الاثنين، 25 يناير 2010

قصة حكومتين !


بقلم صبري حجير              

طلب المكتب الإعلامي في غزّةَ ، يوم الجمعة في 22 – 01 – 2010 ، من الصحفيين عدم استخدام مصطلح الحكومة المقالة ، حين الحديث عن الحكومة الفلسطينية في غزة التي يترأسها الأستاذ اسماعيل هنية ، باعتبار أن استخدام مصطلح مقالة انحياز إعلامي وغير قانوني ، وفيه قلب للحقائق كما جاء في بيان المكتب الإعلامي في غزّة ، وجاء بالبيان أيضاً " أنهُ تحت ضغط الإنحياز الدولي والإقليمي وقع العديد من من وسائل الإعلام بالخلط ، وتمَ قلب الحقائق ! "
الحقيقة التي يعيشها الشعب الفلسطيني في الوطن هي أنّ في الضفة الغربية حكومة فلسطينية تدير شؤون الضفة الفلسطينية وترعى مصالح الشعب الفلسطيني ، ويأتي على رأسها الدكتور سلام فياض ، وهذه الحكومة تستمد شرعيتها  من قوة تفويض الدستور لرئيس السلطة الفلسطينية لها  .
على الجانب الآخر من الوطن أي في قطاع غزّة ، توجد حكومة فلسطينية أنشأتها السلطة الوطنية الفلسطينية برئاسة الأستاذ اسماعيل هنية ، وهي الحكومة الحادية عشرة التي حازت على ثقة المجلس التشريعي ، وترفض إقالتها من رئيس السلطة الفلسطينية الذي فقد شرعيته بانتهاء ولايته ، حسب ما تقول حركة حماس  .
هي قصة حكومتين إذن !  تشبه الى حدّ ما ( قصة مدينين ) التي كتبها الروائي الإنكليزي تشالز ديكنز عام 1780 التي كان يربط بها  دراما و أحداث كانت تجري فصولها بين مدينتي باريس قُبيلَ الثورة الفرنسية ، وبين ما كان يحدثُ في لندن من تناقضات ناعمة تصيب المجتمع البريطاني .
حكومة في الضفة الفلسطينية تحت الإحتلال تعيش برخاء واستقرار، تحيقُ بها نوازع السيطرة والسلب الصهيونيين ، وحكومة فلسطينية في قطاع غزّة تحت الحصار المطبق ، من العدوّ ومنَ الشقيق  ! فكلا الحكومتين محكومتين بمقتضيات الإحتلال الإسرائيلي ، وعليه فإنّ الموضوع الرئيسي الذي يهم الشعب الفلسطيني هو كيف يتخلص من الإحتلال ؟ وكيف ينهي الحصار ؟
الحكومة في الضفة الفلسطينية أنشأها الرئيس محمود عباس إثرَ سيطرة حركة حماس على قطاع غزّة .
بدأ محمود عباس بحكومة الطوارئ لتجابه ما طرأ من سيطرة حماس على قطاع غزّة ، وفي 11 يوليو 2007 قال مصدر فلسطيني أن محمود عباس ينوي اعتبار حكومة الطوارئ بمثابة حكومة تصريف أعمال ، الى حين إجراء الإنتخابات التشريعية المتوجبة .
باتت حكومة تيسير الأعمال التي يترأسها سلام فيّاض ، تتصرف كحكومة أصيلة ، تضع القوانين والتشريعات ، وتمارس سياسة قمع ناعمة للحريات ، وتعتبر حمل السلاح ضدّ الإحتلال عملاً خارج عن القانون العام ، ووصل الأمر بفياض أن وضع مبادرات سياسية دون أن يلتفت للقوى السياسية والفصائلية الفاعلة ، حتى تلك التي تقيم في رام الله ، رغم اعتراض حركة فتح على تغييبها عن صدارة حكومة تسيير الأعمال، إلا أنها ، في النهاية ، التزمت برؤية الرئيس ابو مازن .
