض الممارسات الخاطئة للأجهزة، لكن ذلك كان يصطدم دائماً بردات فعل غير معقولة من تلك الأجهزة .. وكان الأتاسي مع الراحل عبد الكريم زهور والياس مرقص وسامي الدروبي، يحللون المرحلة ويحاولون أن لا يكونوا كسواهم، وعندما لم يجد الدكتور من حل اتفق مع عبد الكريم زهور على أن يكون الصمت هو الموقف حيث يقول : (( عندما توصلت مع أخي المرحوم عبد الكريم زهور إلى تحليل المرحلة والمخاطر الخارجية والداخلية، وسيادة عقلية كمال الدين حسين وعبد القادر حاتم وغيرهما في إدارة المجتمع وعلى النقيض من عقلية الرئيس عبد الناصر، وجدنا أن الحل الوحيد المتاح لنا هو الاعتصام بالصمت كتعبير عن الاحتجاج، وبالفعل كتبت مقالـة افتتاحية فـي جريدة الجماهيـر تحت عنوان ( الصمت موقف ) تتعرض سريعاً للحديث الذي دار بيني وبين المرحوم زهور وما وصلنا إليه من موقف ).
لكن (( جماعة الصمت موقف )) لم تقبل بهذا الموقف أي فكرة ( الصمت موقـف ) وعلى رأسها الدكتور الأتاسي مع حدوث جريمة الانفصال .. حيث كان موقف الدكتور واضحاً في مواجهة الانفصال وزمرته، وقد أكد الدكتور الأتاسي موقفه بعد ذلك من الجريمة التي حصلت في 28/9/1961 وهو من قال : " منذ اللحظة الأولى للانفصال لم نصمت، فالصمت في هذه الحالة قبول بالانفصال وتأييده، فلقد تحركنا بسرعة ودون اتفاق .. تلك المجموعة المتفقة في المواقف والرؤيا وجمعتها صحبة الكتابة والنضال - وبدأنا في حملة ضد الانفصال وضد كل من أيده أو تعاطف معه من رفاق حزبنا القديم - ويقصد حزب البعث الذي كان ينتمي إليه سابقاً -وبدأنا ننشط فكرياً وأصدرنا مجموعة دراسات سياسية ونظرية، وترجمنا، بالإضافة إلى المشاركة مع مندوب الثورة الجزائرية بدمشق.. عبد الحميد المهري وفي إقامة الندوات وإلقاء المحاضرات عن الثورة بالإضافة إلى تجميع بعض الأطباء للتطوع في صفوف الثورة )).

·        أسباب الانفصال وفشل تجربة الوحـدة    :
في نقده لتجربة الوحدة، وحديثه الدائم عن الأسباب التي دعت وسهلت للطغمة والزمرة المجرمة في فعل ما استطاعت فعله من إقدامها على الانقضاض ضد تجربة الوحدة، كان الدكتور الأتاسي موضوعياً وغير مداهنٍ لأحد، بل ينقد من داخل التجربة وليس بعيداً عنها، كما كان جريئاً بامتياز، وهو الذي وقف واضحاً صريحاً ليفند أسباب الانفصال حيث أ جملها بالتالي :
1.     غياب التنظيم السياسي الذي يسد الفجوة بين الجماهير والزعيم، فبحل الأحزاب لم تعد هناك قوى منظمة ووحدوية تقوم بهذا الدور، والاتحاد القومي امتلأ بالرجعيين والإقليميين والعشائريين بينما حوصر الملتزمين بقيادة وثـورة عبد الناصر .
2.      تضخم الجهاز الإداري البيروقراطي والأمني دون استيعابه لموضوع الوحدة ومعطياتها وحاجاتها لإقامة دولة، وإذا كانت بعض الإجراءات ضرورة، فإن مجمل نشاطها – أي الأجهزة – كان سلبياً .
3.     الانقسام داخل معسكر اليسار بين الشيوعيين والقوميين خاصةً مع مرحلة الصراع الذي فرضه عبد الكريم قاسم بالعراق، هذا الصراع الذي ألقى بتبعاته على دولة الوحدة .
4.     الانقسام داخل القوى القومية ذاتها خاصة بين الناصريين والبعثيين أنفسهم .. فيما كانت أغلبية القواعد مع عبد الناصر والوحدة، كانت هناك قيادات تتحرك ضد الوحدة .
