الثلاثاء، 9 فبراير 2010

الجمهورية العربية المتحدة ...(5) من الأنفصال ...إلى النكسة .....!



بقلم : حبيب عيسى
( 20 )
                 وقعت الواقعة إذن في ليل 28/أيلول ( سبتمبر ) 1961 ، وتم فصل الإقليم الشمالي عن الجمهورية العربية المتحدة ، وانكسر الحلم ، لن ندخل في التفاصيل لكن الجماهير العربية ، وخاصة في الإقليم الشمالي ،التي أفاقت في صباح ذلك اليوم الحزين لم تكن تصدق ما تسمع ، وأقنعت نفسها أنه مجرد كابوس سينقضي خلال ساعات على الأكثر ، وانتظرت أن ترى أن ترى جحافل القوى الهائلة السمعة والتي كانت معنية بحماية الجمهورية العربية المتحدة من عسكر ، ومخابرات ، ومخبرين، على مختلف صنوفهم، وهم يتصدون لتلك الحفنة المحدودة العدد والإمكانيات من الانفصاليين، فتقتادهم إلى المحاكم ، وتعيد الأمور إلى نصابها ... لكن الانتظار طال ...وبدأ تظهير المشهد الجديد ... هنا ، وفي تلك اللحظة الحزينة والحاسمة ، أدركت جماهير الشعب العربي في الإقليم الشمالي ، وفي غيره من الأقاليم العربية ، أن دولة الوحدة العربية يبنيها المناضلون العرب ، وعندما يتخلون عن حمايتها لأية جهة كانت ، لأية أجهزة كانت، حتى، ولو كانت أجهزة دولة الوحدة ذاتها ، فإن تلك الوحدة تغدو في مهب الرياح العاصفة والعاتية ، والمتعددة المصادر ... وأن المخبرين وأجهزتهم لا تبني وحدة عربية ، ولا تحمي وحدة عربية ، وهي عاجزة، ليس عن التعامل مع المناضلين من أجلها ، وحسب ، وإنما تنحصر قدراتها بإفساد المناضلين ، فتحرك الغرائز الرخوة لاستزلامهم ، واستلابهم ، ومن تعجز عن احتوائه تسلط عليه قبضة الاضطهاد، والعنف ، تلك هي قوانينها ... ونواميسها التي لم تتغير ... ولن تتغير ... وحالة الخوف ، والرعب، والاستلاب التي يعيشها المواطن العربي بين المحيط والخليج حتى هذه اللحظة، خير دليل على ذلك ... فهو حتى الآن محاصر بخيارات محددة تتلخص بالإذعان، أو النفاق ، أو الصمت ، أو مواجهة توحش الأجهزة بتوحش من ذات الطبيعة،حيث يصب ذلك كله من حيث النتيجة في مصلحة تخريب المجتمع العربي ... في الأجزاء وفي الكل على السواء ...

( 21 )

