الثلاثاء، 9 فبراير 2010

إلى ... "إعلان دمشق" رسالة ... ورجاء


  على بساط الثلاثاء
62

يكتبها : حبيب عيسى

إلى ...
"إعلان دمشق"
رسالة ... ورجاء

 المحامي                                                        الموضوع : إعلان دمشق
حبيب عيسى                                                             التاريخ 1/12/2009

                               تلقيّت من السادة في "إعلان دمشق" رسالتين متبادلتين          بين "الاتحاد الاشتراكي" ، و"الأمانة العامة" لإعلان


 دمشق ، وطلب مني رأياً مكتوباً، فكانت هذه الرسالة . 



رسالــــــة... ورجــــــــاء ...!

الأخوة ، الأصدقاء ، الرفاق ... !
- الجارية عضويتهم في "إعلان دمشق" ، والمتجمدة فيه ، والمستنكفين عنه ...!

( 1 )

         تحية عربية لمن يرغب ، وتحية وطنية بالمعنى الذي يشاءه من يشاء ، ويتمناه ، ذلك أنني انتميت في يوم ، ما ، لإعلان دمشق ، وارتضيت مواثيقه ، ومضامينه ، تلك التي تتوافق مع أفكاري ، وقناعاتي ، والأخرى التي تتعارض ، ربما ، ذلك أنني كنت أعلم مسبقاً أنني أنتمي إلى "جماعة" من خصائصها الأساسية ، التنوع ، والاختلاف ، ليس لي الحق أن أفرض عليها قناعاتي كاملة ، وليس لها أن تناقض قناعاتي ، مطلقاً ، يكفي أنها تحمل بعض من قناعاتي ، وأنني أقتنع بالبعض من مواثيقها ، نتقدم جماعة بما نتوافق عليه ، وندير بيننا حواراً حضارياً حول ما نختلف عليه ، لكن ليس من حقي ، ولا من حق غيري ، أن تحمل بيانات "الجماعة" ، وهي هنا "إعلان دمشق" أفكار فريق من الجماعة تتناقض مع أفكار الفرقاء الآخرين ، لقد غمرني الفرح بولادة "إعلان دمشق" ، وعادت الأحلام تراودني ، بعد عقود من الخيبات ، والانكسارات ، بلوحة جميلة تتداخل فيها تلك الألوان المتعددة ، لتظهّير لوحة رائعة لوطن بالغ الروعة عصّية على الشروخ ، والتزييف ، والتزوير . حيث لا يطغى لون على آخر ، وإنما تتضافر جهود تلك "الجماعة" في "إعلان دمشق" لصيانة تلك اللوحة التشكيلية ، ورتق الشروخ التي أحدثتها المحن المتعاقبة ..
         إنني أردت ، أولاً ، بذلك الانتماء إلى " إعلان دمشق " ، في ذلك الوقت ، أن أشهر على الملأ موقفي ، بأنني تخليت تماماً ، ونهائياً عن أفكار ، وإيديولوجيات ، ديكتاتورية اللون الواحد ، والحزب الواحد ، والأفكار الواحدة ، الوحيدة المطلقة ، ونزلت عند قول الشاعر " والضّد يظهر حسنه الضّد " ، وبالتالي فإن الحسن في أفكاري لن يظهر إلا بين الأضداد ، وأدركت أن البيئة النقية ، والمناخ المناسب يؤديان إلى نمو هذا التعدد ، بينما العكس لن يؤدي إلا إلى تغوّل الفردية لتلتهم العناصر الأخرى ، ثم تلتهم نفسها في نهاية المطاف ...
