الخميس، 19 نوفمبر 2009

كلينتون والتهديد النووي الإسرائيلي


بقلم: د. فوزي الأسمر
اليوم الأربعاء الحادي عشر من تشرين الثاني (نوفمبر) 2009. المكان شبكة تلفزيون "الجزيرة". الموضوع مقابلة مع وزيرة الخارجية الأمريكية هيلاري كلينتون. الصحفي المحاور عبد الرحيم فقرا.
السؤال (ليس حرفيا): تتحدثين عن الخطر النووي الإيراني، وماذا عن الخطر النووي الإسرائيلي ؟
وكان جواب كلينتون أنه في كل الدول العربية التي زارتها، وفي جميع لقاءاتها ومقابلاتها مع القادة العرب ومع المسؤولين العرب، سمعت منهم عن تخوفهم الكبير من حصول إيران على قنبلة نووية، فهذه القنبلة، قالت كلينتون، تقلقهم  بل وتخيفهم ولا يشعرون بالأمان والسكينة، كون أن حصول إيران على مقدرة نووية  يشكلالكثير من  خطرعليهم.
وأضافت كلينتون ما معناه بأنها تستطيع أن تفهم هذا القلق العربي وذلك التخوف أيضا. ولم تتطرق في ردها إلى موضوع إسرائيل رغم أن السؤال كان موجها في الأساس حول إسرائيل. وتمنيت لو أن السيد فقرا تابعها بسؤال آخر عن نفس الموضوع، أو قال لها أنها لم تجب على جوهر سؤاله.
وتابعتُ منذ ذلك اللقاء الصحفي وسائل الإعلام العربية، طبعا بقدر الإمكان، ولم أر أو أسمع أي رد فعل عربي رسمي، بل لم يكن هناك تعليق إعلامي عربي على هذا الموضوع. وإذا كان المثل العربي صادق، فإن هذا السكوت معناه الرضى والموافقة.
وليس غريبا أن يُعرب القادة العرب عن تخوفهم من قنبلة نووية بأيدي أيران، ولكن قولهم، على حد تعبير كلينتون ضمنا، أنها أخطر من النووية الإسرائيلية، فإن هذا كلام خطير وغير مسؤول بل ومقلق.
إن إيران لم تحصل على قنبلة نووية بعد، ومسألة حصولها على هذا النوع من السلاح، لا يزال موضع نقاش على المستوى الدولي، والمحاولات قائمة ومستمرة لإقناع إيران بإستخدام التكنولوجيا النووية للأغراض المدنية، وهذا في الواقع ما تعلن عنه طهران أيضا.
ولكن إسرائيل وحسب جميع المعلومات المتوفرة والمّوثقة، فإن لديها ترسانة نووية، تهدد بها  ضمنا  كل دول المنطقة، وهو بمثابة سيف مسلول في وجه العرب جميعا.
ولن تتردد إسرائيل في إستعمال هذا النوع من السلاح لتحمي توسعها وسيطرتها وفرض إرادتها، على دول المنطقة بشكل عام، والدول العربية  بشكل خاص. ألم يصرح رئيس وزراء تركيا رجب طيب أردغان قبل عدة أسابيع، أن وزير الخارجية الإسرائيلي  أفيغدور ليبرمان،  قال له أن إسرائيل كانت تفكر  بإستعمال سلاح نووي ضدّ غزة؟
فموقف  القادة والمسؤولين العرب  الذي تحدثت عنه الوزيرة كلينتون في مقابلتها مع "الجزيرة"، يصب مباشرة في الحملة الدعائية التي تقودها إسرائيل ضدّ إيران، وهذه الحملة تقودها إسرائيل لأسباب معروفة تتعلق بها  وبمحاولاتها البقاء الدولة الوحيدة في المنطقة التي تتمتع بترسانة نووية، وبلا شك أنها لا تستخدمها للأغراض المدنية فقط. وعدم نزع هذه الترسانة الإسرائيلية، سيؤدي عاجلا أو آجيلا إلى سباق تسلح نووي في المنطقة.
فلو حمل القادة  العرب على الترسانة النووية الإسرائيلية، بالإضافة إلى حملتهم على محاولة إيران الحصول على مقدرة نووية، لسارت الأمور بشكل طبيعي ومقبول تمشيا مع المقولة المطروحة دوليا "شرق أوسط خال من السلاح النووي".
فمثل هذا الموقف يتطابق مع ما ينادي به الرئيس الأمريكي باراك أوباما، وغيره من زعماء العالم، فقد كانت آخر تصريحات للرئيس الأمريكي بهذا الشأن يوم 17/11/2009 أثناء زيارته الأخيرة لليابان حيث قال: "إننا نعمل من أجل عالم خال من السلاح النووي".
 ولكن أوباما رفض التعليق في حينه على سؤال وجهته إليه الصحفية المخضرمة، هيلين توماس، في مؤتمر صحفي في البيت الأبيض، عندما تحدث عن النووي الإيراني، قائلة: وماذا مع  الدولة الأخرى في المنطقة التي تملك مقدرة نووية؟
فرفض أوباما التعليق على سؤال توماس، وتجاهل وزيرة خارجيته كلينتون الرد على سؤال فقرا، لم يمنع أن تنشر صحيفة "هآرتس" (5/11/2009) مقالا مطولا عنوانه: "على إسرائيل الإستعداد للدقيقة التي ستُجبر من خلالها على فتح بوابات المفاعل النووي في ديمونه".
ويقول المقال أن السبب لذلك يعود إلى: "تزايد المطالبة في العالم بمراقبة  دولية لكل الدول التي لديها مواقع نووية، إضافة أن الرئيس الأمريكي سجل على الراية التي يحملها ضرورة، أو على الأقل التقليل من، إنتشار الأسلحة النووية. لهذا فإن على إسرائيل أن تكون مستعدة لذلك".
ربما يعتبر بعض المسؤولين العرب أن إيران تشكل خطرا على النظام القائم لديهم، ولكن تهديد إسرائيل يشكل خطرا على وجود الدولة كلها وليس على النظام فقط. إن أطماع إسرائيل واسعة وواسعة جدا، وطموحة وطموحة جدا.
لقد كان بالإمكان الإعتقاد أن الوزيرة كلينتون لم تقل كل الحقيقة، وأن القادة والمسؤولين العرب قد أعربوا  في لقائهم معها عن قلقهم من النووي الإسرائيلي. ولكن كون أننا لم نسمع أي رد عربي رسمي  على تصريحها، فإن الأمور تبقى مغمغمة، وأن واحدا من الجانبين لم يقل الحقيقة.
فالتاريخ يحتم على المسؤولين العرب أن يضعوا  النقاط على الحروف، طالما أن الدعاية الإسرائيلية تستغل هذه المواقف العربية، معتمدة على الضعف العربي من الخروج  بالحقيقة إلى الشارع، والتخاذل في مواجهة هذه الدعاية علنا.  
وطالما أن كلينتون، وغيرها من المسؤولين الأمريكيين، يستغلونها أيضا لمصلحة السياسة الأمريكية، لدرجة أن يبث هذا الكلام من منبر كشبكة الجزيرة له بُعد جماهيري، فإنه لم يبق أمام الشعب العربي سوى المطالبة بموقف عربي واضح ومن حق الجماهير العربية معرفة حقيقة هذا الموقف.
* كاتب وصحافي فلسطيني يقيم في واشنطن

ليست هناك تعليقات:

إرسال تعليق