الاثنين، 19 أكتوبر 2009

حماس والإخوان...بين "الطالبانية" و"الأردوغانية"

كتب : عريب الرنتاوي

ما من تجربة "إسلامية" قوبلت بالحذر والتشكيك بل والاتهام من قبل تيارات إخوانية وإسلامية عربية عدة، مثل تجربة العدلة والتنمية في تركيا....ومع ذلك ما من دولة عربية أو حتى إسلامية صديقة للغرب انتهجت سياسة مستقلة عنه حتى في أشد الظروف حساسية وحلكة (الحرب على العراق مثلا) مثل تركيا...ما من دولة عربية وإسلامية، تمتعت بالحيوية السياسية والدبلوماسية، وحققت معدلات النمو الاقتصادي والاجتماعي في العشرية الأخيرة مثل تركيا... وما من دولة عربية أو إسلامية انتصرت لغزة وشعبها وقضيتها مثل تركيا بزعامة رجب طيب أردوغان.

نحن إذن أمام تجربة فريدة من نوعها، تعطي دروسا وتقدم أنموذجا لنا جميعا على اختلاف مرجعياتنا...للوطنيين والقوميين منا، تقدم تركيا أردوغان درسا بالغة الأهمية في "استقلالية القرار" وتقديم المصالح العليا للبلاد على ما عداها...و للإسلاميين منا توفر لهم ما يدفعهم للحسم بين نموذجيين: الأول، مستقبلي صاعد، تنويري تنموي مدرك لروح العصر واحتياجاته، يمكن تسميته اختصارا بـ"الأردوغانية" ...والثاني، ماضوي هابط، ظلامي متخلف، ينتمي للكهوف و"خطاب الفسطاطين" ويمكن تسميته اختصارا بـ"الطالبانية".

"الأردوغانية" تقوم على الحوار والدبلوماسية والاعتراف بالآخر واحترامه، تصفير الخلافات مع الجوار، تنمية المصالح والنفع المشترك، القبول بالتنوع والتعددية، احترام قواعد اللعبة الديمقراطية، مقاومة الظلم والاحتلال والافتئات وتوخي العدالة.

فيما "الطالبانية" تقوم على "خطاب الفسطاطين" و"الجهاد العالمي" ودار الحرب (الكفر) ودار السلام (الإسلام)، لا تحترم الرأي الآخر، وتكفر العالم برمته بما فيه غالبية المسلمين (السنة، وليس الشيعة فقط)، لا تؤمن بالديمقراطية وتفضل عليها حكم الكتاتيب الشمولي والمموه بـ"حاكمية الله"، تختقر المرأة وتصادر حقوقها وتمنع مشاركتها.

لدينا الآن من الأسباب ما يدفعنا لمطالبة الحركات الإسلامية العربية (الإخوانية أساسا) والفلسطينية (حماس تحديدا) لأن تحسم أمرها، وتأخذ بـ"الأردوغانية" في مواجهة "الطالبانية"، تعظم الدروس المستفادة من تجربة الأولى، وتنقّي خطابها وممارساتها من "شوائب وعوالق "الطالبانية" الكريهة.

ولدى الأردوغانية اليوم من "الخبرات" و"المحكّات" و"الاختبارات"، إن في إنجازها الداخلي أو على مستوى السياسة الخارجية، ما يشفع لها ويؤهلها لتقديم نفسها كأنموذج، وبالذات للإسلام السياسي الفلسطيني ممثلا بحماس وتحديدا في قطاع غزة الذي تحوّل مؤخرا إلى واحدة من "خطوط التماس" بين أنقرة وتل أبيب، في انتصار تركي نادر ومقدر لحقوق الفلسطينيين وتطلعاتهم.

بعض (أو كثير) مما يشهده قطاع غزة تحت حكم حماس، ينتمي للأسف لـ"الطالبانية" ولا صلة تجمع بـ"بالأردوغانية" من حكاية فرض الحجاب والجلباب على المحاميات وطالبات المدارس، إلى حكاية "الدراجات النارية والهوائية" مرورا بمحاولة إشاعة نموذج ديني في الحكم والسلطة، صحيح أن الأمر لم يصل بعد حد إعادة انتاج "الطالبانية" وقد لا يصل، لكن الصحيح أن المطلوب من حماس يتخطى ذلك بكثير، إلى إعادة انتاج "الأردوغانية" فكرا ونهجا وممارسة، إن هي أرادت أن تنتقل من الحدود الضيقة للفصائلية إلى الفضاء الأرحب للعمل الوطني وقيادته، خصوصا أننا ما زلنا في مرحلة التحرر الوطني التي تحتاج إلى جمع كافة قوى الشعب على اختلاف مشاربها ومرجعياتها تحت ظلال مرجعية وطنية موحدة أولا، وثانيا: أن تجربة العدالة والتنمية بزعامة الطيب أردوغان، برهنت بالملموس أنه يمكن الجمع بين "قراءة حداثية للإسلام" من جهة، وتبني عميق وأصيل للديمقراطية والتعددية والتنوع من جهة ثانية، والتقدم على طريق التنمية الاقتصادية والاجتماعية الشاملة من جهة ثالثة، واتخاذ مواقف مستقلة عن الغرب وأحيانا مصطدمة معه إن تطلب الأمر من جهة رابعة، فهل يتوقف الإسلاميون العرب قليلا أمام تجربة العدالة والننمية في تركيا، هل نامل أن تتخطى قراءاتهم اللحظة السياسية الراهنة وحساباتها الآنية والانتهازية، إلى ما هو أبعد وأعمق وأشمل من دورس وخلاصات ؟!

ليست هناك تعليقات:

إرسال تعليق