السبت، 14 نوفمبر 2009

خطاب الرئيس السوري

دمشق ـ شاكر الجوهري:

حمل الرئيس السوري بشار الأسد رئيس السلطة الفلسطينية محمود عباس المسؤولية عن عدم تحقق المصالحة الوطنية الفلسطينية حتى الآن، كما حمل مصر مواربة المسؤولية عن تواصل الحصار المفروض على قطاع غزة، وقال إن الموقف الرسمي العربي يحصر التدخل السوري في الحل الفلسطيني في قضية اللاجئين الفلسطينيين الموجودين في سوريا، وقال إن سوريا تؤمن بحق الشعب العراقي في مقاومة الإحتلال الأميركي للعراق.

جاء ذلك خلال حوار اداره مع المشاركين في المؤتمر العام الخامس للأحزاب العربية الذي افتتحت اعماله صباح (الإربعاء) في العاصمة السورية دمشق، بمشاركة ممثلي 107 أحزاب عربية من أصل 139 حزبا اعضاء في المؤتمر، ولفت صفوان القدسي رئيس المؤتمر، الأمين العام للإتحاد الإشتراكي العربي في سوريا إلى أن مؤتمر الأحزاب العربية كانت ولادته في الأردن، في حين كان نشوءه والإرتقاء في سوريا.

الجلسة الحوارية مع الرئيس السوري شهدت عددا من الأحداث اللافتة، منها تضاد الآراء بين الرئيس الأسد، والدكتور مصطفى عثمان اسماعيل مستشار الرئيس السوداني بخصوص المبادرة الأميركية في عهد الرئيس باراك اوباما، واسكات عبد الغني هللو عضو المكتب السياسي في الجبهة الديمقراطية لتحرير فلسطين من قبل اعضاء في المؤتمر حين تحدث مواربة مطالبا بوحدة وطنية فلسطينية بقيادة محمود عباس رئيس السلطة الفلسطينية، وسؤال مباشر وجهه الدكتور حسن نافعة استاذ العلوم السياسية في جامعة القاهرة حول ما إذا كانت سوريا ستتوقف عن المشاركة في الصراع العربي الإسرائيلي في حالة استعادة الجولان.

فروق بين ظرفين

الرئيس الأسد لفت في بداية حديثه، الذي طرح فيه نقاطا محددة، لتكون ارضية لانطلاق حوار مفتوح من المشاركين في المؤتمر.. لفت إلى وجود فوارق بين الظروف التي رافقت عقد المؤتمر العام الرابع في دمشق سنة 2006، والظروف التي ترافق عقد المؤتمر العام الخامس الآن، حيث اعتبر أن الظروف الحالية أصبحت أفضل من سابقتها في حينه.

وقال الأسد "في ظروف سابقة كانت الإدارة الأميركية خصما.. الآن حدث تحسن محدود في العلاقة مع اميركا"، لافتا إلى أن سوريا نجحت في تحويل الخوف الذي ارادوا فرضه عليها إلى قلق ايجابي. وأكد الرئيس "في المؤتمر السابق كنا واثقين من النجاح، فقط لم نكن نعرف الزمن". وأشار إلى أن سوريا واجهت معركة اعلامية قاسية، "تمكنت فيها من التفريق بين الوقائع والتهويل".

وتحدث الرئيس الأسد عن حرب المصطلحات بين العرب والغرب، مقدما مثالا على ذلك ما جرى مؤخرا بينه وبين تري ريد لارسون، مفوض العلاقات الخارجية في الإتحاد الأوروبي، الذي طرح على الرئيس ما اسماه مصطلح "الشمس الساطعة"، وقال إنه رد عليه قائلا إنهم في سوريا يفضلون العمل بموجب مصطلح "الضفدع الذهبي". وحين سأله لارسون ما معنى هذا المصطلح، رد عليه قائلا شعار سخيف يقابل شعاركم الأسخف..!

واعتبر الأسد أن أكثر ما عانت منه سوريا خلال الفترة الماضية، هو العمل العربي المضاد لسوريا، واصفا اياه بـ "المعوقات العربية". وقال "اخطاء العرب لا تعني تحميل العروبة مسؤولية هذه الأخطاء".