         ثم ، ربما ، أنني كنت بذلك الانتماء إلى " إعلان دمشق " ، ودون أن أقصد ، قد أردت الاعتذار ، من جميع من يعنيهم الأمر ، عن مرحلة مريرة من تاريخنا اعتقدت فيها ، كما اعتقد غيري ، أن كل واحد منا قد امتلك الحقيقة المطلقة ، وأن انتصار أي واحد ، منا ، لن يتحقق إلا بتوجيه الضربة القاضية ، للآخر ، حيث أدت تلك الطريقة المدمرة في التفكير ، إلى ذلك الصراع العبثيّ بين مشاريع النهوض ، والتنوير ، ذلك الصراع ، الذي أخلى الساحة ، لقوى الظلام ، والتفرد ، أولاً ، وأدى ، ثانياً ، إلى انكسار أحلامنا جميعاً في النهوض ، والتنوير ، فانهزمت أنا ، وانهزم الآخر في المشروع النهضوي الآخر ، وطغت علاقات ما قبل المواطنة ، من مذهبية ، وطائفية ، وأثنية ، وإقليمية ، ومناطقية ، ومتخمة ، وجائعة ، فرضت نفسها موضوعياً على ما سواها ، إلى درجة أن الانتماءات الوطنية ، والسياسية يميناً ، ويساراً ، باتت مجرد قشور واهية ، عاجزة عن ستر عورة هذا الانحطاط القاتل ..
         هكذا ، فإن هذا الموقف ، بالانتماء إلى " إعلان دمشق " لم يأت من فراغ ، وإنما كان حصيلة تجربة مرة ، وحالمة تخللتهّا لحظات فرح عابرة ، وأزمنة ثقيلة من الخيبات ، والانكسارات ، والأحزان مازالت مقيمة تقبض على أعناقنا إلى درجة الاختناق ، وحتى هذه اللحظة .
         دعونا نعترف ، أيها الأعزاء ، أننا جميعاً ، وعلى مختلف توجهاتنا ، وعقائدنا ، وأفكارنا أبناء تجربة بالغة القسوة من جوانبها المختلفة ، الذاتية ، منها ، والموضوعية دفعت بنا فرادى ، وجماعات إلى اصطفافات توهمّنا من خلالها أن الحدود بينها مكتظة بالألغام ، وأن شعار : لا صلح ، ولا تفاوض ، ولا اعتراف ، قد تم سحبه من التداول مع العدو الصهيوني ، وبات محصوراً بتفعيله ، بين مشاريع النهضة في الوطن العربي ، فلا صلح ، ولا تفاوض ، ولا اعتراف ، ولا تعايش مع الأخر في الوطن ، وترسّخت تلك القاعدة المرضية ، بالوهم ، أنه لا انتصار لمشروع أي واحد فينا إلا بدفن ورجم المشاريع الأخرى .. مما أدى بنا جميعاً إلى المأزق الذي نحن فيه ، الآن ، حيث انتصرنا جميعاً في هزيمة بعضنا ، بعضاً ، وفي تهشيم ، وتحجيم ، وتشويه بعضنا ، بعضاً ، ثم نجح الاستبداد المديد من الأعلى ، والتخلف ، والردة من قاع المجتمع في إتمام المهمة ، فانهارت مشاريع النهضة ، والتنوير ، وتهدد النسيج الاجتماعي ، ومازال مهدداً ، تهديداً شديداً .. ، وتأبد الاستبداد ...

( 2 )

