الأحد، 15 نوفمبر 2009

القول الأزهر في بيان بطلان فتوى شيخ الأزهر

بسم الله الرحمن الرحيم


الحمد لله الذي كملت آلاؤه، وشملت نعماؤه، والصلاة والسلام على عبده ورسوله محمد الذي اقتدى به أصفياؤه وأنبياؤه، وعلى آله وأصحابه الذين اهتدى بهم أتقياؤه وأولياؤه، أما بعد:
فقد أطل علينا شيخ الأزهر السيد طنطاوي بفتوى غريبة وهي منعه للنقاب في مدارس الأزهر، والفتوى بالرغم من غرابتها ، فهي متسقة مع آراء ومواقف الرجل الذي ظهر منه قبلاً خذلانه للمرأة المسلمة ، فعندما منعت فرنسا الحجاب ظهر على شاشات التلفاز مع وزير خارجيتها ليعلن أن فرنسا تملك الحق في منع الحجاب على أراضيها ، ونحن هنا لا نريد أن نقرع ونلوم ولكننا سنبحث هذه الفتوى من الناحية الشرعية ومدى مناسبتها لرجل في مثل موقع شيخ الأزهر.
إن مما يزيد من خطورة هذا الأمرأنه جديد على أهل العلم الذين هم السور الباقي؛ المانع من إنفراط عقد الشرع العام ، فقد سن شيخ الأزهر جديدا في أمرنا لا يعرف من سنن أهل العلم ، وللجديد حكم يخالف المعتاد الساري حيث (يغتفر في الدوام ما لا يغتفر في الإبتداء).
وتعليقا على الفتوى هناك بعض المسائل لابد من نقاشها :-
المسألة الأولى: المفتي موقع عن الله.
قال تعالى (الْيَوْمَ أَكْمَلْتُ لَكُمْ دِينَكُمْ وَأَتْمَمْتُ عَلَيْكُمْ نِعْمَتِي وَرَضِيتُ لَكُمُ الْأِسْلامَ دِيناً) يخبر تعالى بكمال الدين وتمام النعمة على هذه الأمة المباركة ، وأمرها عند التنازع بالرد إليه وإلى رسوله وجعل ذلك شرطا للإيمان به وباليوم الآخر فقال ( فَإِنْ تَنَازَعْتُمْ فِي شَيْءٍ فَرُدُّوهُ إِلَى اللَّهِ وَالرَّسُولِ إِنْ كُنْتُمْ تُؤْمِنُونَ بِاللَّهِ وَالْيَوْمِ الْآخِرِ ). ولأن الفقه في الدين قد لا يحسنه كل أحد ، فقد امتازت هذه الأمة على مر عصورها بفئة من الرجال نذروا أنفسهم للعلم بما جاء عن الله وعن رسوله صلى الله عليه وسلم، قال تعالى: (فَلَوْلا نَفَرَ مِنْ كُلِّ فِرْقَةٍ مِنْهُمْ طَائِفَةٌ لِيَتَفَقَّهُوا فِي الدِّينِ وَلِيُنْذِرُوا قَوْمَهُمْ إِذَا رَجَعُوا إِلَيْهِمْ لَعَلَّهُمْ يَحْذَرُونَ) ليتم الهدى على مراد الله ، وتتقلب هذه الأمة بالنعمة التي امتن الله بها عليها .
إن مهمة العلماء الدلالة على الخير وتفسير الأمر والنهي وتسهيله على العامة ليعرفوا مراد الله ومراد رسوله صلى الله عليه وسلم فيحسن إتباع الشرع ، ولذلك ذم الله البدع لأنها مما لم يأمر به الله ولا رسوله صلى الله عليه وسلم ، فالعلماء ورثة الانبياء ، عن أَبِى الدَّرْدَاءِ قال قال رسول الله صلى الله عليه وسلم: (وَإِنَّ الْعُلَمَاءَ وَرَثَةُ الأَنْبِيَاءِ وَإِنَّ الأَنْبِيَاءَ لَمْ يُوَرِّثُوا دِينَارًا وَلاَ دِرْهَمًا وَرَّثُوا الْعِلْمَ فَمَنْ أَخَذَهُ أَخَذَ بِحَظٍّ وَافِرٍ). فنعم المورث ونعم الموروث ونعم الوارث، وقد عاب الله على علماء بني اسرائيل عدم نهيهم عن المعاصي ، فهم حراس الشريعة ، والعامة تأخذ دينها عنهم ،قال تعالى (لَوْلا يَنْهَاهُمُ الرَّبَّانِيُّونَ وَالْأَحْبَارُ عَنْ قَوْلِهِمُ الإثم وَأَكْلِهِمُ السُّحْتَ لَبِئْسَ مَا كَانُوا يَصْنَعُونَ) .