        ويضيف الدكتور إلى ذلك بالطبع القوى الخارجية من استعمار عالمي ورجعية محلية، ومصالح أضيرت للفئات والطبقات التي خضعت للتأميم أو للتحديد فـي الملكية .   
·        الناصرية كفكر جدلــي    :
   لم يقبل الدكتور الأتاسي القول بأن الفكر الناصري هو فكر تجميعي أو توفيقي أو أنه إيديولوجيا مغلقة قائمة بحد ذاتها وصيغة نظرية جاهزة .. لكن رأيه في الناصرية كان حداثياً متطوراً ومتجدداً على طول المدى .. فقد أكد أن " الفكر الناصري هو فكر جدلي .. وهو الفكر الذي يصل للكلية التي تتجاوز الأجزاء في منظور واحد، وهذا هو الفكر الجدلي سواء في المذهبية الماركسية –المادية  الجدلية- أو الهيجلية المثالية الجدلية .. أو حتى في الفكر الكلاسيكي القديم .. فعبد الناصر حاول دائماً في سبيل الوصول إلى ما هو حق وصحيح أن يبحث عن القاسم المشترك في التيارات الفكرية وأن يحاول إيجاد الكلية التي تربط هذه الأجزاء، ولكن ليس بطريقة ميكانيكية أو حسابية، بل بعملية تفاعلية ومتجاوزة، وحاول أن يصب هذا في نهج استراتيجي ومسار تاريخي وفق منهجية في الممارسة، ربط الفكر بحركة الواقع وهو يتغير ومن خلال الفعل في هذا الواقع، ومواجهة صراعاته في موقف ثوري يتطلع دائماً للجدوى والهدف .. لقد حافظ عبد الناصر على التعددية دائماً، لأنه ليس هناك أحد يستطيع أن يقول بأنني ملكت الحقيقة كاملة، لذلك نجده حينما يقيم تنظيم وحدة – كالتنظيم الطليعي – وهو صيغة حزب أصر بالرغم من كل شيء على إبقائه في إطار التعدد" .
·        فــي مفهومــه للعلمانيـة   :
هذا المصطلح ( العلمانية ) الذي دفع بالبعض إلى أن يجردوا بعض من يأخذ به من إسلامه ودياناته .. حيث فُهم على أنه اللادينية .. لكن الدكتور الأتاسي كان له نقده الواضح للعلمانية وتوضيحه لما يعنيه بالعلمانية وهو الذي يعتبر بهذا المعنى أن عبد الناصر كان علمانياً، ولكن كيف ذلك ؟
  يقول الدكتور جمال : (( حينما نقول أن عبد الناصر علماني يثير استغراب الكثيرين خاصةً وأنه معروف كرجل مسلم  متمسك بالخلق والمبادئ الإسلامية بل وثقافته الإسلامية جزء رئيسي في مشروعه وتطبيقاته .. حقيقة الأمر  أنه كان علمانياً بالمفهوم الصحيح لكلمة العلمانية، فنحن لا نقصد بكلمة العلمانية تلك الأطروحات الأخرى التي تطرح خاصة الأطروحة الشيوعية حينما تقوم الدولة باسم العلمانية أي اللادينية – الإلحاد- بينما هي في ذات الوقت نفسه خلقت ديناً جديداً فأصبحت هي ديناً وكنيسة بصيغ ونظم ومقولات وطقوس جديدة للسيطرة" .. ويضيف الدكتور : (( إننا نقصد بكلمة العلمانية: الدولة الديمقراطية، دولة كل المواطنين ولكل الأمة على اختلاف تياراتها الإيديولوجية، ومذاهبها ومعتقداتها الدينية، أي القبول والتأكيد على حقيقة التعداد في الأديان والتيارات والأفكار ووجود صراعات وتفاعلات شتى والاعتراف بأنه لا يوجد من يملك الحقيقة المطلقة في إدارة وتطوير المجتمع – الأمة – الدولة.. وعبد الناصر حينما أخذ صيغة ومفهوم الدولة العصرية، الدولة الوطنية لكل المواطنين، أخذ مفهوم المواطنة – في العلمانية – وقدمه على مفهوم المذهبية، أي ليس بالاعتماد على الانتماء للمذهب أو المعتقد كرابطة تربط بين الناس وبعضها، وفي الوقت نفسه ليس نفياً لوجود هذه المعتقدات، أو محاولة لمقاومتها أو نقد مشروعيتها، فالدولة العلمانية هي دولة كل المواطنين.. ونفي المذهبية .. حتى في العمل السياسي ممنوع المعتقد الشمولي، وفرض  الحقيقة المطلقة لفئة أو حزب .. بل لابد من الديمقراطية في العمل السياسي أيضاً)).