                 أريد هنا ، أن أفتح قوسين كبيرين قبل المضي في هذا الحديث المترع بالأحلام، والأحزان ، وذلك للتنبيه والتخدير ،فنحن لسنا في وارد اتهام احد ، أو تبرئة أحد ، وبالتالي، فإننا لسنا في وارد الدخول في السجالات، والمهاترات التي دارت ، وتدور حول تلك المرحلة التاريخية، فهي بحلوها، ومرها باتت في سجلات تاريخنا ، وأن إطلالتنا عليها بعد نصف قرن لا تهدف إلى خوض معارك من أي نوع مع أي طرف كان ، وإنما تتم بالقدر الضروري،فقط الضروري، للتقييم الموضوعي ، واستخلاص الدروس، والعبر المتعلقة بمستلزمات استئناف مسيرة النهوض، والتنوير في الوطن العربي للإنعتاق، مما نحن فيه الآن ... وإذا كان البعض قد اغتنم الذكرى الخمسين للجمهورية  العربية المتحدة من للانقضاض من جديد على المشروع القومي العربي التوحيدي، النهضوي، التنويري ، وللتهجم على التجربة برمتها ، ورجمها ، فإننا ومن باب الإنصاف وتسمية الأمور بمسمياتها الحقيقية ، نقول: أن دولة الجمهورية العربية المتحدة تستحق الدراسة ، والتقييم الموضوعي من أصحاب المشروع المستقبلي للنهضة، والتنوير في الوطن العربي ، لبناء جمهورية عربية متحدة، قادرة على حمل أحلام، وطموحات الشعب العربي ، أما الذين عاصروا تلك المرحلة التاريخية ، وتضرروا من المشروع القومي العربي ، وحاولوا التصدي له ، أو الانقضاض عليه، أو ساهموا عن قصد ، أو عن غير قصد،في أن تصل الأمور في الأمة إلى ما هي عليه الآن ، بدءاً من انفصال الإقليم الشمالي، فإننا ندعوهم إلى الكلمة السواء بيننا، وبينهم ، ونسأل: هل ما أدى اليه انحسار التيار القومي العربي من نتائج وتداعيات، أدت بالأمة، بأجزائها كلها، إلى ما هي عليه الآن .. هو المطلوب ..؟ .
ثم دعونا نعود إلى تجربة دولة الجمهورية العربية المتحدة وطريقة ممارسة السلطة فيها ، هل كان ذلك النظام في العربية المتحدة نظاماً، متفردا،ً بخصائصه ، أم أنه مستوحى من نظم، وأفكار، ونظريات، كانت سائدة، ومازالت ...؟! وهل يحق للذين سعوا، ويسعون، للتبشير بتلك النظم، والأفكار، أن يرجموا دولة الجمهورية العربية المتحدة التي بنت سلطتها، في الغالب، بوحي من تلك النظم والأفكار ...؟! .دعونا نسأل أولئك السادة:
- الذين بشروا بإقامة سلطة على نموذج السلطة في الاتحاد السوفيتي ( سابقاً ) بما في ذلك منافي سيبريا ، وغير سيبريا ..
- الذين أسسوا أحزاباً تبدأ بتقديس الزعيم ، أو الذين أسسوا أحزاباً تنتهي إلى تأبيد القائد ...
- الذين يسبحون صبح مساء بطاعة السلطان و ( ولي الأمر ) بغض النظر عن الظلم ، والاستبداد والتفرد ...
- الذين يتغنون بالنموذج الرأسمالي في الغرب الذي نهض وينهض على العنصرية اتجاه شعوب العالم ، استعمارا،ً وعبودية، ونهباً ، وتوحشاً ، وإبادة ...
                 أولئك جميعاً، وإلى آخرهم،ومن هم على شاكلتهم،ألا يشعرون بالتناقض ، وانفصام الشخصية، عندما يتباكون على الحرية والتي كانت مفقودة في دولة الجمهورية العربية المتحدة ، ويرجمون أجهزتها التي لا تقاس ممارساتها ... بممارسات نماذجهم المجربة منها ، والموعودة ...؟ .