وشرح الأسد فهمه لكيفية التعامل مع العدو الإسرائيلي قائلا "إذا حمل العدو غصن زيتون نحمل غصن زيتون، وإذا حمل بندقية نحمل بندقية". واعتبر أن التضامن العربي شرط ضروري لتحقيق استقلال القرار العربي.

وأشار إلى المفارقات التي تتجلى بين الأفعال الأميركية، والأوصاف التي تطلق عليها، قائلا "إن احتلال العراق يعتبره الأميركيون تحرير، وقتل العراقيين ديمقراطية، وتعميم الإرهاب مكافحة للإهاب".

ورفض الرئيس السوري مصطلح الفلك العربي، مؤكدا أن الفلك العربي يحتاج إلى شمس عربية، لا إلى شمس اميركية وأم اسرائيلية..!

معنى التضامن العربي

وطالب باستعادة التضامن العربي، محددا أنه يعني "التضامن مع سوريا وحركة "حماس" وحركة الجهاد الإسلامي، وحزب الله".

وقارن الرئيس السوري بين تعامل سوريا مع مؤتمرات القمة العربية في السابق وحاليا، قائلا "كنا ننتقل من قمة لأخرى انتظارا للألغام التي يمكن أن تنفجر، ولكن توقف هذا بدءا من قمة دمشق، ثم قمة الدوحة".

وانتقل الرئيس الأسد للحديث عن المصالحة الوطنية الفلسطينية، في ضوء الجهود التي بذلها شخصيا بصفته الرئيس السابق للقمة العربية، قائلا "المصالحة هي الأساس، لكن المصارحة أكثر أهمية". وبين أن "السلطة لم تستجب لما حاولنا فعله على طريق المصالحة. عباس لم يستجب، ولا يمكن تحقيق أي خطوة ايجابية دون مصالحة"..مؤكدا "المصالحة تبقى هي الأساس بالنسبة لسوريا".

وأضاف الرئيس السوري "القضية بكل جوانبها تدفع ثمن اتفاق اوسلو".

وخطّأ الرئيس الأسد حصر الهدف الفلسطيني والعربي في وقف الإستيطان.

المفاوضات مع اسرائيل

ثم تناول الرئيس السوري المفاوضات غير المباشرة التي جرت بين سوريا واسرائيل بواسطة تركيا، قائلا "لم يكن لدينا أي أمل بالسلام، كنا نعرف أن اولمرت يريد أن أن يربح من التفاوض مع سوريا". وأكد "سوريا ترفض السرية، وحتى الآن يعرض علينا اجراء مفاوضات سرية".

وكشف عن أن "اولمرت تعهد لرئيس الوزراء التركي رجب طيب اردوغان بإعادة كامل الجولان لسوريا، لكن مفهومنا لحدود الجولان يختلف عن مفهوم اسرائيل لها". وقال "على هذا الأساس بدأنا المفاوضات على نقطتين: النقاط الست التي طرحتها سوريا، والضمانات السورية للأمن الإسرائيلي". وأضاف "اولمرت يريد أن يأخذ كل شيئ ولا يعطي أي شيئ".. "ولذلك طلبنا من اولمرت وضع نقاط حدود. وقد ظلوا (الإسرائيليون) ثمانية أشهر يناورون حول المصطلحات، ثم هربوا بعد ذلك إلى الحرب على غزة". واعتبر أن سوريا "ربحت من المفاوضات هرب اسرائيل وانفضاحها أمام العالم".

وقدم الرئيس الأسد نموذجا على هذا الربح قائلا "إن كوشنير وزير خارجية فرنسا، وهو صديق مؤيد لإسرائيل، قال نحن نشكك بجدية اسرائيل نحو السلام.. أي مسؤول غربي لا يجرؤ على طلب تنازلات".

وشرح الأسد "في سوريا ليس لدينا شروط في المفاوضات.. لدينا حقوق تتمثل في عودة الأراضي المحتلة".