  لكن الدكتور الأتاسي وفي سياق تطور فكره وتطلعه إلى صيغة في العلمنة لا تثير البلبلة وتؤدي المطلوب منها، أشار إلى أنه وفي هذا الإطار وحتى لا نقـع بالالتباس (( قمنا بتغيير المصطلح .. أصبحنا نقول بديلاً عنه تعبير ( عدم المذهبة ) فلقد وجدنا في كتاباتنا  السابقة أن كلمة العلمانية تثير الكثير من الالتباسات، البعض يرى أنها اللادينية – الإلحاد- والبعض كان يجدها كلمة مستوردة تعبر عن مشكلة الغرب في الصراع مع سلطة الكنيسة في القرون الماضية، وكانت القواعد تطالبنا دائماً بتقديم تعليل وتفسير عن الكلمة، فتوصلنا إلى ضرورة البحث عن كلمة بديلة تؤكد على إصرارنا وفهمنا للمسألة الديمقراطية والدولة الديمقراطية العصرية، ورفضنا فـي الوقت ذاته لصعود التيارات الطائفيـة والفئويـة والانعزالية .. الخ )).

·        الديمقراطيـــة ليست لباساً نستعيره    :
منذ السبعينيات كان هم الدكتور الأتاسي البحث في الديمقراطية وتحديد ملامحها، وتأكيد أهميتها وضرورتها كمسألة حياة للناس، والسياسيين، ومن يشتغلون بالسياسة.. حيث اعتبرها المخرج والملاذ من منطلق أن مجتمعاتنا العربية لا حل لها الآن، ولا مخرج لمعضلة الاستبداد فيها، إلا المخرج الديمقراطي .. وهكذا حدد الدكتور رأيه فيها عندما قال : (( ليست الديمقراطية لباساً نستعيره أو زينة نتزين بها لنقول هل تصلح لنا أو تليق، بل إن السؤال الذي نطرحه اليوم وبإلحاح شعوبنا وطلائعها الثقافية والوطنية هو هل بقي من سبيل للخروج بمجتمعاتنا من حالة التفتت والتخلف والعجز، وهل من حياة كريمة يمكن أن تعيشها شعوبنا في ظل دولة للحق والقانون تقوم وتتأسس على مجتمعات مدنية قائمة بذاتها وتسوسها روح المواطنية والمساواة وقيم الحرية وحقوق الإنسان، وهل يمكن لنا أن نتقدم كعرب وأن نقوى وننهض ونتعامل مع الحداثة وروح العصر، بغير الديمقراطية؟..وبعد كل هذا الذي جرى ويجري في العالم من متغيرات وبخاصة في السنوات الأخيرة، وهذه الدنيا التي تضيق وتصغر على البشرية ويتواصل فيها التفاعل والتبادل بين المجتمعات الإنسانية هل يبقى لنا أن نقول هذا شعب تصلح وهذا شعب لا تصلح له الديمقراطية، فليس من مجتمع أو من شعب جُبل بالأصل على الديمقراطية، بل هي حركة نضج وتقدم في الوعي البشري وفي كل تشكل المجتمعات الإنسانية )).







·        خاتمـــــــــة    :
قبل رحيل المفكر الدكتور جمال الأتاسي بشهر واحد أي في شباط عام/2000/ كتب مقالاً في مجلة المنابر اللبنانية قال فيه " ما هذه إلا نتف من بدايات كانت لنا مع بيروت، وحلنا فيها وترحالنا الثقافي إليها، إنها علاقات وروابط تنامت ثم تنامت ولنا فيها حكايات كثيرة تحكى".