         هكذا ، فإن الواقع الموضوعي ، كان يستدعي ولادة "جماعة" ، ما ، تحمل قيم النهضة ، على شكل :  تحالف ، تكتل ، لا يحمل أمراض الواقع ، ولا يتعالى عليها ، وإنما يشخصّها ، ويناضل للبراء منها ، "جماعة" ليست أداة بيد أحد ، ضد آخر ، وليست بديلاً عن أحد ، "جماعة" لا تتصّرف بردود الأفعال ، لا تواجه الطائفية بالطائفية ، ولا المذهبية بمثلها ، ولا الظلم بالظلامة ، ولا التفرد بالتفرد ، ولا الاستغلال بالاستغلال ، ولا العنصرية بمثلها ، ولا الهيمنة بالهيمنة ،  وإنما ، بجماعة تحمل في ذاتها ، وفي العلاقات التي تحكم المنتسبين إليها ، وفي علاقاتها بالمجتمع ، وبالدولة ، تحمل النقيض من ذلك كله في شتى المجالات ، تحمل قيمّ ، الحرية ، والإنسان السيد ، والمساواة ، والعدالة ، وتجسّد ذلك ممارسة في علاقاتها الداخلية ، وفي علاقاتها مع الآخر ، جماعة منظمة ، مرنة الحركة ، تشّكل بتنوع عناصرها، نموذجاً حضارياً ينسج ، نسيجاً اجتماعياً ، وسياسياً متماسكاً ، يحصّن المجتمع من الفتن ، حيث تتعاقد تلك الجماعة ، وتدرك ، ابتداء ، أنها تمثل تحالفاً مؤقتاً مهمته الأساسية تقديم نموذجاً مغايراً ، عما أنتجه التخلف الاجتماعي من علاقات سلطوية استبدادية ، وما أعاد الاستبداد إنتاجه في المجتمع من تعزيز التخلف الاجتماعي عن طريق حصر الصراع داخل المجتمع ، بتكفيّر بعضه ، للبعض الآخر ، وهكذا فإن المهمة الأساسية لإعلان دمشق كانت تقديم هذا النموذج المختلف من علاقات المواطنة بين مكوناته ،  ثم الدفع باتجاه حياة ديمقراطية سليمة في الوطن ، تتيح للقوى ، والأحزاب ، والجماعات ، والأفراد المنضوية تحت راية هذا التحالف ، وغير المنضوية ، التنافس الديمقراطي أمام صناديق الاقتراع ، لا أكثر من ذلك ، ولا أقل ، وبالتالي ، لابد من التعاقد ، ابتداء ، أنه ليس من حق أية جماعة ، أو حزب ، أو فرد ، أن يطلب من هذا التحالف تبنيّ أي موقف سياسي ، من أية قضية مختلف عليها ، داخل هذا التحالف ... مقابل ذلك ، فإنه ، لكل من تلك الجماعات ، والأحزاب ، والأفراد أن تعبّر عن مواقفها السياسية من خلال منابرها الخاصة ، وليس من منبر "التحالف" الذي يجب أن تتفق مكوناته على إنجاز هدف واحد ، وحيد ، هو شد النسيج الاجتماعي ، ورتق الشروخ التي أحدثتها المحن ، وإعلاء قيم المواطنة ، والمساواة ، والعدالة ، وحرية الرأي ، واحترام الرأي الآخر ، والدفع باتجاه حياة ديمقراطية سليمة في ظل قوانين ، وأنظمة ، ولوائح تتيح تحقيق العدالة ، والمساواة ، والنزاهة ، والاحتكام لرأي الناس ...وإن كان "التحالف" ، بالإضافة إلى ذلك ، ساحة حضارية للحوار البّناء ، الإيجابي بين مكوناته المتنوعة ....
         هكذا ، عندما نقلت إليّ إحدى الإذاعات في " زنزانتي المنفردة " نبأ تشكيل       " إعلان دمشق " في خريف عام / 2005 / ، ورغم أنني لم أتمكن  من الإطلاع على وثائق تأسيسه ، فقد حاولت أن أصيغ له من مخيلتي وثائقه ، وحمّلته كل ما تستدعيه ظروف " الزنزانة المنفردة " من أحلام ، وتمنيات ، وراودتني الأحلام ، مرة أخرى ، بأن الأعاصير التي عصفت ، بربيع دمشق ، قد تنحسر ، وأن أزاهير "ربيع دمشق" ستعاود التبرعم من جديد ، وأن التجارب المرة لابد أنها مازالت حاضرة في الأذهان وأن " الإعلان " لن يكرّر التجارب الفاشلة ، ولن يستنسخ الأخطاء ، والخطايا التي رافقت "ربيع دمشق" ، وسيتجاوز المشكلات التي رافقت تجربة " التجمع الوطني الديمقراطي " وأعاقت تفعيله على مدى السنوات المنصرمة .. كما أعاقت تفعيل منتديات ربيع دمشق ، بعد ذلك .