واعتبر الرئيس السوري أنه من حسن حظ سوريا أن السلام لم يوقع في التسعينيات، لأن الزمن يعمل لمصلحتنا.. نحن الآن أقوى". وقال "السلام ليس فقط مفاوضات.. السلام مقاومة أيضا.. حرب تموز/يوليو 2006، والحرب على غزة حركت السلام". وقال "المفاوضات والمقاومة هدفهما استعادة الحقوق".

وانتقد الرئيس الأسد تبعية الأوروبيين لأميركا، وقال "إنهم يتبعون الموقف الأميركي، ولذلك، قلنا للأوروبيين لم نتبعكم وأنتم تتبعون الأميركي..فلنراهن على الإدارة الأميركية بدلا من المراهنة عليكم".

قناة سورية بين الأوروبيين و"حماس"

وكشف الرئيس الأسد عن أنه يقول للغربيين "ليس مهما إذا كانت المقاومة ارهابا.. توجد حقائق بغض النظر عن مفهوم المصطلح. علينا الإتفاق على الحقوق".

وكشف هنا عن أن هذا الحديث كان يدور حول "حماس"، مضيفا "بعض الأوروبيين كان يخرج من اللقاء معنا ويلتقي طرف بطرف، ويقولون المفاوضات مع سوريا جيدة.. يريدون أن نفتح لهم أقنية اتصال مع المقاومة".

العلاقة مع تركيا وايران

ووصف الرئيس السوري علاقة بلاده بتركيا بأنها هامة جدا، وقال إن "تركيا تعود الآن لأشقائها العرب". واعتبر "هذه العلاقة نموذجا على كيفية قلب العدو إلى صديق". وقال الكل أخطأ، لم يخطئوا حيال قضايانا أكثر مما اخطأنا نحن، وهم يتحركون الآن لحل الخلاف السوري العراقي".

وفيما يتعلق بالعلاقة مع ايران، أشار الأسد إلى تحويلها السفارة الإسرائيلية إلى سفارة فلسطينية، ووقوفها مع المقاومة في لبنان وفلسطين. وأشار الرئيس السوري إلى محاولات بعض العرب وصم ايران بالشيعية والفارسية بهدف التعبئة ضدها، كما أن هناك من يستحضر الآن الطورانية من أجل تخريب العلاقة مع تركيا.

وكشف الأسد عن اقتراح عرض في قمة الدوحة بأن يتم اجراء حوار عربي ايراني، لكنه رفض ذلك، لأنه استشعر أن هدف هذا الحوار هو خلق مشكلة في العلاقة مع ايران، لا تبديد المخاوف كما قال أصحاب الإقتراح.

شرق اوسط عربي

واعتبر الأسد أن علاقات بلاده الجيدة مع كل من ايران وتركيا، جزء من إعادة بناء الشرق الأوسط، لصالح العرب، "جوهره المقاومة بمعناها الثقافي والعسكري وأي معنى آخر".

وردا على سؤال عما إذا كانت سوريا ستمنح شهادة حسن سلوك لأطراف رسمية عربية في حال التصالح معها، قال الرئيس السوري "لسنا على استعداد لأن نعطي شهادة حسن سلوك لأي نظام عربي. هذه ليست مهمتنا.. هذه مهمة الشعوب".

وحول شكل العلاقة المتوقعة بين سوريا واسرائيل في حال انسحاب اسرائيل من الجولان، وهو السؤال الذي وجهه الدكتور حسن نافعة، قال الأسد "يمكن أن تكون السفارة الإسرائيلية مطوقة بالجيش والشرطة لحمايتها..السلام تصنعه الشعوب لا الدولة". وأضاف أن "السلام بالنسبة لسوريا لا يتوقف عند الجولان..لدينا نصف مليون لاجئ فلسطيني، لا يمكن فصل المسار التفاوضي السوري عن حقوقهم".

فلسطين لا الجولان

وأكد أن "القضية المحورية العربية هي القضية الفلسطينية لا قضية الجولان"، لكنه عند سؤاله عن الموقف السوري من الأراضي الفلسطينية المحتلة في حال الإنسحاب الإسرائيلي من الجولان، قال الأسد "كلما تكلمنا في الموضوع الفلسطيني يردون علينا لا تكونوا ملكيين أكثر من الملك..أي اسكتوا..! لذلك، نحن نتحدث فقط في موضوع اللاجئين الفلسطينيين في سوريا". وعرف اللاجئ الفلسطيني في سوريا بأنه "مواطن سوري له قضية في فلسطين".