  والحقيقة  فإن هذه الإطلالة السريعة على الفكر النقدي للراحل الأتاسي ما هي إلا نتف من فكر عريض طويل ومن أفقه الواسع المتسع، لامسنا من خلالها بعضاً من ملامح فكره التحديثي، وهو الذي كان يُحب أن يستمع ويقرأ لكل ما هو حديث وعصري وجديد، إلا أن قدراً من الاستمرارية لرأيه وفكره حاولنا عبره أن لا نبرح المكان، قبل ملاقاته في منتصف الطريق لنتلمس الإشارات الملتقطة منه، من اتصالات القارئ العربي بفكر قومي ديمقراطي قل مثيله في هـذه اللحظة التاريخية.. وإذا كان جمال عبد الناصر من صنع الثورة الناصرية، فإن هناك الكثير من أبناء وجيل عبد الناصر ومن مفكري الثورة الناصرية راحوا يكملون ما بدأه ناصر وعلينا جميعاً تلقى تبعات إكمال الحداثة الإبداعية النظرية التي لا مناص من الخوض فيها ليكون المشروع القومي الديمقراطي العربي النهضوي مشعلاً للأمل الذي لا ينضب زيته، ولا تنطفئ شعلته .. وقد بدأ عبد الناصر المعركة ليكملها الجيل الذي يليه .. وجمال الأتاسي كان واحداً مهماً من هذا الجيل، ومعلماً بارزاً من معالم تلك المرحلة لن ننساه ما حيينا، وستتذكره الأجيال القادمة بالتأكيد .  
 
23/3/2010

من ياسين في علياءه إلى شارون في غيبوبته


د. مصطفى يوسف اللداوي
كاتبٌ وباحثٌ فلسطيني
سنواتٌ ست مرت على اغتيال الشيخ أحمد ياسين، وسنواتٌ أربع مضت على رقود أرئيل شارون في غيبوبته، ومازال الشيخ ياسين رغم غيابه رمزاً يلهب حماس شعبه وأمته، وشهيداً في جنات الخلد يرقد، مرشداً لحركته، وقائداً في أمته، وشمعةً تضيئ دياجير الظلام، ومثالاً تحتذى خطواته، وتقتفى آثاره، ومازالت مبادئه حية، وأفكاره باقية، وجنوده في الميدان، والقواعد التي أرساها تمتد جذورها في الأرض، والشجرة الباسقة التي غرس بذرتها تنمو وتزدهر، وتورق وتزهر، وتمتد ظلالها، ويفيض فيئها، والرجال الذين رافقوه على العهد ماضون، يحملون الأمانة، ويؤدون الرسالة، ولا يحيدون عن الدرب، يحفظون وصيته، ويتطلعون إلى نصرٍ كان يحلم به، أو شهادةٍ تطلع إليها فنالها، بعد أن طالته ثلاثة صواريخ إسرائيلية وهو على عربته البسيطة، يدفع عجلاتها محبوه، ويحركه برفقٍ ومحبة أبناؤه، ولكن الله كان قد اختاره واجتباه، وقدر له صحبةً أخرى، وأحبةً آخرين.
أما قاتل الشيخ أحمد ياسين فقد أرانا الله فيه شأناً آخر، وجعله لغيره مثلاً وعبرة، فنكسه في الخلق، ورده إلى أرذل العمر رداً ذليلاً، وجعل من صورته أضحوكة، ومن نهايته عبرةً وحكمة، فتضاؤل حجمه، وبهتت صورته، وسكتت حركته، وفقد قدرته، وسيطر عليه العجز فأقعده، ذليلاً في مرقده، مهاناً في مسكنه، وحيداً دون صحبة، غريباً دون أنيس، فلا أهل يزورونه، ولا أصحاب يعزونه، ولا أولاد يبرونه، والكل ينتظر موته، ويتمنى دفنه، وقد غارت أفكاره، وسقطت نظرياته، وهزم جنوده، وتبعثرت قوته، وتشتت حزبه، وانفض مناصروه، وتخلى عنه مؤيدوه، ولم يعد فيه مطمع، ومنه رجاء، وفيه أمل، فعاف الإسرائيليون صورته، وأشاحوا بوجوههم عنه، ولم يعد أحدهم يقوى على رؤيته، أو النظر إلى بقايا عظامه، أو فتات جسده، فصورته مخيفة، وشكله يقزز النفوس، كالقذى يؤذي العيون، ويقيئ الأجساد، ويزكم الأنوف بفحش رائحته.
