السبت، 14 نوفمبر 2009

تصنيف شنغهاي للجامعات أظهر تردي التعليم بالعالم العربي

د.هاني العقاد

تتعدد التصنيفات العالمية للجامعات بالعالم فمنها ما يركز على جودة التعليم و منها ما يركز على المخرجات الشاملة و بعضها يركز على مخرجات البحث العلمي و توظيف الخريجين , فأي كان نوع التصنيف و المعايير التي تستخدم في هذا التصنيف فان النهاية هي مجمل التقييم العام لدور الجامعة في إحداث تغير يقود إلى الرقي و التقدم المجتمعي و مدي تأثير هذه الجامعات في العديد من النواحي منها البيئية و الاقتصادية و التربوية و الصحية. لقد أصابتني نتائج تصنيف شنغهاي بالذهول عندما اظهرت أن التعليم العربي متردي إلى درجة كبيرة مقارنه مع باقي دول العالم و خاصة أصغرها و التي تتصارع مع مجمل الوجود العربي على مدار الساعة وليس يوميا , و لعلني اقصد دولة إسرائيل العنصرية التي كان لها نصيب ستة جامعات قبل الخمسمائة الأولى من واقع ثمان جامعات إسرائيلية , ولهذا معني كبير في الزمن الحالي و القادم ,معناه أن هناك صراع حضاري علمي و تقني و تكنولوجي خفي تريد إسرائيل أن تتفوق به لينعكس على أفرادها و مجتمعاتها و هذا ما أخذته إسرائيل على محمل الجد و تركه العرب منذ زمن. ولقد اعتمد هذا التصنيف على معاير دقيقة أهمها جودة التعليم و جودة أعضاء الهيئة التدريسية و المخرجات البحثية , ولعل وجود جامعة الملك