فقط ، نكتفي بالقول لهم، وعلى اختلاف مشاربهم، لقد كان ذلك كله، بعض يسير، مما عندكم ....!! وإذا كان ذنبنا أننا أخذنا عنكم  بعض الأفكار ،والممارسات،فإننا نعتذر منكم أشد الاعتذار،ونعترف أننا أخطأنا خطأ جسيما ،ونحن دفعنا ،وندفع أثمانا باهظة لتلك الخطايا، والأخطاء،ونتعهد ألا نعود لمثلها ثانية......
                 على أية حال ، أردنا أن تكون مناسبة مرور / 50 / عاماً على قيام الجمهورية العربية المتحدة ، فاتحة لحوار موضوعي ، ومنتج بين مختلف القوى ، والتيارات، والأحزاب، والفصائل ، والجماعات، في الوطن العربي ، فالطريق إلى النهوض والتنوير في الأجزاء ، وفي الكل العربي ... تتسع للجميع، فليغلق ملف المعارك الوهمية، حول الماضي ، ولتطلق صافرة انتهاء تلك المبارزة العقيمة،حول نماذج الحكم، الأكثر توحشاً ، أو الأقل .. ولندخل جميعاً في مباراة مشروعة حول المستقبل كي ندخله، بقوانين، ونظم، ومؤسسات تحقق أكبر قدر من العدالة والمساواة ، وتطلق إمكانيات البشر ، وتحد من اعتداء الإنسان على الإنسان ، ومن استغلال الإنسان للإنسان ، وتفتح كل السبل للإبداع، والمعرفة، والحرية ، وهذا كله يبدأ أولاً، من الكف عن نفي الآخر ، الكف عن استخدام مفردات الإقصاء، والاستئصال، والتكفير، والرجم ، إلى البحث في الآخر عن الإيجابي ، والمشترك لتنميته ، وتحديد نقاط الاختلاف، للحوار حولها .. ويبدأ ثانياً من مراجعة حقيقية ، وموضوعية من كل طرف لتجربته ، لمنهجه ، لأفكاره ، لممارساته ، عوضاً عن التهجم على تجارب الآخرين ... وها نحن نبدأ بأنفسنا ، ونعيد قراءة تجربتنا في التيار القومي العربي ، ونتحدث عن الأخطاء، والخطايا التي ارتكبناها بحق أنفسنا ، وبحق أمتنا ، وبحق المشروع الذي حملنا راياته ، وحتى بحق الآخر، ونحن ننتظر من الفصائل الأخرى،على صعيد الأمة كلها، أن تعيد قراءة تجاربها، وأفكارها ، وأن يتم التعامل معنا بالمثل ، وأن نلتقي جميعاً على الكلمة السواء ، وأن يمتلك الجميع شجاعة المراجعة ، وشجاعة الحوار ، وشجاعة سماع الرأي الآخر ، وشجاعة الإقلاع عن جميع أشكال التوحش، فكراً ، ونهجاً ، وممارسة، فمشروع النهوض، والتنوير، في الوطن العربي، ليس مشروعاً سياسياً، وحسب ، إنه مشروع شامل، للثقافة، والفنون، والعلوم، والأنسنة ، والبيئة، والآداب، والفنون ، وشامل شتى المجالات ، وبالتالي، فليس لأحد أن يقصي أحد ، وليس لأحد أن يستثني أحد، فلكل مكانه في الكل العربي إذا شاء ، وفي أي جزء من الأجزاء، لمن يشاء .
                 على أية حال هذا حديث آخر ، ولنا عودة إليه ..المهم الآن .. أنه قد آن الأوان كي نغلق هذا القوس ، وأن نعود إلى المناسبة التي نحن بصددها ، وهي الجمهورية العربية المتحدة ، وانفصال الإقليم الشمالي عنها ...