إن مهمة العلماء محددة ومحصورة في الدلالة على أحكام الشريعة لا أن يفرضوا آراءهم عليها . قال الشوكاني (السيل الجرار 1/ 588) : (ومتى فوض الله من يدعي الاجتهاد على الشريعة التي أنزلها على رسوله وجعله حاكما فيها بما شاء وعلى ما شاء؟ فإن هذه نبوة لا اجتهاد وشريعة حادثه غير الشريعة الأولى ولم يرسل الله سبحانه إلى هذه الأمة إلا رسولا واحدا)، ولشرف التوقيع عن الله بالإفتاء كان رسول الله صلى الله عليه وسلم هو أول المفتين ومقدمهم ، حتى ألف ابن القيم كتابا سماه (فتاوى إمام المفتين) ، استقصى فيه فتاوى رسول الله (صلى الله عليه وسلم) ، ومهمة التوقيع عن الله خطيرة قال النووي (آداب الفتوى والمفتي والمستفي 1/1): (عن ابن المنكدر قال : العالم بين الله تعالى وخلقه فلينظر كيف يدخل بينهم ) ، ولذا كان العلماء الربانيون يتحاشون الفتوى ما وسعهم ذلك ، قال السيوطي (تفسير الإجتهاد 1/16): (قال أبو حنيفة لولا الفرق من الله تعالى أن يضيع العلم ما أفتيت يكون لهم المهنأ وعلي الوزر) وليس للعالم أن يفتي بهواه وما يشتهيه) ، وكانت كلمة "لا أدري" عندهم تشكل خلاصا لكثير من المشاكل ، وبها يزداد قدر العالم في نظر العامة والخاصة وليست مما يشين ، أخرج ابن الصلاح (أدب المفتي والمستفتي 1/10): (عن محمد بن عبد الله الصفار يقول سمعت عبد الله بن أحمد بن حنبل يقول سمعت أبي يقول سمعت الشافعي يقول سمعت مالك بن أنس يقول سمعت محمد بن عجلان يقول (إذا أغفل العالم لا أدري أصيب مقاتله) وهذا إسناد جليل عزيز جدا لاجتماع أئمة المذاهب الثلاثة فيه بعضهم عن بعض وروى مالك مثل ذلك عن ابن عباس رضي الله عنهما)، وقال (1 /11) : (عن القاسم بن محمد بن أبي بكر الصديق رضي الله عنهم أنه جاءه رجل فسأله عن شيء فقال القاسم لا أحسنه فجعل الرجل يقول إني وقفت إليك لا أعرف غيرك فقال القاسم لا تنظر إلى طول لحيتي وكثرة الناس حولي والله ما أحسنه فقال شيخ من قريش جالس إلى جنبه يا ابن أخي الزمها فوالله ما رأيتك في مجلس أنبل منك اليوم فقال القاسم والله لأن يقطع لساني أحب الي من أن أتكلم بما لا علم لي به)، وعن سفيان بن عيينة وسحنون بن سعيد قالا: (أجسر الناس على الفتيا أقلهم علما) وقال ربيعة: (بعض من يفتي ههنا أحق بالسجن من السراق) ، يقول هذا في زمنهم حيث كانت الأمة سيدة الأرض وشريعتها ترفرف بظلالها على أرجاءها والشرك والكفر مرذول مخذول فماذا عساه يقول لو أدرك عصرنا؟، وأقوال العلماء كثيرة مشهورة في هذا الباب .
المسألة الثانية: ما حكم النقاب عند شيخ الأزهر ؟
من شروط المجتهد التي ذكرها العلماء هو التفريق بين الأحكام الشرعية، ذكر الشهرستاني شرائط الاجتهاد وعد منها (الملل والنحل: 1/197) : (الفرق اي -ان يعلم الفرق - بين الواجب والندب والإباحة والحظر والكراهة حتى لا يشذ عنه وجه من هذه الوجوه ولا يختلط عليه باب بباب) ، والظن ان المجامع والمؤسسات العلمية خصوصا ذات الطابع العالمي والعلمي الرصين تعتمد هذه الشرائط وغيرها في تخريج المؤهلات العلمية ، فإن الرجل إذا تربع على قمة هذا الصرح العلمي أو ذاك كان اولى ان تنطبق عليه الشرائط ، إذن يفترض في شيخ الأزهر ومن هم في مثل مكانته العلمية أن يميزوا بين الأحكام ، ومن الميسور عليه ذلك ونظن أنه يعلم ذلك ولا يجهله.
وبالرغم من علمنا أن الخلاف الواقع بين العلماء في هذه المسألة هو بين الوجوب والاستحباب ، وليس لهم قول يعرف خارج هذين الحكمين ، إلا أننا سنبسط الكلام في كل الخيارات تنزلا في الخطاب وإقامة للحجة.
الكتب القديمة كانت تشير إلى النقاب بلفظ الحجاب أي أن النقاب أو الخمار هو صورة الحجاب ولكن اصطلح في عرف الناس اليوم أن النقاب أو الخمار هو تغطية الوجه ، والحجاب هو تغطية البدن باستثناء الوجه والكفين ، وكلامنا في هذا المقال سيتناول المصطلحين وفق عرف الناس اليوم.
في تلك القضية المطروحة وهي النقاب هناك خمسة احتمالات لا غير، فما هو الحكم الشرعي فيها هل هو واجب أم مستحب أم مباح أم محظور بنوعيه (المحرم والمكروه)؟
لا نظن أن شيخ الأزهر يجرأ أن يقول أن النقاب محظور شرعا كراهة أو تحريما ، لأنه بهذا يكون قد خرج على ما انعقد عليه إجماع علماء الأمة المعتبرين ليس في هذا العصر فحسب بل في كل العصور ، وكلامه للفتاة المسلمة وقراره بحظر النقاب يدل على أنه لا يراه واجبا ، فنكون بذلك قد حصرنا النزاع في الحكمين الآخرين وهما الإستحباب والإباحة.
