السبت، 14 نوفمبر 2009

بعد وصول خيار المفاوضات طريقا مسدودا...أية بدائل وسيناريوهات تنتظرنا؟

كتب: عريب الرنتاوي

لم تعد العودة للمفاوضات من دون تجميد كامل للاستيطان، خيارا ممكنا، فلسطينيا على الأقل، سيما بعد أن أوصل الرئيس عباس الموقف إلى ذورته، إلى نقطة اللاعودة، في خطاب الذكرى الخامسة لرحيل ياسر عرفات أمس الأول.

وفي ظني أن القبول بأي عرض أقل من التجميد الكامل للاستيطان بما في ذلك النمو الطبيعي، وفي كامل المناطق بما فيها القدس، لم يعد خيارا بل انتحارا، سواء أقدم عليه أبو مازن أو من سيخلفه من القادة الفلسطينيين إن ظل الرئيس على "رغبته" بعدم الترشح، وتهديداته بالاستقالة مبكرا من مختلف مناصبه.

حسنا، قد لا يستطيع أبو مازن أن يضمن الحصول على تجميد كامل وشامل للاستيطان، كشرط لبدء المفاوضات، لكن العمل جار على جعل هذا المطلب واحدا من مرجعيات عملية السلام ومعيارا لنجاحها، فالمفاوضات قد لا تبدأ بوقف الاستيطان،ولكن المأمول إن تنتهي بإزالته، أو إزالة جزء رئيس منه على أقل تقدير.

مثل هذا الرهان غير مقنع لكثيرين ممن يقول لسان حالهم: إذا عجز العالم عن إرغام نتنياهو وحكومته على تجميد الاستيطان، فلن يفلح أبدا في إرغامه أو من سيخلفه، على تفكيك المستوطنات، لتبقى النتيجة أن التوسع الاستيطاني الذي سيتحقق في أثناء عملية التفاوض، سينضاف بدوره إلى "الأمر الواقع"، والحقائق المفروضة بقوة الدبابة والجرافة على الأرض، وسيكون مشمولا بتبادل الأراضي في أحسن الأحوال، إن لم يكن قد احتسب على حصة إسرائيل من "الأراضي المتنازع عليها".

على أية حال، لا أستطيع أن أجد سيناريو واحد مقنع، يمكن أن يتيح الجمع بين استئناف المفاوضات واستمرار الاستيطان، ولا أرى في الأفق بوادر تراجع فلسطيني عن "المطلب الذي صار شرطا" أو إرهاصات "جنوح إسرائيل لخيار السلام ومستلزماته وشروطها" وفي مقدمها وقف الاستيطان بالكامل، الأمر الذي ينذر بازدياد الأمور تعقيدا.

ويزيد "الطين بلة" كما يقال، أن استعصاء المفاوضات وتردي عملية السلام هذه المرة، يثير شهية أركان السلطة "للتنظير والتحليل والتقيم والاستشراف"، حيث يتبارى المسؤولون في إطلاق التصريحات المتشائمة، والتي تكاد تلامس تصريحات وتحليلات المعارضة الإسلامية من حماس إلى الجهاد، الأمر الذي سيجعل استدارتهم الكاملة اللاحقة صعبة للغاية، ويعقّد عودتهم إلى مائدة المفاوضات، ويجعلها أكثر كلفة ومخاطرة.

فأن يقول كبير المفاوضين، صاحب "المفاوضات حياة" أن المفاوضات وصلت بعد 18 عاما على انطلاقتها إلى طريق مسدود، فهذا أمر يقربه من حماس والجهاد والشعبية...وأن يقول أن استقالة عباس تعني أن لا سلطة ولا حكومة ولا وزراء ولا نواب، فمعنى ذلك حل السلطة أو انهيارها، وهذا مطلب لبعض الفلسطينيين الذين ما عادوا على ثقة بأن "السلطة مشروع دولة"...وأن يقول الرئيس عباس وأمام عشرات ألوف الفلسطينيين الذين احتشدوا أمس إحياء لذكرى استشهاد أبو عمار الخامسة: "أنا شخصيا مش ح أقبل" ردا على مطالبات عربية ودولية بالعودة للمفاوضات قبل وقف الاستيطان، فمعنى ذلك أننا نقترب شيئا فشيئا من نقطة اللاعودة، فما الذي يمكن أن تأتي به قادمات الأيام، وأية سيناريوهات تنتظرنا ؟.

