الجمعة، 16 أبريل 2010

في العراق... شر البلية ما يبكي


جاسم الشمري ـ العراق
الذي يحدث في العراق لم يحدث في غيره من بقاع الأرض، وأنا لا أتحدث عن القتل والاعتقال وقبلها الاحتلال والإذلال فقط، بل أتحدث عن ظاهرة استهزاء وسخرية كاملة من الاحتلال بشعبنا العراقي العريق إذا ما قيس بالأمة الأمريكية، ولا ندري عن ماذا أتحدث، هل أتحدث عن قتلهم لأبناء بلدي بدم بارد، أم عن إهانتهم بوضع أحذيتهم على رؤوسهم، أو تصويرهم بأوضاع مخجلة كما حدث في أبي غريب وغيرها من المعتقلات.
المؤلم أن الكارثة مستمرة منذ عام 2003، وحتى اليوم والعالم يتفرج، وقبل أيام أظهر موقع ويكيليكس فلما جديدا يعكس الأبعاد الحقيقية والمخيفة للحقد الأمريكي ضد العراقيين، هذا الفلم سجل القتل من إحدى مروحيات الأباتشي في منطقة بغداد الجديدة يوم 12 تموز/ يوليو 2007.
طاقم المروحية كانوا يتناقشون على المشهد في الشارع، إذ زعم أحد أفراده أنه لمح ستة أشخاص حاملين رشاشات (AK-47)، وآخر يحمل قاذفة صاروخية، ومن ثم يُسمع أحد أفراد طاقم المروحية، وهو يقول: "إن واحدا من المجموعة المستهدفة كان يطلق النار"، لكن الفلم يوضح عدم وجود إطلاق نار، أو حتى إشارة إلى وجود أسلحة، ثم يأمر قائد الطائرة مستعملا كنية الفرس الغاضب بفتح النار، ويصيح أحد أفراد طاقم الطائرة مقهقها: ضربتهم، ويرد آخر بعد وقت قصير: نعم انظر إلى أبناء... المقتولين.
ويظهر الفلم سيارة نقل صغيرة وقفت بجوار الرجل المصاب، ويهرع عراقيون خارجين منها، ولم يكونوا مسلحين محاولين حمل الضحية إلى السيارة لنقله إلى المستشفى، وفي هذا الموقف الإنساني تفتح إحدى المروحيات النار بإطلاقات خارقة للدروع، ويقول أحد طاقم المروحية: "انظروا إلى ذاك في الزجاج الأمامي"، ويرد آخر عليه بالضحك.
وأظهر الفيلم أن طفلين أصيبا بجراح كانا داخل السيارة، وبعد وصول القوات البرية، واكتشاف وجود الأطفال، يلقي أفراد الطاقم الجوي الأمريكي اللوم على العراقيين قائلين "طبعا خطؤهم أن يأتوا بالأطفال إلى المعركة"، ويرد آخر: "طبعا".
الأميرال هال بيتمان مدير الاتصالات في القيادة المركزية الأمريكية التي تشرف على حرب الاحتلال في العراق، قال في تصريح لرويترز التي فقدت اثنين من مصوريها في هذا الحادث "القيادة المركزية ليس لديها حاليا خطط لإعادة التحقيق في هذا العمل القتالي"؟!!
وفي مقابل ذلك نجد واقعة غريبة حدثت بتاريخ 13/5/2009، حيث رفعت القوات الأميركية المحتلة في محافظة صلاح الدين دعوى قضائية ضد مواطن عراقي متهمة إياه بالاعتداء عليها، وهي سابقة تعد الأولى من نوعها في العراق، حيث قدم المستشار القانوني للقوات الأميركية المحتلة -المختص بالتنسيق مع الجهات العراقية- طلبا لإقامة دعوى قضائية حسب الأصول المرعية ضد مواطن عراقي مجهول هاجم بقنبلة حرارية عجلة أميركية في حي القادسية شمالي تكريت، مما أدى إلى إصابة جندي أميركي بجروح"؟!!
وهنا يجب أن نتوقف، وقفة طويلة، ونتساءل: منْ يشكو منْ منْ؟
من الذي جاء بكم إلى بلادنا؟
ومن الذي احتل العراق، ومن الذي عبر آلاف الأميال؟ ومن الذي قتل الناس على أنغام الموسيقى؟ ومن الذي جيّش العالم ضدنا؟ ومنْ خرب بلادنا؟، ومن الذي أعاد العراق، كما وعد، إلى القرون الوسطى؟ ومنْ ومنْ ومنْ؟
ثم السؤال الأهم، هو: على أي قانون تريدون أن يكون هذا الحكم الذي يراد إصداره على عراقي مجهول الهوية؟ هل على قانون الغاب الأمريكي؟ أم على قانون القرن الحادي والعشرين الذي اختلفت فيه موازين الإنصاف والعدل؟
مقابل هذه الجرائم والإرهاب المخزي، هنالك حقيقة ناصعة، وهي استمرار المقاومة العراقية ضد الاحتلال، ومقاومة الاحتلال حق مضمون عرفا وعقلا وشرعا، وكل الأعراف والقيم والمبادئ التي نعرفها، في كل الأمم والحضارات، لا تجيز للقاتل أن يتقدم بشكوى ضد المقتول، ولا للمحتل ضد البلد المحتل، أم أنكم تريدون تطبيق المثل الذي يقول: "ضربني وبكى، وسبقني واشتكى" وأينْ؟ في بلادنا، وفي محاكمنا؟!!
الشعوب الحرة التي تعرف أن الحياة تحت رماح المحتل هي موت وذل، وإن كانت في أرقى الظروف المعيشية، والشعوب الميتة هي التي ترضى بالذل والخنوع للمحتل، ولا أظن أن الشعب العراقي من النوع الثاني، وهذه الحقيقة يعرفها قادة الاحتلال قبل غيرهم، فنحن شعب يحب الحياة وهي تنعم بالكرامة، والموت عندنا ألذ من الشهد في سبيل المبدأ والوطن، ولا نرضى بغير النصر والتحرير مهما غلت التضحيات، وإن غدا لناظره لقريب

ليست هناك تعليقات:

إرسال تعليق