الأحد، 15 نوفمبر 2009

الأسد يفتتح مرحلة جديدة من المواجهة العربية مع إسرائيل


ابراهيم الأمين

«إن المقاومة بمعناها الثقافي والعسكري، وبكل معنى آخر، هي جوهر سياساتنا في سوريا اليوم وفي الماضي وستبقى في المستقبل، وهي جوهر وجودنا (…) وإن عملية السلام تظهر بعد 18 عاماً أن قوة إسرائيل الوهمية هي في ضعف العرب الحقيقي. إن جوهر السلام ليس فقط مفاوضات، بل هو مقاومة أيضاً، ومن الخطأ أن نعتقد أن السلام يأتي من خلال التفاوض، بل يأتي من خلال المقاومة. لذلك، يجب علينا دعم المقاومة، لأننا بذلك ندعم عملية السلام».

سيكون صعباً على كثيرين فهم الأسباب التي تدفع الرئيس السوري بشار الأسد إلى التحدث بهذا الوضوح وهذه الصراحة عن موضوع مقاومة الاحتلال.

هو أصلاً في وضع لا يطالبه فيه أحد بأن يرفع سقف المواقف، باعتبار أن قوى المقاومة الجدّية تعرف حقيقة الدور الذي تؤدّيه سوريا في دعمها، وبكل الأشكال.

أما لجهة المزايدين على سوريا، فإن هذا الكلام أو أي كلام آخر لن يفيد في تعديل نظرتهم إلى دور سوريا في الصراع مع إسرائيل، وسيكرّرون علينا معزوفة بائدة، تقول إن سوريا تقاتل إسرائيل بأرض غيرها، وبدماء غيرها، وهي تتجنّب المواجهة المباشرة مع العدو.

وهؤلاء فئتان، واحدة تعلم بحقيقة ما تقوم به سوريا، لكنّها تريد من بشار الأسد أن يمارس الانتحار في مواجهة عسكرية تقليدية هي حكماً لمصلحة إسرائيل.

أما الفئة الثانية، فهي التي عاشت على مجد ضائع قام على فكرة أن سوريا لا تريد مقاومة لتحقيق التحرير، بل تريد مقاومات كأدوات لاستخدامها من أجل تعزيز دور سوريا في المنطقة.

وفي الحالتين، فإن أصحاب هذا الرأي هم من الذين لا يريدون الإقرار بأن استراتيجية سوريا المتّبعة منذ ثلاثة عقود، هي التي نجحت في تحقيق نتائج كبيرة، أبرزها منع إسقاطها وتدميرها، وكذلك احتضان أكثر حركات المقاومة فعالية في لبنان وفلسطين، والمساهمة في الحدّ من الاندفاعة القائمة عند عرب أميركا نحو الاستسلام الكامل.

على أيّ حال، قال الأسد ما قاله، وتوقيت تصريحاته المتزامن مع تصريحات الأمين العام لحزب الله السيد حسن نصر الله يشير لمن يرغب في الفهم إلى نوع العلاقة القائمة بين الجهتين، وهي العلاقة التي أسست لعلاقة قوية وصلبة تربط دمشق بقوى المقاومة في فلسطين، ولا سيما حركة حماس، إذ هل كان البعض يتخيّل مثل هذه العلاقة بين النظام البعثي في سوريا وفصائل إسلامية تمتلك عقائد مخالفة لعقيدة النظام في سوريا، وبعضها هو جزء من حركة الإخوان المسلمين التي واجهت النظام في سوريا بحرب قاسية، استخدم فيها النظام نفسه قساوة لمنعها من النجاح.


لكنّ الحقيقة الأصعب، البارزة في وجه خصوم سوريا، هي تلك التي تتصل بصاحب التصريح، وهو بشار الأسد، ابن المدرسة الواقعية، التي تتيح الابتعاد عن العاصفة دون التنازل، وتجيد الاحتفاظ بمواقفها دون المغامرة ببلدها.

وبالتالي، لو أن الأسد يعرف أن الظروف العامة في المنطقة والموقع الذي يحتله الآن المشروع الأميركي ـــــ الإسرائيلي في المنطقة، لا يتناسبان مع خطوة كهذه، لما كان مضطراً إلى قوله وهو أصلاً كان شريكاً كاملاً في المواجهة الاستثنائية التي جرت عام 2006 في لبنان، ولم يكن مضطراً طيلة فترة الحرب إلى أن يطلق أيّ موقف سياسي، رغم أنه كان على الأرض، وكانت مخازن جيشه مفتوحة لمدّ المقاومة في لبنان بكل أنواع الأسلحة التي تحتاج إليها، لا للصمود في وجه العدوان فقط بل لردّه وإفشاله، ودفعت سوريا أثماناً على مستويات متعددة جرّاء ما قامت به في تلك المواجهة.

وسيأتي يوم يروي فيه من بيده الأمر حقيقة ما إذا كان الأسد ينوي الدخول طرفاً مباشراً في الحرب، لولا أن إسرائيل تحاشت الصدام معه أو التحرّش به، كما أن المقاومة في لبنان لم تكن تحتاج إلى مشاركة من هذا النوع.

لكن إلامَ يشير كلام الأسد؟


على الصعيد الرسمي العربي، صار صعباً عدم إيراد هذا المنطق في كل المناقشات العربية، الرسمية منها والعلنية، وسيمثّل عنواناً للمواجهة المقبلة بين المحاور العربية على أي خطوة مشتركة بشأن الموقف من عملية السلام.

كذلك فإن هذا الموقف يمثّل انعطافة في التعامل مع ملف الاحتلال ومواجهته، الأمر الذي يفتح الباب أمام أسئلة لدى عواصم عربية أخرى تواجه أزمات عدة، سياسية وأمنية وعسكرية وأخلاقية، جرّاء موقفها الرافض لحماية المقاومة، كما هي حال مصر والأردن وآخرين أيضاً.

وسيمثّل موقف الأسد هذا رافعة لقوى المقاومة في لبنان وفلسطين، التي راكمت عملاً استثنائياً خلال الأعوام الثلاثة الماضية في لبنان وفلسطين، بدعم مباشر وخاص من سوريا، الأمر الذي ستكون له نتائجه على أكثر من صعيد.


ما قاله الأسد في هذا السياق جاء في لحظة سياسية إقليمية لا يمكن فيها الأميركيين الادّعاء أنهم يخوضون معركة تغيير وجه المنطقة، ولا يمكن فيها إسرائيل أن تقوم بأي عمل هجومي، حتى ولو شنّت حرباً على لبنان أو فلسطين أو أبعد من ذلك، بل سيكون هذا الفعل قائماً من منطلق الخائف لا المبادر الواثق، كما كانت عليه إسرائيل في كل حروبها السابقة.

وفي ما قاله الأسد حجة تُلقى على الفريق الذي يصرّ على المفاوضات والتنازلات سبيلاً لنيل رضى إسرائيل والولايات المتحدة.

وهذا الفريق مصاب الآن بأعلى درجات الإحباط والاكتئاب التي يعبّر عنها بوضوح هذه الأيام شخص اسمه محمود عباس.

عدد الجمعة ١٣ تشرين الثاني ٢٠٠٩



ليست هناك تعليقات:

إرسال تعليق