إذا كان يعتقد أن النقاب مستحب وليس واجبا ، وهو رأي الطائفة الثانية من العلماء ، فكيف له أن يمنع ما أحبه الله ورسوله (صلى الله عليه وسلم ) ، وكيف يستسيغ أن يعاقب على فعل يثيب الله من فعله!! ، بأي دليل شرعي وبأي قانون إلهي!! ، وليس لأحد بعد الله ورسوله (صلى الله عليه وسلم ) أن يستحب أو يكره من عند نفسه ، بل إن الشافعي قد فزع من الاستحسان (وقال من استحسن فقد شرع) ، وذلك خشية أن يكون ابتداء تشريع من جهة العقل بالرغم من أن الإستحسان المنضبط الذي عليه العلماء بعيد عن خطورة أن يحب أو يكره من عند نفسه بلا دليل ضابط ، وكره ما أحبه الله أو استحباب ما أبغضه مضادة ظاهرة لشرع الله لا يجرأ عليها أحد من أهل العلم الذين هم أخشى الناس لله قال تعالى ( إِنَّمَا يَخْشَى اللَّهَ مِنْ عِبَادِهِ الْعُلَمَاءُ) ، والله عز وجل قد كافأ عبده المتقرب اليه بالمندوبات بأن أحبه فاذا أحبه وعامله بمقتضى هذا الحب فهل يحق لعبد من عبيده المساكين أن ينصب له راية العداء ، فإن نصبها فمن المخذول؟ في البخاري عَنْ أَبِى هُرَيْرَةَ قَالَ قَالَ رَسُولُ اللَّهِ (صلى الله عليه وسلم): (إِنَّ اللَّهَ قَالَ: مَنْ عَادَى لِى وَلِيًّا فَقَدْ آذَنْتُهُ بِالْحَرْبِ ، وَمَا تَقَرَّبَ إِلَىَّ عَبْدِى بِشَىْءٍ أَحَبَّ إِلَىَّ مِمَّا افْتَرَضْتُ عَلَيْهِ ، وَمَا يَزَالُ عَبْدِى يَتَقَرَّبُ إِلَىَّ بِالنَّوَافِلِ حَتَّى أُحِبَّهُ ، فَإِذَا أَحْبَبْتُهُ كُنْتُ سَمْعَهُ الَّذِى يَسْمَعُ بِهِ ، وَبَصَرَهُ الَّذِى يُبْصِرُ بِهِ ، وَيَدَهُ الَّتِى يَبْطُشُ بِهَا وَرِجْلَهُ الَّتِى يَمْشِى بِهَا ، وَإِنْ سَأَلَنِى لأُعْطِيَنَّهُ ، وَلَئِنِ اسْتَعَاذَنِى لأُعِيذَنَّهُ ، وَمَا تَرَدَّدْتُ عَنْ شَىْءٍ أَنَا فَاعِلُهُ تَرَدُّدِى عَنْ نَفْسِ الْمُؤْمِنِ ، يَكْرَهُ الْمَوْتَ وَأَنَا أَكْرَهُ مَسَاءَتَهُ) .
كما أن الأمر قد يكون مستحبا بالجزء واجبا بالكل قال الشاطبي ( الموافقات 1/152) : (وبعض الواجبات منه ما يكون مقصودا وهو أعظمها ومنه ما يكون وسيلة وخادما للمقصود كطهارة الحدث وستر العورة واستقبال القبلة والأذان للتعريف بالأوقات وإظهار شعائر الإسلام مع الصلاة فمن حيث كان وسيلة حكمه مع المقصود حكم المندوب مع الواجب يكون وجوبه بالجزء دون وجوبه بالكل) ، فلو كان النقاب مستحبا بالجزء وتركته الأمة جميعا أثمت أي أنه يصبح واجبا بالكل .
وقال ابن تيمية ( اقتضاء الصراط المستقيم 1/ 55): (إذا ثبت أن الجنس مقصود في الجملة كان ذلك حاصلا في كل فرد من أفراده ولو فرض أن الوجوب سقط بالبعض لم يرفع حكم الاستحباب عن الباقي).
وقال الشاطبي (الموافقات 1/132): (إذا كان الفعل مندوبا بالجزء كان واجبا بالكل كالأذان في المساجد الجوامع أو غيرها وصلاة الجماعة وصلاة العيدين وصدقة التطوع والنكاح والوتر والفجر والعمرة وسائر النوافل الرواتب فإنها مندوب إليها بالجزء ولو فرض تركها جملة لجرح التارك لها ألا ترى أن في الأذان إظهارا لشعائر الإسلام ولذلك يستحق أهل المصر القتال إذا تركوه وكذلك صلاة الجماعة من داوم على تركها يجرح فلا تقبل شهادته لأن في تركها مضادة لإظهار شعائر الدين وقد توعد الرسول عليه السلام من داوم على ترك الجماعة فهم أن يحرق عليهم بيوتهم كما كان عليه السلام لا يغير على قوم حتى يصبح فإن سمع أذانا أمسك وإلا أغار والنكاح لا يخفى ما فيه مما هو مقصود للشارع من تكثير النسل وإبقاء النوع الإنساني وما أشبه ذلك فالترك لها جملة مؤثر فى أوضاع الدين إذا كان دائما أما إذا كان فى بعض الأوقات فلا تأثير له فلا محظور فى الترك).