( 22 )
                 يمكن تقسيم مرحلة انفصال الإقليم الشمالي عن الجمهورية العربية المتحدة إلى مراحل ثلاث :
- المرحلة الأولى تبدأ من صبيحة يوم 28/أيلول ( سبتمبر)1961 ،وحتى الانقلاب العسكري صبيحة يوم الثامن من آذار 1963 .
- المرحلة الثانية وتبدأ من صبيحة يوم 8 آذار 1963 ،وحتى مساء يوم 18 تموز   ( يوليو ) 1963 .
- المرحلة الثالثة وتبدأ من مساء يوم 18 تموز 1963 وحتى أيامنا الراهنة .. .




( 23 )

عن المرحلة الأولى نقول :
                 كان على الانقلابيين ، الانفصاليين، صبيحة يوم 28 أيلول ( سبتمبر ) 1961 أن يراعوا مشاعر الجماهير العربية في الإقليم الشمالي، التي بدأت تعبر، ومنذ اللحظات الأولى للانفصال، عن الرفض ، فإذا كانت هناك أخطاء ، وخطايا ارتكبت من قبل الأجهزة في سلطة دولة الجمهورية العربية المتحدة ، فإن الحل يكون بإصلاح الأخطاء ، وتحصين دولة الوحدة ، وليس على الإطلاق، بفصل عرى الوحدة ... لهذا فإن الانفصاليين، وكخطوة تكتيكية أولى، أعلنوا أنهم بصدد تصحيح الأخطاء، وحسب ، ثم، وفي مرحلة لاحقة ، وتعبيراً عن الانتماء إلى الأمة العربية أعلن الانفصاليون، أنهم ليسوا بصدد العودة إلى الجمهورية السورية،وإنما أطلقوا على دولة الأنفصال أسم الجمهورية العربية السورية، كتعبير عن الانتماء ، ثم وفي مرحلة ثالثة أعلنوا أنهم غير معادين لدولة الوحدة ، وأنهم فقط ضد ( التفرد ) و( الديكتاتورية ) ، وهذا ألزمهم العودة إلى دستور عام 1950 ، وفي ظل ذلك الدستور، والحريات النسبية، التي أتاحها، بدأ المجتمع، في الجمهورية العربية السورية، يفرز حياة سياسية جديدة ، وبدأت الأحزاب السياسية تعود للنشاط العلني ، لكن تلك الأحزاب لم تكن ذاتها أحزاب ما قبل الجمهورية العربية المتحدة ، فقد فرزت تلك الأحزاب أحزاباً جديدة تتلاءم مع التغيرات التي حصلت في فترة الوحدة ، وما بعدها ، المهم أن الجماهير العربية في الإقليم الشمالي بدأت تستعيد زمام المبادرة ، وتحكم سيطرتها على الشارع من جديد ، وتضغط لإعادة دولة الجمهورية العربية المتحدة ، وقد تفاقم ذلك الضغط الشعبي إلى درجة أن دولة الوحدة باتت قاب قوسين أو أدنى من التحقق ، وأن الانفصاليين وجدوا أنفسهم أمام طريق مسدود فشهدت الأشهر الثمانية عشرة بين 28 أيلول ( سبتمبر ) 1961 و 8 آذار(مارس) 1963 أكثر من محاولة انقلاب عسكري لإعادة الوحدة ، كما شهدت إضرابات،واضطرابات، ومظاهرات شبه يومية في مختلف أرجاء البلاد ... وبدأت أجهزة سلطة الأنفصال تنهار أمام الضغط الشعبي الهائل ، وبات من الثابت، والمؤكد أن تلك الجماهير الهادرة لا يمكن مواجهتها إلا بالأحكام العرفية ، وقوانين الطوارئ ، وأجهزة القمع ، وأن استمرار تصاعد ذلك المد الجماهيري سيؤدي من حيث النتيجة عاجلاً ، أم أجلاً ، إلى إعادة دولة الجمهورية العربية المتحدة ....وبالتالي فان الخيار الوحيد المتبقي أمام القوى المضادة للوحدة هو الانقلاب ،وصولا إلى الحكم العرفي الشمولي..........

(24 )
عن المرحلة الثانية نقول :
أنه، و           في صبيحة يوم الثامن من آذار ( مارس ) 1963 وقع انقلاب عسكري ، يتضمن بيانه الأول مباشرة العمل لإعادة دولة الجمهورية العربية المتحدة ، ويتضمن بيانه الثاني إعلان حالة الطوارئ ، فهبت جماهير الشعب العربي في سورية تطالب بإعادة دولة الوحدة على الفور تحت شعار تردد في أنحاء البلاد      ( بدنا الوحدة باكر باكر مع هالأسمر عبد الناصر ) ، وكلما كانت الجماهير تشتم رائحة التلكؤ في استعادة دولة الوحدة ، كانت تكثف من نشاطها ، وتجبر القادة الجدد على التوجه إلى القاهرة للتباحث حول إعادة دولة الجمهورية العربية المتحدة ، ولا يهدأ الشارع، إلا بعد أن يعلن راديو صوت العرب أن المباحثات الجدية جارية في قصر القبة بالقاهرة مع وفدي سورية والعراق لإقامة دولة الوحدة .. ودون الدخول في التفاصيل المثيرة، لتلك المرحلة تم إعلان الميثاق لإقامة دولة الجمهورية العربية المتحدة بين مصر، وسورية، والعراق في 17 نيسان ( إبريل ) 1963 ، وهبت الجماهير العربية مرة أخرى تحتفل بالوحدة ، لكن ذلك كله كان سراباً على ما يبدو ... لأن الخلافات داخل صفوف صانعي الثامن من آذار  ( مارس ) 1963 كانت في العمق أعمق بكثير مما هو ظاهر على السطح ، والاختلاف لم يكن في حقيقته بين وحدة فورية ، أو وحدة مدروسة ، ولم يكن الخيار بين قيادة فردية أو قيادة جماعية ، وإنما كان في حقيقته بين إعادة دولة الجمهورية العربية المتحدة ، أو بين استمرار الأنفصال ... فحسم الموقف بمجزرة شهدتها شوارع دمشق ظهيرة يوم 18 تموز ( يوليو ) 1963 ... فكانت بمثابة إعلان، معمد بالدم، أن الطريق إلى إعادة دولة الجمهورية العربية المتحدة لم تعد سالكة ...،واستمر الأنفصال..............

