السبت، 20 فبراير 2010

رسالة الى من يهمه الامر

نزار بن حسن

إلى من يهمّه الأمر : الرّسالة الأولى

هذه تفاصيل القضيّة الّتي تمّ استدعائي كمتّهم فيها في محكمة الشّـابة يوم 23 فيفري المقبل، وهي الرّسالة الأولى من مجموعة من النّصوص تطالعونها في الأيام المقبلة لتنقل لكم تفاصيل مثيرة حول ممارسات السّلط الجهويّة والمحليّة بالشابة مع كشف لحقائق تنشر لأوّل مرّة ويتعلّق أغلبها ببلديّة الشابة ونشاط رئيسها مصطفى كمال الشّـابي وبعض موظّفيها ومستشاري مجلسها.

شكرا

تساءلنا كثيرا في جمعيّة النّهوض بالطّـالب الشابي عن الأسباب الّتي حاكت عمليّة حجب منحة البلديّة عن جمعيّتنا، تساءلنا في كلّ الاجتماعات وطرحنا التّساؤلات على قدماء جمعيّتنا وعلى مجلسنا البلدي في شكل مراسلات لمّـا رفض مقابلة أيّ من أعضاء الهيئة وتحجّج رئيس البلديّة: مصططفى كمال الشابي بأعذار عديدة ليتهرّب من الّمساءلة واللّقاء، أشهر عديدة مرّت بدون منحة أو إجابة مقنعة تحمل أسباب حجب المنحة، لماذا لا تتمتّع جمعيّتنا بالمنحة كغيرها من الجمعيّـات الموجودة في مدينة الشّـابة، ماهو وجه الاختلاف بين جمعيّتنا وجمعيّـات الطّرق الصّوفيّة الّتي تتلقّى المال الوفير من ميزانيّة البلديّة، هل أصبحت الاستقلاليّة تهمة نعاقب عليها بالتّضييق المالي، ألا يكفينا ترهيب زوّار مقرّ جمعيّتنا من قبل البوليس السّياسي منع تظاهراتنا ونشاطاتنا بقطع الطّرقات أمام محاضرينا ومنع تعليق إعلاناتنا في الأماكن العموميّة.

أخيرا قرّر أحبّـاء الجمعيّة ضرورة النّضال الميداني من أجل الذّود عن مطلب المنحة وكذلك الحق في الرّد من السّلطات المحليّة المهتمّة بالمسألة المتمثّلة في المجلس البلدي "المنتخب" أو المنصّب إن صحّت العبارة.

تمّ اعلامي وقتها بضرورة تفعيل اعتصام سلميّ أمام مقر البلديّة يحمل مطلبين، الأوّل هو حقّنا في لقاء رئيس البلديّة للمساءلة والتّفاوض في الوضع المالي للجمعيّة المستقلّة، والثاني هو حقّنا في المنحة الّتي منعت عن جمعيّتنا المستقلّة، وكان موعد الاعتصام صبيحة يوم السّبت 4 جويلية 2009.

تنقّلت يومها إلى البلديّة ووجدت ثلّة من أصدقاء الجمعيّة معتصمين أمام البلديّة، يتساءلون عن رئيس البلديّة الّذي قيل أنّه فرّ هاربا وسبب كثافة أعوان الأمن أمام باب البلديّة الّذي تمّ اغلاقه، وتواجد البوليس بالزّي النّظامي في بهو المؤسّسة بالدّاخل.

كلّها تساؤلات حملها جمع المعتصمين، رفض مستشارو البلديّة مقابلتنا، رفضوا دخولنا إلى البلديّة، ولكنّنا واصلنا الاعتصام.

حوالي السّـاعة الثانية عشر خرج أعوان الأمن بالزيّ النّظامي من البلديّة وقاموا بتفريقنا بالقوّة، اعتدوا على المربّي محمّد الكلابي الّذي كان من المعتصمين سلميّـا أمام البلديّة، تمّ الاعتداء بألفاظ بذيئة على الكثيرين وأغلبهم من رجال التّعليم، ولكن لم تكن ردّة فعل المعتصمين شديدة فقد اعتدنا ممارسات النّظام، كلما نظرت في وجه أحد الحاضرين أجابني مبتسما: "انّها تونس، انّها بلديّة الشّـابة، لا تستغرب شيئا....؟؟".

علّق الاعتصام، وسرنا كلّ في طريق، ألم يكن من الأجدى أن يلتقي رئيس البلديّة برئيس الجمعيّة ويعلمه بأسباب حجب المنحة دون تدخّل أعوان الأمن الّذين ساهموا بشدّة في تلويث أذان أبنائنا ومواطنينا في مدينة الشابة بالكلام البذيء وسبّ الجلالة.

حوالي السّـاعة الخامسة مساءا، اتّصل بي أحد أفراد العائلة وأعلمني أنّه قد تسلّم استدعاء موجّها لي من مركز الأمن الوطني بالشّـابة يقضي بضرورة التوجّه في أقرب وقت إلى مركز الأمن لأمر مهم، "استدعاء لأمر مهم مساء يوم سبت في تلك السّـاعة" انتابني شعور غريب، اتّصلت بالأصدقاء من السّـاحة الحقوقيّة والسّياسيّة ثمّ عزمت التوجّه إلى المركز، هناك حجزت بطاقة هويّتي ما ان سلّمتهم وثيقة الاستدعاء وطلب منّي حاجب المركز الانتظار قليلا، لم يطل انتظاري، فماهي إلاّ بضع دقائق حتّى رست سيّـارة شرطة من نوع "berlingo"، ركبتها وتمّ حجز هاتفي الجوّال، ومن حسن حضّي وقتها أنّي وجدت فرصة تمرير ارساليّة قصيرة تعلم بمكاني.