اما فيما يخص مسالة المباح، فإذا كان شيخ الأزهر يرى أن النقاب مباح فالنهي عن أمر مباح لا يجوز قطعا إلا بدليل شرعي إضافي وهو معدوم في هذه الحالة ، قال الشاطبي ( الموافقات 1/ 183): (إن تناول المباح لا يصح أن يكون صاحبه محاسبا عليه بإطلاق وإنما يحاسب على التقصير في الشكر عليه إما في جهة تناوله واكتسابه وإما في جهة الإستعانة به على التكليفات فمن حاسب نفسه في ذلك وعمل على ما أمر به فقد شكر نعم الله) وقال الغزالي (المستصفى 1/59): (المباح غير مطلوب بل مأذون فيه ومطلق له) ، فاذا كانت المسلمة مأذون لها أن تلبس النقاب فلا يحق لأحد بعد إذن الله أن ينهى عنه ويمنعه ، بل العكس فحال الإختلاط تعززه وتؤكده بل تنقله إن كان مباحا إلى رتبة أعلى حكما عملا بمقاصد الشريعة ، فالوسائل لها حكم المقاصد ، قال الشاطبي (الموافقات 2/331): (قصد الشارع من المكلف أن يكون قصده فى العمل موافقا لقصده فى التشريع والدليل على ذلك ظاهر من وضع الشريعة إذ أنها موضوعة لمصالح العباد على الإطلاق والعموم والمطلوب من المكلف أن يجرى على ذلك فى أفعاله) ، فاذا كانت العفة والحفاظ على النفس في وضع الإختلاط الذي تشهده الجامعات المصرية وغيرها من جامعات المسلمين واجبا ، فان أي وسيلة تؤدي إلى تحقيق تلك الغاية تأخذ حكم المقصد الذي تؤدي إليه وهو الوجوب ، قال الشاطبي (الموافقات 2/333) : (فإذا قصد المكلف عين ما قصده الشارع بالإذن فقد قصد وجه المصلحة على أتم وجوهه فهو جدير بأن تحصل له)، وقال ابن القيم(إعلام الموقعين 1/219) :(قد كان الصحابة يستدلون على إذن الرب تعالى وإباحته بإقراره وعدم إنكاره عليهم في زمن الوحي) ،في البخاري عن عُمَرَ بْنَ الْخَطَّابِ رضى الله عنه عَلَى الْمِنْبَرِ قَالَ سَمِعْتُ رَسُولَ اللَّهِ صلى الله عليه وسلم يَقُولُ (إِنَّمَا الأَعْمَالُ بِالنِّيَّاتِ ، وَإِنَّمَا لِكُلِّ امْرِئٍ مَا نَوَى ، فَمَنْ كَانَتْ هِجْرَتُهُ إِلَى دُنْيَا يُصِيبُهَا أو إِلَى امْرَأَةٍ يَنْكِحُهَا فَهِجْرَتُهُ إِلَى مَا هَاجَرَ إِلَيْهِ) ، قال الشافعي يدخل في هذا الحديث ثلث العلم، وقد أمرنا أن نعامل الناس بما ظهر منهم والله يتولى السرائر ، ثم إن القول في الإباحة في أمر تعبدي لا يوجد في الحقيقة لأن الشريعة موضوعة للإبتلاء قال تعالى :( وَهُوَ الَّذِي خَلَقَ السَّمَاوَاتِ وَالْأَرْضَ فِي سِتَّةِ أَيَّامٍ وَكَانَ عَرْشُهُ عَلَى الْمَاءِ لِيَبْلُوَكُمْ أَيُّكُمْ أَحْسَنُ عَمَلا) وقال (الَّذِي خَلَقَ الْمَوْتَ وَالْحَيَاةَ لِيَبْلُوَكُمْ أَيُّكُمْ أَحْسَنُ عَمَلاً وَهُوَ الْعَزِيزُ الْغَفُورُ) ، قال ابن تيمية (الفتاوى 9/148) :( وفرق كثير بين الدليل المقتضى للعلم القائم بالقلب وبين العلم المقتضى للوجود القائم فى الخارج فإن مقتضى الأول الإعتقاد الذهنى ومقتضى الثانى الوجود الخارجى وأحد النوعين مباين للآخر).
ولقائل أن يقول: ان شيخ الأزهر يرى ان النقاب ليس من الدين وانما هو امر دنيوي مباح وشيخ الأزهر قد منع النقاب ولم يحرمه ، كما منع عمر حذيفة (رضي الله عنهما) من الزواج بالكتابية وهو جائز في الشرع ، فنقول ان عمر وهو في منصب الامامة العظمى قد منع فردا واحدا من امته لمكانته في المسلمين من امر جائز في اصله، صونا لمصلحة الامة ، ولم يحرم تحريما شرعيا ، ولم يمنع كل الرجال الذين هم في ولايته وتحت سلطانه منعا عاما من ذلك النوع من الزواج ، وهذا مختلف تماما عما قام به شيخ الأزهر إذ ليس له من الولاية ما لعمر رضي الله عنه ، وعمر منع فردا وشيخ الأزهر منع منعا عاما ، ومنع عمر يتسق مع مقاصد الشريعة ومنع شيخ الأزهر يجري بالضد مع مقاصد الشريعة ، اذ يفترض ان يجري المنع مع مقاصد الشريعة وهو اذ لم يتحقق فليس الا محض الهوى ، فالقياس على فعل عمر رضي الله عنه بعيد من كل الوجوه .