( 25 )

                 لقد كان واضحاً أن الجماهير العربية في الإقليم الشمالي في القترة ما بين 28 أيلول ( سبتمبر ) 1961 و 18 تموز ( يوليو ) 1963 استعادت الزخم الذي كان سائداً في السنوات التي سبقت إعلان قيام الجمهورية العربية المتحدة ، وأن تصديها للانفصال ، ومطالبتها بإعادة دولة الوحدة ( الذي لم يتكرر في التاريخ العربي المعاصر إلا مرتين بعد ذلك ، المرة الأولى كانت إثر نكسة 1967 عندما وجد جمال عبد الناصر نفسه وحيداً ... والمرة الثانية كانت خلال تشييعه ...) ، وأن ذلك الزخم الجماهيري الواسع الذي أعقب جريمة الأنفصال ، والذي تم التعبير عنه بمختلف الوسائل ... مظاهرات ، إضرابات ، اعتصامات ، عصيان مدني،أكثر من تمرد داخل القوات المسلحة ... ذلك كله ، كان لا يمكن أن ينتهي إلا بإعادة دولة الجمهورية العربية المتحدة ،وبالتالي لا يمكن مواجهته إلا بتغيير المناخ شبه الديمقراطي الذي يتيح فسحة من الحرية للتعبير عن الرأي العام ، وذلك بالانقلابات العسكرية ، وتعليق العمل بدستور عام 1950 ، وبإعلان حالة الطوارئ والأحكام العرفية ، وإلى آخر تلك الأساليب التي تؤدي إلى نشر الخوف، والرعب ، وبالتالي استلاب الإرادة و ....
( 26 )

عن المرحلة الثالثة نقول :
أنه لم يكد ليل 18 تموز ( يوليو ) 1963 ينقضي حتى كانت شوارع دمشق قد تم غسلها من الدماء التي سالت ، وبات لدولة الجمهورية العربيةالسورية حاكماً عرفياً معروف الاسم ... وباتت محكومة بالحزب الواحد ، والرأي الواحد ،و كتعبير عن القيادة الجماعية الموعودة تم الإعلان عن الحزب القائد،الذي تم تحديثه إلى قيادة الحزب ،ثم إلى قائد الحزب،ولم يتوقف التحديث بعد ذلك.... ، المهم أن النسيج الاجتماعي بدأ يتعرض لمخاطر حقيقية ، وانتقل الحوار الداخلي من ساحة الوحدة القومية للأمة العربية إلى ساحة درء الأخطار عن الوحدة الداخلية في الإقليم الشمالي ...لم يعد السؤال كيف نعيد الوحدة مع مصر،وإنما بات السؤال:كيف نواجه العدوان الذي يستهدف وحدة سورية ذاتها....؟،  وعلى صعيد الإقليم الجنوبي ، كان لابد من التعامل مع الظروف المستجدة ، فتم التراجع عن شعار وحدة الهدف وبناء الحركة العربية الواحدة ، والطليعة العربية ، إلى شعار وحدة الصف ، ودعوة الحكام رجعيين، وغير رجعيين ، بما في ذلك ( أذناب الاستعمار ) إلى مؤتمرات متتالية للقمة ، ... فاستعادت قوى الهيمنة الدولية زمام المبادرة ، واستعادت النظم المحلية التي كانت مذعورة من هدير التيار الشعبي العربي القومي التوحيدي، زمام المبادرة أيضاً ، وكان لابد أن يتوج ذلك كله بنكسة الخامس من حزيران ( يونيه ) 1967 ... لكن تدفق الجماهير العربية في 9 و 10 حزيران 1967 لتشكل سداً غير متوقع أجلّ حصد نتائج هزائم 1967 من قبل الأعداء، إلى عقد السبعينات ... من القرن المنصرم ...
( 27 )

