الخميس، 11 فبراير 2010

مستقبل الإعلام العربي بعد صفقة الوليد بن طلال وروبرت موردخ




يعاني الإعلام العربي من فراغ قانوني وتشريعي مطبق يسود البث الفضائي العابر صورة:AlWaleedRupert.jpgللحدود. فالمنطقة العربية، وخلافا للقارة الأوروبية والولايات المتحدة والعديد من البلدان الآسيوية، لا تحكمها أي تشريعات أو لوائح لحماية المشاهدين من تدفق الصور أو للوقوف في وجه الاحتكارات الإعلامية والحيلولة دون سيطرة طرف أو جهة ما، محلية كانت أم أجنبية، على وسائل الإعلام التي هي في جوهر منظومة الأمن القومي للدول والمجتمعات. وهي على كل حال منظومة متفككة ومترهلة عند العرب.
ورغم الطفرة المذهلة التي شهدها قطاع البث الفضائي في العالم العربي، حيث بلغ عدد القنوات على القمرين عربسات ونايلسات في أقل من عشرين عاما زهاء 600 قناة بين حكومية وخاصة يمكن الاستغناء عن معظمها ليستعيد الناس راحتهم، فإن الدول العربية لم توفق، أو حتى لم تحاول اعتماد آليات قانونية مشتركة لضبط البث الفضائي وتركت الأمر برمته للرقابة التقليديةCensorship، الذاتية والحكومية، كي تبقى الأوضاع تحت السيطرة، سيطرة الحكومات والمجموعات الموالية لها والتي تملك الشبكات الفضائية وتتحكم في عائداتها التجارية.
ولم يعد منطقياً ولا مقبولاً التكاثر المزري والمثير لأكثر من تساءل للقنوات الفضائية في العالم العربي ولا تدفق هذا الطوفان من التفاهة الثقافية المصورة والميوعة الاجتماعية المتجنية على الذوق السليم عبر الشاشة الصغيرة. ولئن كان بعضنا يرى أن إعلامنا ليس سوى صورة لنا ولما نحن عليه من رداءة وانحطاط، ولن يصلح حاله إلا بإصلاح أنفسنا، فإن البعض الآخر يقر بضرورة التحرك وفق ما هو ممكن ومتاح قبل أن يغمرنا الطوفان.
ولا شك أن الأمور ستزداد تعقيداً وسوءا عند توافد الاستثمارات الأجنبية على العالم العربي في قطاع الإعلام والإنتاج والتوزيع التلفزيوني وذلك من خلال الاستحواذ على مؤسسات قائمة أو الدخول في شراكات معها. وهذا بالفعل ما يحدث حالياً بين مجموعة روتانا التي يملكها الأمير الوليد بن طلال آل سعود ومجموعة News Corporation التي يملكها Rupert Murdoch.
فقد التقى الأمير الوليد يوم 14 كانون الثاني/يناير 2010 السيد موردوخ في نيويورك حيث بحث الرجلان إمكانية دخول مجموعة موردوخ في رأس مال شركة روتانا وقناة LBC اللبنانية التي يملكها الوليد بنسبة 90% إلى جانب إقامة تحالف على المدى المتوسط بين مجموعة News Corporation وشركة 'المملكة القابضة'.
وبالنظر إلى ثقل وأهمية المجموعتين على الساحة الدولية، فإن من شأن هذا التحالف بين الوليد وموردوخ أن يؤدي في المدى المنظور إلى إعادة رسم خارطة الإنتاج والتوزيع التلفزيوني بكل قطاعاته بما في ذلك الأخبار والإعلام الرياضي والترفيه وما يترتب عن ذلك من احتكار إعلامي وتجاري
كما أن هذا التحالف غير المسبوق بين أهم شركة عربية خاصة برئاسة أمير يصعب فصله أو إبعاده عن الثقل الإستراتيجي والمالي لبلاده، وأكبر وأقوى مجموعة إعلامية وأكثرها نفوذاً تجارياً وأيديولوجياً على الساحة الدولية سيفرض على البلدان والمجتمعات العربية أمراً واقعاً احتكارياً جديداً سيتعين عليهم إن آجلاً أم عاجلاً، التكيف معه سياسياً وثقافياً وتجارياً.
وإذا كان الأمير الوليد بن طلال معروفاً لدى شرائح من الرأي العام العربي من خلال سيرته ونجاحه والمشاريع التي يملكها والفضائيات الترفيهية التي أطلقها، فإن المعرفة العربية بالسيد موردخ محدودة وتقتصر على بعض المختصين والمستثمرين في الإعلام.