ثم ان وزير الاوقاف المصري قد تعقب فتوى شيخ الأزهر قائلا" لقد قلنا اكثر من مرة ان النقاب عادة وليس عبادة" وبالرغم من جهل الرجل الواضح بالعبادة وشروطها والعرف واحكامه ، ولو مكن الرجل من كلمته ليزدردها فهو خير له من ان يبوءبها يوم القيامة ، في الصحيحين واللفظ للبخاري عَنْ أَبِى هُرَيْرَةَ سَمِعَ رَسُولَ اللَّهِ صلى الله عليه وسلم يَقُولُ (إِنَّ الْعَبْدَ لَيَتَكَلَّمُ بِالْكَلِمَةِ مَا يَتَبَيَّنُ فِيهَا ، يَزِلُّ بِهَا فِى النَّارِ أَبْعَدَ مِمَّا بَيْنَ الْمَشْرِقِ) وتنزلا نقول هب ان الامر ليس عبادة وانما عرف قد جرت به العادة، فهل يحق لكم ان تمنعوه وهو عادة لا تخالف الشريعة؟ ثم اين انت من عشرات العادات المنكرة التي تنتشر في مجتمعك وغيره من مجتمعات المسلمين هل غابت عن ناظريك؟ ، أم انك لاتراها منكرة؟.
إن من شروط الفتوى ان يعلم المفتي أعراف وعوائد الناس الذين يفتي لهم، فقد اطبق اهل العلم ان الفتوى تتغير بتغير الزمان والمكان والعوائد والاحوال والاشخاص ، وهذا دليل على تأثير العرف والعادة بالاحكام الشرعية ولم يؤثر عمن يعتد به من اهل العلم والنظر من يشاقق في ذلك حتى اصبح ذلك قاعدة شرعية كبرى هي "العادة محكمة" فرعوا عليها ما لاينحصر من المسائل قال السيوطي (الأشباه والنظائر 1/90) : (إن اعتبار العادة والعرف رجع إليه في الفقه في مسائل لا تعد كثرة) ، ولو كان النقاب عرفا فهو عرف صالح تؤيده الشريعة لانه يمضي مع مقاصدها واحكامها ، دعك عن كل النصوص التي اغمض وزير الاقاف عينيه عنها.
المسألة الثالثة: الإلزام بالاجتهاد:
هب أن ما ذهب إليه شيخ الأزهر في مسالة النقاب هو الإجتهاد الراجح فهل يحق لشيخ الأزهر أن يجبر الناس على تعبد الله وفق اجتهاده؟
قال الصنعاني (إرشاد النقاد 1/13): (إن الأئمة رحمهم الله كانوا يبذلون أقصى جهودهم للوصول إلى الحق في المسائل الاجتهادية ومع هذا لم يكونوا يقطعون بأن اجتهادهم هو مسك الختام والأمر الآخر الذي لا يجوز خلافه قطعا بل كانوا يحتاطون احتياطا لازما عند إبداء آرائهم في المسائل ويخافون في ذلك مخالفة النصوص الصريحة من الكتاب والسنة) وقال (1/14) :(لا يتصور أن إماما من الأئمة الأعلام مهما بلغ من العلم والحفظ والضبط والإتقان والفضل والوجاهة يستقل بالحكم على الشيء ويستبد برأيه ويفرضه على الآخرين فرضا) وقال (وما أحسن ما ورد عن الإمام أبي حنيفة من قوله عند الإفتاء هذا رأي النعمان بن ثابت يعني نفسه وهو أحسن ما قدرت عليه فمن جاء بأحسن منه فهو أولى بالصواب ونقل عن الإمام الشافعي أنه قال ما ناظرت أحدا إلا قلت اللهم أجر الحق على قلبه ولسانه فإن كان الحق معي اتبعني وإن كان الحق معه اتبعته) فهذه أخلاق أئمة العلم والدين والذين لا يشك أحد بأنهم مقدمون في كل فن من فنون العلم على كل علماء عصرنا شيخ الأزهر وغيره.
وقد كان علماء المسلمين المتبوعون يتحاشون فرض اجتهادهم على الأمة حتى وإن تيسر لهم ذلك بقوة غالبة وقصة الإمام مالك مع المنصور مشهورة، قال القاضي عياض (ترتيب المدارك 1/60) : (قال المنصور للإمام مالك يا أبا عبد الله ضع للناس كتبا وجنب فيها شدائد عبد الله بن عمر ورخص ابن عباس وشواذ ابن مسعود واقصد أوسط الأمور وما اجتمع عليه الأمة والصحابة ولئن بقيت لأكتبن كتبك بماء الذهب فأحمل الناس عليها ، فقال له مالك : يا أمير المؤمنين لا تفعل فإن الناس قد سبقت لهم أقاويل وسمعوا أحاديث ورووا روايات وأخذ كل قوم بما سبق إليهم وعملوا به ودانوا له من اختلاف أصحاب رسول الله صلى الله عليه وسلم وغيرهم وإن ردهم عما اعتقدوه شديد فدع الناس وما هم عليه وما اختار أهل كل بلد لأنفسهم فقال المنصور: لعمري لو طاوعتني على ذلك لأمرت به).