( 3 )

         لهذا كله ، فإنني ، ومنذ لحظة مغادرة الزنزانة لبيّت ، دون تردد ، الدعوة للانضمام إلى " إعلان دمشق " دون أن أتوقف لحظة واحدة عند بعض المصطلحات التي وردت في وثائق تأسيسه ، والتي كنت أتمنى إعادة صياغتها ، فقد كانت الروحية العامة لهذا "الإعلان" تكفيني ، وتوخيّت أن الممارسة الجادة الإيجابية ستؤدي إلى تفعيل " الإعلان " في تأدية دوره كمحرك أساسي في إعادة ضخ الحيوية في مفاصل المجتمع الأساسية ، وشد الأواصر بينها ، لإعادة إحياء مشروع النهوض ، والتنوير ، ثم ، وفي "المجلس الوطني الأول لإعلان دمشق" الذي انعقد في تموز / 2006 / حرصت أن لا أدخل في السجال السياسي ... وتقدمت بورقة مكتوبة ضمّنتها رؤيتي لطبيعة المرحلة ، ودور "إعلان دمشق" ، ووسائل تحصينه ، والمهام الملقاة على القوى ، والأحزاب ، والشخصيات المنضوية تحت لواءه ..
         لكن تلك "الورقة" التي قدمتهّا للمجلس الوطني ، في حينه ، لم تكن ، على ما يبدو ، تستحق أن يلتفت إليها أحد ، بدليل أنني لم أسمع كلمة واحدة تؤيد ما جاء فيها ، أو ترفض ، أو تنتقد ، وسارت الأمور بعد ذلك باتجاه اصطفافات حادة ، ومواقف متصارعة ، ووجدت نفسي في خضّم من الصراعات ، لا ناقة لي فيها ، ولا جمل ، والأنكى من ذلك ، فإن المطلوب مني ، أن أقف مع هذا ، ضد ذاك ، أو العكس ، وإذا لم أفعل ، فأنا برأيهم ، بلا موقف ، ورغم أنني قبلت أن أكون " بلا موقف " فقد تم توجيه اتهامات حادة إليّ من هذا الفريق ، أو ذاك  ، بأنني منحاز ضده ، حتى أن الإحساس بدأ يراودني ، أنني لست بلا فائدة ، وحسب ، وإنما قد يكون وجودي في "الإعلان" يؤدي دوراً سلبياً ، فقررت الاعتزال متمنياً أن يجد " الإعلان " مخرجاً لأزمته ، فلا يواصل انحداره إلى الطريق المسدود .
         لكنني تلقيتّ ، والألم يعتصر قلبي ، ما حصل في "المجلس الوطني الثاني لإعلان دمشق" في مطلع كانون الأول 2007 ، وقد حاولت مع عدد من الأصدقاء ، بتدخل غير مباشر ، أن لا ينفكّ عقد " الإعلان " لكن منطق التفتيت ، والاتهامات كان أقوى ، على ما يبدو ، فتجّمد البعض ، وزج ، بالبعض الآخر في السجون ، وواظب فريق ثالث نشاطه في حدود المتاح ..