قدرت قيمة ممتلكات مجموعة News Corporation التي يملكها ويحكمهاRupert Murdoch رجل الأعمال الاسترالي المنشأ الأمريكي الجنسية في ايلول/سبتمبر 2009 بحوالى خمسة وخمسين (55) مليار دولار كما قدرت أرباح المجموعة في نفس التاريخ وللسنة المالية نفسها بنحو ثلاثين (30) مليار دولار.
وتشمل نشاطات News Corp كما تسميها الأوساط المالية والإعلامية، ثمانية قطاعات حيوية معظمها إبداعية وإعلامية هي: صناعة السينما، الإنتاج التلفزيوني، التوزيع والكيبل، البث الفضائي، الصحف، طباعة وتوزيع الكتب، إلي جانب خدمات التسويق والتوزيع وأعمال تجارية متنوعة كالسفر والسياحة والزراعة... إذ يملك السيد موردوخ إحدى أكبر مزارع تربية الغنم في استراليا.
وتتمركز معظم نشاطات News Corp. في الولايات المتحدة وفي أوروبا، خصوصا في المملكة المتحدة وفي استراليا وآسيا وأمريكا اللاتينية. ولا يعرف للمجموعة نشاط مسبوق في المنطقة العربية عدا أن موردخ أبدى اهتماما قبل بضع سنوات بقناة 'الجزيرة' الفضائية وببعض المشاريع الاعلامية العربية الاخرى.
ومن بين الأسماء والعلامات التجارية التي يملكها موردوخ كلياً أو جزئياَ: فوكس FOX للأفلام والتلفزيون، داوجونز وصحيفة 'وول ستريت جورنال'،Sky TV، وكالة رويترز للأنباء، شبكة Star TV الاسيوية...
ويعتبر السيد موردوخ، رغم بلوغه 79 عاما، احدى أقوى الشخصيات في العالم حيث لم يسبق لأحد قبله أن تربع علي عرش مثل هذه الإمبراطورية الإعلامية والترفيهية التي أحكم بها قبضته على شرائح مهمة من الرأي العام في القارات الخمس.
ويقول الكاتب الأمريكي المعروف Jerome Tuccille، مؤلف كتاب 'روبرت موردوخ: صانع إمبراطورية إعلامية عالمية'، 'إن قصة موردوخ تتجاوز بكثير أبعاد نجاحه الشخصي كرجل أعمال، إذ أن موردوخ موجود في صلب وجوهر ثورة الاتصال والإعلام التي نعيشها وله دور محوري في تحديد الطريقة التي أصبحنا نتلقى بها الأخبار..' ويضيف توكسيل 'لا أحد يدري إذا كان هذا الأمر جيداً أم سيئاً!'.
هذا التساؤل يجسد آراء الخبراء والمختصين بشأن شخصية موردوخ وإمبراطوريته الإعلامية. فهناك من جهة من يعتبره طاقة إبداعية وقيادة وغير مسبوقة تمكنت بنجاح منقطع النظير من اختراق أسواق الدول الكبرى، بما في ذلك الولايات المتحدة التي واجه فيها موردوخ صعوبات وعراقيل كبيرة قبل حصوله على الجنسية الأمريكية، وإحكام قبضته على النشاطات الترفيهية والإعلامية. وهناك من جهة أخرى من يتهم موردوخ بالرعونة والمكابرة والسعي وراء السيطرة المطلقة على عقول الناس وقلوبهم.. وبالتالي على السياسات التي تحكمهم وتوظيفها لمصالحه.
المؤكد أن السيد موردوخ، وهو ليس يهودياً كما يشاع، لكنه من أقوى المؤيدين لإسرائيل وبالتحديد لليمين الإسرائيلي، ولا تخفي جميع وسائل الإعلام التي يملكها خصوصاً Fox News تأييدها المطلق وتعاطفها مع إسرائيل في كل ما تقوم به بما في ذلك حرب 2006 على لبنان وحرب 2009 على غزة، مما يجعله شخصية عقائدية مثيرة للجدل.