قال ابن القيم (إعلام الموقعين 1/ 55) :(والمقصود أن الله سبحانه حرم القول عليه بلا علم في أسمائه وصفاته وأفعاله وأحكامه ، والمفتي يخبر عن الله عز وجل وعن دينه ، فإن لم يكن خبره مطابقا لما شرعه كان قائلا عليه بلا علم) ومن ضوابطهم أن لا يقول المجتهد عن رأيه هذا حكم الله ، وقال: (قال الربيع بن خثيم : إياكم أن يقول الرجل لشيء : إن الله حرم هذا أو نهى عنه ، فيقول الله : كذبت لم أحرمه ولم أنه عنه ، أو يقول : إن الله أحل هذا أو أمر به ، فيقول الله : كذبت لم أحله ولم آمر به) وقال (4/ 432): ( إذا قال الصحابي قولا فإما أن يخالفه صحابي آخر أو لا يخالفه ، فإن خالفه مثله لم يكن قول أحدهما حجة على الآخر) ؟ فكيف يكون كلام واختيار شيخ الأزهر، على فرض انه اختيار علمي وليس سياسيا حجة على غيره ، فإن قيل إن مقام شيخ الأزهر العلمي لايقارن بالمستوى العلمي للفتاة المسلمة فلا مجال للمقارنه فالجواب أن للمسلم العامي (على فرض عامية الفتاة المسلمة) لها أن تقلد من تثق بدينه وعلمه ، قال الزركشي (البحر المحيط 6/92): (اتفاقهم –اي العلماء- على أنه يجوز للمقلد أن يقلد من عرف بالعلم والعدالة ، وأنه يحرم عليه تقليد من عرف بضد ذلك) ، وقال ابن تيمية (الفتاوى 5/348) : (ولا يجوز أن يقدم العامي على فعل لا يعلم جوازه) .
ومنذ عهد الصحابة والتابعين إلى يومنا هذا هنالك العشرات من العلماء ذوي الفتاوى المحفوظة الذين تستطيع المسلمة العامية تقليدهم ، ولايستطيع أحد أن يجبرها على اختيار علمي معين إن لم تكن النفس تطمئن اليه ،قالابن تيمية(منهاج السنة النبوية 3/240): (جمهورهم – أي العلماء- لا يأمرون العامي بتقليد شخص معين غير النبي (صلى الله عليه وسلم) في كل ما يقوله والله تعالى قد ضمن العصمة للأمة فمن تمام العصمة أن يجعل عددا من العلماء إن أخطأ الواحد منهم في شيء كان الآخر قد أصاب فيه حتى لا يضيع الحق ولهذا لما كان في قول بعضهم من الخطأ في مسائل كان الصواب في قول الآخر فلم يتفق أهل السنة على ضلالة أصلا)
وقال (الفتاوى 2/105) :(غاية ما يقال: إنه يسوغ أو ينبغي أو يجب على العامي أن يقلد واحدا لا بعينه، من غير تعيين زيد ولا عمرو. وأما أن يقول قائل: إنه يجب على العامة تقليد فلان أو فلان، فهذا لا يقوله مسلم).
وأن العلم معرفة الحق بدليله فلو علمت المسلمة تلك المسألة وهي النقاب بأدلتها لم تلك من العوام فيها ، قال ابن تيمية (الفتاوى20/203): (العامي إذا أمكنه الاجتهاد في بعض المسائل جاز له الاجتهاد فإن الاجتهاد منصب يقبل التجزيء والانقسام، فالعبرة بالقدرة والعجز وقد يكون الرجل قادرا في بعض عاجزا في بعض) وعندئذٍ لم يحل لها أن تتابع لا شيخ الأزهر ولا غيره فيها ، قال ابن القيم (إعلام الموقعين 1/6): (قال الشافعي قدس الله تعالى روحه : أجمع المسلمون على أن من استبانت له سنة رسول الله (صلى الله عليه وسلم) لم يكن له أن يدعها لقول أحد من الناس) ، وقال ابن تيمية (الفتاوى 1/231) :(فأصحاب الاجتهاد وإن عذروا، وعرفت مراتبهم من العلم والدين، فلا يجوز ترك ما تبين من السنة والهدي لأجل تأويلهم).
المسألة الرابعة : هل المؤثر في الحكم (العلة) بالنسبة للنقاب هو الجمال ؟
إن تعيير شيخ الأزهر للفتاة المنتقبة بنقابها مع قلة جمالها خطيئة بحد ذاته، لكن إذا كان الأمر كذلك فلماذا تضع النقاب؟ فضلا عن أنه يمثل موقفا لا يليق بأمثاله الذين يفترض بهم أن يكونوا أحرص الناس على العفاف والطهر ، لا أن يعيّروا المؤمنات بعفافهن وطهرهن ، وعلى هذا فإننا نطرح مسالة علمية وهي هل العلة في ارتداء النقاب أو الخمار هي الجمال؟ وإذا كان كذلك فهو هي العلة الوحيدة؟.
كثير من الاصوليين على أن الحكم قد يعلل بأكثر من علة ، قال الشاطبي (الموافقات 2/532): (أجاز الجمهور تعليل الحكم الواحد بأكثر من علة واحدة) ، وبالرغم من قناعتنا ان الجمال هو وصف اضافي غير مؤثر في الحكم وليس علة فيه فإننا سنناقش كونه علة تنزلا فنقول إذا كان الجمال علة أخرى للنقاب فقد قوي الحكم وثبت ولم تلغِ أحدى العلتين الأخرى ، فالحكم ثبت بالأنوثة ، فاذا أضفت إليها الجمال فقد عززت الحكم ولم تلغ العلة الأولى وهي الأعم بل هي المقصودة ، قال ابن تيمية (الفتاوى 20/ 72) :(ولهذاإذا جاء تعليل الحكم الواحد بعلتين في كلام الشارع أو الأئمة كان ذلك مذكورا لبيان توكيد ثبوت الحكم وقوته كقول أحمد في بعض ما يغلظ تحريمه : هذا كلحم خنزير ميت فإنه ذكر ذلك لتغليظ التحريم وتقويته).