( 4 )

           أيها الأعزاء ، لقد حرصت طيلة السنوات الماضية ، أن لا أتناول ما جرى في "إعلان دمشق" ، وما جرى له ، وقد تعزز هذا الموقف خاصة بعد الزج ببعض رموزه ، الأخوة ، والأعزاء ، والأصدقاء في السجون ، حتى أنني لم أتقبل أية أفكار تتعلق بتحالف آخر ، أو بديل ، طالما أن أولئك الأعزاء في السجون ، إلى أن استلمت تلك الرسالة التي تطالبني بموقف من رسالة وجهها "الاتحاد الاشتراكي العربي الديمقراطي" ، ومن رسالة جوابية عليها وجهتها "الأمانة العامة لإعلان دمشق" .
         أصدقكم القول ، أيها الأعزاء أنني ترددت طويلاً قبل أن أجيب ، ذلك أنني خشيت أن توضع رسالتي هذه في خانة طرف ، ضد آخر ، أو أن أواجه بالاتهام القديم ، الجديد أنني ، بلا موقف ، وأنا لا أريد هذا ، ولا ذاك ، لكنني حزمت أمري ، أخيراً ، وقررت ، فكانت هذه الرسالة ، وذلك للأسباب ، والاعتبارات التالية :
       أولاً : اقتراب الإفراج عن الأخوة ، والأصدقاء ، والأعزاء من السجون ، وبالتالي ، فإن الحديث عن إعلان دمشق ، سيتجدد بقوة ، ومن غير اللائق عدم المشاركة فيه .
        ثانياً : إن توجيه رسالة من الاتحاد الاشتراكي العربي الديمقراطي ، والرد عليها من الأمانة العامة لإعلان دمشق ، هو موقف إيجابي من الطرفين ، وإن كان الفريق الأول يأخذ على الفريق الثاني أنه لم يرسل الرد مباشرة ، لكن ، لابد من تثمين العودة للحوار ، بغضّ النظر عن مضمون الرسالتين ، لأن ذلك تراجع عن موقف القطيعة ، والرفض للآخر ، نقدرّه من الطرفين ، ونرجو أن يكون فاتحة لحوار جدي صادق ، يتوسع مستقبلاً ، ليشمل جميع مكوّنات إعلان دمشق ، والتي رافقت تأسيسه .
         ثالثاً : لقد آن الأوان أن أحدد موقفي ، وأقدم قراءتي ، لتجربتي في إعلان دمشق ، لذلك فأنا لا أعتذر عن الذاتية التي اتسم بها هذا الحديث ، فقد كنت قاصداً لذلك ، ذلك أن الذاتي ، هنا ، ليس منفصل على الإطلاق ، عن الموضوعي .
         رابعاً : ومنعاً للتكرار فإنني أؤكد على تبنيّ الورقة المكتوبة المقدمة من قبلي إلى المجلس الوطني الأول لإعلان دمشق في تموز 2006 وأعتبرها جزءاً لا يتجزأ من هذه الرسالة راجياً قراءتهما معاً ، وتعميمهما كرسالة واحدة .
          خامساً : إن أهمية إعلان دمشق ، ومبرر وجوده ، هو تنوع مكوناته ، وبالتالي ، فإن التجميد ، أو الانسحاب ، أو الإقصاء ، لأي مكون من مكوناته ، يعني ، أننا لم نعد أمام " إعلان دمشق " الذي لا يملك أي فريق بمفرده تمثيله ، لهذا فإن الخطوة الأولى تبدأ بالعودة إلى طاولة الحوار ، وأن الرسالتين المتبادلتين بين الاتحاد ، والأمانة ، رغم أهميتهما ، لا تغنيان عن الحوار المباشر الإيجابي الهادف إلى إعادة الحيوية لإعلان دمشق ، ولهذا لابد أن تتسع دائرة الحوار ، لتشمل كافة مكونات الإعلان المتجمدة ، والسائلة ، والمستنكفة .

