الثلاثاء، 9 فبراير 2010

الرابطة التونسية للدفاع عن حقوق الإنسان – فرع القيروان


 اعلام
أعلمتنا عائلة السيد نورا لدين طعم ، المحكوم بخمس سنوات سجنا والموجود بسجن القصرين، انه يتعرض للضرب والاهانة والتهديد بالكلاب.
السيد نورالدين طعم ، أصيل القيروان وحامل للجنسيتين ، التونسية والنمساوية عاد سنة 2008، صحبة زوجته السيدة خولة السالمي وابنه زياد،  من النمسا  ، أين كان يعمل تاجرا ، لزيارة والدته المريضة فألقى عليه القبض بعد يومين من وصوله وحوكم ابتدائيا  ب 7 سنوات  بتهم " الانتماء لمنظمة إرهابية والتدريب على السلاح"، خفضها حكم الاستئناف إلى خمس سنوات . التهم والحكم كانا بعلاقة بتنقله إلى باكستان عندما كان يقيم بالنمسا.
وقد قضى بداية حكمه بسجن الهوا رب بالقيروان ثم وقعت نقلته عقابيا إلى السجن المدني بالقصرين، أين تواصلت، حسب عائلته، أهانته وسوء معاملته وتهديده وضربه.
فرعنا يجدد مطالبته لوزارة العدل وحقوق الإنسان بالتحقيق في موضوع  هذه التجاوزات الخطيرة ومعاقبة المعتدين , كما يدعو السلطات السجنية للالتزام بالقوانين واحترام حرمة السيد طعم الجسدية والكف عن مضايقته.
إلى ذلك فإننا نجدد دعوتنا إلى إرجاعه إلى سجن القيروان، حتى تتمكن عائلته من زيارته دون متاعب.
 عن هيئة فرع الرابطة التونسية للدفاع عن حقوق الإنسان بالقيروان
مسعود الرمضاني

أخبار الحريات في تونس


حــرية و إنـصاف


منظمة حقوقية مستقلة
 تونس في 24 صفر 1431 الموافق ل 09 فيفري 2010
أخبار الحريات في تونس
1)    اعتقال مجموعة من الشبان المتدينين بجهة منزل بورقيبة:
اعتقل أعوان البوليس السياسي مساء يوم الاثنين 8 فيفري 2010 بعمادة سيدي منصور معتمدية منزل بورقيبة الشبان عماد القبطني وخالد الدلاجي وصلاح الطعبوري وعمر الفنطازي وشكري العراس، واقتادوهم إلى جهة مجهولة، ولا تزال عائلاتهم تجهل سبب ومكان احتجازهم، وتأتي هذه الاعتقالات على خلفية التزامهم الديني.
وحرية وإنصاف تجدد مطالبتها للسلطة بوقف الاعتقالات العشوائية واستهداف الشبان بسبب انتمائهم الفكري والعقدي وتدعو إلى إطلاق سراحهم فورا وتوفير مناخ من الحوار واحترام حرية الانتماء والمعتقد.
2)    منع الأستاذ محمد عبو من زيارة الصحفي توفيق بن بريك:
منعت إدارة سجن سليانة صباح اليوم الثلاثاء 9 فيفري 2010 الأستاذ محمد عبو من زيارة الصحفي توفيق بن بريك في مخالفة صارخة لمقتضيات الفصل 14 من القانون المنظم للسجون والذي ينص في فقرته التاسعة على ما يلي :''للسجين الحق في مقابلة المحامي المكلف بالدفاع عنه بدون حضور أحد أعوان السجن بمكتب مخصص لذلك بالنسبة للموقوف تحفظيا أو المحكوم عليه بحكم بات''. علما بأن الأستاذ محمد عبو قد تحصل على إذن بالزيارة من الوكيل العام بمحكمة الاستئناف بتونس.
وحرية وإنصاف تندد بهذا المنع من الزيارة وهذا الاعتداء على حق السجين في زيارة المحامي وهضم حق المحامي في تحضير وسائل الدفاع مع منوبه وتدعو السلطة إلى وضع حد لسياسة التنكيل بسجناء الرأي.
3)    رمزي بن بلقاسم يواصل الإضراب عن الطعام ويستقبل وفدا من حرية وإنصاف:
يواصل الشاب رمزي بن بلقاسم إضرابه المفتوح عن الطعام لليوم الخامس على التوالي احتجاجا على الاضطهاد اليومي الذي يتعرض له من قبل أعوان البوليس السياسي بمركز شرطة قمرت ومنطقة الشرطة بالمرسى الذين تعمدوا الاعتداء عليه بالعنف الشديد في عديد المناسبات، وقد زاره مساء اليوم الثلاثاء 9 فيفري 2010 وفد من منظمة حرية وإنصاف متكون من عضوتي المكتب التنفيذي السيدتين زينب الشبلي وجميلة عياد صحبة الأستاذة إيمان الطريقي.
4)    حتى لا يبقى سجين العشريتين الدكتور الصادق شورو عيدا آخر وراء القضبان:
لا يزال سجين العشريتين الدكتور الصادق شورو وراء قضبان سجن الناظور يتعرض لأطول مظلمة في تاريخ تونس، في ظل صمت رهيب من كل الجمعيات والمنظمات الحقوقية، ولا تزال كل الأصوات الحرة التي أطلقت صيحة فزع مطالبة بالإفراج عنه تنتظر صدى صوتها، لكن واقع السجن ينبئ بغير ما يتمنى كل الأحرار، إذ تتواصل معاناة سجين العشريتين في ظل التردي الكبير لوضعه الصحي والمعاملة السيئة التي يلقاها من قبل إدارة السجن المذكور.
عن المكتب التنفيذي للمنظمة
الرئيس
الأستاذ محمد النوري

فرع الناضور للجمعية الوطنية يؤجج النضالات الشعبية بمدينة الناضور


من يزرع اليأس يحصد الغضب

كما كان مقررا في بلاغ  صادر عن فرع الناضور للجمعية الوطنية لحملة الشهادات المعطلين بالمغرب، تم تنفيذ شكلين نضاليين تصعيديين عبارة  عن وقفات احتجاجية متوجة بمسيرات شعبية في اتجاه مقر السلطة الوصية عمالة إقليم الناضور، مرورا بمجموعة من المصالح والإدارات المنتخبة المعنية بملف التشغيل بالمدينة، وذلك ردا على سياسة التجاهل والهروب إلى الأمام التي يتقنها "المسؤولين" في هذا الإقليم، أمام غياب الإرادة الحقيقية  لإيجاد حلول عاجلة ومرضية لمعضلة بطالة حاملي الشهادات بالإقليم وأمام تفاقم المشاكل الاجتماعية التي أنهكت كاهل سكان الإقليم من ارتفاع للأسعار، وغلاء المعيشة ونهج سياسات اقصائية في حق الفئات الشعبية الكادحة وانتشار مظاهر الفساد الإداري والتعامل المزدري إزاء ضحايا الفياضانات الأخيرة التي شهدتها المدينة ومناطق أخرى من الإقليم.
ففي جو ساخط عن الوضع القائم من جميع جوانبه، ووسط تعاطف وانخراط شعبي بكل فئاته نفذ فرع الناضور للجمعية الوطنية الشكلين النضاليين المقرران في جمعه العام العادي بتاريخ 29/01/2010 على الشكل التالي:
الأربعاء: 03/02/2010 تم تنفيذ الشكل النضالي التصعيدي الأول، الذي كان عبارة عن وقفة احتجاجية في ساحة التحرير ابتداء من الساعة الثالثة زوالا، متوجة بمسيرة شعبية عرفت مشاركة جماهيرية كثيفة، تفاعلت خلالها مع شعارات الجمعية،  حيث انطلقت المسيرة الشعبية، بعد نصف ساعة من تنفيذ الوقفة مخترقة أهم الشوارع الرئيسة بالمدينة وسط ذهول واستنفار الأجهزة القمعية المخزنية، ورغم محاولة هذه الأخيرة ثني المواطنين عن الالتحاق بالمسيرة ، إلا أن الجماهير كانت أكثر قناعة بمطالب ونضالات الجمعية من قناعتها بالسياسات المخزنية المنتهجة بالإقليم.
انتهت هذه المسيرة بعد ساعتين من الشعارات والكلمات الصادحة وسط شوارع مدينة الناضور أمام مقر عمالة الإقليم، حيث اختتم الشكل النضالي بكلمة لرئيس الفرع ونائبه، وسط صمود للجماهير الشعبية إلى جانب الجمعية إلى أن رفع الشكل النضالي.
الجمعة: 05/02/2010 كان الموعد مع تنفيذ الشكل النضالي الثاني المبرمج ضمن البرنامج النضالي التصعيد لفرع الناضور خلال هذا الأسبوع، حيث تم تنظيم وقفة احتجاجية بالساحة المجانبة للمركب التجاري البلدي  ابتداء من الساعة الثالثة زوالا، عرفت انخراط جماهيري أكثر من سابقاتها، لتنطق بعد ذلك مسيرة حاشدة أربكت حسابات الأجهزة القمعية، وقد مرت هذه المسيرة بأهم الشوارع  متوجهة إلى مقر العمالة وسط هتافات الشارع الناضور المتعطش للقوى الحية القائلة لكلمة الحق والمناهضة للظلم والإقصاء الاجتماعي الذي طغي بشكل فاحش في السنوات الأخيرة بمختلف مؤسسات الإقليم. كما تخلل هذه المسيرة  على طولها كلمات لرئيس الفرع موجهة إلى الجماهير الشعبية الأخرى الذي ظلت ترافق مسيرة المعطلين بكون جمعية المعطلين تضع إلى جانب  دفاعها عن مطالبها الأساسية المتعلقة بالشغل و التنظيم كل المطالب المشروعة التي تمس الفئات الشعبية المهمشة، وقد انتهت المسيرة الشعبية كما كان مقررا لها أمام مقر عمالة الإقليم، وسط صمود شعبي مؤيد ومشارك لنضالات ومطالب الجمعية.
خلال الشكل النضالين ، ومن خلال الكلمات الملقاة من طرف أعضاء المكتب المسير للفرع المحلي، تم التأكيد على مجموعة من المطالب الأساسية التي تناضل الجمعية الوطنية منذ تأسيسها، منها الحق في الشغل والعيش الكريم، و رفع الحضر القانوني على الجمعية الوطنية، و الكشف عن قبر شهيد الجمعية مصطفى الحمزاوي، وفتح حوار مركزي مع المكتب التنفيذي للجمعية الوطنية، وفروع الجمعية ، كما تم إدانة المقاربة القمعية التي ينهجها النظام المخزني القائم بالمغرب مع النضالات المشروعة لفروع الجمعية، و التضامن المبدئي اللامشروط مع باقي فروع وتنسيقيات الجمعية، التنسيق الإقليمي بالحسيمة، تاونات ، الدريوش، وفروع بركان، تارودانت، ايث يوسف وعلي... و التأكيد على أن سياسة التيئيس المنتهجة على فرع الناضور لن تثني مناضلي ومناضلاته على مواصلة النضال والصمود إلى أن يبزغ فجر الكرامة، بتحقيق مطالب الجمعية وعلى أساس مذكرتها المطلبية.