وإن كان اختيارك هو منع تعدد العلة للحكم الواحد ، كاختيار بعض علماء الاصول كالرازي وغيره فلا نسلم لك أن الحكم هو للمرأة الجميلة فقط ، فالحكم عام ولا وجه لتخصيصه بالجمال ، وقد ذكرت أنت نظيره في تفسيرك الوسيط (1/3445) فقلت: (وحكم نساء المؤمنين فى ذلك كحكم أمهات المؤمنين ، لأن قوله - سبحانه(ذَلِكُمْ أَطْهَرُ لِقُلُوبِكُمْ وَقُلُوبِهِنَّ) علة عامة تدل على تعميم الحكم ، إذ جميع الرجال والنساء فى كل زمان ومكان فى حاجة إلى ما هو أطهر للقلوب ، وأعف للنفوس ،فالجملة الكريمة فيها الدليل الواضح على أن وجوب الحجاب حكم عام فى جميع النساء. لا خاص بأمهات المؤمنين ، وإن كان أصل اللفظ خاصا بهن ، لأن عموم علته دليل على عموم الحكم فيه) ، فلم خصصت النقاب بالجميلات والعلة نفسها والحكم نفسه؟ (لابد من الإشارة –هنا- أن شيخ الأزهر ذكر الحكمة أو المقصد بانه علة الحكم ولا مشاحة في ذلك ، لكننا في كلمتنا هذه ميزنا بين الحكمة أو المقصد الذي هو الغاية التي أراد الشارع تحقيقها بتشريعه للحكم ، والعلة التي هي الوصف الظاهر المنضبط الذي يدور معه الحكم وجودا وعدما)
ثم أن تعليل النقاب بالجمال لا ينضبط حده فمقاييس الجمال مختلفة إختلافا كبيرا بين بني البشر ، ويكفي أن تشاهد إختلاف ما يسمونه "الموضة" بين عام وآخر لترى مدى هذه الإختلاف ، فما هو جميل عند المشرق قد لا يكون جميلا عند أهل المغرب والجمال عند أهل الشمال يختلف عما هو عند أهل الجنوب وهكذا ، وما هو جميل عند البيض قد لا يكون جميلا عند السود والعكس كذلك ، والشريعة عامة لجميع المكلفين انسهم وجنهم ، فلا يجعل ما لا ينضبط شرطا فيما ينضبط.
الحجاب للحرة دون الأمة:
إن عالمية الدين لا تفرق بين الناس فلا استثاء للمرأة الجميلة وغيرها وإنما التفريق بين الحرة والأمة وإن كانت الأمة هي الأجمل: في البخاري من حديث أنس حين بنى رسول الله صلى الله عليه بأم المؤمنين صفية رضي الله عنها : ( فَقَالَ الْمُسْلِمُونَ إِحْدَى أُمَّهَاتِ الْمُؤْمِنِينَ ، أو مَا مَلَكَتْ يَمِينُهُ قَالُوا إِنْ حَجَبَهَا فَهْىَ إِحْدَى أُمَّهَاتِ الْمُؤْمِنِينَ ، وَإِنْ لَمْ يَحْجُبْهَا فَهْىَ مِمَّا مَلَكَتْ يَمِينُهُ) ، قال ابن تيمية ( الفتاوى 5/372): (وإنما ضرب الحجاب على النساء لئلا ترى وجوههن وأيديهن. والحجاب مختص بالحرائر دون الإماء كما كانت سنة المؤمنين في زمن النبي صلى الله عليه وسلم وخلفائه أن الحرة تحتجب والأمة تبرز وكان عمر رضي الله عنه إذا رأى أمة مختمرة ضربها وقال أتتشبهين بالحرائر أي لكاع فيظهر من الأمة رأسها ويداها ووجهها) ، والعلة تلغى ان لم تؤثر في الحكم ، لأن ثبوت الحكم بدون هذا الوصف " الجمال " يدل دلالة واضحة على أن هذا الوصف ليس بعلة ، وتعليل الحكم بالمعنى الظاهر المنضبط أولى من تعليله بالصفة الخفيةغير المنضبطة، قالالآمدى (الإحكام فى أصول الأحاكم 1/318): (إذا كانت خفيةً مضطربةً مختلفةً-يقصد العلة - باختلاف الصور والأشخاص والأزمان والأحوال فلا يمكن معرفة ما هو مناط الحكم منها والوقوف عليه إلا بعسر وحرج ودأب الشارع فيما هذا شأنه على ما ألفناه منه إنما هو رد الناس فيه إلى المظان الظاهرة الجلية دفعاً للعسر عن الناس والتخبط في الأحكام)،
إن من الواجب على العبد أن يشغل قلبه وعقله فيما يصلحة لا فيما يرديه فمن لم تستبن له علل الاحكام وقف عند ظواهرها الجلية فهذا اولى من التمادي والتمحك والتحكم في نصوص الشريعة الثابتة.
خاتمـــة:
روي عن عبد الله بن حذافة السهمي صاحب رسول الله صلى الله عليه وسلم : أن طاغية الروم حبسه في بيت وجعل معه خمراً ممزوجاً بماء ، ولحم خنزير مشوي ثلاثة أيام ، فلم يأكل ولم يشرب حتى مال رأسه من الجوع والعطش وخشوا موته ، فأخرجوه فقال : قد كان الله أحله لي ، لأني مضطر ، ولكن لم أكن لأشمتك بدين الإسلام) ، هذه المواقف التي لا يجعل المسلم فيها مدخلا على دين الله من خلاله ، وشيخ الأزهر فتح الباب على مصراعيه لكل من هب ودب ان يشمت بالمؤمنات ، فقامت على الفور خمس جامعات مصرية بمنع المنقبات بقرار تعسفي حتى من دخول الأقسام الداخلية ، ناهيك عمن سيستدل به من اصحاب القلوب المريضة ليعززوا به هجومهم على اهل الدين والعفاف.
