الثلاثاء، 9 فبراير 2010

عندما تقض 'فلول البعث' مضاجع السلطة


د. مثنى عبدالله

عجبا كيف ترتعد خوفا فرائص السلطة المحصنة في المنطقة الخضراء، والمحمية بثلاثة عشر جهازا أمنيا، ومليون جندي وشرطي، وفيالق من المليشيات، وسلطة قرار وأموال، وأضخم محطة مخابرات أمريكية في العالم، وأتفاقية أمنية، تعهدت فيها الولايات المتحدة الامريكية بحماية الحكومة من الاخطار الداخلية والخارجية، وأكبر محطة لـ(أطلاعات) الايرانية، تتبعها المئات من الواجهات بأغطية ثقافية ودينية وأنسانية، وسبع سنوات من التثقيف الطائفي، وعمليات غسيل الادمغة، بواسطة عشرات الفضائيات،
والصحف الصفراء، وكتاب الدولار ورجال دين السلطة، ومع كل ذالك يتحول من تطلق عليهم تسمية (فلول) الى فهود، يقضون مضاجع المسؤولين ليل نهار، ويجبرونهم على التواري في الجحور، والتنقل بالطائرات أو بسيارات الاسعاف داخل البلد للتمويه، وهم الذين أسر الامريكان قادتهم، فمنهم من قضى نحبه بأيدي السلطة، ومنهم من ينتظر وما بدلوا تبديلا، وأستخدموا المثقاب الكهربائي والمواد الكيمياوية لاجتثاث أفكارهم، وهجروا عوائل أنصارهم ومؤيديهم في كل زاوية من خارطة العالم، وأستباحوا دورهم وأموالهم، وغيروا أسماء الشوارع والساحات والاحياء والمدارس التي تشير الى منجزاتهم، والغوا أيامهم التي كانوا يحتفلون بها، وهدموا النصب التذكارية التي ترمز لهم، ونقضوا قوانينهم التي لايستفادون منها .
انها حقا صورة شديدة التناقض، بين أن تملك كل أسباب القوة المادية، وأجهزة العنف المنظم وغير المنظم، لكنك تكتشف بان هذه القوة خاوية، وعاجزة عن تحقيق أهدافك، بينما لا يملك الاخرون شيئا من أسبابها، لكنك تكتشف بأنهم قادرون على هزيمة أجنداتك ومن يقف خلفك ، ويفرضون حضورهم المادي والمعنوي على المسرح السياسي الذي تحاول أن تبدو سيدا فيه، تلك هي المعادلة التي تحكم الحياة السياسية العراقية اليوم، وهي بمقدار تناقضها فانها تكشف عن حقيقة حتمية الصراع التاريخي بين القوى الحية التي تملك الماضي والحاضر والمستقبل، وبين القوى الطارئة التي حتى وان امتلكت الحاضر، فانها تبقى بلا قرار أو أن قرارها سيكون مجرد ردود أفعال سلبية، ومحاولات طائشة لتأكيد الذات، أمام أصرار القوى التاريخية على الثبات والمقاومة والتغيير .
لقد ولدت الاحزاب الحاكمة اليوم في العراق، وهي تحمل فيروسات موتها واندثارها، منذ أن تحكم الاخرون في ولادتها، وظروف نشأتها، وتمويلها وتسليحها، وركبوا لها عقولا تفكر بمصالحهم وتنفذ أجنداتهم، ووضعوا لها أهدافا وخططا استراتيجية ، تقضي ببعثرة النسيج الاجتماعي، والتلاعب باللحمة الوطنية التي ولدنا عليها نحن وآباؤنا منذ الاف السنين، وتدمير البنى التحتية للانسان، وافقاده هويته الجامعة، وجعله يعيش في جو من الاستلاب الثقافي والتاريخي والاخلاقي والديني، كي تسهل قيادته الى مستقبل مجهول تتحكم فيه تلك الاجندات لذلك لاغرابة أن تبرز كل هذه الصور المأساوية في الحياة اليومية العراقية، وأن تتراجع كل المؤشرات التي تدل على التقدم البشري فيه، مئات السنين الى الوراء، حتى تبدو لغة الارقام خجلى مما حل به، وها هو وكيل وزير التربية يصرح (ان أعداد الاميين في العراق بلغ خمسة ملايين عام 2008 و2009 بينما في عام 1991 أنتهت ولم يبق أي أمي في العراق) ويضيف (أن قانون محو الامية الذي قدم منذ عام ونصف العام على طاولة مجلس النواب لم يصادق عليه).
علما بأن موازنة العام 2010 خلت تماما من أي تخصيص مالي لاقامة دورات محو الامية، لان هذا المجال هو أبعد ما يكون عن تفكير السلطة (الديمقراطية في العراق الجديد)، التي لا تتوانى عن هدر ملايين الدولارات في تأمين الحمايات الخاصة لمسؤوليهم الذين وصل عددهم الى 4500 عنصر فقط لحماية الطالباني، 2500 عنصر لحماية عمار الحكيم، 1200 عنصر لحماية الهاشمي، و140 عنصر لحماية رئيس البرلمان، ولا يمكننا أحصاء ما يحيط بزعيم (دولة القانون) من حمايات لانها لا تعد، والذي بلغ عدد مستشاريه فقط اكثر من ستين مستشارا، بينما بلغت مخصصات ما يسمى رئاسة الجمهورية في هذه الموازنة 100 مليون دولار، ورئاسة الوزراء 140 مليون دولار، ورئاسة البرلمان 570 مليون دولار، واذا أضيفت الى هذه المبالغ رواتب الموظفين العاملين فيها، فان مخصصات الرئاسات الثلاث تصبح مليارا و113 مليون دولار فقط .
