الاثنين، 22 مارس 2010

"الديمقراطية" إذ تخطت الأربعين


رجب ابو سرية
كان لانطلاقة الجبهة الديمقراطية قبل واحد واربعين عاماً دورٌ في خلق صلة الوصل بين الفصائل الفلسطينية، خاصة تلك التي تشكلت قبلها، ومع مرور الوقت، ورغم ان فصيلاً أساسياً (الجبهة الشعبية) نظر اليها على اعتبار انها كانت حالة انشطارية عنها وهذا خطأ معلوم، الشعبية ائتلاف رباعي (جناحي حركة القوميين العرب من 1963: الجناح اليساري الديمقراطي، والأخر الوطني، جبهة التحرير الفلسطينية التي غادرت الائتلاف باسم الشعبية القيادة العامة عام 1968، منظمة فلسطين العربية التي غادرت الائتلاف وانضمت إلى فتح عام 1971 برئاسة العقيد أحمد زعرور ضابط متقاعد من الجيش الأردني)، اتضح الدور الوطني لـ"الديمقراطية" في اغناء الحالة الوطنية من زاويتين، الاولى خلق صلة ما بين الطابع العملي لحركة فتح والاخلاقيات السياسية المشتركة بين "الديمقراطية" و"الشعبية"، ثم اضافة القيم الديمقراطية، خاصة على الصعيد التنظيمي للتراث الفصائلي برمته.
تعمق مع ظهور الجبهة الديمقراطية، التي لم تسقط من السماء، كون قيادتها وكادرها خرج من عباءة التيار اليساري في حركة القوميين العرب والذي استقل في الاقطار العربية باسماء وبرامج أخرى في كل قطر (حركة القوميين العرب/ محمد جمال باروت/ المركز العربي للدراسات الاستراتيجية/ دمشق، وكتاب حركة القوميين العرب/سهير التل/عمان/الأردن)، والتي كانت قد تحولت بدورها بحركة القوميين العرب - التنظيم الفلسطيني، مفهوم البندقية المسيسّة، وظهر ذلك بقوة بعد أعوام قليلة على اعلان الجبهة الديمقراطية، حين تبنّت برنامج النقاط العشر، الذي تحول إلى برنامج سياسي لـ م.ت.ف.
الآن وبعد ان تخطت الجبهة الديمقراطية الاربعين عاماً من عمرها، تواجه الجبهة ومعها مجموع المفكرين السياسيين والمثقفين الفلسطينيين اسئلة عديدة، تدخل إلى عمق العمل السياسي الفلسطيني، لعل أهمها السبب الذي ما زال يحول دون ان تتحول الجبهة الديمقراطية ومجمل قوى اليسار الفلسطيني إلى قوة أولى قائدة، وتحويل تلك القيم إلى نظام عام، خاصة بعد ان تولت الفصائل منذ خمسة عشر عاماً مسؤولية ادارة نصف الشعب الفلسطيني - موضوع الدولة تحت الاحتلال - في الضفة الغربية وقطاع غزة.
من يسعى إلى استحضار المبررات، سيجد مخرجاً له يعفيه من القيام بمراجعة التجربة، واخفاقاتها، لكن من يتحرر من إرث الماضي، حتى بحضوره البهي في جوانبه المشرقة، يمكنه بكل بساطة ان يصل إلى نتيجة مفادها ان "ثورة" داخلية باتت مطلوبة ويحتاجها الشعب الفلسطيني لينطلق مجدداً، آخذاً بعين الاعتبار التحولات الكونية/ الاقليمية/ وحتى الداخلية، بعد ان اجترح الشعب الفلسطيني انتفاضتين متتاليتين، كانت أولاهما في غاية الأهمية، دون ان يحقق أهدافاً ذات أهمية، في مقدمتها - الهدف الذي وضعته الانتفاضة موضع التنفيذ، بعد ان حددت ملامحه السياسية مبكراً مبادرة الجبهة الديمقراطية - نقصد- اقامة الدولة في الضفة وغزة، استناداً إلى برنامج النقاط العشر، واعلان الاستقلال العام 1988م.