                 المهم ، ورغم تلك الأهوال ، فإن جمال عبد الناصر أصر حتى آخر لحظة من حياته، أن تبقى رايات الجمهورية العربية المتحدة مرفوعة على الإقليم الجنوبي ، لكن ما كاد جمال عبد الناصر يوارى الثرى حتى كان خلفه الرئيس الراحل محمد أنور السادات يبحث عن طريقة ( ما ) للتخلص من ذلك العبء الثقيل المتمثل باسم الجمهورية العربية المتحدة ، ولم يكن إسقاط رايات العربية المتحدة سهلاً بالنسبة إليه في تلك الظروف ، إلى أن عثر على الحل عبر اجتماع ضمه إلى جانب رئيس الجمهورية العربية السورية حافظ الأسد وأخيهما العقيد معمر القذافي حيث تقرر إلغاء الجمهورية العربية المتحدة لصالح اتحاد شكلاني، لم يرى النور ، اسمه اتحاد الجمهوريات العربية المتحدة ، وبالتالي العودة في الإقليم الجنوبي إلى اسم الجمهورية المصرية بعد إضافة كلمة عربية عليها فباتت جمهورية مصر العربية عام 1971 ...
                 هكذا .. لم تعد الجمهورية العربية المتحدة مجسدة بأي إقليم ، فالإقليم الشمالي بات الجمهورية العربية السورية ، كما أن الجمهورية العربية المتحدة فقدت عام 1971 إقليمها الجنوبي الذي حمل منذ ذلك التاريخ، اسم جمهورية مصر العربية.. فقط أضيفت كلمة، العربية ، بالوسط بالنسبة للإقليم الشمالي ، وألحقت بالاسم الأخير في الإقليم الجنوبي ... أما الفصائل القومية العربية فباتت مشغولة بصراعاتها الداخلية ، وفيما بين بعضها البعض ، والذي حكم منهم، بعض الدول، بات الانتصار بالنسبة إليه أن يبقى حاكماً ... وتوالت الهزائم التي أطلق عليها البعض انتصارات ... وصولاً إلى الحالة التي نحن عليها الآن بين المحيط والخليج ...
                 هكذا عادت الجمهورية العربية المتحدة من دولة مجسدة في إقليميين إلى حلم في رحم الأمة ينتظر جيلاً عربياً يمتلك المقدرة، والفاعلية ، والعلم، والتصميم، والإصرار، والأدوات، والأساليب، لتحقيقه ...
خمسون عاماً على يوم الفرح .. خمسون عاماً، من الأيام الحزينة، بعد ذلك .. أعرف ،وأعترف،أنني،و في حديثي هذا، قد تركت فراغات كثيرة ...، لكنني أترك لكم ، لكل واحد منكم، أن يملأها على طريقته ،أنني أدعوكم، لتقوموا بذلك،كي يتحول هذا الحديث، من حديث موجه من فرد، إلى حديث يشترك، كثر، في صياغته ،وما أحوجنا إلى ذلك، فلنتشارك، في هذه المهمة،وفي هذا الهم،  ثم لنترك، هذا كله، بين يدي الجيل العربي الجديد ... ثم، وقبل أن أغادر هذه المناسبة العزيزة على قلبي .. أرجو أن تسمحوا لي بالتعريج على ذكرى رجلين غادرا هذه الحياة الدنيا ،وهما يحملان، كل على طريقته، ذلك الحلم ... غادراها في يوم واحد 30 آذار     ( مارس ) 1996 غادرنا عصمت سيف الدولة من الإقليم الجنوبي .. ثم في 30 آذار ( مارس ) 2000 غادرنا جمال الأتاسي من الإقليم الشمالي ..انه،وفي الوقت ذاته، يوم الأرض العربية ،عل الذين يجهدون أنفسهم في تزوير هويتها، أن يدركوا أنهم لن يحصدوا إلا الريح......  فللحديث إذن بقية ....
( يتبع )


ليست هناك تعليقات:

إرسال تعليق