( 5 )

          ألتمس العذر ، أيها الأعزاء ، لأنني لن أدخل في تفاصيل ما ورد في الرسالتين المتبادلتين ، ذلك أنني شديد الحرص على أن تكون كلماتي هذه في نقطة ، ما ، "وسط" ، يلتقي فيها المتحاورون ، وهذا لا يعني أنني بلا موقف ، ولكن يعني أن هذه النقطة الوسط التي أدعو للقاء فيها هي بالضبط "إعلان دمشق" ، وهذا يعني أنني شديد الحرص ، وبالدرجة نفسها لإعادة وصل ما انقطع ، وهذا يرتبّ عليّ واجباً لن أتهرب منه ، ويفرض علينا جميعاً ، التصادق ، والمصارحة ، والمراجعة ، ونقد الذات ، وهذا ، ما أرجو أن نتقبله ، جميعاً ، بصدر رحب ، ولو كان جارحاً ، لهذا ، وانطلاقاً من ذلك ، وإضافة لما ورد في ورقتي المكتوبة المقدمة للمجلس الوطني لإعلان دمشق عام 2006 ، فإنني أود تسجيل الملاحظات التالية :
        أولاً : أن الرسالة الموجهة من الاتحاد الاشتراكي ، والرد عليها من الأمانة العامة ، تميزتا رغم ما ورد فيهما من مقترحات هامة يمكن تأسيس الحوار عليها ، بالنبرة العالية الهادفة إلى تسجيل المواقف ، والنقاط ، من كل طرف ، على الطرف الآخر ، وأن تلك النبرة العالية ، كانت غالبة ، وهذا ، رغم سلبيته يمكن تجاوزه بالحوار المباشر ، لهذا ، فإنني أقترح الدعوة لاجتماع عاجل بين ممثلي الطرفين مهمته الوحيدة وضع جدول أعمال ، لطاولة حوار بينهما ، يكون البند الأول فيه ، مراجعة كل فريق لمواقفه ، هو ، وتقييمها ، وقراءة ما جرى ، بلغة نقدية ، هادئة ، ذلك أن نقد الذات أجدى من توجيه النقد للآخر .. إن العامين المنصرمين ، وما جرى فيهما ، قد أتاحا الفرصة لكافة الأطراف ، كي يراجعوا الأخطاء التي ارتكبت ، بالاعتراف بها ، وتصحيح المواقف ، وليس بمحاولات التنصل منها ، وإلقاء المسؤولية على الآخر ..
         ثانياً : إن "إعلان دمشق" لا يمكن أن يحقق أهدافه عن طريق المحاصصة ، وبالتالي فإن الأمور لا تقاس بحجم هذا الفريق ، أو ذاك ، ولا بالحصة التي يستحقها كل فريق ، ذلك أن جميع الفرقاء عليهم أن يدركوا أنه لا مكاسب يمكن التنازع عليها ، وإنما مهام ، وتضحيات يجب التسابق ، لبذلها . واعتماد الصيغة الديمقراطية يعطي مصداقية للإعلان ، وللقوى المشاركة فيه ، فقبل أن نطالب بالنهج الديمقراطي من الآخر ، علينا أن نكون ديموقراطيين أولاً ...
         ثالثاً : إن "إعلان دمشق" يضم مؤسسات حزبية ، وشخصيات مستقلة ، وهذا ما يميزه عن التجارب السابقة ، وبما أن المؤسسات الحزبية تمتلك برامج محددة فإن أي كادر من كوادرها يمكن أن يمثلها في "إعلان دمشق" ، وبالتالي فإن ممثل واحد عن المؤسسة الحزبية في كلّ من مؤسسات "إعلان دمشق" كاف لتمثيلها مهما كان حجمها ، وفي هذا المجال ، فإننا نرى أنه من الضروري أن تتمعن تلك المؤسسات الحزبية في اختيار مواصفات من يمثلها في إعلان دمشق ، ذلك أن هناك فرق شاسع بين المناضل الحزبي المؤدلج ، الذي لا يقبل إلا من يتطابق مع أفكاره ، وبين الكادر السياسي الذي يتقبل الرأي الآخر ، الكادر الحواري ،  ويتعامل معه بموضوعية ، واحترام ، ذلك أن ممثل المؤسسة الحزبية في "إعلان دمشق" يجب أن يكون مزدوج المهمة ، بمعنى أنه يمثل مؤسسته الحزبية في إعلان دمشق ، وفي الوقت ذاته عليه أن يمثل " إعلان دمشق " لدى مؤسسته الحزبية ، وعليه أن يضع مؤسسته الحزبية في سياق برنامج إعلان دمشق ، وليس العكس ... .