عندما تقض 'فلول البعث' مضاجع السلطة


د. مثنى عبدالله

عجبا كيف ترتعد خوفا فرائص السلطة المحصنة في المنطقة الخضراء، والمحمية بثلاثة عشر جهازا أمنيا، ومليون جندي وشرطي، وفيالق من المليشيات، وسلطة قرار وأموال، وأضخم محطة مخابرات أمريكية في العالم، وأتفاقية أمنية، تعهدت فيها الولايات المتحدة الامريكية بحماية الحكومة من الاخطار الداخلية والخارجية، وأكبر محطة لـ(أطلاعات) الايرانية، تتبعها المئات من الواجهات بأغطية ثقافية ودينية وأنسانية، وسبع سنوات من التثقيف الطائفي، وعمليات غسيل الادمغة، بواسطة عشرات الفضائيات،
والصحف الصفراء، وكتاب الدولار ورجال دين السلطة، ومع كل ذالك يتحول من تطلق عليهم تسمية (فلول) الى فهود، يقضون مضاجع المسؤولين ليل نهار، ويجبرونهم على التواري في الجحور، والتنقل بالطائرات أو بسيارات الاسعاف داخل البلد للتمويه، وهم الذين أسر الامريكان قادتهم، فمنهم من قضى نحبه بأيدي السلطة، ومنهم من ينتظر وما بدلوا تبديلا، وأستخدموا المثقاب الكهربائي والمواد الكيمياوية لاجتثاث أفكارهم، وهجروا عوائل أنصارهم ومؤيديهم في كل زاوية من خارطة العالم، وأستباحوا دورهم وأموالهم، وغيروا أسماء الشوارع والساحات والاحياء والمدارس التي تشير الى منجزاتهم، والغوا أيامهم التي كانوا يحتفلون بها، وهدموا النصب التذكارية التي ترمز لهم، ونقضوا قوانينهم التي لايستفادون منها .
انها حقا صورة شديدة التناقض، بين أن تملك كل أسباب القوة المادية، وأجهزة العنف المنظم وغير المنظم، لكنك تكتشف بان هذه القوة خاوية، وعاجزة عن تحقيق أهدافك، بينما لا يملك الاخرون شيئا من أسبابها، لكنك تكتشف بأنهم قادرون على هزيمة أجنداتك ومن يقف خلفك ، ويفرضون حضورهم المادي والمعنوي على المسرح السياسي الذي تحاول أن تبدو سيدا فيه، تلك هي المعادلة التي تحكم الحياة السياسية العراقية اليوم، وهي بمقدار تناقضها فانها تكشف عن حقيقة حتمية الصراع التاريخي بين القوى الحية التي تملك الماضي والحاضر والمستقبل، وبين القوى الطارئة التي حتى وان امتلكت الحاضر، فانها تبقى بلا قرار أو أن قرارها سيكون مجرد ردود أفعال سلبية، ومحاولات طائشة لتأكيد الذات، أمام أصرار القوى التاريخية على الثبات والمقاومة والتغيير .
لقد ولدت الاحزاب الحاكمة اليوم في العراق، وهي تحمل فيروسات موتها واندثارها، منذ أن تحكم الاخرون في ولادتها، وظروف نشأتها، وتمويلها وتسليحها، وركبوا لها عقولا تفكر بمصالحهم وتنفذ أجنداتهم، ووضعوا لها أهدافا وخططا استراتيجية ، تقضي ببعثرة النسيج الاجتماعي، والتلاعب باللحمة الوطنية التي ولدنا عليها نحن وآباؤنا منذ الاف السنين، وتدمير البنى التحتية للانسان، وافقاده هويته الجامعة، وجعله يعيش في جو من الاستلاب الثقافي والتاريخي والاخلاقي والديني، كي تسهل قيادته الى مستقبل مجهول تتحكم فيه تلك الاجندات لذلك لاغرابة أن تبرز كل هذه الصور المأساوية في الحياة اليومية العراقية، وأن تتراجع كل المؤشرات التي تدل على التقدم البشري فيه، مئات السنين الى الوراء، حتى تبدو لغة الارقام خجلى مما حل به، وها هو وكيل وزير التربية يصرح (ان أعداد الاميين في العراق بلغ خمسة ملايين عام 2008 و2009 بينما في عام 1991 أنتهت ولم يبق أي أمي في العراق) ويضيف (أن قانون محو الامية الذي قدم منذ عام ونصف العام على طاولة مجلس النواب لم يصادق عليه).
علما بأن موازنة العام 2010 خلت تماما من أي تخصيص مالي لاقامة دورات محو الامية، لان هذا المجال هو أبعد ما يكون عن تفكير السلطة (الديمقراطية في العراق الجديد)، التي لا تتوانى عن هدر ملايين الدولارات في تأمين الحمايات الخاصة لمسؤوليهم الذين وصل عددهم الى 4500 عنصر فقط لحماية الطالباني، 2500 عنصر لحماية عمار الحكيم، 1200 عنصر لحماية الهاشمي، و140 عنصر لحماية رئيس البرلمان، ولا يمكننا أحصاء ما يحيط بزعيم (دولة القانون) من حمايات لانها لا تعد، والذي بلغ عدد مستشاريه فقط اكثر من ستين مستشارا، بينما بلغت مخصصات ما يسمى رئاسة الجمهورية في هذه الموازنة 100 مليون دولار، ورئاسة الوزراء 140 مليون دولار، ورئاسة البرلمان 570 مليون دولار، واذا أضيفت الى هذه المبالغ رواتب الموظفين العاملين فيها، فان مخصصات الرئاسات الثلاث تصبح مليارا و113 مليون دولار فقط .
لقد استسهل (قادة العراق الجديد) كيل الاتهامات الى البعث، حتى أصبحت لازمة معتادة في كل خطبهم، لانهم قادة أقوال لا أفعال، وسراق لحظة سياسية لا رجال مرحلة، ومعاول هدم لابناء وباتوا يكتشفون يوميا بأنهم أعجز من أن يأتوا بمثل ما جاء به الذين سبقوهم، فها هي سبع سنوات مرت من عمر (العصر الديمقراطي) والمواطن يتسول قوت يومه، ويعجز عن ارسال أطفاله الى المدارس، ويعاني من المرض والبطالة، ويفتقر الى الماء والكهرباء والمحروقات ولم يرتفع في البلد حجر فوق حجر، ليكون شاهدا أمام شعبهم على أنهم رجال دولة، على الرغم من رفع الحصار الاقتصادي عن العراق، وأطفاء الديون من قبل دول العالم، ومئات الملايين من الدولارات كمساعدات دولية للاعمار، مضافا اليها مئات المليارات كعائدات نفطية بينما لم تمر سوى أربع سنوات على حكم البعث حتى تحقق التأميم، ذلك الانجاز العملاق الذي نقل العراق من مرحلة التخلف الى مرحلة الخطط التنموية الانفجارية، التي رفعت المستوى المعيشي للانسان العراقي، وجعلته من حيث قيمة الدخل مساويا لدخل الافراد في الدول المتقدمة، كما نتج عنه مجانية التعليم التي قلصت الفوارق الطبقية في المجتمع، وجعلت العلم في متناول الجميع، وكذلك الاشراف الصحي المجاني في كل المؤسسات الصحية العراقية، وأنشاء الطرق الدولية السريعة، والسدود الاروائية، وتطوير الزراعة والصناعة والتجارة، بينما لم يكن العراق تحت الحضانة الامريكية كما هو عليه الان، ولم يكن قادته من صنع أمريكي وأيراني وأوروبي كما هم حال (قادته) اليوم، كي يحظوا بدعم قطبي دولي وأقليمي بل كانوا أصحاب قرار مستقل، ومشروع وطني وقومي .
لقد كشفت أزمة استبعاد بعض الكيانات السياسية عن المشاركة في الانتخابات القادمة، بدعوى شمولهم بقرارات الاجتثاث، عن ضحالة القائمين على الشأن العام العراقي، وعن انعدام التأييد الشعبي لهم الذي حاولوا تزويره منذ العام 2003، تارة بدغدغة المشاعر الطائفية، وتارة أخرى بالفتاوى الدينية، وأحيانا بتقديم الرشوة وشراء الاصوات، كما أنها كشفت مرة أخرى عن صلابة البعث، وحيوية تفكيره، وصلابة بنائه التنظيمي، الذي أستوعب كل الضربات والمجازر الوحشية، وجاهزية جماهيره في تغيير وسائل النضال حسب ما تقتضيه ظروف المرحلة، وأثبت مرة أخرى أنه حزب المؤسسات القادرة على القيادة، حتى وأن غيبت قياداته الرأسية، وهو الاقوى في المشهد السياسي، وأن قرارات حظره واجتثاثه لن تكبل حيويته وفاعليته السياسية، مهما أحتشد خلفها من قوى دولية وأقليمية، الذين بان عليهم الاضطراب والتخبط بسبب فشلهم في ايقاف زحفه، فشرعوا باجتثاث حتى حلفاء الامس الذين شاركوهم (العملية السياسية) منذ سبع سنوات، وساهم مداد أقلامهم في كتابة (الدستور) البغيض .
ان الخوف لا ينتاب الا الفاشلين الخاوية عقولهم، الكليلة أذرعهم عن الفعل المشهود، ولو كان حكام (العراق الجديد) يتسمون بأبسط صفات الوطنية، ولو لم يقدموا على ظهور الدبابات الغازية، ولو كانوا صناع منجزات حقيقيين، لكف المالكي عن التحذير من قدوم البعث، لان منجزاته هي التي ستتحدث عنه، وستكون هي اللافتة الانتخابية الحقيقية التي تعيد انتخابه الف مرة، لان الاحتكام الى الاصوات هو القرار الحاسم في العملية الديمقراطية، وليس القرارات التي تجتث الاخرين، لكن الخوف من الحقيقة، والتشبث بالسلطة من أجل المزيد من الاثراء اللامشروع، هو الذي يجعلهم يجنحون الى القرارات اللاشرعية، وتغييب الاصوات الرافضة للمنهج التدميري الذي يقودونه اليوم في العراق الجريح الاسير .