قتل شارون وعاش ياسين، وغاب شارون بينما بقي ياسين، أراد شارون وأد المقاومة فأوقد الله نارها، وألهب عزيمة رجالها، فسرت شرارة المقاومة لهيباً في كل أرجاء فلسطين، وكان رجالٌ فلسطينيون، هم تلاميذ الشيخ، مقاومين لا يعرفون مفردات الضعف والتردد والعجز، ولا يفهمون غير لغةِ القوة والشدة والبأس، أقضوا مضاجع شارون ومن خلفه، وأفشلوا خططه وبرامجه، وكان شارون قد عزم على النيل من إرادة الشعب الفلسطيني، لينسى حقه، ويتنازل عن وطنه، ويفرط في ثوابته، فكانت عزةً لا تعرف للذل طريقاً، وثباتاً لا يعرف معنى الخنوع، ولا سبل التراجع والانكفاء، وجرف شارون مخيم جنين، فبنى أهله فوق ركامه خياماً، وزرعوا في جوفه أجسادهم، وخيبوا أمال شارون بنزوحهم عن مخيمهم المدمر، وعلموه أن الفلسطينيين لن يتخلوا عن وطنهم، ولن يرحلوا عن مخيماتهم، وسيبقون في أرضهم مهما بالغ العدو في قتلهم، واجتاح شارون مدن ومخيمات قطاع غزة والضفة الغربية، فأبدى الفلسطينيون أمامه صموداً وثباتاً، فانهزم أمامهم، وخرج من قطاع غزة مدحوراً مخذولاً، وعيونه على جنوده مخافة القتل، وخشية الأسر، توارى شارون عن الميدان، فغارت معتقداته، ولم يعد جيشه الجيش الأسطورة الذي لا يهزم، واهتز جنوده فلم يعودوا واثقين بقوتهم، ومغترين بسلاحهم، ومعتدين بأنصارهم، فلاحقتهم الهزيمة، وشتتهم بؤس قادتهم، وسقطت رموزهم العسكرية والسياسية، وبات البناء الذي عكف عليه طويلاً يتهدم، والسور الذي رصد له الكثير يتصدع، والجدران التي اعتقد أنها ستجلب الحماية لشعبه تتهاوى، ومن تحتها يتسرب الموت إلى جنوده، ويسري الخوف بين أبناء شعبه، فلا جدر تحميهم، ولا أسوار تقيهم.
ولكن ياسين بقيت أفكاره لتحيى، فولَّد شللُهُ قدرةً، وعجزُ جسده إرادة، وضعف جسمه قوة، وقلة سلاحه وعتاده ذخيرةً لا تنضب، وسلاحاً لا يثلم، فانتصر أبناؤه على جلاديهم رغم القهر، وخرجوا من سجونه إلى فضاء المقاومة، وتخلصوا من قيده إلى زينة البندقية، ومن زنازينه الضيقة إلى ساحات الوطن، وميادين الجهاد، غاب الشيخ أحمد ياسين ولكنه أسس من بعده لنصرٍ كبير، تلاه تحريرٌ مبهرُ لغزة، وتطهيرٌ لها من رجس المستوطنات، وخطط لفوزٍ كاسح، حققه من بعده رجاله، فكانت نتائج الانتخابات حصيلة لما زرع، وحصيداً لما بذر، وحمل أتباعه أمانة الأهل، وأمل الشعب، فشكلوا حكومة، وأقاموا سلطة، وحققوا الأمن، ونشروا العدل، وغيبوا الظلم، وجعلوا للحرية فضاءاً ومكاناً، ونادوا لحظة فوزهم بالوحدة، وعملوا من أجل الألفة والصف الواحد، وقد أدركوا أن النصر مدعاة للوحدة، والفوز يلزمه سعة الصدر ورحابة القلب ورجاحة العقل.
