الخميس، 19 نوفمبر 2009

في الطريق إلى مجلس الأمن ؟!


كتب: عريب الرنتاوي

قد يكون من المبكر الحديث عن "استراتيجية فلسطينية جديدة"، فنحن ما زلنا بحاجة للتعرف على ملامح الخطة الفلسطينية لمرحلة ما بعد "استعصاء المفاوضات" و"إرجاء الانتخابات"، والأرجح أن استراتيجية كهذا لم تتبلور بعد، وأننا ما زلنا في مرحلة "عض الأصابع" و"المناورات الضاغطة" و"سبر الأغوار" و"إطلاق بالونات الاختبار".
التوجه إلى نيويورك، بعد أن عادت ريما (واشنطن) سريعا لعادتها القديمة، يتكشف عن عدة مقاربات وسيناريوهات...السيناريو الأول: إقدام السلطة من جانب واحد، على إعلان قيام الدولة الفلسطينية على المناطق المحتلة عام 67 وعاصمتها القدس، والذهاب به إلى مجلس الأمن، متشجعة بالشوط الكبير الذي قطعته على طريق بناء المؤسسات والأجهزة، وبشهادة الجنرال دايتون (أمنيا) وطوني بلير (اقتصاديا)، مثل هذه المقاربة لا تبتعد كثيرا عن "رؤية بناء الدولة تحت الاحتلال أو رغم أنفه" كماتقول وثيقة سلام فياض، وهي تعيد تجربة إعلان الاستقلال (88)، والأرجح أنها ستستدعي خطوات إسرائيلية من جانب واحد، وسيكون الاعتراف بالدولة الوليدة على الورق، محدودا، وقد لا يتخطى الاعتراف القائم بها حاليا.
السيناريو الثاني، قيام مجلس الأمن الدولي بإصدار قرار يعيد فيه التأكيد على رؤية دولتين لشعبين، ونظرا لأن واحدة من هاتين الدولتين موجوة بالفعل، ومدججة بكل عوامل القوة والاقتدار، فإن القرار قد يشتمل على تأييد قيام الدولة الناقصة/الغائبة، الدولة الفلسطينية على حدود 67 وعاصمتها القدس، وبصورة تتخطى القرار 1515 أو إعلان الاستقلال، مثل هذا الاحتمال سيشكل من دون ريب انتصارا سياسيا للقضية الفلسطينية، حتى وإن لم يجد طريقه إلى حيز التنفيذ، وهو بعيد كل البعد عن الأحادية التي تستدرج إحادية مقابلة، وقد يقنع الفلسطينيين لاحقا بإعلان دولتهم استنادا إلى القرار الجديد، وقد تجد خطوة كهذه الترحيب والاعتراف من المجتمع الدولي.
المقاربة الثالثة، وتتجلى في محاولة انتزاع قرار من هذا النوع من دون جدوى، واكتفاء مجلس الأمن بنصوص عمومية مكرورة، لا تختلف في جوهرها عن القرارات السابقة، أو إقدام واشنطن على استخدام الفيتو في حال استمسك الفلسطينيون والعرب وحلفائهم بنص يرسم حدود الدولة ويحدد عاصمتها، وسيزداد الطين بلة، إن وقفت دول الاتحاد الأوروبي على الحياد وحواف "الامتناع عن التصويت".
المعركة على مجلس الأمن وفي الطريق إليه، معركة مهمة للغاية، ويتعين إدارتها بكل التصميم والحنكة، إذ يتوقف على نتائجها الشيء الكثير، فهي إما أن تكون دفعا للقضية الفلسطينية إلى الأمام، وإما أن تكون ضربة لها في الصميم، على أن الأهم من كل هذا وذاك، أن لا يكون مجلس الأمن، الساحة الوحيدة التي تختبر فيها السلطة "استراتيجية ما بعد انهيار الخيار التفاوضي"، فثمة ساحات لا تقل أهمية، بل وأكثر أهمية من دون ريب، يجب أن نبدأ منها، وأهمها على الإطلاق ساحة استرجاع الوحدة الوطنية الفلسطينية وترتيب البيت الفلسطيني من الداخل.
أخشى ما نخشاه أن يكون التوجه إلى مجلس الأمن، على عجل، محاولة للهروب إلى الأمام، وترتيب لتفادي استحقاقات استئناف الحوار واستعادة الوحدة، ووسيلة للتهرب من مطلب قطاعات متزايدة من الشعب الفلسطيني، بضرورة اعتماد استراتيجية فيها شيء من المفاوضات وكثير من المقاومة، العاقلة والراشدة والرشيدة، لا بأس، ولكنها المقاومة التي تفتح أفقا جديدا، وتسقط خيار "المفاوضات حياة".
نعم، التوجه إلى الملعب الدولي بعد انكماش مساحة الملعب الأمريكي، توجه مهم وجدير بالتأييد، بيد أنه مشروط أولا وأخيرا، جزءا من استراتيجية أشمل وأعمق، تبدأ بإعادة النظر والمراجعة والتقيم ورسم، ولا تنتهي بتحضير الشعب لمشوار كفاحي طويل على طريق الحرية والاستقلال، ومن دون ذلك، تصبح هذه الخطوات جميعها توطئة وتمهيد لـ"السلام الاقتصادي" و"الدولة تحت الاحتلال" و"الحل الانتقالي بعيد المدى" و"خطة بلير/ دايتون".

ليست هناك تعليقات:

إرسال تعليق