الاثنين، 22 مارس 2010

في ذكرى الاستقلال تأصيل الكيان الوطني في مواجهة الاستهداف


بقلم: عبد السلام بوعائشة
يوم 20 مارس تم الإعلان عن استقلال تونس تتويجا لعقود من النضال الوطني وبدأت مسيرة جديدة في البناء السياسي والتنموي أسس لها دستور جديد وحكومة جديدة وسط خلافات وتناقضات شقت صفوف الحركة الوطنية آنذاك وألقت بتأثيراتها على مجمل البناء الجديد وتفاعلاته المستقبلية. واليوم وبعد أكثر من خمسة عقود من الاستقلال وتحول السيادة إلى أبناء البلاد وخروج المستعمر وبالنظر إلى ما تعيشه مسيرة التنمية اليوم من تجاذبات داخلية وخارجية وبروز الظاهرة الاستعمارية من جديد محمولة على تيار العولمة الاقتصادية وأطرافه الجديدة القديمة وفي مثل هذه المناسبة الوطنية ورغم حدود المساحة الضيقة لهذا الرأي نرى أننا في حاجة إلى مساءلة أنفسنا ومساءلة العقل السياسي الفرنسي عامة والاستعماري منه بشكل خاص هل أن فرنسا راجعت فعلا سياستها القديمة تجاه تونس وغير تونس من الدول العربية والإفريقية وفي العالم ؟هل وبّخت ضميرها ضمير الثورة الفرنسية وأنّبت نفسها وحاكمت مجرميها وأنصفت ضحاياها وطهرت ثقافتها وبرامج تعاونها الدولي من لوثات العقلية الاستعمارية المجرمة؟ هل أن السياسة الخارجية لفرنسا في تعاملها مع شؤوننا الوطنية تحررت فعلا من عاداتها القديمة ومن أشواق العقلية الاستعمارية الباحثة عن العودة إلى التحكم في ما وراء البحار؟هل قطعت فعلا مع عقيدتها العسكرية القديمة ومع فكر عصابات اليد الحمراء ومع ثقافة الاستعلاء الأوروبي وفلسفة التنوير والتمدن الأبيض في مواجهة عالم "البرابرة والأفارقة السود المتخلفين".
ثم هل إن الاستعمار الفرنسي قد غادرنا فعلا دون أن يترك طابورا وجيشا من المبشرين الحاملين لرسالته التمدينية ومثلهم من الأغبياء الدين توهموا أن الاستعمار هو مجرد بدلة عسكرية ومقيم عام فرنسي يحكم باسم حكومته ؟
الحقيقة المؤسفة التي كشفت عنها مطبات الاقتصاد العالمي الجديد وسياسات الفضاء الأوروبي وتفاعل الأطراف الوطنية معها هي أن فرنسا والكثير من نخب البلاد المغلوبة التي رضعت عن قناعة او عن جهل ثقافة الغالب تسعى لتدارك ما فاتها من سنوات الاستقلال وتعمل على استرجاع مجد الحقبة الاستعمارية دونما خجل من التاريخ الوطني وتضحيات أجيال متعاقبة من المناضلين الوطنيين .
دولة الاستقلال الوطني في حاجة لمزيد الانجاز حتى تقنع السياسة الخارجية الفرنسية بأن هناك فرق بين التعاون والتدخل وفرق بين الصداقة والتبعية وفرق بين الذاكرة الوطنية التونسية والذاكرة الاستعمارية الفرنسية.ودولة الاستقلال الوطني في حاجة لتحرر كثير من النخب الوطنية من وهم العبقرية الفرنكوفونية وتقنعهم بأن ثمة فرق بين الاستثمار للوطن والشعب والاستثمار في الوطن وعلى حساب الشعب وان الذاكرة الوطنية ما زالت تحمل كل الوفاء لمن رفعوا شعار الاستقلال التام او الموت الزؤام استشهد منهم الكثير واستمروا أحياء عند شعبهم الذي حمل على عاتقه أعباء مشروع الدولة الحديثة ويحمل اليوم أعباء التحول بها إلى برّ الأصالة والانتماء .
لقد كانت مبادرة حزب الاتحاد الديمقراطي الوحدوي في مطالبة فرنسا بالاعتذار لتونس عن حقبة الاستعمار وجرائمها مبادرة وفاء للتاريخ الوطني ودعوة لتأصيل كيان الدولة كشفت عن حقيقة أن العقل الاستعماري الفرنسي وأتباعه من جند الطابور الفرنكوفوني في تونس لا يرون في التاريخ ما يستحق الاعتذار ولا جبر الأضرار وعبروا عن استهانة واستهتار بشرعية نضالات شعبنا وحقوقه في الإنصاف والعدل متخفين وراء خطاب سياسي يرفض التماثل مع التاريخ ويصرّ على فصل المصالح السياسية والاقتصادية العابرة عن المصالح الوطنية الثابتة التي تمثل خير ضمان للاستقلال المستدام والتنمية الوطنية التي تستجيب لتحديات الحاضر واستحقاقات المستقبل.
إن التاريخ لا يعود إلى الوراء ولذلك فان مسيرة الاستقلال الوطني التي بدأت سنة 1956 بانتزاع الاعتراف بالسيادة الوطنية للشعب على مصيره ومستقبله تحتاج اليوم إلى تعزيزها بما يمكّن البلاد من مواجهة مشاريع التوسع الاستعماري الجديد وعلى رأسها مشاريع ضرب الهوية ويمكّن من مقاومة طوابير الانبتات والاغتراب الفكري والسياسي التي صارت تمثل عدوانا حقيقيا على ثقافة الشعب وهويته العربية.    

ليست هناك تعليقات:

إرسال تعليق