اليوم يصدح الشيخ أحمد ياسين من عليائه في جنان الخلد، إلى أرئيل شارون الراقد في مستشفى شيبا، ويقول له، قتلانا في الجنة، وقتلاكم في النار، مقاومتنا باقية، واحتلالكم إلى زوال، عزمنا ماضٍ، وقوتكم في انحسار، فلسطين لنا كلها أرضاً ووطناً، ولا مكان لكم في وطننا، ولا مستقبل لكم على أرضنا، والقدس عاصمة دولتنا، وآية من كتاب ربنا، لا نفرط فيها، ولا نتنازل عنها، ولن نقبل فيها القسمة ولا الاقتسام، وحيفا إلينا ستعود، كما القدس والخليل ورام الله وبيسان والجليل، والطفل الرضيع الذي إلى حيفا ينتمي، وإلى الطيرة جده ترنو عيونه، وتهفو نفسه، فهو إلى فلسطين سيعود، وستكون له فلسطين دولةً ووطناً، وبعالي صوته يصدح الشيخ أحمد ياسين لخلفاء شارون، مذكراً إياهم بعجز سيدهم، وهزيمة جيشهم، وأن محاولاتهم للنيل من الشعب الفلسطيني وإرادته، ستبوء كلها بالفشل، بل إن عكس ما يريدون سيتحقق، ونقيض ما يسعون إليه سيكون.
وبعالي الصوت ينادي الشيخ أحمد ياسين في ذكرى استشهاده السادسة، أبناء الشعب الفلسطيني كلهم، في الوطن والشتات، أن يكونوا جميعاً صفاً واحداً، وأن يلتقوا على خيار المقاومة والعودة والتحرير، وأن ينأوا بأنفسهم عن كل أسباب الخلاف والشقاق والخصومة والعداوة، وأن يدركوا أنهم بحاجةٍ إلى الوحدة والاتفاق، وأنها سبيلهم إلى الحرية والاستقلال، وبدونها سينجح شارون الراقد في فراشه، في تفتيت وحدة الشعب الفلسطيني، وضياع حلمه، وسيتمكن من تحقيق أهدافه، وترسيخ أقدامه، فالعدو الإسرائيلي يستغل الخلافات الفلسطينية، وينفد منها لتنفيذ أهدافه، والوصول إلى غاياته، وكأني بالشيخ أحمد ياسين ينادي فصائل المقاومة الفلسطينية لتتحد، والشعب الفلسطيني ليقف خلف خيار المقاومة، والأمة العربية والإسلامية للقيام بدورها وواجبها في نصرة الشعب الفلسطيني، وفي الدفاع عن مقدساته وحرماته، وأن يهبوا جميعاً لنجدة المسجد الأقصى المبارك من محاولات التهويد، والقدس من مساعي السيطرة والقضم والاستيطان.
أيها الشيخ الأجل مكانةً، والأسمى منزلةً، في يوم ذكراك لك من شعبك كل تحية، ومن الأمة كل تقدير، وعهداً لك سنمضي على الطريق، وسنواصل المشوار، وسنسير على ذات الدرب، فأنت مع الخالدين، ومن سار على دربك هو وحده من الناجين، ومن خالف درب الجهاد والمقاومة، لا محالة هو ومن معه من الهالكين، فسلام الله عليك ومن معك في الخالدين.

دمشق في 23/3/2010


د. مصطفى يوسف اللداوي
كاتبٌ وباحثٌ فلسطيني
سنواتٌ ست مرت على اغتيال الشيخ أحمد ياسين، وسنواتٌ أربع مضت على رقود أرئيل شارون في غيبوبته، ومازال الشيخ ياسين رغم غيابه رمزاً يلهب حماس شعبه وأمته، وشهيداً في جنات الخلد يرقد، مرشداً لحركته، وقائداً في أمته، وشمعةً تضيئ دياجير الظلام، ومثالاً تحتذى خطواته، وتقتفى آثاره، ومازالت مبادئه حية، وأفكاره باقية، وجنوده في الميدان، والقواعد التي أرساها تمتد جذورها في الأرض، والشجرة الباسقة التي غرس بذرتها تنمو وتزدهر، وتورق وتزهر، وتمتد ظلالها، ويفيض فيئها، والرجال الذين رافقوه على العهد ماضون، يحملون الأمانة، ويؤدون الرسالة، ولا يحيدون عن الدرب، يحفظون وصيته، ويتطلعون إلى نصرٍ كان يحلم به، أو شهادةٍ تطلع إليها فنالها، بعد أن طالته ثلاثة صواريخ إسرائيلية وهو على عربته البسيطة، يدفع عجلاتها محبوه، ويحركه برفقٍ ومحبة أبناؤه، ولكن الله كان قد اختاره واجتباه، وقدر له صحبةً أخرى، وأحبةً آخرين.