قرود السيرك السياسي


كاظم فنجان الحمامي
تتقافز قرود السيرك السياسي هذه الأيام في غابات البلدان العربية والإسلامية, وتتنطط هنا وهناك في الصحف والفضائيات والمنتديات الالكترونية لتمارس هوايتها القديمة في التهريج الكلامي وشقلبة الحقائق, فتقلبها رأسا على عقب, ويدفعها طيشها أحيانا للاستخفاف بعقول الناس البسطاء, فتتلاعب بسجلات تاريخنا القريب, وتزوق المواقف المتخاذلة والعدوانية والخسيسة لبعض السلاطين والأمراء والرؤساء العرب والمسلمين, الذين ساهموا ومازالوا يساهمون في تدمير العراق, والذين مازالوا يشتركون في تمزيق وحدتنا الوطنية بمعاول الطائفية البغيضة أحيانا, وبأحزمة وعبوات الإرهاب أحيانا أخرى, وشاءت الأقدار أن تلتقي مصالح القوى الشريرة المعادية للشعب العراقي, وتترسب في قيعان خزانات مياه المجاري الثقيلة الممتلئة بفضلات رجال الأمة الذين باعوا ضمائرهم, وفقدوا رجولتهم منذ زمن بعيد, فاستجمعوا طاقاتهم كلها, واستنفروها من اجل تحويل العراق إلى دولة ضعيفة فقيرة مهزوزة معزولة, تعصف بها رياح النزاعات والصراعات القومية والطائفية, وتنتهكها التخبطات السياسية العشوائية, وتغرقها أعاصير الفتن والدسائس, وتخنقها سحب الفساد, وتتحكم بها التدخلات السافرة لدول الجوار, التي اشتركت جميعها في هذه المهزلة من دون استثناء, وكان لابد من إشراك جوقة وعاظ السلاطين في الهاء الناس وتضليلهم وتخديرهم, فوضعوا لهم نظريات خنفشارية مشحونة بالخزعبلات لتبرير الغزو الأمريكي على بغداد,
وكانت قرود السيرك السياسي خير عون للأقطار التي ساندت قوات التحالف في عدوانها الأخير على العراق,  فعمموا على الناس نظريات مضحكة ومثيرة للسخرية, ومتناقضة في مظهرها وجوهرها مع واقع الحال, ومتضاربة مع ما آلت إليه أمورنا في العراق بعد السقوط الواحد والعشرين لبغداد بمشاركة الطغاة والبغاة والزناة, وبدعم جوقة الخونة والمتواطئين مع البيت الأبيض, ووصلت الصلافة بوعاظ السلاطين إلى المستوى الذي سولت فيه أنفسهم المريضة ارتكاب أبشع جرائم التزييف والتحريف من خلال إنكار ما قامت به تلك الأقطار, التي فتحت بوابات عواصمها لقوات التحالف الأمريكي, وسمحت لها بالتسلل إلى العراق, بل إنها وضعت مطاراتها وقواعدها العسكرية وموانئها وأراضيها في خدمة فيالق البنتاغون. ثم اشتركت دول الجوار, في شرق العراق وغربه وشماله وجنوبه في المراحل اللاحقة للمهزلة التدميرية, التي اكتسحت العراق كله. بل إن وعاظ السلاطين,
وعلى الرغم من استمرار بقاء القوات الأمريكية وحلفائها في ضيافة دول الجوار, ما زالوا يبذلون قصارى جهودهم في تشويه صورة المواطن العراقي المغلوب على أمره, ويتعمدون توجيه الاتهامات له بالتواطؤ مع القوات الغازية والسماح لها بدخول بغداد, وهكذا تحاذفت علينا هذه الاتهامات السخيفة الباطلة, وتساقطت فوق رؤوسنا رغم إن الامريكان أنفسهم يعترفون بجريمتهم علنا ولا يخجلون من فعلتهم النكراء, ويندفع وعاظ السلاطين ومن خلفهم قطيع المطبلين والمزمرين الأغبياء في تطبيق نظرية  المجرم (غوبلز), التي يقول فيها: (إكذب ثم إكذب ثم إكذب حتى يصدقك الناس), وتستمر هذه الأطروحات التحريضية الكاذبة رغم مثول رئيس الوزراء البريطاني السابق أمام لجنة قضائية للتحقيق معه بشأن احتلال العراق, ويعد (بلير) أرفع مسؤول بريطاني يمثل أمام لجنة التحقيق, التي كان رئيس الوزراء (غوردون براون) أعلن تشكيلها أمام مجلس العموم في حزيران الماضي لإجراء تحقيق, قال إنه سيكون مستقلا ويغطي الفترة من صيف العام 2001 وحتى نهاية تموز 2010.
وتتمتع اللجنة بصلاحيات الدخول إلى جميع المعلومات الحكومية الحساسة, ومراجعة الوثائق السرية ذات الصلة باحتلال العراق, ولها صلاحيات أخرى تخولها استدعاء واستجواب أي شاهد بريطاني للمثول أمامها, وهكذا استمعت اللجنة إلى الأدلة وراء أبواب موصدة لاعتبارات تتعلق بالأمن القومي البريطاني. وسوف لن يرضي الشفافية البريطانية أي شيء أقل من فروة رأس (بلير), الذي يتهمونه بالسير وراء الرئيس الأمريكي السابق جورج بوش ضد الإرادة الشعبية البريطانية. وكانت التهمة الأخطر التي وضعت بها هذه اللجنة (بلير) في قفص الاتهام هي الكذب على البرلمان. فمتى نضع السلاطين ووعاظهم في قفص الاتهام بتهمة الكذب على الناس وتزييف الحقائق ؟, ومتى نحاسب أولئك الذين تواطئوا مع (بلير وبوش) في تدمير مدننا ؟, ومتى تبادر الجامعة العربية لتشكيل لجنة قضائية للتحقيق مع الرؤساء والأمراء والسلاطين العرب الذين اشتركوا في بناء اكبر الجسور الجوية, التي استخدمتها القاصفات الأمريكية في ضرب بغداد ؟. اما الدول غير العربية التي اشتركت في العدوان وتدخلت في شؤوننا الداخلية, وأسرجت وألجمت وتحشدت ضدنا فنحن أولى بها من غيرنا, لكننا نتطلع الآن إلى دور الجامعة العربية في محاسبة المتآمرين علينا من أبناء عمومتنا, ونتطلع أيضا إلى دور الجامعات العراقية في كتابة فصول هذه الحلقات التخريبية المتداخلة, قبل أن ينجح وعاظ السلاطين, وقرود السيرك السياسي, وجلاوزة الأقلام الرخيصة في قلب الحقائق وتمرير نظرياتهم الخبيثة المؤدلجة, وبخلاف ذلك فإننا سنضيع الخيط والعصفور,

