السبت، 21 نوفمبر 2009

اعلان الدولة الفلسطينية وخطاب الوهم وربما التواطؤ العربي


محمود عبد الرحيم:

كثيرا ما نردد كاعلاميين تصريحات لمسئولين كبار، ونصفق لمواقف وتحركات تبدو حاسمة وفاصلة وتاريخية ، او هكذا توصف ،دون ان نتوقف قليلا ونضعها في سياقها و مقاربتها بمثيلاتها  المتكررة والمصير التى آلت اليه ، غير انه لو تأملناها جيدا ، لتعاملنا معها بمنطق مختلف ،وربما كشفنا ما تخفي من ترهلات واوهام ورهانات خاسرة، وربما تواطؤات.
اخر هذه التحركات الاجتماع الطارئ للجنة مبادرة السلام العربية على المستوى الوزاري قبل ايام وما خرج به من بيان ، يبدو  اقرب الى بيع الوهم ، وتجاوز لمعطيات الواقع العملي ، وتوزانات القوى الدولية والاقليمية ،وآليات التحرك الاستراتيجي الجاد ، ولا يصلح مثل هذا الخطاب الا للاستهلاك المحلى ، واضاعة الوقت فيما لا يجدى من مواقف شكلية تستنزف الجهد ،وتصب في المحصلة النهائية في خانة اضعاف القضية الفلسطينية.
فالمسئولون العرب لازالوا يراهنون على المجتمع الدولي ومؤسساته في تسوية الصراع العربي الاسرائيلي، رغم انه  غير ذات مرة يتأكد انحيازه ضدنا وضد حقوقنا العادلة
ولا يضعنا كأمة هزيلة ومريضة ومشرذمة في حساباته نهائيا ،وكلما اقترب الامر من الكيان الصهيوني يستنفر "الراعى الرسمي" او بالاحرى الولايات المتحدة الامريكية وحلفاؤها الكبار ، لحماية مصالح رأس حربتهم في المنطقة العربية ، ومع ذلك يصر العرب على تأكيد الاستمرار في التعامل بايجابية مع ما طرحه الرئيس الامريكي اوباما ، ولازالوا يصدقون ادعاءاته التى باتت مكشوفة وتوجهات ادارته المنحازة علانية.
المثير للاستغراب هذه المرة – تحديدا -- الحماسة الشديدة الاقرب الى السذاجة التى يعلنون بها التوجه الى مجلس الامن لتسوية الصراع الذي يزيد عمره عن ستين عاما الآن نهائيا ، ومطالبته باعلان دولة فلسطينية  عاصمة القدس الشرقية معترف بها دوليا وذات عضوية كاملة في الامم المتحدة ، في خطاب يبدو  هزلي اقرب الى خداع الجماهير العربية ،او خداع انفسهم بامكانية تحقق هذا الامر باية صورة من الصور.
 والسؤال الذي يطرح نفسه هنا ..لو ان المسألة بهذه السهولة ، فلماذا اضعنا كل هذه السنوات؟ ولماذا منذ مؤتمر مدريد ، الى الآن لم يتم التوصل الى تسوية ، او بالاحرى الى فرضها دوليا؟  او الاخذ  في الاعتبار خطوة منظمة التحرير  الخاصة باعلان دولة فلسطينية في الجزائر من جانب واحد ؟ ثم الا يوجد- اصلا- قرارات دولية عديدة  في مقدمتها قرار التقسيم ، والقرار 242 و 338  ، غير انها لا موقع لها على الارض ، ولا امكانية لتنفيذها في ظل الحصانة الدولية الممنوحة - فعليا - للكيان الصهيوني وسياسة الامر الواقع الذي يفرضه ،وسيطرة واشنطن حامي حمى اسرائيل على الامم المتحدة ، للدرجة التى حولتها الى ملحقية تابعة للخارجية الامريكية.
وهل الولايات المتحدة التي قررت ان تحتكر رعاية اية مشاريع لتسوية الصراع العربي الصهيوني منذ وقت مبكر ، واجبرت كل الاطراف الاخرى عن الابتعاد او الاكتفاء بدور ساعي البريد او الممارس لضغوط او اغراء للجانب الفلسطيني فقط ، لحمله على تقديم تنازلات للاسرائيليين ، هل يمكن لها ان تقبل بمثل هذه التحرك الكبير ،في حين انها – سلفا- تراجعت عن خطوة صغيرة سبق ووعدت بها مثل الضغط  على حكومة نتانياهو لتجميد الاستيطان كمقدمة لاستئناف المفاوضات؟
وهل العرب المتناحرون فيما بينهم مؤهلون لخوض مواجهة مع المجتمع الدولي  والصدام مع واشنطن ، ام انهم لازالوا يطلبون الود الامريكي،ويلتمس معظمهم رضاء واشنطن المقدسة ، لتسمح لهم بتمرير مشاريع توريث السلطة لانجالهم ، سواء في مصر او ليبيا او اليمن او لتغض الطرف عن ملفهم المشين في مجال حقوق الانسان والفساد الكبير؟