          رابعاً : إن إعلان دمشق ، مظلة لجميع المكونات التي انضوت تحت لوائه ، وليس أداة بيد مكوّن من مكوناته ، مهما كان حجمه ، وتأثيره ، وبالتالي فإن مكوّنات إعلان دمشق ملزمة بتنفيذ قرارات ، وتوصيات الإعلان ، ووضع إمكانياتها ، بتصرفه ، وليس العكس .
         خامساً : إننا نقترح أن تقوم الشخصيات المستقلة بدور الحكم بين المؤسسات الحزبية ، وبالتالي يترك لها تولي المراتب التمثيلية للإعلان ، لأن ذلك يحصّن مؤسسات الإعلان من الانزلاق ، لصالح هذا التوجه ، أو ذاك .
          سادساً : إن الشرط الديمقراطي ، يجب أن يحترم ، وذلك عبر توجه الإعلان ، لبناء مؤسساته المستقلة في مختلف الأحياء ، والأرياف ، ووضع اللوائح التنظيمية ، لفرز مراتب الإعلان ديمقراطياً ، وذلك وصولاً إلى مجلس وطني ، تمثيلي ، لإعلان دمشق ، يفرز بدوره مؤسسات تنفيذية تمثيلية . دعونا نعترف أيها الأعزاء أن إعلان دمشق لن ينهض بالدور الملقى على عاتقه إلا في حالة واحدة ، وهي أن تبدع مؤسسات الإعلان الوسائل ، والأدوات المناسبة للانتقال بالإعلان من وضعه الراهن النخبوي إلى حاضنته الجماهيرية الواسعة عبر نشاط جماهيري يعيد الحيوية للمجتمع ، وللنشاط السياسي ، والحقوقي في الوقت ذاته .    
           سابعاً : إن "إعلان دمشق" ليس مطالباً في هذه المرحلة ، ولا في أية مرحلة قادمة من البتّ في قضايا فكرية ، وعقائدية ، وإستراتيجية ، ذات طبيعة إشكالية مختلف عليها بين القوى السياسية عامة ، وبالتالي مختلف عليها بين مكونات إعلان دمشق ، فإذا كان ليس من حق القوميين العرب أن يضمّنوا مواثيق الإعلان النص على وحدة الأمة العربية ، فمن الأولى أنه ليس من حق أحد أن يضمّن تلك الوثائق نصاً مناقضاً لذلك ، وإذا كانت القوى السياسية مختلفة حول موضوع الصراع العربي الصهيوني فليس من مهام "إعلان دمشق" تبنيّ موقفاً ضد آخر ، وإذا كان البعض يتبنىّ مفاهيم الاشتراكية ، والعدالة الاجتماعية ، فإن البعض الآخر يتبنى اقتصاد السوق ، وبالتالي ليس لإعلان دمشق أن يتبنى أحد الموقفين ، وهكذا .... دعونا نحدد أن "إعلان دمشق" تحالف مؤقت ، مهمته الوحيدة فتح الأبواب إلى حياة ديمقراطية ، لتمكين الشعب من الاختيار ، عندها ، وعندها فقط يقرر الشعب  البرامج السياسية ، والفكرية واجبة التطبيق .
         ثامناً : على الأحزاب السياسية المنضوية تحت مظلة "إعلان دمشق" ، والمتحالفة في الوقت ذاته في "التجمع الوطني الديمقراطي" ، أن تنسّق مواقفها في التجمع ، لينعكس ذلك إيجاباً على "إعلان دمشق" ، ففي هذا تفعيل إيجابي للتجمع ، وللإعلان ، في الوقت ذاته .