وصية الشهيد محمود المبحوح





د. مصطفى يوسف اللداوي
كاتبٌ وباحث فلسطيني

يحرص المقاومون وكان منهم الشهيد محمود المبحوح على ترك وصيتهم دوماً جاهزة، فهم يتهيأون للشهادة، ويتحضرون ليوم يلقون فيه ربهم شهداء، ويتطلعون إلى لقاء سيد الخلق محمد صلى الله عليه وسلم وصحابته الأخيار، وخيرة الشهداء الذين سبقوهم إلى جنةٍ عرضها السموات والأرض، ووصيتهم المكتوبة لا تختلف عن الوصية التي قاتلوا من أجلها، وضحوا في سبيلها، وتخلوا عن كل شئ من متاع الدنيا من أجلها.
الشهداء ليسوا بؤساء، بل هم من خيرة الناس وأشرافهم، ومن أغنى الطبقات وأكثر المجتمعات رفاهيةً، وهم من أصدق الناس مع أنفسهم ومع ربهم ومجتمعهم، فهم ليسوا أشقياء أو هاربين من شظف العيش وقسوة الحياة، أو أنهم عاجزين عن مواجهة صعاب الحياة فيفرون إلى الموت شهادةً أو انتحاراً، بل هم يرون أن الحياة هي الحياة الآخرة، وأنهم بمقاومتهم وشهادتهم إنما يصنعون الحياة لغيرهم، ويبنون العزة لأمتهم، ويرسمون المجد لشعبهم، وأن دماءهم لا تذهب هدراً، ولا تضيع سدىً، وأن الأفكار التي ضحوا من أجلها لا تموت بشهادتهم، ولا تزول بغيابهم، بل ترويها دماؤهم لتبقى، وتعزز أرواحهم من وجودها لتقوى، فالشهيد دون غيره دوماً صادق اللهجة، نقي السريرة، بين الكلمة، ساعٍ نحو الحقيقة، رافضٍ للبهرج الكاذب، والإعلام المزيف، والأضواء المفسدة، والشهرة المفلسة، غير عابئٍ بالمظاهر الكاذبة، والشعارات البراقة، وكلمات النفاق، وعبارات التملق، ومساعي التكسب، فلا يقف أمام سلطان، ولا يخطب ود صاحب شأن، بل يصدح بالحق، ويجابه الباطل، ويتصدى للظلم، وينتزع ما يراه حقاً له بما أوتي من قوةٍ وبأس، ينتصر للضعيف، ويواجه الظالم، يكشف الحقائق، ويرفض ترقيع الأخطاء، وستر العيوب، والتغاضي عن السقطات،  فتراه دوماً عالي الصوت، قوي العبارة، مقداماً غير هياب، مزاحماً جسواً غير ضعيف ولا خوار، يقتحم الخطوب، ويواجه التحديات، ويتصدى للصعاب، لا يبتئس إن كان وحيداً، ولا يغتر إن اجتمع الناس حوله، هذا هو الشهيد محمود المبحوح الذي عرفناه، صوتاً بالحق يصدح، وسيفاً مسلولاً من غمده قد تجرد، فما هو إلا صورةً نقية ناصعة عن كل الشهداء، حمل أمانة السابقين، وأودع اللاحقين من بعده وصيته، ونقلها إليهم بدمه، وهو يتمنى أن تبقى الأمانة مصونة، والعهود محفوظة، والأقدام على الحق راسخة.
أما الوصية الأولى التي كتبها الشهيد بدمه، فقد كانت فلسطين، الأرض والوطن، التراب والمقدسات، فلا تنازل عنها، ولا تخلي عن ذرة ترابٍ منها، فهي أرضنا وأرض الأجداد، أرض العرب وأرض المسلمين، حقاً نتوارثه، ووقفاً نحفظه، وقدساً نضحي من أجلها، وأنه مهما طال الزمن، واستوطن المحتلون، وتغطرس الاحتلال، فإنها ستعود عربيةً حرة، ترفرف فوق مآذنها رايات النصر، وتصدح في مساجدها نداءات الله أكبر، وليس عربياً ولا مسلماً من يفرط في ذرة ترابٍ من أرض فلسطين، أو يساوم على حقنا فيها.
أما وصية الشهيد الثانية فقد كانت المقاومة، والعهد على مواصلة نهج المقاومة، والحفاظ على البندقية، وتسليم الراية للأجيال القادمة ناصعةً نقية، دون عيبٍ يعتريها، أو شبهةٍ تشوبها، فلا تنازل أو مصالحة أو اعتراف، ولا تفريط ولا تخلي عن الحقوق أو بعضٍ منها، مذكراً بأن العدو الإسرائيلي المحتل لأرضنا، الغاصب لحقوقنا لا يفهم غير القوة، ولا يستجيب لغير المقاومة، فهي الوسيلة الوحيدة التي يفهما العدو، ويذعن ويخضع لها، وفلسطين والأمة العربية تزخر بالرجال المقاومين، وكلهم يعتز بالمقاومة، ويتمسك بها، ويعمل على استمرارها، فالبندقية لدى الشهيد المبحوح هي زينة الرجال، وذخر المقاومين، ودرع المجاهدين، وهي التي تحمي، وبها ندافع، وإن أي محاولة في فهمه لجمع سلاح المقاومة جريمةٌ لا تغتفر، ولا ينبغي على المقاومين أن يسلموا أسلحتهم، أو أن يتخلوا عن قوتهم، فهذا مطلبٌ إسرائيلي، وكل من ينادي به إنما يخدم الاحتلال، ويعمل ضد صالح شعبه، وهو الذي جاب الدنيا بحثاً عن سبل تسليح المقاومة، وجعلها قوة عصية على الكسر، وقادرة على الصمود، بل قادرة على إلحاق الأذى بالعدو الإسرائيلي، فكانت وصيته لكل المقاومين بالثبات على نهجهم، وعدم التخلي عن سلاحهم، وألا يركنوا إلى عدوهم أو يطمئنوا إليه .
أما وصية الشهيد الثالثة فقد كانت دعوته إلى الوحدة الوطنية، وضرورة التلاقي على أهداف شعبنا الفلسطيني الوطنية، فهي السبيل إلى تحرير الأرض، واستعادة الحقوق، والعودة إلى الوطن والديار، فالوحدة الوطنية عنده ضرورة وأساس، ولكن على قاعدة الثوابت والحقوق، وليس على قاعدة التفريط والتنازل، وقد عمل الشهيد خلال مسيرته النضالية على توحيد فصائل الثورة الفلسطينية على أرضية المقاومة، فكانت تربطه علاقات قوية مع المقاومين من كل الفصائل الفلسطينية، وكان يزود من احتاج منهم إلى السلاح والعتاد، ليضمن صيرورة المقاومة وشدة بأسها، ويتطلع الشهيد في وصيته إلى قادة الدول العربية لئلا يعترفوا بالعدو، وألا يقبلوا تطبيعاً معه، وألا يسمحوا له بأن يجوس خلال بلادنا فساداً وتخريباً، فالسلام مع إسرائيل زيفٌ وخداع، والاتفاقات معه باطلة ومخادعة، وشعوبنا العربية والإسلامية ترفض الاعتراف بالعدو، فلا أقل من أن يجري قادة الأمة العربية مصالحةً وطنية مع شعوبهم، لكن على قاعدة التمسك بالحقوق، ورفض الاعتراف بالعدو.
أما الوصية التي عاش من أجلها الشهيد، وضحى بحياته وهو يعمل لها، فقد كانت وجوب تحرير الأسرى، وضرورة العمل على عودتهم إلى بيوتهم وأهلهم، فقد كان هاجس الأسرى، الذين هم إخوانه ورفاقه، يلاحقه في كل مكان، ويهيمن على جل تفكيره وأوقاته، فكان يكرس الجزء الأكبر من عمله وجهده، في البحث عن سبل تحريرهم، ووسائل الإفراج عنهم، وهو الذي بدأ مقاومته بخطف الجنديين الإسرائيليين لمبادلتهم بالأسرى الفلسطينيين، ورغم مضي السنوات الطويلة، إلا أن هم الأسرى والمعتقلين لم يغب عنه،  فكان على اتصالٍ يوميٍ بالأسرى في السجون، وبذويهم في الأرض المحتلة، واعداً إياهم بالعمل الجاد والدؤوب من أجل ضمان تحريرهم من السجون والمعتقلات، وكانت عيونه تذرف الدمع وهو يتذكر إخوانه في السجون، وعلى وجه الخصوص محمد الشراتحة وروحي مشتهى، فكان يكز على أسنانه تصميماً، ويضرب بقبضة يده الهواء أو الجدار عزماً على تحقيق هذا الحلم، فكانت وصيته ألا ننسى أسرانا، وألا نفرط في حريتهم، وألا نألوا جهداً في العمل على استعادة حريتهم، وعودتهم إلى بيوتهم وأسرهم.
أما الوصية الخامسة التي أودعها المبحوح أمته وشعبه من بعده، فهي ضرورة ملاحقة العملاء، وتصفية الجواسيس والمتعاونين معه، وقد رأى أن العدو ما كان لينال من أمتنا لولا تآمر البعض، وتعامل آخرين، وكان الشهيد يرى أن العدو قد تمكن من اختراق الصفوف، وزرع العملاء والجواسيس، واختراق الحصون الوطنية، والقلاع المقاومة، لذا فقد آمن الشهيد بوجوب تطهير الصفوف، وتنقية الذات، والتخلص من كل الشوائب والعيوب، وأنه بغير فقئ عيون العدو، وبتر أطرافه التي يزرعها في صفوف شعبنا وأمتنا، فإنه سيكون من الصعب مواجهة العدو، والتمكن منه، وسيستمر في تسجيل انتصاراته علينا، وإحداث اختراقاتٍ في صفوفنا، فالعدو وحده أعجز عن مواجهة المقاومين، فهو يجبن عن المواجهة، ولا يقدم على عملٍ أو جريمة إلا بعد أن يستيقن من عيونه، ويتثبت من جواسيسه وعملاءه، لذا فقد رأى الشهيد أن المقاومة بحاجةٍ دائمة إلى صفوفٍ نقية، وسرائر وطنيةٍ صادقة، وجنودٍ مخلصين، وأتباعٍ مؤمنين، وكان بحسه الأمني وحدسه اليقظ دوماً، يرفض الركون إلى حسن النية، وسلامة المقصد، بل كان يخضع كل ملاحظاته للمراقبة والتدقيق، قبل أن يقوم بإصدار أحكامه ومواقفه، وكان يوصي إخوانه دوماً بضرورة أخذ الحيطة والحذر، وعدم الانجرار وراء العواطف الزائفة، والمشاعر المخادعة، داعياً إلى التثبت من كل المواقف، والتأكد من نزاهة كل العاملين.
وصية الشهيد محمود المبحوح لا تختلف في كثيرٍ عن وصايا الشهداء الذين سبقوه جهاداً ومقاومةً واستشهاداً، فهي وصيةٌ ممزوجة بالدم، وممهورة بروحه الطاهرة، وقد عمل من أجل تحقيقها في حياته، وقد حقق الكثير منها، وجند من أجل غاياته وأهدافه عشرات الرجال، الذين سيحملون الراية من بعده، وسينفذون ما عصي عليه تنفيذه، ولكنه استشهد وهو يقول أن إسرائيل ستعيد حربها على غزة، وستعتدي على القطاع من جديد، ولن تتوقف إسرائيل عن غيها، ولم تدفن أحلامها، بل مازالت تتطلع إلى كسر المقاومة والنيل منها، ولكن الشهيد يؤمن بأن المقاومة ستستمر وستنتصر، وسيتواصل الجهاد وسترتفع راياته، وستبقى الراية مرفوعة بطهرها ونقاءها جهادُ نصرٍ أو استشهاد.
أنقرة في 9/2/2010