سعود في تصنيف شنغهاي عند مستوي 402 جعل من المصيبة اقل ألما و يمكن لنا أن نتحملها بمرارة مع جرعات مؤدبه من اللوم للقائمين على برامج التعليم الجامعي بالعالم العربي و الذين باتوا يتاجرون بالبيع الرخيص لسعيهم تحول المؤسسات العلمية إلى دكاكين للبقاله يشتري منها كل من يملك نقود , وهنا يمكنه الدفع المقدم لتحقيق رغبته بحمل شهادة جامعية ما دون الالتفات إلى معاير الجودة المطلوبة في الفرد و التخصص ودون فحص دقيق لكفاية الفرد ودرجة امتلاكه للقدرات الخاصة و النوعية التي تقود للتقدم العالمي في العديد من المجالات و مدي إسهام هذا التقدم في خدمة ورقي المجتمع وتقدم مسيرته الحضارية . للأسف كان لنا كعرب حضورا ضعيفا جدا قياسا مع العدد الكبير للجامعات العربية عندما دخلت جامعة الملك سعود التصنيف العالمي كأول جامعة سعودية و عربية من المحيط إلى الخليج ضمن تصنف شنغهاي الذي يعد من ارقي و أصعب أكثر التصنيفات انتشارا و قبولا بالعالم ,و بهذا تكون جامعة الملك سعود قد سجلت الحضور العربي المنفرد في هذا التصنيف حيث لم تتضمن قائمة 500 جامعة عالمية أي جامعة عربية أخري هذا العام , فيما يعد هذا الانجاز غير مسبوق للجامعات السعودية , إذ سجلت جامعة الملك سعود حضورا عربيا عالميا لمنظومة التعليم العالي و البحث العلمي اللامحدود و المتواصل و هذا افتخار منا بهذا الصرح العلمي المتقدم الذي نتمنى على كافة الغيورين من الأكاديميين و الأساتذة و الباحثين الرقي بأدائهم العام لترتفع كفاية الجامعة لتصل إلى مكانة متقدمة جدا من خلال التصنيفات القادمة في الأعوام التالية. إن الأسباب عديدة ومتنوعة لتفسير ظاهرة تردي التعليم بالعالم العربي و كأنه تغير عن سابق عهده دون إدراك القائمين و المتابعين للمخرجات الأكاديمية و قياس الأثر العام لها و مدي تطور هذا الأثر بضمان تطور المجتمع وتحسن صورته الشاملة , و هناك العديد من الأسباب في وجهة نظري لهذا التردي و الانهيار الذي ينذر بانهيار تام لمنظومة التعليم الأكاديمي لدرجة انه قد لا يلبي الطموحات المحلية فقط ولا يمكن أن يقارن مع المستوي العالمي ولا تصل درجة الجودة لمعدل نموه الدرجة الطبيعية التي من خلالها يحسب اثر التعليم على المستوي البعيد , و من هذه الأسباب ما يعود للدولة و ما يعود للفرد, و ما يعود للدولة يتخصص في عدم توفير ميزانية كافة لأمور البحث العلمي من مدخولات الدولة فإذا أخذنا مقارنة بسيطة لما توفره إسرائيل بما قيمته 5% من مدخولات الدولة لصالح البحث العلمي و معاهد البحث العلمي بالجامعات المحلية لا توفره أي دولة عربية بنفس القيمة أو ما يقاربها هذا بالإضافة للنقص الشديد لتوفير رعاية كافية من قبل كافة مؤسسات الدولة للباحثين و تخصيص معاهد بحث متطورة لبحوثهم و اعتماد النتائج التي يصلوا إليها و تطبيقها بالمؤسسات المختلفة و متابعة هذا التطبيق على المستوي الأكاديمي و المهني عبر التوجيه و التقييم المستمر, و السبب الأخر الذي يهدد نمو و رقي الجامعات و تطورها هو استقلالية التعليم الجامعي بالعالم العربي و التي تعتبر التعليم نفسه آمرا له علاقة بالتكوين السياسي للدولة و بالتالي فان تعيين الأساتذة و الخبراء محسوب و مربوط بالانتماء السياسي في كثير من الأحيان و بالتالي فان إنتاج معظم الجامعات أصبح كمزارع للتفريخ الحزبي و ليس للإنتاج الوطني العام و الشامل , ومن هنا فان المخرجات الأكاديمية للفرد الخريج تقتصر على منفعة و خدمة و رقي الحزب السياسي و ليس الدولة أو الوضع العالمي , فمن هو مع الحكومة هو ابن الجامعة و من هو غير ذلك حتى و لو بالرأي فان علومه و خبراته و فلسفته الأكاديمية و العلمية و اطلاعه و ثقافته وكل هذا لا ينفع الجامعة بشيء, و لعل هناك سببا أخر بخلاف السبب الحزبي و السياسي و هو التقليدية التي منها ما ينفع الناس و منها ما هو ضار لعقولهم, و

تقليدية المناهج و قصر حجمها الأكاديمي و تقليدية البحث العلمي و تخصيصه للحصول على شهادة عليا فقط بغض النظر عن جودة البحث العلمي و أهمية النتائج التي يصل إليها و مدي حاجة الميدان لها , كما أن تكرار البحث يعتبر عملا تقليديا بالإضافة إلى أساليب التدريس المختلفة التي تستخدم بالجامعات و التي يدعي أصحابها بالخروج عن التقليدية و هم أصلا تقليديون في كافة أساليبهم و وسائلهم التعليمية و مصادر معلوماتهم لان عملهم لا يتعدي العمل التجاري و المعيشي و الكسب المادي و المكانة الاجتماعية فقط. أن التوجه المخيف بمعظم دول العالم العربي للتعليم الجامعي أصبح مبنيا على إنتاج الجامعة المالي وليس الأكاديمي فلا يهتم احد بالناتج الأكاديمي و لا يهتم احد بالكيف على حساب الكم فمعظم مؤسسات التعليم العالي تهتم بالأرقام أي أعداد الخريجين دون مستويات الكفاية لان القاعدة أصبحت أن لكل طالب الحق في الحصول على شهادة جامعية.

ليست هناك تعليقات:

إرسال تعليق