أما قاتل الشيخ أحمد ياسين فقد أرانا الله فيه شأناً آخر، وجعله لغيره مثلاً وعبرة، فنكسه في الخلق، ورده إلى أرذل العمر رداً ذليلاً، وجعل من صورته أضحوكة، ومن نهايته عبرةً وحكمة، فتضاؤل حجمه، وبهتت صورته، وسكتت حركته، وفقد قدرته، وسيطر عليه العجز فأقعده، ذليلاً في مرقده، مهاناً في مسكنه، وحيداً دون صحبة، غريباً دون أنيس، فلا أهل يزورونه، ولا أصحاب يعزونه، ولا أولاد يبرونه، والكل ينتظر موته، ويتمنى دفنه، وقد غارت أفكاره، وسقطت نظرياته، وهزم جنوده، وتبعثرت قوته، وتشتت حزبه، وانفض مناصروه، وتخلى عنه مؤيدوه، ولم يعد فيه مطمع، ومنه رجاء، وفيه أمل، فعاف الإسرائيليون صورته، وأشاحوا بوجوههم عنه، ولم يعد أحدهم يقوى على رؤيته، أو النظر إلى بقايا عظامه، أو فتات جسده، فصورته مخيفة، وشكله يقزز النفوس، كالقذى يؤذي العيون، ويقيئ الأجساد، ويزكم الأنوف بفحش رائحته.
قتل شارون وعاش ياسين، وغاب شارون بينما بقي ياسين، أراد شارون وأد المقاومة فأوقد الله نارها، وألهب عزيمة رجالها، فسرت شرارة المقاومة لهيباً في كل أرجاء فلسطين، وكان رجالٌ فلسطينيون، هم تلاميذ الشيخ، مقاومين لا يعرفون مفردات الضعف والتردد والعجز، ولا يفهمون غير لغةِ القوة والشدة والبأس، أقضوا مضاجع شارون ومن خلفه، وأفشلوا خططه وبرامجه، وكان شارون قد عزم على النيل من إرادة الشعب الفلسطيني، لينسى حقه، ويتنازل عن وطنه، ويفرط في ثوابته، فكانت عزةً لا تعرف للذل طريقاً، وثباتاً لا يعرف معنى الخنوع، ولا سبل التراجع والانكفاء، وجرف شارون مخيم جنين، فبنى أهله فوق ركامه خياماً، وزرعوا في جوفه أجسادهم، وخيبوا أمال شارون بنزوحهم عن مخيمهم المدمر، وعلموه أن الفلسطينيين لن يتخلوا عن وطنهم، ولن يرحلوا عن مخيماتهم، وسيبقون في أرضهم مهما بالغ العدو في قتلهم، واجتاح شارون مدن ومخيمات قطاع غزة والضفة الغربية، فأبدى الفلسطينيون أمامه صموداً وثباتاً، فانهزم أمامهم، وخرج من قطاع غزة مدحوراً مخذولاً، وعيونه على جنوده مخافة القتل، وخشية الأسر، توارى شارون عن الميدان، فغارت معتقداته، ولم يعد جيشه الجيش الأسطورة الذي لا يهزم، واهتز جنوده فلم يعودوا واثقين بقوتهم، ومغترين بسلاحهم، ومعتدين بأنصارهم، فلاحقتهم الهزيمة، وشتتهم بؤس قادتهم، وسقطت رموزهم العسكرية والسياسية، وبات البناء الذي عكف عليه طويلاً يتهدم، والسور الذي رصد له الكثير يتصدع، والجدران التي اعتقد أنها ستجلب الحماية لشعبه تتهاوى، ومن تحتها يتسرب الموت إلى جنوده، ويسري الخوف بين أبناء شعبه، فلا جدر تحميهم، ولا أسوار تقيهم.