إلى ... "إعلان دمشق" رسالة ... ورجاء


  على بساط الثلاثاء
62

يكتبها : حبيب عيسى

إلى ...
"إعلان دمشق"
رسالة ... ورجاء

 المحامي                                                        الموضوع : إعلان دمشق
حبيب عيسى                                                             التاريخ 1/12/2009

                               تلقيّت من السادة في "إعلان دمشق" رسالتين متبادلتين          بين "الاتحاد الاشتراكي" ، و"الأمانة العامة" لإعلان


 دمشق ، وطلب مني رأياً مكتوباً، فكانت هذه الرسالة . 



رسالــــــة... ورجــــــــاء ...!

الأخوة ، الأصدقاء ، الرفاق ... !
- الجارية عضويتهم في "إعلان دمشق" ، والمتجمدة فيه ، والمستنكفين عنه ...!

( 1 )

         تحية عربية لمن يرغب ، وتحية وطنية بالمعنى الذي يشاءه من يشاء ، ويتمناه ، ذلك أنني انتميت في يوم ، ما ، لإعلان دمشق ، وارتضيت مواثيقه ، ومضامينه ، تلك التي تتوافق مع أفكاري ، وقناعاتي ، والأخرى التي تتعارض ، ربما ، ذلك أنني كنت أعلم مسبقاً أنني أنتمي إلى "جماعة" من خصائصها الأساسية ، التنوع ، والاختلاف ، ليس لي الحق أن أفرض عليها قناعاتي كاملة ، وليس لها أن تناقض قناعاتي ، مطلقاً ، يكفي أنها تحمل بعض من قناعاتي ، وأنني أقتنع بالبعض من مواثيقها ، نتقدم جماعة بما نتوافق عليه ، وندير بيننا حواراً حضارياً حول ما نختلف عليه ، لكن ليس من حقي ، ولا من حق غيري ، أن تحمل بيانات "الجماعة" ، وهي هنا "إعلان دمشق" أفكار فريق من الجماعة تتناقض مع أفكار الفرقاء الآخرين ، لقد غمرني الفرح بولادة "إعلان دمشق" ، وعادت الأحلام تراودني ، بعد عقود من الخيبات ، والانكسارات ، بلوحة جميلة تتداخل فيها تلك الألوان المتعددة ، لتظهّير لوحة رائعة لوطن بالغ الروعة عصّية على الشروخ ، والتزييف ، والتزوير . حيث لا يطغى لون على آخر ، وإنما تتضافر جهود تلك "الجماعة" في "إعلان دمشق" لصيانة تلك اللوحة التشكيلية ، ورتق الشروخ التي أحدثتها المحن المتعاقبة ..
         إنني أردت ، أولاً ، بذلك الانتماء إلى " إعلان دمشق " ، في ذلك الوقت ، أن أشهر على الملأ موقفي ، بأنني تخليت تماماً ، ونهائياً عن أفكار ، وإيديولوجيات ، ديكتاتورية اللون الواحد ، والحزب الواحد ، والأفكار الواحدة ، الوحيدة المطلقة ، ونزلت عند قول الشاعر " والضّد يظهر حسنه الضّد " ، وبالتالي فإن الحسن في أفكاري لن يظهر إلا بين الأضداد ، وأدركت أن البيئة النقية ، والمناخ المناسب يؤديان إلى نمو هذا التعدد ، بينما العكس لن يؤدي إلا إلى تغوّل الفردية لتلتهم العناصر الأخرى ، ثم تلتهم نفسها في نهاية المطاف ...
         ثم ، ربما ، أنني كنت بذلك الانتماء إلى " إعلان دمشق " ، ودون أن أقصد ، قد أردت الاعتذار ، من جميع من يعنيهم الأمر ، عن مرحلة مريرة من تاريخنا اعتقدت فيها ، كما اعتقد غيري ، أن كل واحد منا قد امتلك الحقيقة المطلقة ، وأن انتصار أي واحد ، منا ، لن يتحقق إلا بتوجيه الضربة القاضية ، للآخر ، حيث أدت تلك الطريقة المدمرة في التفكير ، إلى ذلك الصراع العبثيّ بين مشاريع النهوض ، والتنوير ، ذلك الصراع ، الذي أخلى الساحة ، لقوى الظلام ، والتفرد ، أولاً ، وأدى ، ثانياً ، إلى انكسار أحلامنا جميعاً في النهوض ، والتنوير ، فانهزمت أنا ، وانهزم الآخر في المشروع النهضوي الآخر ، وطغت علاقات ما قبل المواطنة ، من مذهبية ، وطائفية ، وأثنية ، وإقليمية ، ومناطقية ، ومتخمة ، وجائعة ، فرضت نفسها موضوعياً على ما سواها ، إلى درجة أن الانتماءات الوطنية ، والسياسية يميناً ، ويساراً ، باتت مجرد قشور واهية ، عاجزة عن ستر عورة هذا الانحطاط القاتل ..
         هكذا ، فإن هذا الموقف ، بالانتماء إلى " إعلان دمشق " لم يأت من فراغ ، وإنما كان حصيلة تجربة مرة ، وحالمة تخللتهّا لحظات فرح عابرة ، وأزمنة ثقيلة من الخيبات ، والانكسارات ، والأحزان مازالت مقيمة تقبض على أعناقنا إلى درجة الاختناق ، وحتى هذه اللحظة .
         دعونا نعترف ، أيها الأعزاء ، أننا جميعاً ، وعلى مختلف توجهاتنا ، وعقائدنا ، وأفكارنا أبناء تجربة بالغة القسوة من جوانبها المختلفة ، الذاتية ، منها ، والموضوعية دفعت بنا فرادى ، وجماعات إلى اصطفافات توهمّنا من خلالها أن الحدود بينها مكتظة بالألغام ، وأن شعار : لا صلح ، ولا تفاوض ، ولا اعتراف ، قد تم سحبه من التداول مع العدو الصهيوني ، وبات محصوراً بتفعيله ، بين مشاريع النهضة في الوطن العربي ، فلا صلح ، ولا تفاوض ، ولا اعتراف ، ولا تعايش مع الأخر في الوطن ، وترسّخت تلك القاعدة المرضية ، بالوهم ، أنه لا انتصار لمشروع أي واحد فينا إلا بدفن ورجم المشاريع الأخرى .. مما أدى بنا جميعاً إلى المأزق الذي نحن فيه ، الآن ، حيث انتصرنا جميعاً في هزيمة بعضنا ، بعضاً ، وفي تهشيم ، وتحجيم ، وتشويه بعضنا ، بعضاً ، ثم نجح الاستبداد المديد من الأعلى ، والتخلف ، والردة من قاع المجتمع في إتمام المهمة ، فانهارت مشاريع النهضة ، والتنوير ، وتهدد النسيج الاجتماعي ، ومازال مهدداً ، تهديداً شديداً .. ، وتأبد الاستبداد ...