و تكفي مشاهدة قنوات فوكس في الولايات المتحدة، أو قراءة صحيفة ' وول ستريت جورنال' أينما صدرت في العالم أو صحيفة The Times اللندنية، ناهيك عن الصحافة الصفراء Tabloids مثل The Sun، للتأكد بما لا يدعو مجالا للشك من قوة موردوخ في فرض عقيدته الأيديولوجية على وسائل الإعلام التي يملكها والترويج للتوجهات الفكرية المحافظة والمتصلبة.
فقد كانت قنوات FOX تتعامل مع المرشح باراك أوباما خلال حملة الإنتخابات الرئاسية بكل إزدراء وسخرية بسبب أصوله الإفريقية، ولم تحد عن ذلك إلا على مضض بعد دخول السيد أوباما البيت الأبيض.
أما تغطية الشؤون العربية في الأجهزة والشبكات الإعلامية التي يملكها موردوخ، فإنها تنم عن جهل متعمد وانحياز أعمى ضد كل ما هو عربي أو مسلم إلى درجة إقرار شرائح مهمة من الرأي العام الأمريكي والغربي بشعورها بالاشمئزاز مما يصدر عن مذيعي FOX NEWS ومعلقيها. ولن أنسى أن شبكة فوكس وصفت قناة 'الجزيرة' للأطفال يوم إطلاقها في ايلول (سبتمبر) 2005 بالقناة التي ستربي الأطفال العرب للسير على درب أسامة بن لادن ليكونوا 'إرهابيّ المستقبل'!
على الجانب الآخر لهذه الشراكة العملاقة نجد الأمير الوليد بن طلال بن عبد العزيز آل سعود الذي وصفته مجلة Forbes الأمريكية بـ'أحد أذكى المستثمرين وأكثرهم ابداعاً في العالم...' الوليد من مواليد 1955، حاصل على ماجستير علوم اجتماعية من معهد ماكسويل بجامعة Syracuse، وهي إحدى أفضل المؤسسات الأكاديمية الأمريكية، وعلي ماجستير إدارة أعمال من معهد Menlo الخاص بسان فرانسيسكو، ويرأس الأمير الوليد مجموعة 'المملكة القابضة' التي قدرت قيمة الأصول التي تملكها في العام الماضي بحوالى سبعة عشر (17) مليار دولار، معظمها استثمارات في شركات عالمية مرموقة تشمل الخدمات المصرفية والفنادق الفاخرة والترفيه والإعلام والاتصال... ومن بين العلامات التجارية التي تملكها المجموعة كلياً أو جزئياً: Four Seasons، M'venpick، Euro Disney، Warner Bros.، HP، Motorola، Pepsi Cola... الى جانب News Corp. التي يرأسها موردوخ ويملك فيها الوليد حوالى 5% من الأسهم. كما يملك الأمير السعودي مجموعة قنوات روتانا وشركة روتانا للإنتاج والتوزيع الفني وكذلك نسبة 25% من الشركة السعودية للأبحاث والتسويق التي يرأسها الأمير فيصل بن سلمان بن عبد العزيز وتصدر العديد من الصحف والمجلات من بينها 'الشرق الأوسط' و'سيدتي'.
ولا شك أن هذه الشراكة المرتقبة بين مجموعتين إعلاميتين عالميتين يتجاوز وزنهما المالي سبعين (70) مليار دولار وتملكان القدرة على إكتساح المنافسة، أيا كان مصدرها، ستفتح أفاقا جديدة أمام الأمير الوليد ليصبح، بفضل تحالفه مع مجموعة موردوخ، اللاعب الأول في الساحة الإعلامية والترفيهية العربية ليس فقط في مجال إنتاج وتوزيع الأفلام والموسيقى، بل أيضاً في تطوير الأخبار و'الملتيميديا' والرياضة. وهذا يضع على عاتق بقية اللاعبين في العالم العربي، بما في ذلك في قطر، تحديات كبيرة للحفاظ على المنافسة المفتوحة وعلى تنوع أطياف المشهد الإعلامي العربي، وإلا فإن الاحتكار سيعود بنا إلى عصر الفكر الواحد والخيار الواحد أمام الشاشة، ما لم تتحرك الدول العربية وتسن تشريعات توافقية تنظم هذا المشهد في مجالات الاستثمار والبث والتوزيع وترتقي به ليكون رافدا للتنمية، مجسدا للهوية ومواكباً للحداثة. لأن إعلام موردخ لا يكترث بخصوصية أو هوية أو ثقافة أو دين أو مصلحة...إلا إذا كانت ستخدم رؤيته وأهدافه.

ليست هناك تعليقات:

إرسال تعليق