لقد استسهل (قادة العراق الجديد) كيل الاتهامات الى البعث، حتى أصبحت لازمة معتادة في كل خطبهم، لانهم قادة أقوال لا أفعال، وسراق لحظة سياسية لا رجال مرحلة، ومعاول هدم لابناء وباتوا يكتشفون يوميا بأنهم أعجز من أن يأتوا بمثل ما جاء به الذين سبقوهم، فها هي سبع سنوات مرت من عمر (العصر الديمقراطي) والمواطن يتسول قوت يومه، ويعجز عن ارسال أطفاله الى المدارس، ويعاني من المرض والبطالة، ويفتقر الى الماء والكهرباء والمحروقات ولم يرتفع في البلد حجر فوق حجر، ليكون شاهدا أمام شعبهم على أنهم رجال دولة، على الرغم من رفع الحصار الاقتصادي عن العراق، وأطفاء الديون من قبل دول العالم، ومئات الملايين من الدولارات كمساعدات دولية للاعمار، مضافا اليها مئات المليارات كعائدات نفطية بينما لم تمر سوى أربع سنوات على حكم البعث حتى تحقق التأميم، ذلك الانجاز العملاق الذي نقل العراق من مرحلة التخلف الى مرحلة الخطط التنموية الانفجارية، التي رفعت المستوى المعيشي للانسان العراقي، وجعلته من حيث قيمة الدخل مساويا لدخل الافراد في الدول المتقدمة، كما نتج عنه مجانية التعليم التي قلصت الفوارق الطبقية في المجتمع، وجعلت العلم في متناول الجميع، وكذلك الاشراف الصحي المجاني في كل المؤسسات الصحية العراقية، وأنشاء الطرق الدولية السريعة، والسدود الاروائية، وتطوير الزراعة والصناعة والتجارة، بينما لم يكن العراق تحت الحضانة الامريكية كما هو عليه الان، ولم يكن قادته من صنع أمريكي وأيراني وأوروبي كما هم حال (قادته) اليوم، كي يحظوا بدعم قطبي دولي وأقليمي بل كانوا أصحاب قرار مستقل، ومشروع وطني وقومي .
لقد كشفت أزمة استبعاد بعض الكيانات السياسية عن المشاركة في الانتخابات القادمة، بدعوى شمولهم بقرارات الاجتثاث، عن ضحالة القائمين على الشأن العام العراقي، وعن انعدام التأييد الشعبي لهم الذي حاولوا تزويره منذ العام 2003، تارة بدغدغة المشاعر الطائفية، وتارة أخرى بالفتاوى الدينية، وأحيانا بتقديم الرشوة وشراء الاصوات، كما أنها كشفت مرة أخرى عن صلابة البعث، وحيوية تفكيره، وصلابة بنائه التنظيمي، الذي أستوعب كل الضربات والمجازر الوحشية، وجاهزية جماهيره في تغيير وسائل النضال حسب ما تقتضيه ظروف المرحلة، وأثبت مرة أخرى أنه حزب المؤسسات القادرة على القيادة، حتى وأن غيبت قياداته الرأسية، وهو الاقوى في المشهد السياسي، وأن قرارات حظره واجتثاثه لن تكبل حيويته وفاعليته السياسية، مهما أحتشد خلفها من قوى دولية وأقليمية، الذين بان عليهم الاضطراب والتخبط بسبب فشلهم في ايقاف زحفه، فشرعوا باجتثاث حتى حلفاء الامس الذين شاركوهم (العملية السياسية) منذ سبع سنوات، وساهم مداد أقلامهم في كتابة (الدستور) البغيض .
ان الخوف لا ينتاب الا الفاشلين الخاوية عقولهم، الكليلة أذرعهم عن الفعل المشهود، ولو كان حكام (العراق الجديد) يتسمون بأبسط صفات الوطنية، ولو لم يقدموا على ظهور الدبابات الغازية، ولو كانوا صناع منجزات حقيقيين، لكف المالكي عن التحذير من قدوم البعث، لان منجزاته هي التي ستتحدث عنه، وستكون هي اللافتة الانتخابية الحقيقية التي تعيد انتخابه الف مرة، لان الاحتكام الى الاصوات هو القرار الحاسم في العملية الديمقراطية، وليس القرارات التي تجتث الاخرين، لكن الخوف من الحقيقة، والتشبث بالسلطة من أجل المزيد من الاثراء اللامشروع، هو الذي يجعلهم يجنحون الى القرارات اللاشرعية، وتغييب الاصوات الرافضة للمنهج التدميري الذي يقودونه اليوم في العراق الجريح الاسير .

هناك تعليق واحد:

  1. Great persepective Dr. Muthanna. The evolution of the Anti-Baath movement in Iraq was engineered by the US occupation and endorsed bu Iran, Kuwait, Israel and others. However, the actions on the ground show and the changes in tactics in the last nearly 8 years mirrors the growing power, popularity and threat of the Baath party. Time is running out on the Green zone puppets.

    ردحذف