( 2 )

         هكذا ، فإن الواقع الموضوعي ، كان يستدعي ولادة "جماعة" ، ما ، تحمل قيم النهضة ، على شكل :  تحالف ، تكتل ، لا يحمل أمراض الواقع ، ولا يتعالى عليها ، وإنما يشخصّها ، ويناضل للبراء منها ، "جماعة" ليست أداة بيد أحد ، ضد آخر ، وليست بديلاً عن أحد ، "جماعة" لا تتصّرف بردود الأفعال ، لا تواجه الطائفية بالطائفية ، ولا المذهبية بمثلها ، ولا الظلم بالظلامة ، ولا التفرد بالتفرد ، ولا الاستغلال بالاستغلال ، ولا العنصرية بمثلها ، ولا الهيمنة بالهيمنة ،  وإنما ، بجماعة تحمل في ذاتها ، وفي العلاقات التي تحكم المنتسبين إليها ، وفي علاقاتها بالمجتمع ، وبالدولة ، تحمل النقيض من ذلك كله في شتى المجالات ، تحمل قيمّ ، الحرية ، والإنسان السيد ، والمساواة ، والعدالة ، وتجسّد ذلك ممارسة في علاقاتها الداخلية ، وفي علاقاتها مع الآخر ، جماعة منظمة ، مرنة الحركة ، تشّكل بتنوع عناصرها، نموذجاً حضارياً ينسج ، نسيجاً اجتماعياً ، وسياسياً متماسكاً ، يحصّن المجتمع من الفتن ، حيث تتعاقد تلك الجماعة ، وتدرك ، ابتداء ، أنها تمثل تحالفاً مؤقتاً مهمته الأساسية تقديم نموذجاً مغايراً ، عما أنتجه التخلف الاجتماعي من علاقات سلطوية استبدادية ، وما أعاد الاستبداد إنتاجه في المجتمع من تعزيز التخلف الاجتماعي عن طريق حصر الصراع داخل المجتمع ، بتكفيّر بعضه ، للبعض الآخر ، وهكذا فإن المهمة الأساسية لإعلان دمشق كانت تقديم هذا النموذج المختلف من علاقات المواطنة بين مكوناته ،  ثم الدفع باتجاه حياة ديمقراطية سليمة في الوطن ، تتيح للقوى ، والأحزاب ، والجماعات ، والأفراد المنضوية تحت راية هذا التحالف ، وغير المنضوية ، التنافس الديمقراطي أمام صناديق الاقتراع ، لا أكثر من ذلك ، ولا أقل ، وبالتالي ، لابد من التعاقد ، ابتداء ، أنه ليس من حق أية جماعة ، أو حزب ، أو فرد ، أن يطلب من هذا التحالف تبنيّ أي موقف سياسي ، من أية قضية مختلف عليها ، داخل هذا التحالف ... مقابل ذلك ، فإنه ، لكل من تلك الجماعات ، والأحزاب ، والأفراد أن تعبّر عن مواقفها السياسية من خلال منابرها الخاصة ، وليس من منبر "التحالف" الذي يجب أن تتفق مكوناته على إنجاز هدف واحد ، وحيد ، هو شد النسيج الاجتماعي ، ورتق الشروخ التي أحدثتها المحن ، وإعلاء قيم المواطنة ، والمساواة ، والعدالة ، وحرية الرأي ، واحترام الرأي الآخر ، والدفع باتجاه حياة ديمقراطية سليمة في ظل قوانين ، وأنظمة ، ولوائح تتيح تحقيق العدالة ، والمساواة ، والنزاهة ، والاحتكام لرأي الناس ...وإن كان "التحالف" ، بالإضافة إلى ذلك ، ساحة حضارية للحوار البّناء ، الإيجابي بين مكوناته المتنوعة ....
         هكذا ، عندما نقلت إليّ إحدى الإذاعات في " زنزانتي المنفردة " نبأ تشكيل       " إعلان دمشق " في خريف عام / 2005 / ، ورغم أنني لم أتمكن  من الإطلاع على وثائق تأسيسه ، فقد حاولت أن أصيغ له من مخيلتي وثائقه ، وحمّلته كل ما تستدعيه ظروف " الزنزانة المنفردة " من أحلام ، وتمنيات ، وراودتني الأحلام ، مرة أخرى ، بأن الأعاصير التي عصفت ، بربيع دمشق ، قد تنحسر ، وأن أزاهير "ربيع دمشق" ستعاود التبرعم من جديد ، وأن التجارب المرة لابد أنها مازالت حاضرة في الأذهان وأن " الإعلان " لن يكرّر التجارب الفاشلة ، ولن يستنسخ الأخطاء ، والخطايا التي رافقت "ربيع دمشق" ، وسيتجاوز المشكلات التي رافقت تجربة " التجمع الوطني الديمقراطي " وأعاقت تفعيله على مدى السنوات المنصرمة .. كما أعاقت تفعيل منتديات ربيع دمشق ، بعد ذلك .