 واذا افترضنا حسن النية وقلنا ان العرب جادون  فعلا هذه المرة في اتخاذ مواقف حاسمة وحازمة باتجاه الكيان الصهيوني ومراجعة صادقة لعملية التسوية ، وحصادها المر ، فما هى علامات وامارات هذه الجدية ، الم يكن من  الاجدى بناء جبهة  عربية موحدة اولا ،وترميم الصدوع في العلاقات العربية العربية ، ثم العمل الصادق على التوصل لمصالحة فلسطينية داخلية ،وابعاد التأثيرات الشريرة للكيان الصهيوني وواشنطن ،عبر رجالها في السلطة عن هذا الملف المخزي، او بالاحرى حالة الانقسام والاقتتال والاستقواء بالخارج ،خاصة من قبل محمود عباس وعصابته.
ومثلما ذهبوا الى قمة في بيروت واعلنوا مبادرة سلام ، لماذا لم يتنادوا الى قمة في القاهرة او دمشق او  الرياض او اية عاصمة عربية اخرى ،لاعلان سحب هذه المبادرة بكل جدية وصدقية دون خوف او تردد ، خاصة انهم  توصلوا الى قناعة فشل خيار المفاوضات، واعلنوا غير ذات مرة وفاة المبادرة ، بعد التعامل باستهتار معها اسرائيليا ودوليا  ، اليس البديل اذن التلويح بالخيارات الاخرى التي يجب ان يكون من بينها خيار اعادة دعم الكفاح المسلح الفلسطيني بالمال والسلاح ، ووقف كافة اشكال التعاون مع من يقف ضد الحق العربي في تسوية عادلة وشاملة للصراع ،على النحو الذي يشعر الغرب بتهديد مصالحه في المنطقة اقتصاديا وسياسيا واستراتيجيا؟!.
للاسف لا نية لاحد في تسوية  الصراع  ، ولا مؤشرات على تحركات فعالة وفعلية او مواقف ذات صدقية ،وانما جعجة بلا طحن ، مع استمرار الرهانات الخاطئة والحسابات الضيقة والحلول الفردية ، ولعل العودة لتسخين العلاقات العربية الاسرائيلية  حتى في ظل حكومة اسرائيلية توصف بالمتطرفة خير دليل  على ذلك ، والتي تتجلي في الزيارات المتبادلة بين وفود عربية واسرائيلية ،والاستقبال الحافل لرئيس وزراء الكيان الصهيوني نتانياهو في عواصم عربية كبرى من بينها القاهرة ، والسماح بالاختراقات الثقافية والتطبيع الاقتصادي المتزايد؟! وقبل ذلك اصرار الجميع على دعم الموقف الاسرائيلي الخاص باستمرار فرض الحصار على الشعب الفلسطيني في غزة ، والاشتراك في معاقبته لاصراره على خيار المقاومة  وعدم الانقلاب على سلطة حماس ، فيما يتم اظهار المساندة الدائمة لمحمود عباس وفياض رغم انكشاف ضعفهما وفساد اركان حكمهما والاضرار البالغ بمصير القضية الفلسطينية لصالح اسرائيل.
فعن اية اية اوراق ضغط يمكن ان نتحدث؟ وعن اية موقف جماعي يمكن ان  ندعي؟وعن اية صدقية وقضية وتسوية يمكن ان نحكي
ونحن - عمليا - صرنا - نعتبر الصراع فلسطينيا اسرائيليا وليس عربيا صهيونيا ، ثم انحدر الموقف اكثر ، فصار صراعا بين  اسرائيل وجبهة فلسطينية تقودها حماس توصم      ب" المتشددة" ، دون "جبهة المعتدلين"بقيادة فتح وسلطتها في رام الله  ، الادهى من ذلك ان العداء بين فتح وحماس  بات اشد وطأة واكثر غيلة ، من العداء للعدو الاصيل الكيان الصهيوني ، والعلاقة بين القاهرة وتل ابيب - مثلا - باتت اكثر حميمية من العلاقة مع الدوحة او دمشق؟!

ان مثل تلك الحالة العبثية التى يعيشها العرب وربما ادمنوها  لا يمكن - باي حال من الاحوال - ان تحسم امرا ،او تحل صراعا ،او تجعل احدا يلتفت الينا ، فالعالم لا يحترم الا الاقوياء المقاتلين من اجل استرداد حقوقهم بكرامة وعزة ، وليس الضعفاء الذين يستجدون فلا ينالهم الا المهانة والفتات او الدهس بالاقدام غير مأسوف عليهم.
*كاتب صحفي مصري

ليست هناك تعليقات:

إرسال تعليق