الأحد، 15 نوفمبر 2009

القمة الاقتصادية الإسلامية في اسطنبول والعلاقات السورية التركية

أحمد مظهر سعدو

استضافت العاصمة التركية استنبول مؤخراً اجتماعات القمة الاقتصادية لرؤساء الدول الأعضاء بمنظمة المؤتمر الإسلامي في دورتها الخامسة والعشرين والتي سبقتها اجتماعات الخبراء ليومين متتالين, وكذلك الاجتماع الوزاري بينهما.

ولأن سمة هذه القمة اقتصادية بامتياز، فقد استغرقت اجتماعات القمة وما قبلها جل الحالة الاقتصادية للدول الإسلامية المشاركة.. ومجمل معاناتها وواقعها الاقتصادي ضمن الإطار العالمي، ومنعكسات الأزمة الاقتصادية العالمية على الواقع في الدول الإسلامية، ولم يثن هذه القمة تغيب بعض قادة الدول عن المشاركة، مثل الرئيس السوداني عمر البشير , لأسباب تتعلق بالعلاقات التركية الأوروبية، حيث تحرص تركيا على إرضاء الاتحاد الأوروبي , وهي الحريصة كل الحرص على الدخول مستقبلاً في هذا الاتحاد مهما كان الثمن ، لم يثن كل ذلك أهل القمة عن طرح بعض الأمور السياسية المتعلقة بالواقع الفلسطيني , وحصار غزة، باعتباره حصاراً اقتصادياً وسياسياً وعسكرياً في نفس الآن .

لكن القمة انبرت بالأساس لبحث الشأن الاقتصادي ومنه تخفيف حدة الفقر، والدعم الاقتصادي الفني والمسائل المتصلة بنظام الأفضليات التجارية، وكذلك التجارة البينية عبر الدول الإسلامية التي لا ترضي أحداً، والتعاون المالي، وتعزيز تدفق الاستثمارات، والتعاون بين البنوك المركزية، ومؤسسات الأوراق المالية، فضلاً عن وضع معايير وإجراءات الأغذية الحلال، وتطبيقات الحكومة الإلكترونية ( موضة العصر) وانعكاساتها الاقتصادية على الدول الأعضاء في منظمة المؤتمر الإسلامي .

ولعل هذه القمة التي تتزامن مع امتداد الأزمة المالية العالمية، وتأثيرها على اقتصاديات عدد كبير من الدول، قد حاولت الإمساك بآليات عملية للخروج من مخلفات هذه الأزمة، عبر تعزيز التعاونين الاقتصادي والتجاري بين دول المنظمة .

ولا يخرج عن هذا السياق ما طرحته المبادرة السودانية التي تركزت حول ( الأمن الغذائي ) بجانب الاتفاقية التجارية التفضيلية وأيضاً المشروعات الاستثمارية .. حيث تأتي مبادرة الأمن الغذائي لتدق ناقوس الخطر، وتشير بوضوح إلى حال الدول الإسلامية، أو أكثرها على الأقل، في الموضوع الغذائي وإمكانيات تأمينه وأمانه، في ظل شح الموارد الاقتصادية وانشغال الدول الإسلامية الموسرة، عن مساعدة أخواتها الأكثر فقراً، بأمور أخرى ترتبط بالأجندة الأمريكية، وتوضعاتها العالمية الاستراتيجية التي تخدم تلك الاستراتيجيا .

لكن ( الأمن الغذائي ) الإسلامي كان ولم يزل من الأمور الأكثر أهمية على المستوى الاقتصادي بما يعنيه من ضرورات الاستثمار الزراعي، وكذلك إقامة مشروع سبق وطرح على القمة الإسلامية ، المتمثل بالخط الحديدي بين الدول الإسلامية في إفريقيا ، والذي يهدف إلى إحياء وتنمية دول حزام السودان، وربط أجزاء القارة ، بما يوفر فرص الاستقرار والتنمية والعمل في دول الخط التي تشمل السودان، تشاد، مالي، النيجر ، السنغال ، نامبيا، بوركينافاسو، ليبيا، الكاميرون ، وغينيا.. وهو خط إسلامي يمثل منفعة للعديد من الدول الإسلامية .

وإذا كانت ( الكومسيك) أي اللجنة الدائمة للتعاون الاقتصادي والتجاري لمنظمة المؤتمر الإسلامي ، التي تأسست خلال انعقاد مؤتمر القمة الإسلامي الثالث الذي عقد في ( مكة المكرمة- الطائف ) عام /1981/ وهي التي بدأت أعمالها الفعلية عند ما تم اختيار رئيس تركيا رئيساً لها في مؤتمر القمة الإسلامي الرابع عام / 1984/ .