( 3 )

         لهذا كله ، فإنني ، ومنذ لحظة مغادرة الزنزانة لبيّت ، دون تردد ، الدعوة للانضمام إلى " إعلان دمشق " دون أن أتوقف لحظة واحدة عند بعض المصطلحات التي وردت في وثائق تأسيسه ، والتي كنت أتمنى إعادة صياغتها ، فقد كانت الروحية العامة لهذا "الإعلان" تكفيني ، وتوخيّت أن الممارسة الجادة الإيجابية ستؤدي إلى تفعيل " الإعلان " في تأدية دوره كمحرك أساسي في إعادة ضخ الحيوية في مفاصل المجتمع الأساسية ، وشد الأواصر بينها ، لإعادة إحياء مشروع النهوض ، والتنوير ، ثم ، وفي "المجلس الوطني الأول لإعلان دمشق" الذي انعقد في تموز / 2006 / حرصت أن لا أدخل في السجال السياسي ... وتقدمت بورقة مكتوبة ضمّنتها رؤيتي لطبيعة المرحلة ، ودور "إعلان دمشق" ، ووسائل تحصينه ، والمهام الملقاة على القوى ، والأحزاب ، والشخصيات المنضوية تحت لواءه ..
         لكن تلك "الورقة" التي قدمتهّا للمجلس الوطني ، في حينه ، لم تكن ، على ما يبدو ، تستحق أن يلتفت إليها أحد ، بدليل أنني لم أسمع كلمة واحدة تؤيد ما جاء فيها ، أو ترفض ، أو تنتقد ، وسارت الأمور بعد ذلك باتجاه اصطفافات حادة ، ومواقف متصارعة ، ووجدت نفسي في خضّم من الصراعات ، لا ناقة لي فيها ، ولا جمل ، والأنكى من ذلك ، فإن المطلوب مني ، أن أقف مع هذا ، ضد ذاك ، أو العكس ، وإذا لم أفعل ، فأنا برأيهم ، بلا موقف ، ورغم أنني قبلت أن أكون " بلا موقف " فقد تم توجيه اتهامات حادة إليّ من هذا الفريق ، أو ذاك  ، بأنني منحاز ضده ، حتى أن الإحساس بدأ يراودني ، أنني لست بلا فائدة ، وحسب ، وإنما قد يكون وجودي في "الإعلان" يؤدي دوراً سلبياً ، فقررت الاعتزال متمنياً أن يجد " الإعلان " مخرجاً لأزمته ، فلا يواصل انحداره إلى الطريق المسدود .
         لكنني تلقيتّ ، والألم يعتصر قلبي ، ما حصل في "المجلس الوطني الثاني لإعلان دمشق" في مطلع كانون الأول 2007 ، وقد حاولت مع عدد من الأصدقاء ، بتدخل غير مباشر ، أن لا ينفكّ عقد " الإعلان " لكن منطق التفتيت ، والاتهامات كان أقوى ، على ما يبدو ، فتجّمد البعض ، وزج ، بالبعض الآخر في السجون ، وواظب فريق ثالث نشاطه في حدود المتاح ..

( 4 )

           أيها الأعزاء ، لقد حرصت طيلة السنوات الماضية ، أن لا أتناول ما جرى في "إعلان دمشق" ، وما جرى له ، وقد تعزز هذا الموقف خاصة بعد الزج ببعض رموزه ، الأخوة ، والأعزاء ، والأصدقاء في السجون ، حتى أنني لم أتقبل أية أفكار تتعلق بتحالف آخر ، أو بديل ، طالما أن أولئك الأعزاء في السجون ، إلى أن استلمت تلك الرسالة التي تطالبني بموقف من رسالة وجهها "الاتحاد الاشتراكي العربي الديمقراطي" ، ومن رسالة جوابية عليها وجهتها "الأمانة العامة لإعلان دمشق" .
         أصدقكم القول ، أيها الأعزاء أنني ترددت طويلاً قبل أن أجيب ، ذلك أنني خشيت أن توضع رسالتي هذه في خانة طرف ، ضد آخر ، أو أن أواجه بالاتهام القديم ، الجديد أنني ، بلا موقف ، وأنا لا أريد هذا ، ولا ذاك ، لكنني حزمت أمري ، أخيراً ، وقررت ، فكانت هذه الرسالة ، وذلك للأسباب ، والاعتبارات التالية :
       أولاً : اقتراب الإفراج عن الأخوة ، والأصدقاء ، والأعزاء من السجون ، وبالتالي ، فإن الحديث عن إعلان دمشق ، سيتجدد بقوة ، ومن غير اللائق عدم المشاركة فيه .
        ثانياً : إن توجيه رسالة من الاتحاد الاشتراكي العربي الديمقراطي ، والرد عليها من الأمانة العامة لإعلان دمشق ، هو موقف إيجابي من الطرفين ، وإن كان الفريق الأول يأخذ على الفريق الثاني أنه لم يرسل الرد مباشرة ، لكن ، لابد من تثمين العودة للحوار ، بغضّ النظر عن مضمون الرسالتين ، لأن ذلك تراجع عن موقف القطيعة ، والرفض للآخر ، نقدرّه من الطرفين ، ونرجو أن يكون فاتحة لحوار جدي صادق ، يتوسع مستقبلاً ، ليشمل جميع مكوّنات إعلان دمشق ، والتي رافقت تأسيسه .
         ثالثاً : لقد آن الأوان أن أحدد موقفي ، وأقدم قراءتي ، لتجربتي في إعلان دمشق ، لذلك فأنا لا أعتذر عن الذاتية التي اتسم بها هذا الحديث ، فقد كنت قاصداً لذلك ، ذلك أن الذاتي ، هنا ، ليس منفصل على الإطلاق ، عن الموضوعي .
         رابعاً : ومنعاً للتكرار فإنني أؤكد على تبنيّ الورقة المكتوبة المقدمة من قبلي إلى المجلس الوطني الأول لإعلان دمشق في تموز 2006 وأعتبرها جزءاً لا يتجزأ من هذه الرسالة راجياً قراءتهما معاً ، وتعميمهما كرسالة واحدة .
          خامساً : إن أهمية إعلان دمشق ، ومبرر وجوده ، هو تنوع مكوناته ، وبالتالي ، فإن التجميد ، أو الانسحاب ، أو الإقصاء ، لأي مكون من مكوناته ، يعني ، أننا لم نعد أمام " إعلان دمشق " الذي لا يملك أي فريق بمفرده تمثيله ، لهذا فإن الخطوة الأولى تبدأ بالعودة إلى طاولة الحوار ، وأن الرسالتين المتبادلتين بين الاتحاد ، والأمانة ، رغم أهميتهما ، لا تغنيان عن الحوار المباشر الإيجابي الهادف إلى إعادة الحيوية لإعلان دمشق ، ولهذا لابد أن تتسع دائرة الحوار ، لتشمل كافة مكونات الإعلان المتجمدة ، والسائلة ، والمستنكفة .

( 5 )