ثم هل يتوافق منع النقاب مع ادعاء الحوار بين الاديان وحرية الشعوب وحرية الاديان التي يدعو لها شيخ الازهر، لماذا يعد انتقاد المفسدين والمفسدات الذين يدعون الى نشر الرذيلة في مجتماعاتنا اعتداءا على الحريات العامة ، ومهاجمة اهل الايمان والعفة أمرا يتوافق مع الحرية العامة والشخصية في الانتقاد ، إن من انتكاس الفطر، ان ترى المعروف منكرا والمنكر معروفا.
اخرج الدارمي في سننه عنْ عَبَّادِ بْنِ عَبَّادٍ الْخَوَّاصِ الشَّامِىِّ أَبِى عُتْبَةَ قَالَ : (إِنَّ الْكِتَابَ لاَ يَنْطِقُ حَتَّى يُنْطَقَ بِهِ ، وَإِنَّ السُّنَّةَ لاَ تَعْمَلُ حَتَّى يُعْمَلَ بِهَا ، فَمَتَى يَتَعَلَّمُ الْجَاهِلُ إِذَا سَكَتَ الْعَالِمُ فَلَمْ يُنْكِرْ مَا ظَهَرَ وَلَمْ يَأْمُرْ بِمَا تُرِكَ ، وَقَدْ أَخَذَ اللَّهُ مِيثَاقَ الَّذِينَ أُوتُوا الْكِتَابَ لِيُبَيِّنُنَّهُ لِلنَّاسِ وَلاَ يَكْتُمُونَهُ ) وقال: (كَيْفَ يَهْتَدِى الْمُسْتَدِلُّ الْمُسْتَرْشِدُ إِذَا كَانَ الدَّلِيلُ حَائِراً؟ ) وقال: (إِنَّهُ يَأْتِى زَمَانٌ يَشْتَبِهُ فِيهِ الْحَقُّ وَالْبَاطِلُ ، وَيَكُونُ الْمَعْرُوفُ فِيهِ مُنْكَراً وَالْمُنْكَرُ فِيهِ مَعْرُوفاً ، فَكَمْ مِنْ مُتَقَرِّبٍ إِلَى اللَّهِ بِمَا يُبَاعِدُهُ وَمُتَحَبِّبٍ إِلَيْهِ بِمَا يُبَغِّضُهُ عَلَيْهِ ، قَالَ اللَّهُ تَعَالَى: (أَفَمَنْ زُيِّنَ لَهُ سُوءُ عَمَلِهِ فَرَآهُ حَسَناً) ، فَعَلَيْكُمْ بِالْوُقُوفِ عِنْدَ الشُّبُهَاتِ حَتَّى يَبْرُزَ لَكُمْ وَاضِحُ الْحَقِّ بِالْبَيِّنَةِ ، فَإِنَّ الدَّاخِلَ فِيمَا لاَ يَعْلَمُ بِغَيْرِ عِلْمٍ آثِمٌ). سبحان الله! فكيف حال من يدخل في الإثم وهو يعلم؟!!
ألا يجب على شيخ الأزهر ومن هم في مثل مكانته أن يدعوا إلى محاربة الرذيلة بدل محاربة انتشار الفضيلة ، أليس هو الواجب الشرعي المتعين على القادرين عليه وفي مقدمتهم شيخ الأزهر ونظرائه ، اخرج أبو محمد بن اسماعيل الشافعي (الباعث على إنكار البدع 1/10) : (عن سفيان بن عيينة قال: إن العالم لا يمارى ولا يداري ينشر حكمة الله تعالى فان قبلت حمد الله وإن ردت حمد الله).
اننا لم نتطرق الى الخلاف الفقهي الدائر بين الفريقين حول وجوب النقاب أو استحبابه مع ان رأينا هو وجوب النقاب، ويتأكد وجوبه عندنا في هذا العصر الذي انتشرت فيه الفتن ، وكثرت المعينات على الفساد والافساد ، وذلك احتراما لاختيارات اهل العلم ، اذ الاجتهاد فيها سائغ حيث لا إنكار في هذا النوع من الاجتهاد ولكل فريق من الحجج ما يوجه بها دليله نحو اختياره، ثم انه ليس من المسائل التي تشغل البال ، وتستنفر الهمة للكتابة فيها فقد اشبعها كثير من العلماء بحثا وتفصيلا.
لكن أمر المنع من النقاب له شأن آخر خطير لاينبغي لمسلم السكوت عليه ولذا قمنا بتفصيل القول في تلك المسالة من اصولها، نصرا من المؤمن لاخوانه ، وابراءا لذممنا وتخليصا لنفوسنا من السؤال بين يدي الجبار ، وليس من همتنا الشغب على احد ، وليس في اوقاتنا فضول نضيعه.
اللهم أرنا الحق حقا وارزقنا اتباعه وارنا الباطل باطلا وارزقنا اجتنابه، اللهم إنا نعوذ بك من الحور بعد الكور، ومن الضلالة بعد الهدى ، ومن العمى بعد البصيرة ، يا مقلب القلوب ثبت قلوبنا على دينك ، وصلى الله على عبد الله ورسوله محمد وعلى آله وسلم تسليما كثيرا

الشيخ أحمد صالح الحسن



رئيس الهيئة الشرعية المركزية



الجيش الاسلامي في العراق

ليست هناك تعليقات:

إرسال تعليق