         تاسعاً : إن الغاية الأساسية لإعلان دمشق هي احترام المواطنة ، وتحقيق معاييرها ، وهذا يستدعي اعتبار المواطنة وعاء يستوعب مكوناتها الأساسية ، وبالتالي من الواجب على مكونات الإعلان احتواء الانتماءات المذهبية ، والإثنية ، والدينية ، والمناطقية ، ويتم التعبير عن ذلك بمؤسسات حزبية وطنية ذات أهداف سياسية محددة ، وهنا يكون الاختلاف حول الرؤى السياسية حصراً ، وهذا يتناقض مع تشكيل أحزاب إثنية ، أو مذهبية ، أو ... فإعلان دمشق يتعامل على قدم المساواة مع المواطنين كافة ، ويدير حواراً هادفاً لتطوير الأحزاب ، لتكون أحزاباً وطنية ، بالمعنى الحقيقي للكلمة مفتوحة على قدر المساواة لكل المواطنين ، وبالتالي ليس هناك مطالب للأقليات ، وأخرى للأكثريات ، بل إن مطالب كل فرد ، وكل جماعة ، هي مطالب المواطنين جميعاً . ولعل هذا الحديث موجه بشكل عام ، وعلى وجه الخصوص ، بكل الحب ، والاحترام للأخوة المواطنين من الأكراد ، فقد كانت الثورة ضد الاستعمار ، وكذلك حركات النهوض ، والتحرر ، وأحزابها تضم كوادر مناضلة ، ولم يخطر على بال أحد في حينها التفريق بين المناضلين ، من أية إثنية ، أو دين ، بل لم يكن من الممكن معرفة ذلك ، الآن نحن في معرض استئناف مشروع النهوض ، والتنوير ، واستئناف التقدم إلى الزمن الأجمل ، فلا حاجة لأحزاب كردية ، أو غير كردية ، سواء كانت إثنية ، أو مذهبية ، أو طائفية ، فالساحة الوطنية ، تتسع للجميع ، وبالمواطنة ، والوطنية ، تتحقق مطالب الجميع ، ويرتفع الظلم ، والحيف عن الجميع ، وبالتفتيت يخسر الجميع ......        
            عاشراً : ليس هناك ما يمنع من مراجعة المواثيق التأسيسية لإعلان دمشق ، فلا مقدسات بهذا الشأن ، وبالتالي ليس هناك ما يمنع من طرح هيكلية إعلان دمشق ، للحوار العام ، وإعادة الصياغة ، بعد الاستفادة من تجارب السنوات السابقة ، ودراستها  ، دراسة نقدية شاملة .

         أيها الأعزاء ، في مختلف مواقعكم ،  أتقدم منكم بالشكر ، والتقدير ، راجياً أن تكللّ جهودكم الخيّرة في إعادة إطلاق "إعلان دمشق" ، كتشكيل وطني عام ، يساهم في استعادة مشاريع النهوض ، والتنوير ، وتهيئة مناخ من المواطنة الحّقة ، والديمقراطية ، والحرية ، والمساواة ، والعدالة ، وإعادة الهيبة للمؤسسات التي تمثل المجتمع ، وتحصّنه ، من حزبية ، ونقابية ، وجمعيات ، ومنتديات ، ومؤسسات رأي ، وكذلك إنتاج مؤسسات تمثيلية على مستوى السلطات التنفيذية ، والتشريعية ، والفصل بين السلطات ، عبر قضاء مستقل ، وعادل .

                            وتفضلوا بقبول فائق الاحترام ، والتقدير

دمشق : 1/12/2009                                                 
 المحامي
                                                  حبيب عيسى

ليست هناك تعليقات:

إرسال تعليق