انّ وجود حكومتان فلسطينيتان ، واحدة في الضفة المحتلة ، وأخرى في غزّة المحاصرة ، يعني استمرار الخلاف الفلسطيني الفلسطيني ، والتعذر عن الوصول الى حالة وفاق وطني من شأنه أن ينهي الإنقسام ، ويطلقُ وضعاً سياسياً موحداً ، يحقق الوحدة الوطنية للشعب الفلسطيني ، باعتبار أنّ القضية الفلسطينية واحدة موحدة لا تتجزأ . الأيام الماضية ، أثبتت للأطراف الفلسطينية المختلفة ، أن ليس هناك مجالاً للإلغاء الديمقراطي أو العسكري لأحد من الطرفين ، وأن ليس هنالك من طريق أمام فتح وحماس الاّ اللقاء والتفاهم والوحدة .
الوحدة الوطنية الفلسطينية باتت مطلباً ملحّاً تفرضه مقتضيات المصلحة الوطنية العليا للشعب الفلسطيني ، خاصةً في هذه المرحلة ، التي تكشفت عن بؤس الموقف الأمريكي من عملية التسوية ، وعن عجز ادارة أوباما من تحقيق تطوراً سياسياً ما على الأرض ، وهو ما استدعى أن تتكرر عودة  متكررة لجورج ميتشل  الى المنطقة في محاولة لتعبئة الفراغ السياسي الناشئ ، بسبب تعنت حكومة نتن ياهو !
لم تستطع القاهرة لأجل مواقفها المسايرة لاسرائيل من انهاء الخلاف والإنقسام ، وتحقيق المصالحة المرجوة  بين حركتي فتح وحماس ، ويبدو أن الجهود المصرية في هذا الشأن اصطدمت بسياج فولاذيٍّ منيع ، لا تقدر على النفاذ منه ، فتحاول القاهرة أن تعكسه في اجراءات تنفيذية على الحدود المصرية الفلسطينية ! الأمر الذي أفسحَ للمملكة العربية السعودية المجال لتقديم تصورات وأفكار من شأنها أن تحقق تقدما في عملية المصالحة الفلسطينية ، وهو ما يخدم الجانب الأمريكي لجهة الضغط على الحكومة الإسرائيلية ، للتقدم الى الأمام في تنفيذ خطوات سياسة تتفق مع توجهات أوباما في مسعاه لحلِ الدولتين ، وفي هذا الصدد أبدت الولايات المتحدة استعدادًا للتعامل بإيجابية مع الأفكار السعودية حسب صحيفة " الشروق المصري " وقد استفادت المملكة العربية السعودية من صفاء العلاقات مع سورية ، لأجل محاولة تأمين شروط مصالحة من قبل الأطراف الفلسطينية المقيمة في دمشق ، وخاصةً حركة حماس التي تشكل في الواقع الفلسطيني أحدى الحكومتين الفلسطينيتين . من جانب آخر كان موضوع تحقيق المصالحة الوطنية الفلسطينية أحد المواضيع الرئيسية التي جمعت الزعيمين بشار الأسد و معمر القذافي في ليبيا ، الأحد في 24 – 01 - 2010 حسب الوكالات العالمية للأنباء .
ويبدو ان المصالحات العربية ،العربية باتت تسمح أكثر ، من ذي قبل ، للحركة باتجاه إنهاء حالة الإنقسام  الفلسطينية ، واعادة الوحدة لشطري الوطن ، لكن يبدو أن القاهرة  المؤهلة لأن تكون الراعي الأول في التفاهمات الفلسطينية الفلسطينية بدأت تستوعب الدور الإنقاذي للأطراف العربية للمصالحة الفلسطينية ، لكنّ موقفها  مازال غامضاً أو متردداً ، اتجاه تطور الموقف العربي ونضوجه على وجهٍ قد تتمَّ فيه المصالحة الفلسطينية في إطار البيت العربي ، " في مؤتمر القمّة العربي القادم في ليبيا " فهل تسطيع القمة العربية المقبلة في الجماهيرية العربية الليبية تحقيق المصالحة الفلسطينية ، وإنهاء الإنقسام الفلسطيني مما قد يؤدي الى نهاية سعيدة لقصة الحكومتين ؟

صبري حجير .
كاتب فلسطيني مقيم في السويد


ليست هناك تعليقات:

إرسال تعليق