إذا كانت هذه المنظمة أو اللجنة قد آلت على نفسها الاستمرار بالاهتمام في الواقع الاقتصادي للدول الإسلامية ، فإن دور تركيا العالمي والإقليمي الآني بزعامة رجب طيب أردوغان، وذاك النشاط التركي الملحوظ، يعطي لهذه اللجنة دوراً أكثر أهمية، حيث انعقدت أعمال الدورة (25) للجنة المذكورة برئاسة عبد الله غول رئيس الجمهورية التركية، وهيأت التقارير الاقتصادية اللازمة، لتلقيها بين أيدي القادة والمسؤولين المشاركين، وبالتعاون مع مجموعة البنك الإسلامي للتنمية .. فقد قدمت ( الكومسيك) تقريراً عن تعزيز التجارة بين هذه الدول، وخطة العمل الخاصة باستراتيجية تعزيز التعاون بين هذه الدول المنتجة للقطن، وتطوير المواصفات الخاصة بالأغذية الحلال، والتعليم المهني في الدول الأعضاء، والتعاون المالي فيما بينها، وتعزيز تدفق الاستثمارات معها أيضاً، والتعاون مع القطاع الخاص في هذه الدول، وأزمة السوق المالية العالمية وانعكاساتها على هذه البلدان، وتأثير أزمة الغذاء العالمية في اقتصاديات الدول الإسلامية ، وقد نظم بالتزامن مع انعقاد الدورة (25) للكومسيك ( منتدى الأعمال للكومسيك ) وقام بتنظيمه اتحاد الغرف وتبادل المنتجات التركي بالتعاون مع الجمعية التركية المستقلة لرجال الأعمال والصناعة ( موسياد ) .

ويعتبر البعض أن مشاركة /48/ دولة عربية وإسلامية في هذا المؤتمر إضافةً إلى روسيا والبوسنة وقبرص الشمالية بصفة مراقبين، يشير إلى الاهتمام الكبير الذي يسطره هذا المؤتمر، ويؤشر إلى أهمية المنعكسات الاقتصادية الممولة من نتاجاته .. ويبدو أن اللقاءات الثنائية بين القادة التي جرت على هامش المؤتمر، كانت الأكثر أهمية لما ساهمت فيه من تأسيس لعلاقات ثنائية بين دول إسلامية، أو لما عمقته من علاقات اقتصادية وسياسية بين تركيا وبعض الدول العربية وتأتي في مقدمتها العلاقات التركية السورية التي شهدت تطورات ملفتة، وحراكات فاقت كل حد، عبر إقامة مشاريع اقتصادية تجارية وصناعية بين البلدين الجارين .. هذه المشاريع الصناعية التبادلية التي ساهمت بزيادة حجم التبادل في التجارة البينية إضافةً إلى مشاريع الربط الكهربائي, وكذلك النقل، وكان آخرها وأهمها سمة الدخول للعبور بين البلدين .

وفي هذا الإطار يجدر القول أن شعوب المنطقة المتجاورة من عربية وإسلامية تحتاج إلى تحديد المعايير في العلاقات بين الدول، لتتطلع من خلالها بإيجابية إلى الظواهر الاقتصادية والسياسية، التي تأخذ مسميات عديدة ، فالإيجابي هو الذي يتفق مع التقدم، ويعطي دفعاً له، والتقدم هو تقدم المنظور الإنساني للإنسان، وحرية الإنسان، والقيم التي تبني الروابط الإنسانية على أساس من الخير والعدل والإخاء الإنساني، في إطار الدوائر العربية والإسلامية والعالمثالثية .

ومن هنا فإن الاقتضاء يدفع بضرورة دعم مصالح الشعوب، وإعادة الروح إلى مجتمعات أفقدها الجشع المادي والتبرجز الرأسمالي والتعميم الاستهلاكي في بعض الأحيان , روحها وروابطها الاجتماعية الوثقى , وانحطت بمعاييرها وقيمها، مما أفقدها وازعها الوجداني والإنساني، والعلاقات السورية مع تركيا اليوم تأتي لتعطي الحافز الجديد للتراحم , والمنفعة , والتغيير , والتقدم على طريق توحيد المواقف ، دون عصبيات ودونما تعصب وانقسامات ، مع التمسك بالأمة والهوية القومية العربية للشعب العربي السوري وبروحه الديمقراطية .

14-11-2009

ليست هناك تعليقات:

إرسال تعليق