ولكن ياسين بقيت أفكاره لتحيى، فولَّد شللُهُ قدرةً، وعجزُ جسده إرادة، وضعف جسمه قوة، وقلة سلاحه وعتاده ذخيرةً لا تنضب، وسلاحاً لا يثلم، فانتصر أبناؤه على جلاديهم رغم القهر، وخرجوا من سجونه إلى فضاء المقاومة، وتخلصوا من قيده إلى زينة البندقية، ومن زنازينه الضيقة إلى ساحات الوطن، وميادين الجهاد، غاب الشيخ أحمد ياسين ولكنه أسس من بعده لنصرٍ كبير، تلاه تحريرٌ مبهرُ لغزة، وتطهيرٌ لها من رجس المستوطنات، وخطط لفوزٍ كاسح، حققه من بعده رجاله، فكانت نتائج الانتخابات حصيلة لما زرع، وحصيداً لما بذر، وحمل أتباعه أمانة الأهل، وأمل الشعب، فشكلوا حكومة، وأقاموا سلطة، وحققوا الأمن، ونشروا العدل، وغيبوا الظلم، وجعلوا للحرية فضاءاً ومكاناً، ونادوا لحظة فوزهم بالوحدة، وعملوا من أجل الألفة والصف الواحد، وقد أدركوا أن النصر مدعاة للوحدة، والفوز يلزمه سعة الصدر ورحابة القلب ورجاحة العقل.
اليوم يصدح الشيخ أحمد ياسين من عليائه في جنان الخلد، إلى أرئيل شارون الراقد في مستشفى شيبا، ويقول له، قتلانا في الجنة، وقتلاكم في النار، مقاومتنا باقية، واحتلالكم إلى زوال، عزمنا ماضٍ، وقوتكم في انحسار، فلسطين لنا كلها أرضاً ووطناً، ولا مكان لكم في وطننا، ولا مستقبل لكم على أرضنا، والقدس عاصمة دولتنا، وآية من كتاب ربنا، لا نفرط فيها، ولا نتنازل عنها، ولن نقبل فيها القسمة ولا الاقتسام، وحيفا إلينا ستعود، كما القدس والخليل ورام الله وبيسان والجليل، والطفل الرضيع الذي إلى حيفا ينتمي، وإلى الطيرة جده ترنو عيونه، وتهفو نفسه، فهو إلى فلسطين سيعود، وستكون له فلسطين دولةً ووطناً، وبعالي صوته يصدح الشيخ أحمد ياسين لخلفاء شارون، مذكراً إياهم بعجز سيدهم، وهزيمة جيشهم، وأن محاولاتهم للنيل من الشعب الفلسطيني وإرادته، ستبوء كلها بالفشل، بل إن عكس ما يريدون سيتحقق، ونقيض ما يسعون إليه سيكون.
وبعالي الصوت ينادي الشيخ أحمد ياسين في ذكرى استشهاده السادسة، أبناء الشعب الفلسطيني كلهم، في الوطن والشتات، أن يكونوا جميعاً صفاً واحداً، وأن يلتقوا على خيار المقاومة والعودة والتحرير، وأن ينأوا بأنفسهم عن كل أسباب الخلاف والشقاق والخصومة والعداوة، وأن يدركوا أنهم بحاجةٍ إلى الوحدة والاتفاق، وأنها سبيلهم إلى الحرية والاستقلال، وبدونها سينجح شارون الراقد في فراشه، في تفتيت وحدة الشعب الفلسطيني، وضياع حلمه، وسيتمكن من تحقيق أهدافه، وترسيخ أقدامه، فالعدو الإسرائيلي يستغل الخلافات الفلسطينية، وينفد منها لتنفيذ أهدافه، والوصول إلى غاياته، وكأني بالشيخ أحمد ياسين ينادي فصائل المقاومة الفلسطينية لتتحد، والشعب الفلسطيني ليقف خلف خيار المقاومة، والأمة العربية والإسلامية للقيام بدورها وواجبها في نصرة الشعب الفلسطيني، وفي الدفاع عن مقدساته وحرماته، وأن يهبوا جميعاً لنجدة المسجد الأقصى المبارك من محاولات التهويد، والقدس من مساعي السيطرة والقضم والاستيطان.
أيها الشيخ الأجل مكانةً، والأسمى منزلةً، في يوم ذكراك لك من شعبك كل تحية، ومن الأمة كل تقدير، وعهداً لك سنمضي على الطريق، وسنواصل المشوار، وسنسير على ذات الدرب، فأنت مع الخالدين، ومن سار على دربك هو وحده من الناجين، ومن خالف درب الجهاد والمقاومة، لا محالة هو ومن معه من الهالكين، فسلام الله عليك ومن معك في الخالدين.

دمشق في 23/3/2010