أغلب الظن، أن السيناريو الأكثر ترجيحا سيركز على "خط نهاية المفاوضات" بعد أن فشل المحاولات لرسم خط بدايتها وشروط انطلاقتها، وعند هذه النقطة بالذات تتكثف الجهود الآن بحثا عن ضمانات، وهي جهود تدعمها واشنطن ودول أوروبا والاعتدال العربي، لكن هذا ليس سيناريو واحد صعب من عدة سيناريوهات أشد صعوبة.

السيناريو الثاني: السلطة تعلن من جانب واحد عن قيام دولتها على خطوط الرابع من حزيرن وعاصمتها القدس الشرقية، تعترف بها بعض الدول، وربما الولايات المتحدة كذلك، ويصبح كل الوجود الإسرائيلي داخل هذه المناطق وجودا عدوانيا وغير شرعي، إسرائيل قد ترد بخطوات إحادية من جهتها كأن تضم الكتل الاستيطان ومناطق في القدس وغيرها إليها، رسميا ونهائيا، ولا أحد يدري ما هي القيمة المضافة لهكذا سيناريو، وما مخاطر واحتمالات تحوله عمليا إلى "مشروع دولة ذات حدود مؤقتة" الذي يرفضه الفلسطينيون نظريا، سؤال مشروع آخر.

وثمة سيناريو ثالث: يتحدث عن حل السلطة و"رد الأمانة إلى أصحابها"، فاوسلو ومن قبله مدريد حملا وعدا بالدولة، فإذا بالسلطة تتحول إلى مقبرة لهذا الوعد والحلم، جراء التعنت الإسرائيلي، هذا السيناريو يطوي صفحة "الاحتلال المريح، أو الديلوكس"، ويعيد المسألة برمتها إلى أصلها: صراع بين قوة احتلالية استعمارية من جهة وشعب خاضع للاحتلال من جهة ثانية، لكن هذا السيناريو لا يجيب على مصير ما يزيد عن مليون مواطن متعلق معيشيا بالسلطة ومؤسساتها وأجهزتها، فضلا عن كونه لا يجيب على الأسئلة المتعلقة بمصير قطاع غزة.

وثمة سيناريو استمرار القديم على قدمه، سواء ببقاء أبو مازن أو برحيله، حتى تنطوي هذه "الغمامة"، وربما نعود بعد حين إلى حوارنا الماراثوني حول المصالحة والوحدة الوطنية، ونعلق عملية السلام والمفاوضات كما علقت من قبل، وأحيانا لسنوات، إلى أن تنضج شروط أخرى وتلوح في الأفق بوادر ومبادرات جديدة.

وثمة سيناريو "الانتفاضة الثالثة" خصوصا إذا ما استمر التعدي الإسرائيلي على القدس والمقدسات والأقصى، وإذا ما استمر التوسع الاستيطان في الضفة وحرب التجويع والإبادة في القطاع، وإذا ما استطال الانحباس في عملية السلام وانسداد أفق الحل وشيوع اليأس والإحباط، إلى غير ما هنالك من عوامل كفيلة بتفجير انتفاضة ثالثة ورابعة، إن لم يكن الآن، ففي مستقبل غير بعيد.

والخلاصة، أن المستقبل الفلسطيني الذي طالما عانى من الغموض والانفتاح على المجاهيل والمغاليق، يبدو اليوم أكثر غموضا وانفتاحا على شتى الخيارات والبدائل والسيناريوهات، لكن الحقيقة التي لا تخطئها العين وسط هذا الضباب الكثيف، أن استمرار الحال الفلسطيني على هذا الحال، يصبح يوما بعد آخر من المحال.

ليست هناك تعليقات:

إرسال تعليق