لعل عدم قدرة اليسار، ومنه الجبهة الديمقراطية، على وقف التدهور السياسي الفلسطيني العام، خاصة في جوانب العلاقات الداخلية، بين الفصائل، وفي مجمل النظام السياسي، الذي تراجع في درجة عمله الجماعي، ومستوى الرقابة، يظهر حجم المأزق الذي تعاني منه الفصائل مجتمعة والذي أدخلت فيه الشعب الفلسطيني وقضيته الوطنية، وصولاً إلى حالة الانقسام المدمرة الراهنة.
على مدار عقدين مضيا، لم تتقدم القوى الديمقراطية، ان لم تكن قد تراجعت، وبات المشروع الوطني رهناً للتجاذب بين قوة وطنية وأخرى أصولية، وضعت حداً للتقدم بالمشروع إلى الأمام، وفق نظام الشراكة، وهكذا فانه يمكن القول بأن الشعب الفلسطيني ربما بات بحاجة إلى انطلاقة سياسية جديدة، تفرض تحولاً جذرياً على النطاق الوطني، يكرس الديمقراطية الشعبية بآفاقها العصرية، ولعل في مقدمة ذلك، ظهور إرهاصات الحديث عن كيفية فرض التحول والتغيير على هذه الفصائل، من خارجها، أي من الوسط الشعبي، وبقوة التطور المجتمعي، دون انتظار التغير من داخل هذه الفصائل الذي لم يأت على مدار السنين.
بالمعنى النسبي يمكن استحضار مواقف الجبهة الديمقراطية المشرقة، كذلك كل التضحيات التي قدمتها الفصائل مجتمعة، لكن في الواقع الراهن، لا بد من القول بأن مجموع الفصائل بات يشكل بوضعه الحالي حجر عثرة أمام تطلعات الفلسطينيين للتقدم على طريق الحرية والاستقلال.
لذلك بات من الضروري فتح أبواب هذه الفصائل، ووضعها على طاولة المساءلة والمحاسبة، ذلك انه لا بد من القول بأن الديمقراطية الفلسطينية لا يمكن ان تتقدم، دون اخضاع الفصائل للمساءلة الشعبية، أي دون وجود قانون أحزاب تخضع له في علاقاتها الداخلية وفيما بينها، ويحكم ويحدد الضوابط لاتصالاتها وعلاقاتها الخارجية.
من البداية لا بد من التساؤل، ان كان يمكن للفلسطينيين ان ينجحوا في اقامة نظام ديمقراطي/ انتخابي، في ظل وجود أحزاب مسلحة، سرعان ما تفرض مواقفها على خصومها بالقوة - كما حدث في الحسم العسكري العام 2007-. ثم كيف يمكن ان تخضع الفصائل وهي القوة السياسية الاساسية التي تقرر مصير الفلسطينيين، دون ان يراقب الشعب عملها، أداءها، وعلاقاتها الداخلية والخارجية، وفي مقدمة ذلك تمويلها وبرامجها، حيث لا أحد من المواطنين - أي الشعب لا يعلم من أين تمول الفصائل، وإلى أين تذهب الأموال التي تحولها لها قوى اقليمية وخارجية، بذلك لا يمكن ان يجد الفلسطينيون طريقهم إلى الحرية في ظل سيطرة فصائل خارج دائرة الرقابة والمحاسبة الشعبية، كذلك لا يمكن توقع ان يقبل النظام العالمي ولا حتى الاقليمي إقامة دولة مستقلة دون ان تكون ديمقراطية وحديثة، لذلك فانه من المستبعد اعلان الدولة في ظل الوجود الحالي للفصائل، ما لم يعلن عن قانون احزاب يخضعها لمساءلة القانون ومحاسبة الشعب، حفاظاً على النظام العام، الذي لا بد له ان يكون ديمقراطياً بالفعل، وليس بالقول فقط.


ليست هناك تعليقات:

إرسال تعليق