كنت راكبا في السيّـارة وكانت تتبعنا سيّـارة شرطة ثانية، اعتقدت لوهلة أنّي متّهم بالارهاب أو بتهم خطيرة لا أدري ماهي تحديدا، ولكنّي التزمت الصّمت، لم أتساءل حتّى عن الوجهة لأنّي كنت متيقّنا أنّنا في الطّريق نحو منطقة الأمن بالمهديّة.

لم ينفك الأعوان الّذين نقلوني إلى منطقة المهديّة حديثهم عن وخامة عاقبتي، وأنّ عقوبتي ستكون شديدة جدّا لعدم فهمي بعد لطبيعة النّظام، ذاك ما قالوه، ولكنّي لم أكترث كثيرا لعصا جلاّد.

نزلت من السيّـارة، وكان تخميني صحيحا، كنت ضيفا بمنطقة الأمن الوطني بالمهديّة، أدخلوني إلى احدى الغرف وبسرعة قاموا بجلب آلة كاتبة وانطلق استنطاقي بحضور أربعة أعوان، عونان لا أعرفهما من منطقة المهديّة ورئيس مركز الأمن بالشّـابة "نجيب" وعون الإرشاد "لزهر شعيب".

س: قمت اليوم بإحداث الهرج أمام بلديّة الشابة....

ج: كنت موجودا ولكنّي لم أحدث الهرج. ...

تتالت الأسئلة وتتالت معها إجاباتي، نعم لقد كنت أمام البلديّة في اعتصام سلميّ ممن أجل المطالبة بمنحة الجمعيّة ولكنّي لم أسب الجلالة ولم أحدث الهرج والتّشويش ولم أشتم رئيس البلديّة، كلّها تهم واهية وغريبة زادها غرابة إدراجي دون غيري في هذه القضيّة.

سألتهم عن صاحب الدّعوى فأجابوني بأنّه الحق العام فسألتهم: "هل يمكنني مكافحة الحق العام أو مطالبته بالقسم؟؟؟" فغيّروا موضوع الحديث وطلبوا منّي إمضاء المحضر ولكنّي رفضت، لم أجد يومها شيئا واحدا يمكنني استيعابه أو فهمه لكي أمضي على وثيقة.

بقيت هناك لساعات بينما يقوم عوني أمن بتفتيش هاتفي الجوّال، دوّنوا الارساليّـات وأصحابها وأرقام الهواتف، كنت أرى ذلك في أوراق على مكاتبهم ولكنّي التزمت الصّمت فلم أكن أدري مدى قانونيّة هذا الإجراء.

صبيحة يوم الأحد 5 جويلية، كنت قد قضّيت ساعات طويلة على كرسيّ في بهو منطقة الأمن، أعلمتهم بأنّي مغادر ولا أستطيع الصّبر أكثر كما أنّ عليّ إعلام عائلتي بمكاني لطمأنتهم، قاموا وقتها بشتمي وانتزع حزامي ومالي وعلبة السّجائر وحافظة أوراقي وحذائي ومكّنت من غطاء بالي وأدخلوني غرفة احتفاظ لا تكاد تتّسع لسبعة أشخاص ولكّنها حوت أكثر من خمسة عشر نفرا لكلّ تهمته الخاصّة، سألتهم وقتها عن طبيعة القضيّة فأجابني أحدهم أنّ مشكلتي شخصيّة مع رئيس بلديّة الشّـابة مصطفى كمال الشابي وأنّ الخلاف سياسي والعاقبة سيّئة.

مرّت السّـاعات ببطء ولكنّي تمتّعت ببعض الراحة بعض سهر ليلة كاملة على كرسيّ خشبيّ رديء، منتصف النّهار،

تمّ نقلي من الإيقاف إلى الطّـابق الأوّل، وضعوني في مكتب حيث تمّ إعلامي أنّ شخصا مهمّـا سيقابلني.

كان لقائي الأوّل برئيس منطقة الأمن بالمهديّة، لقاء ذو شجون تمحور حول الحزب الدّيمقراطي التقدّمي والعلاقة بالإسلاميين ونشاطي صلب جمعيّة النّهوض بالطالب الشابي وعلاقتي ببلديّة الشابة ورئيسها ونشاطي على الفايسبوك والصّور الّتي أنشرها وغيرها من المواضيع.

كان ملخّص الحّديث هو إيقاف الحملة الإعلامية الّتي انطلقت منذ علم مناضلو الحزب الدّيمقراطي خبر الاحتفاظ بي وبالتالي إخلاء سبيلي وحفظ القضيّة نهائيّـا وكان ذلك، فتمّ اخراجي من الباب الخلفيّ لمنطقة الأمن وركبت سيّـارة "peugeot106"خضراء اللّون كانت على ملك أحد أعوان الأمن ونقلوني إلى محطّة سيّـارات الأجرة وسلّموني هاتفي الجوال وبطاقة الهويّة.

وبعد أكثر من نصف سنة تلقّيت استدعاء من محكمة ناحية الشّـابة لأقف أمام عدالتها بتهم إحداث الهرج والتّشويش والقذف العلني والاعتداء على الأخلاق الحميدة.

نزار بن حسن

ليست هناك تعليقات:

إرسال تعليق