          ألتمس العذر ، أيها الأعزاء ، لأنني لن أدخل في تفاصيل ما ورد في الرسالتين المتبادلتين ، ذلك أنني شديد الحرص على أن تكون كلماتي هذه في نقطة ، ما ، "وسط" ، يلتقي فيها المتحاورون ، وهذا لا يعني أنني بلا موقف ، ولكن يعني أن هذه النقطة الوسط التي أدعو للقاء فيها هي بالضبط "إعلان دمشق" ، وهذا يعني أنني شديد الحرص ، وبالدرجة نفسها لإعادة وصل ما انقطع ، وهذا يرتبّ عليّ واجباً لن أتهرب منه ، ويفرض علينا جميعاً ، التصادق ، والمصارحة ، والمراجعة ، ونقد الذات ، وهذا ، ما أرجو أن نتقبله ، جميعاً ، بصدر رحب ، ولو كان جارحاً ، لهذا ، وانطلاقاً من ذلك ، وإضافة لما ورد في ورقتي المكتوبة المقدمة للمجلس الوطني لإعلان دمشق عام 2006 ، فإنني أود تسجيل الملاحظات التالية :
        أولاً : أن الرسالة الموجهة من الاتحاد الاشتراكي ، والرد عليها من الأمانة العامة ، تميزتا رغم ما ورد فيهما من مقترحات هامة يمكن تأسيس الحوار عليها ، بالنبرة العالية الهادفة إلى تسجيل المواقف ، والنقاط ، من كل طرف ، على الطرف الآخر ، وأن تلك النبرة العالية ، كانت غالبة ، وهذا ، رغم سلبيته يمكن تجاوزه بالحوار المباشر ، لهذا ، فإنني أقترح الدعوة لاجتماع عاجل بين ممثلي الطرفين مهمته الوحيدة وضع جدول أعمال ، لطاولة حوار بينهما ، يكون البند الأول فيه ، مراجعة كل فريق لمواقفه ، هو ، وتقييمها ، وقراءة ما جرى ، بلغة نقدية ، هادئة ، ذلك أن نقد الذات أجدى من توجيه النقد للآخر .. إن العامين المنصرمين ، وما جرى فيهما ، قد أتاحا الفرصة لكافة الأطراف ، كي يراجعوا الأخطاء التي ارتكبت ، بالاعتراف بها ، وتصحيح المواقف ، وليس بمحاولات التنصل منها ، وإلقاء المسؤولية على الآخر ..
         ثانياً : إن "إعلان دمشق" لا يمكن أن يحقق أهدافه عن طريق المحاصصة ، وبالتالي فإن الأمور لا تقاس بحجم هذا الفريق ، أو ذاك ، ولا بالحصة التي يستحقها كل فريق ، ذلك أن جميع الفرقاء عليهم أن يدركوا أنه لا مكاسب يمكن التنازع عليها ، وإنما مهام ، وتضحيات يجب التسابق ، لبذلها . واعتماد الصيغة الديمقراطية يعطي مصداقية للإعلان ، وللقوى المشاركة فيه ، فقبل أن نطالب بالنهج الديمقراطي من الآخر ، علينا أن نكون ديموقراطيين أولاً ...
         ثالثاً : إن "إعلان دمشق" يضم مؤسسات حزبية ، وشخصيات مستقلة ، وهذا ما يميزه عن التجارب السابقة ، وبما أن المؤسسات الحزبية تمتلك برامج محددة فإن أي كادر من كوادرها يمكن أن يمثلها في "إعلان دمشق" ، وبالتالي فإن ممثل واحد عن المؤسسة الحزبية في كلّ من مؤسسات "إعلان دمشق" كاف لتمثيلها مهما كان حجمها ، وفي هذا المجال ، فإننا نرى أنه من الضروري أن تتمعن تلك المؤسسات الحزبية في اختيار مواصفات من يمثلها في إعلان دمشق ، ذلك أن هناك فرق شاسع بين المناضل الحزبي المؤدلج ، الذي لا يقبل إلا من يتطابق مع أفكاره ، وبين الكادر السياسي الذي يتقبل الرأي الآخر ، الكادر الحواري ،  ويتعامل معه بموضوعية ، واحترام ، ذلك أن ممثل المؤسسة الحزبية في "إعلان دمشق" يجب أن يكون مزدوج المهمة ، بمعنى أنه يمثل مؤسسته الحزبية في إعلان دمشق ، وفي الوقت ذاته عليه أن يمثل " إعلان دمشق " لدى مؤسسته الحزبية ، وعليه أن يضع مؤسسته الحزبية في سياق برنامج إعلان دمشق ، وليس العكس ... .
          رابعاً : إن إعلان دمشق ، مظلة لجميع المكونات التي انضوت تحت لوائه ، وليس أداة بيد مكوّن من مكوناته ، مهما كان حجمه ، وتأثيره ، وبالتالي فإن مكوّنات إعلان دمشق ملزمة بتنفيذ قرارات ، وتوصيات الإعلان ، ووضع إمكانياتها ، بتصرفه ، وليس العكس .
         خامساً : إننا نقترح أن تقوم الشخصيات المستقلة بدور الحكم بين المؤسسات الحزبية ، وبالتالي يترك لها تولي المراتب التمثيلية للإعلان ، لأن ذلك يحصّن مؤسسات الإعلان من الانزلاق ، لصالح هذا التوجه ، أو ذاك .
          سادساً : إن الشرط الديمقراطي ، يجب أن يحترم ، وذلك عبر توجه الإعلان ، لبناء مؤسساته المستقلة في مختلف الأحياء ، والأرياف ، ووضع اللوائح التنظيمية ، لفرز مراتب الإعلان ديمقراطياً ، وذلك وصولاً إلى مجلس وطني ، تمثيلي ، لإعلان دمشق ، يفرز بدوره مؤسسات تنفيذية تمثيلية . دعونا نعترف أيها الأعزاء أن إعلان دمشق لن ينهض بالدور الملقى على عاتقه إلا في حالة واحدة ، وهي أن تبدع مؤسسات الإعلان الوسائل ، والأدوات المناسبة للانتقال بالإعلان من وضعه الراهن النخبوي إلى حاضنته الجماهيرية الواسعة عبر نشاط جماهيري يعيد الحيوية للمجتمع ، وللنشاط السياسي ، والحقوقي في الوقت ذاته .    
           سابعاً : إن "إعلان دمشق" ليس مطالباً في هذه المرحلة ، ولا في أية مرحلة قادمة من البتّ في قضايا فكرية ، وعقائدية ، وإستراتيجية ، ذات طبيعة إشكالية مختلف عليها بين القوى السياسية عامة ، وبالتالي مختلف عليها بين مكونات إعلان دمشق ، فإذا كان ليس من حق القوميين العرب أن يضمّنوا مواثيق الإعلان النص على وحدة الأمة العربية ، فمن الأولى أنه ليس من حق أحد أن يضمّن تلك الوثائق نصاً مناقضاً لذلك ، وإذا كانت القوى السياسية مختلفة حول موضوع الصراع العربي الصهيوني فليس من مهام "إعلان دمشق" تبنيّ موقفاً ضد آخر ، وإذا كان البعض يتبنىّ مفاهيم الاشتراكية ، والعدالة الاجتماعية ، فإن البعض الآخر يتبنى اقتصاد السوق ، وبالتالي ليس لإعلان دمشق أن يتبنى أحد الموقفين ، وهكذا .... دعونا نحدد أن "إعلان دمشق" تحالف مؤقت ، مهمته الوحيدة فتح الأبواب إلى حياة ديمقراطية ، لتمكين الشعب من الاختيار ، عندها ، وعندها فقط يقرر الشعب  البرامج السياسية ، والفكرية واجبة التطبيق .
         ثامناً : على الأحزاب السياسية المنضوية تحت مظلة "إعلان دمشق" ، والمتحالفة في الوقت ذاته في "التجمع الوطني الديمقراطي" ، أن تنسّق مواقفها في التجمع ، لينعكس ذلك إيجاباً على "إعلان دمشق" ، ففي هذا تفعيل إيجابي للتجمع ، وللإعلان ، في الوقت ذاته .
         تاسعاً : إن الغاية الأساسية لإعلان دمشق هي احترام المواطنة ، وتحقيق معاييرها ، وهذا يستدعي اعتبار المواطنة وعاء يستوعب مكوناتها الأساسية ، وبالتالي من الواجب على مكونات الإعلان احتواء الانتماءات المذهبية ، والإثنية ، والدينية ، والمناطقية ، ويتم التعبير عن ذلك بمؤسسات حزبية وطنية ذات أهداف سياسية محددة ، وهنا يكون الاختلاف حول الرؤى السياسية حصراً ، وهذا يتناقض مع تشكيل أحزاب إثنية ، أو مذهبية ، أو ... فإعلان دمشق يتعامل على قدم المساواة مع المواطنين كافة ، ويدير حواراً هادفاً لتطوير الأحزاب ، لتكون أحزاباً وطنية ، بالمعنى الحقيقي للكلمة مفتوحة على قدر المساواة لكل المواطنين ، وبالتالي ليس هناك مطالب للأقليات ، وأخرى للأكثريات ، بل إن مطالب كل فرد ، وكل جماعة ، هي مطالب المواطنين جميعاً . ولعل هذا الحديث موجه بشكل عام ، وعلى وجه الخصوص ، بكل الحب ، والاحترام للأخوة المواطنين من الأكراد ، فقد كانت الثورة ضد الاستعمار ، وكذلك حركات النهوض ، والتحرر ، وأحزابها تضم كوادر مناضلة ، ولم يخطر على بال أحد في حينها التفريق بين المناضلين ، من أية إثنية ، أو دين ، بل لم يكن من الممكن معرفة ذلك ، الآن نحن في معرض استئناف مشروع النهوض ، والتنوير ، واستئناف التقدم إلى الزمن الأجمل ، فلا حاجة لأحزاب كردية ، أو غير كردية ، سواء كانت إثنية ، أو مذهبية ، أو طائفية ، فالساحة الوطنية ، تتسع للجميع ، وبالمواطنة ، والوطنية ، تتحقق مطالب الجميع ، ويرتفع الظلم ، والحيف عن الجميع ، وبالتفتيت يخسر الجميع ......        
            عاشراً : ليس هناك ما يمنع من مراجعة المواثيق التأسيسية لإعلان دمشق ، فلا مقدسات بهذا الشأن ، وبالتالي ليس هناك ما يمنع من طرح هيكلية إعلان دمشق ، للحوار العام ، وإعادة الصياغة ، بعد الاستفادة من تجارب السنوات السابقة ، ودراستها  ، دراسة نقدية شاملة .

         أيها الأعزاء ، في مختلف مواقعكم ،  أتقدم منكم بالشكر ، والتقدير ، راجياً أن تكللّ جهودكم الخيّرة في إعادة إطلاق "إعلان دمشق" ، كتشكيل وطني عام ، يساهم في استعادة مشاريع النهوض ، والتنوير ، وتهيئة مناخ من المواطنة الحّقة ، والديمقراطية ، والحرية ، والمساواة ، والعدالة ، وإعادة الهيبة للمؤسسات التي تمثل المجتمع ، وتحصّنه ، من حزبية ، ونقابية ، وجمعيات ، ومنتديات ، ومؤسسات رأي ، وكذلك إنتاج مؤسسات تمثيلية على مستوى السلطات التنفيذية ، والتشريعية ، والفصل بين السلطات ، عبر قضاء مستقل ، وعادل .

                            وتفضلوا بقبول فائق الاحترام ، والتقدير

دمشق : 1/12/2009                                                 
 المحامي
                                                  حبيب عيسى