مشاركون في المؤتمر تصدوا لعبد الغني هللو عضو المكتب السياسي للجبهة الديمقراطية، حين حاول أن ينظّر لضرورة استعادة الوحدة الوطنية الفلسطينية برئاسة محمود عباس رئيس السلطة الفلسطينية، حيث سمعت أصوات تطالبه بالسكوت، وتعترض على تحدثه، وتعتبر ما يقوله "كلام فاضي"، وتتساءل "هل تريد وحدة وطنية بقيادة أبو مازن..؟!". وفي المحصلة تم اسكاته من قبل المشاركين أولا، ثم من رئاسة المؤتمر. أما الرئيس الأسد قد اعتبر أن هللو لم يوجه سؤالا ليرد عليه.

تباين الرأي مع السودان

الدكتور مصطفى عثمان اسماعيل مستشار الرئيس السوداني، الذي يمثل حزب المؤتمر الوطني السوداني الحاكم في المؤتمر، أبدى بدوره وجهة نظر، قال الرئيس الأسد أنه لا يؤيدها.

اسماعيل أبدى ارتياحه للخطاب الذي القاه الرئيس الأميركي باراك اوباما في جامعة القاهرة، وتساءل "ما الذي فعلناه نحن لنرد على هذه التحية..؟ لم يبادر أي رئيس عربي للذهاب إلى جامعة اميركية يرد التحية على الرئيس اوباما".

الرئيس الأسد أبدى عدم اقتناعه بوجهة نظر اسماعيل، وقال الأسهل والأفضل مخاطبة الرأي العام الأميركي عبر الإعلام، كي نتحدث إلى ملايين الناس بدلا من مخاطبة بضعة مئات في قاعة مغلقة، لافتا إلى وجود تعتيم اعلامي على وجهة النظر العربية، طارحا نموذجا على ذلك تسجيله مقابلة مع قناة اميركية مدتها ساعة وخمسة واربعين دقيقة اختير منها فقط خمسة دقائق لتبثها القناة المعنية، وهي الخمسة دقائق الأضعف في كل المقالة.

وحدة اليمن

وأعلن الرئيس الأسد تأييد بلاده لوحدة اليمن، ومعارضة ما يجري من اقتتال في اليمن يستهدف الوحدة اليمنية، وكشف عن وجود اتصالات بالخصوص بين سوريا وكل من اليمن والسعودية بهدف حماية الوحدة اليمنية.

عدم إغضاب مصر

وفيما يتعلق بالحصار المفروض على غزة، قال إنه اقترح حين كان في زيارة إلى تركيا ارسال، ولو قوافل مساعدات للمحاصرين من ابناء القطاع. وأعرب عن اعتقاده بأنه "لن يكون هناك قرار جماعي عربي بالخصوص "لأن أحدا من العرب لا يريد اغضاب دولة عربية في هذا الجانب"، وهو ما اعتبر اشارة إلى مصر التي تفرض الحصار على قطاع غزة.

ورحب الرئيس الأسد بزيارة لبنانيين دون آخرين لسوريا، قائلا إن السياسيين اللبنانيين بعضهم مصاب بفايروسات، وبعضهم الآخر هو نفسه فايروسات، وهذا البعض "لا نريده أن يموت لدينا.. ليمت بطريقة أخرى".

من الأمور اللافتة أيضا في الحوار مع الرئيس الأسد، ما طالب به الضابط العراقي السابق عبد الصمد الغرير من ضرورة وقوف سوريا إلى جانب المقاومة العراقية، حيث العراق هو العمق الإستراتيجي لسوريا. رد الرئيس الأسد على ذلك قائلا "لا تحديد لأي مقاومة. سوريا مع أي مقاومة ضد أي احتلال"، لافتا إلى أن القوى الطائفية في العراق لا مصلحة لها في أي حل سياسي في العراق. وقال "مصلحتها في إثارة القضايا الطائفية، ولا أمل للعراق بغير مقاومة المحتل".

ليست هناك تعليقات:

إرسال تعليق