الاثنين، 16 نوفمبر 2009

غرسوا فأكلنا ونغرس فيأكلون

كتب : عريب الرنتاوي

في عُمان أيضا، عُدّ العام 2009 عاما الزراعة، وتولى السلطان قابوس بن سعيد الذي سيحتفي العمانيون العام المقبل بالذكرى الأربعين لتوليه سلطاته الدستورية (النهضة وفقا للاصطلاح المستخدم في عمان)، أقول تولى السلطان شخصيا في جولته السنوية على المحافظات، مهمة حث العمانيين لزراعة مليون شجرة نخيل، أشرفت على اختيار "فسائلها" لجان مختصة لانتقاء أفضل الأنواع وأكثرها قدرة على جبه التحولات المناخية القاسية التي تشهدها البلاد، وتحديدا ما خص منها تزايد نسبة ملوحة التربة لمساحات واسعة من المناطق الزراعية.

استذكرت ونحن نستمع من المسؤولين والزملاء العمانيين، أننا في الأردن أعلنا أيضا العام 2009 عاما للزراعة، الملك عبد الله الثاني أطلق المبادرة لتطوير الاهتمام بالقطاع الزراعي، لكن الإدارات الحكومية المختصة بأجهزتها وموازناتها لم تلحق به أو تلتحق بركب المبادرة، وظل الإنجاز متواضعا، مع أن العام يكاد يلفظ أسابيعه الأخيرة، وزاد الطين بلة، عناد الطبيعة وقسوة وشح ماء السماء وندرته.

قبل أشهر، كنت في ألبانيا، وقد علمت هناك أن صالح بريشا، رئيس وزراء البلاد المنتخب، والشخصية الألبانية الأشهر منذ أنور خوجة، يقود مبادرة لزرع خمسة ملايين شجرة، لمواجهة الاستهلاك الجائر للثروة الحرجية في بلاده، وقد رصدت لذلك موازنات وخبرات، إذ يكفي أن تتصل بالهاتف معربا للجهة المختصة عن استعدادك لتبني "مجموعة من الأشجار" في حديقة منزلك أو بستانك، حتى يأتيك بـ"الأبذار" من لم تزود.

في عيد الأضحى الفائت، قمت صحبة العائلة بزيارة اللاذقية، لأول مرة منذ ما يقرب من ربع قرن، وجدت الطريق من دمشق إليها "مشجرا" على جانبيه، و"بعمق" خمسة إلى عشرة أشجار إن جاز التعبير، الأمر الذي يعطي سالك تلك الطريق الانطباع بأنه في وسط غابة حرجية ممتدة على امتداد الأرض السورية، وبصورة تترك انطباعا مريحا لمئات ألوف المواطنين والزوار الذين يسلكون تلك الطريق.

رجعت بذاكرتي إلى الوراء، حين كنت أسخر من تلك "الفسائل" المزروعة على جانبي ذاك الطريق، فقد كنت هناك عندما غرست لأول مرة، مهموما بـ"الفصائل" في حينها، وبدا لي أن تحول تلك النباتات الضعيفة إلى "مشروع غابة" أمر مستحيل نظرا لقسوة البيئة التي تشبه في مقاطع عديدة منها باديتنا الأردنية، قلت لمن معي، ولماذا لا نزرع طريق عمان العقبة بـ"فسائل" من هذا الصنف الذي لا يحتاج ماء إلا في مراحله الأولى، ثم يشتد على عوده ويصبح "عال العال".

في عُمان، وحيث الجميع يتحدث عن "الوقفية" الجديدة التي منحها السلطان للأجيال القادمة من العمانين: مليون شجرة نخيل، أي بمعدل شجرة واحدة لكل عُمانيين ووافد، تساءلت عن "الوقفية" التي يمكن أن نتركها لأبنائنا وأحفادنا في العشريات القادمة من السنين، ولم أجد أفضل من مليون شجرة زيتون، يمكن نثرها على الجبال الجرداء أو حواف المدن والطرق الخارجية، بحيث توفر ثروة وطنية، نعتني بها في البدء، و"نوقفها" للأجيال القادمة، عملا بالحكمة الشهيرة التي تلقنّاها صغارا في المدارس: غرسوابأكلنا ونغرس فيأكلون.

لقد قضمت الغابات الاسمنتية، المساحة الخضراء في عمان ومعظم المدن الأردنية دونما إثر آخر، وقد آن أوان إعادة الاعتبار للشجرة، ليس في عيدها فحسب، بل وفي كل يوم من أيام السنة، ولنجعل من غرس شجرة واحدة على الأقل، متطلبا للتخرج من الجامعة أو الحصول على وظيفة حكومية أو نيل "كشف علامات" شهادة التوجيهي، عندها وفي أقل من عام، سنغرس ضعف العدد المستهدف زراعته من أشجار الزيتون المباركة.

ليست هناك تعليقات:

إرسال تعليق